الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين

                                                                                                                                                                                                                                      11

                                                                                                                                                                                                                                      - خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بإنذار قومه وتذكيرهم بأحوال الأمم الخالية وما حاق بهم لسوء أفعالهم تحذيرا لهم عما هم عليه مما يحاكي تلك الأفعال. وفي ذلك أيضا تكملة لتسليته عليه الصلاة والسلام بما في ضمنه من العدة اللطيفة بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم الأولين، وقد أنجز سبحانه وتعالى ذلك إنجازا أظهر من الشمس يوم بدر، والمراد من النظر التفكر، وقيل : النظر بالإبصار وجمع بينهما الطبرسي بناء على القول بجواز مثل ذلك، و (كيف) خبر مقدم لـ (كان) أو حال وهي تامة، والعاقبة مآل الشيء وهي مصدر كالعافية، والتعبير بالمكذبين دون المستهزئين قيل : للإشارة إلى أن مآل من كذب إذا كان كذلك فكيف الحال في مآل من جمع بينه وبين الاستهزاء، وأورد عليه أن تعريف المكذبين للعهد وهم الذين سخروا فيكونون جامعين بين الأمرين مع أن الاستهزاء بما جاءوا به يستلزم تكذيبه، ولا يخفى أن مقصود القائل إن أولئك وإن جمعوا الأمرين لكن في الإشارة إليهم بهذا العنوان هنا ما لا يخفى من الإشارة إلى فظاعة ما نالهم، وقيل : إن وضع المكذبين موضع المستهزئين لتحقيق أنه مدار ما أصابهم هو التكذيب لينزجر السامعون عنه لا عن الاستهزاء فقط مع بقاء التكذيب بحاله بناء على توهم أنه المدار في ذلك وعطف الأمر بالنظر على الأمر بالسير بـ (ثم) قيل للإيذان بتفاوت ما بينهما وإن كان كل من الأمرين واجبا لأن الأول إنما يطلب الثاني كما في قولك : توضأ ثم صل، وقيل : للإيذان بالتفاوت لأن الأول لإباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، والثاني لإيجاب النظر في آثار الهالكين، ولا ريب في تباعد ما بين الواجب والمباح ،وأورد عليه كما قال الشهاب أنه يأباه سلامة الذوق لأن فيه إقحام أمر أجنبي وهو بيان إباحة السير للتجارة بين الإخبار عن حال المستهزئين وما يناسبه وما يتصل به من الأمر بالاعتبار بآثارهم وهو مما يخل بالبلاغة إخلالا ظاهرا

                                                                                                                                                                                                                                      وتعقب بأن هذا وإن تراءى في بادئ النظر لكنه غير وارد إذ ذاك غير أجنبي لأن المراد خذلانهم وتخليتهم وشأنهم من الإعراض عن الحق بالتشاغل بأمر دنياهم كقوله تعالى : (وليتمتعوا) وهذا حاصل ما قيل : إن الكلام مجاز عن الخذلان والتخلية وإن ذلك الأمر متسخط إلى الغاية كما تقول لمن عزم على أمر مؤد إلى ضرر عظيم فبالغت في نصحه ولم ينجع فيه أنت وشأنك، وافعل ما شئت فإنك لا تريد بذلك حقيقة الأمر، كيف والآمر بالشيء مريد له وأنت شديد الكراهة متحسر ولكنك كأنك قلت له : إذ قد أبيت النصح فأنت أهل لأن يقال لك : افعل ما شئت ولا يخفى أن انفهام ذلك من الآية في غاية البعد، وفرق الزمخشري بين هذه الآية وقوله في سورة النمل : قل سيروا في الأرض فانظروا بحمل الأمر بالسير هنا على الإباحة المذكورة آنفا وحمل الأمر به هناك على السير لأجل النظر ولهذا كان العطف بالفاء في تلك الآية ونظر بعضهم بغير ما أشرنا إليه أيضا

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر أن التحقيق أنه سبحانه قال هنا : ثم انظروا وفي غير ما موضع (فانظروا) لأن المقام هنا يقتضي [ ص: 104 ] (ثم) دونه في هاتيك المواضع، وذلك لتقدم قوله تعالى فيما نحن فيه ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض مع قوله سبحانه وتعالى : وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين والأول يدل على أن الهالكين طوائف كثيرة، والثاني يدل على أن المنشأ بعدهم أيضا كثيرون فيكون أمرهم بالسير دعاء لهم إلى العلم بذلك فيكون المراد به استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد على كثرتها ليروا الآثار في ديار بعد ديار، وهذا مما يحتاج إلى زمان ومدة طويلة تمنع من التعقيب الذي تقتضيه الفاء و (لا) كذلك في المواضع الأخر اهـ، ولا يخلو عن دغدغة

                                                                                                                                                                                                                                      واختار غير واحد أن السير متحد هنا ولكنه أمر ممتد يعطف النظر عليه بالفاء تارة نظرا إلى آخره وبثم أخرى نظرا إلى أوله وكذا شأن كل ممتد

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية