الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا

                                                                                                                                                                                                        4435 حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله أخبرنا أبو حيان التيمي عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهش منها نهشة ثم قال أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذلك يجمع الله الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه ألا ترى إلى ما قد بلغنا فيقول آدم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحا فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وقد سماك الله عبدا شكورا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول لهم إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات فذكرهن أبو حيان في الحديث نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون يا موسى أنت رسول الله فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإني قد قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ابن مريم فيأتون عيسى فيقولون يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبيا اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فيقول عيسى إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله قط ولن يغضب بعده مثله ولم يذكر ذنبا نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد فيأتون محمدا فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي عز وجل ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب أمتي يا رب فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب ثم قال والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير أو كما بين مكة وبصرى [ ص: 248 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 248 ] قوله : باب ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا ذكر فيه حديث أبي هريرة في الشفاعة من طريق أبي زرعة بن عمرو عنه ، وسيأتي في شرحه في الرقاق ; وأورده هنا لقوله فيه : " يقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض ، وقد سماك الله عبدا شكورا " وقد مضى البحث في كونه أول الرسل في كتاب التيمم ، وقوله فيه في ذكر إبراهيم " وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات " فذكرهن أبو حيان في الحديث ، يشير إلى أن من دون أبي حيان اختصر ذلك ، وأبو حيان هو الراوي له عن أبي زرعة ، وقد مضى ذلك في أحاديث الأنبياء . وفي الحديث رد على من زعم أن الضمير في قوله : إنه كان عبدا شكورا لموسى - عليه السلام - ، وقد صحح ابن حبان من حديث سلمان الفارسي " كان نوح إذا طعم أو لبس حمد الله ، فسمي عبدا شكورا " وله شاهد عند ابن مردويه من حديث معاذ بن أنس ، وآخر من حديث أبي فاطمة . وقوله : " ينفذهم البصر " بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يخرقهم وبضم أوله وكسر الفاء من الرباعي أي يحيط بهم ، والذال معجمة في الرواية . وقال أبو حاتم السجستاني : أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة ، وإنما هو بالمهملة ، ومعناه يبلغ أولهم وآخرهم . وأجيب بأن المعنى يحيط بهم الرائي لا يخفى عليه منهم شيء لاستواء الأرض ، فلا يكون فيها ما يستتر به أحد من الرائي ، وهذا أولى من قول أبي عبيدة " يأتي عليهم بصر الرحمن " إذ رؤية الله تعالى محيطة بجميعهم في كل حال سواء الصعيد المستوي وغيره ، ويقال نفذه البصر إذا بلغه وجاوزه ، والنفاذ الجواز والخلوص من الشيء ، ومنه نفذ السهم إذا خرق الرمية وخرج منها .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية