الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            باب صلاة الرجل والمرأة بين يديه عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة وفي رواية للبخاري على الفراش الذي ينامان عليه

                                                            التالي السابق


                                                            باب صلاة الرجل والمرأة بين يديه عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة فيه فوائد :

                                                            (الأولى) أنه لا بأس بالصلاة إلى النائم وهو كذلك عند الجمهور وقال مالك لا يصلي إلى نائم إلا أن يكون دونه سترة وهو قول طاوس قال ابن بطال كرهت طائفة من العلماء الصلاة [ ص: 388 ] خلف النائم خوف ما يحدث منه فيشغل المصلي أو يضحكه فتفسد صلاته قال مجاهد أصلي وراء قاعد أحب إلي من أن أصلي وراء نائم .

                                                            قال ابن بطال والقول قول من أجاز ذلك للسنة الثابتة انتهى .

                                                            وأما ما رواه أبو داود من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث فإن في إسناده من لم يسم قال الخطابي لا يصح قال وعبد الله بن يعقوب لم يسم من حدثه به عن محمد بن كعب قال وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان كلاهما ضعيفان تمام بن زريع وعيسى بن ميمون وقد تكلم فيهما يحيى بن معين والبخاري ورواه أيضا عبد الكريم أبو أمية عن مجاهد عن ابن عباس وعبد الكريم متروك الحديث .

                                                            (قلت) قد رواه عن محمد بن كعب أيضا أبو المقدام وهو هشام بن زياد البصري ضعيف أيضا ولهذا لما ذكر النووي الحديث في الخلاصة قال اتفقوا على ضعفه ، انتهى .

                                                            ومن كره ذلك فإنما كرهه من حيث اشتغل به عن الصلاة قال البخاري في صحيحه كره عثمان أن يستقبل الرجل وهو يصلي قال الخطابي فأما الصلاة للمتحدثين فقد كرهها الشافعي وأحمد من أجل أن كلامهم يشغل المصلي وكان ابن عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة .



                                                            (الثانية) وفيه أن المرأة إذا كانت بين يدي المصلي لا تقطع صلاته وهو قول الجمهور من التابعين فمن بعدهم وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو ثور وداود الظاهري وروي عن ابن عمر وأنس والحسن البصري وأبي الأحوص أنه يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب .

                                                            وقال أحمد وإسحاق يقطع الصلاة الكلب الأسود قال أحمد وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء وحجة القائلين بأن المذكورات تقطع الصلاة ما رواه مسلم من حديث أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود قلت يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال الكلب الأسود شيطان

                                                            وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي [ ص: 389 ] ذلك مثل مؤخرة الرحل .

                                                            وأجاب أصحاب أحمد عن المرأة بحديث عائشة المذكور وعن الحمار بحديث ابن عباس في الصحيحين قال أقبلت راكبا على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد وقول ابن عباس إلى غير جدار فسره الشافعي فيما نقله البيهقي عنه أي إلى غير سترة ويدل لذلك ما رواه البزار بإسناد صحيح في حديث ابن عباس هذا من رواية مجاهد ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه وقول الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد إنه لا يلزم من نفي الجدار نفي السترة يدل على أنه لم يقف على رواية البزار المذكورة والله أعلم .

                                                            وأجاب الجمهور عن الكلب بحديثين أحدهما ما رواه أبو داود بإسناد حسن من حديث الفضل بن عباس قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحمارة لنا وكلبة يعبثان بين يديه فما بالا ذلك والحديث الآخر ما رواه أبو داود أيضا من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة شيء وادرءوا ما استطعتم وأجاب أصحاب أحمد عن الحديثين بأن حديث الفضل في إسناده مقال كما قال الخطابي وقال ابن حزم إنه باطل لأن العباس بن عبيد الله لم يدرك عمه الفضل انتهى ثم إنه لم يذكر فيه صفة الكلب وقد يجوز أن يكون هذا الكلب ليس بأسود وبأن حديث أبي سعيد من رواية مجالد بن سعيد وقد ضعفه الجمهور وقد اختلط أخيرا وهذا من رواية أبي أسامة عنه وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط .

                                                            وقال القرطبي عن الجمهور إنهم تمسكوا بأنه عليه الصلاة والسلام لما صلى بمنى وركزت له العنزة كان الحمار والكلب يمران بين يديه لا يمنعان قال وظاهر هذا بينه وبين العنزة انتهى .

                                                            وكأن القرطبي أخذ هذا من قوله في بعض طرق مسلم في حديث أبي جحيفة هذا ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة وإنما أراد بما بين يديها أي من جهة القبلة كما تقول بين يدي الإمام بدليل الرواية الأخرى المتفق عليها يمر من ورائها المرأة والحمار .

                                                            (الثالثة) في قول عائشة وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة ما يوهم أنه [ ص: 390 ] مخالف لقولها في الحديث الذي يليه ورجلاي في قبلته .

                                                            فإن ظاهره أن رجليها كانتا لجهة القبلة وقد يجمع بينهما بأن المراد بقولها ورجلاي في قبلته أنه كان مستقبل أسفلها وإن كانت معترضة ولا يلزم أن يستقبل أسفل رجليها ويحتمل أن يقال كان مرة كذا ومرة كذا لكن الأول أولى لأن قوله في رواية البخاري على الفراش الذي ينامان عليه .

                                                            يدل على أنها كانت معترضة بين يديه لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينام على شقه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه فدل على أنه لم تكن جهة أرجلهما إلى القبلة والله أعلم .

                                                            وبقية فوائده في الحديث الذي يليه .




                                                            الخدمات العلمية