الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            3590 - خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله

                                                                                            8726 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ، ثنا محمد بن سعد العوفي ، ثنا يعقوب بن عيسى ، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة ، عن عبد الرحمن بن عياش ، عن دلهم بن الأسود ، عن عبد الله بن حاجب بن عامر ، عن أبيه ، عن عمه لقيط بن عامر أنه خرج وافدا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق ، قال : فقدمنا المدينة لانسلاخ رجب ، فصلينا معه صلاة الغداة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الناس خطيبا ، فقال : " يا أيها الناس ، إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام لأسمعكم ، فهل من امرئ بعثه قومه ؟ " قالوا : اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه ، أو حديث صاحبه ، أو يلهيه الضلال ، ألا إني مسئول هل بلغت ألا فاسمعوا تعيشوا ، ألا [ ص: 778 ] فاسمعوا تعيشوا ، ألا اجلسوا " ، فجلس الناس ، وقمت أنا وصاحبي حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت : يا رسول الله إني أسألك عن حاجتي فلا تعجلن علي ، قال : " سل عما شئت " قلت : يا رسول الله هل عندك من علم الغيب ؟ فضحك لعمر الله ، وهز رأسه ، وعلم أني أبتغي بسقطه ، فقال : " ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب ، لا يعلمهن إلا الله " وأشار بيده فقلت : وما هن يا رسول الله ؟ قال : " علم المنية قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه ، وعلم يوم الغيث يشرف عليكم آزلين مشفقين ، فظل يضحك وقد علم أن فرجكم قريب " قال لقيط : قلت : يا رسول الله لن نعدم من رب يضحك خيرا ، " وعلم ما في غد ، وقد علم ما أنت طاعم في غد ولا تعلمه ، وعلم يوم الساعة " ، قال : وأحسبه " ذكر ما في الأرحام ، قال : فقلنا : يا رسول الله علمنا مما تعلم الناس ، وما تعلم فإنا من قبيل لا يصدقون تصديقنا من مذحج التي تربو علينا ، وخثعم التي توالينا ، وعشيرتنا التي نحن منها ، قال : " تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ، ثم تلبثون ما لبثتم ثم تبعث الصيحة ، فلعمر إلهك ما تدع على ظهر الأرض شيئا إلا مات ، والملائكة الذين مع ربك ، فخلت الأرض فأرسل ربك السماء تهضب من تحت العرش ، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيل ولا مدفن ميت إلا شقت القبر عنه حتى يخلقه من قبل رأسه فيستوي جالسا ، يقول ربك : مهيم ؟ فيقول : يا رب أمس ، لعهده بالحياة يحسبه حديثا بأهله " فقلت : يا رسول الله كيف يجمعنا بعدما تمزقنا الرياح والبلى والسباع ؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الأرض أشرفت عليها مدرة بالية فقلت : لا تجيء أبدا فأرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليها أياما حتى أشرفت عليها ، فإذا هي شربة واحدة ، ولعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض فتخرجون من الأجداث من مصارعكم فتنظرون إليه ساعة وينظر إليكم " قال : قلت : يا رسول الله كيف وهو شخص واحد ونحن ملء الأرض ننظر إليه وينظر إلينا ؟ قال : " أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله ؛ الشمس والقمر آية منه قريبة صغيرة ترونهما في ساعة واحدة ، ويريانكم ولا تضامون في رؤيتهما ولعمر إلهك لهو على أن يراكم وترونه أقدر منهما على أن يريانكم وترونهما " ، قلت : يا رسول الله فما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه ؟ قال : " تعرضون عليه بادية له صفحاتكم ولا تخفى عليه منكم خافية ، فيأخذ ربك بيده غرفة من الماء فينضح بها قبلكم ، فلعمر إلهك ما تخطئ وجه واحد منكم قطرة ، فأما المؤمن فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء ، وأما الكافر فتخطمه بمثل الحمم الأسود ، ثم ينصرف نبيكم [ ص: 779 ] صلى الله عليه وآله وسلم فيمر على أثره الصالحون - أو قال : ينصرف على أثره الصالحون - " قال : " فيسلكون جسرا من النار يطأ أحدكم الجمرة فيقول : حس ، فيقول ربك - أو إنه قال : فيطلعون على حوض الرسول على أظمأ والله ناهلة ما رأيتها قط ، ولعمر إلهك ما يبسط - أو قال : ما يسقط - واحد منكم يده إلا وضع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى ، وتخلص الشمس والقمر " أو قال : " تحبس الشمس والقمر فلا ترون منهما واحدا " فقلت : يا رسول الله فبم نبصر يومئذ ؟ قال : " مثل بصر ساعتك هذه وذلك في يوم أسفرته الأرض وواجهت به الجبال " ، قلت : يا رسول الله فبم نجازى من سيئاتنا وحسناتنا ؟ قال : " الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها أو تغفر " ، قلت : يا رسول الله فما الجنة وما النار ؟ قال : " لعمر إلهك إن الجنة لها ثمانية أبواب ما منهن بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما ، وإن للنار سبعة أبواب ما منهن بابان إلا وبينهما مسيرة الراكب سبعين عاما " قلت : يا رسول الله على ما يطلع من الجنة ؟ قال : " أنهار من عسل مصفى وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ، وأنهار من كأس ما لها صداع ولا ندامة ، ومن ماء غير آسن ، وبفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله ، معه أزواج مطهرة " قلت : يا رسول الله أولنا فيها أزواج مصلحات ؟ قال : " الصالحات للصالحين تلذذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ، ويلذذن بكم غير أن لا توالد " قلت : يا رسول الله هذا أقصى ما نحن بالغون ومنتهون إليه ، ثم قلت : يا رسول الله على ما أبايعك ؟ قال : فبسط يده وقال : " على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وإياك والشرك لا تشرك بالله شيئا - أو لا تشرك مع الله غيره " فقلت : وإن لنا ما بين المشرق والمغرب ، فقبض وبسط أصابعه وظن أني مشترط شيئا لا يعطينيه ، فقلت : نحل منها حيث شئنا ولا يجني امرؤ إلا على نفسه ؟ قال : " ذلك لك ، حل منها حيث شئت ، ولا تجن عليك إلا نفسك " فبايعناه ثم انصرفنا ، فقال : " إن هذين لعمر إلهك من أصدق الناس وأتقى الناس لله في الأول والآخر " فقال كعب بن فلان أحد بني بكر بن كلاب : من هم يا رسول الله ؟ قال : " بنو المنتفق " فأقبلت عليه فقلت : يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهلية من خير ؟ فقال رجل من عرض قريش : إن أباك المنتفق في النار ، فكأنه وقع حر بين جلدي ووجهي ولحمي مما قال لأبي على رءوس الناس ، فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل ، فقلت : وأهلك يا رسول الله ؟ قال : " وأهلي لعمر الله ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل : أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوءك تجر على وجهك وبطنك [ ص: 780 ] في النار " فقلت : فبم أفعل ذلك بهم يا رسول الله وكانوا على عمل يحسبون أن لا دين إلا إياه وكانوا يحسبونهم مصلحين ؟ قال : " ذلك بأن الله بعث في آخر كل سبع أمم نبيا فمن أطاع نبيه كان من المهتدين ، ومن عصى نبيه كان من الضالين " .

                                                                                            هذا حديث جامع في الباب صحيح الإسناد ، كلهم مدنيون ولم يخرجاه .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية