الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السابعة : [ متعلق المسروق ] : فهو كل مال تمتد إليه الأطماع ، ويصلح عادة وشرعا للانتفاع به ، فإن منع منه الشرع لم ينفع تعلق الطماعية فيه ، ولا يتصور الانتفاع منه ، كالخمر والخنزير مثلا . وقد كان ظاهر الآية يقتضي قطع سارق القليل والكثير ; لإطلاق الاسم عليه وتصور المعنى فيه . وقد قال به قوم منهم ابن الزبير ، فإنه يروى أنه قطع في درهم .

                                                                                                                                                                                                              ولو صح ذلك عنه لم يلتفت إليه ; لأنه كان ذا شواذ ، ولا يستريب اللبيب ، بل يقطع المنصف أن سرقة التافه لغو ، وسرقة الكثير قدرا أو صفة محسوب ، والعقل لا يهتدي إلى الفصل فيه بحد تقف المعرفة عنده ، فتولى الشرع تحديده بربع دينار

                                                                                                                                                                                                              . وفي الصحيح ، عن عائشة : " ما طال علي ولا نسيت : القطع في ربع دينار فصاعدا " . وهذا نص . وقال أبو حنيفة : لا قطع في أقل من عشرة دراهم ، وروى أصحابه في ذلك حديثا قد بينا ضعفه في مسائل الخلاف وشرح الحديث . [ ص: 108 ] فإن قيل : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده } قلنا : هذا خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير ، كما جاء في معرض الترغيب بالقليل عن الكثير في قوله صلى الله عليه وسلم : { من بنى لله مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة } . [ ص: 109 ]

                                                                                                                                                                                                              وقيل : إن هذا مجاز من وجه آخر ; وذلك أنه إذا ظفر بسرقة القليل سرق الكثير فقطعت يده ; فبهذا تنتظم الأحاديث ، ويجتمع المعنى والنص في نظام الصواب . المسألة الثامنة : ومنه كل مال يسرع إليه الفساد من الأطعمة والفواكه ; لأنه يباع ويبتاع وتمتد إليه الأطماع ، وتبذل فيه نفائس الأموال . وشبهة أبي حنيفة ما يئول إليه من التغير والفساد ، ولو اعتبر ذلك فيه لما لزم الضمان لمتلفه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة التاسعة : ومنه كل ما كان أصله على الإباحة ; كجواهر الأرض ومعادنها ، وشبه ذلك ; لأنه كان مباح الأصل ، ثم طرأ عليه الملك ، فتنتصب إباحة أصله شبهة في إسقاط القطع بسرقته . قلنا : لا تضر إباحة متقدمة إذا طرأ التحريم ، كالجارية المشتركة بين قوم ، فإن وطأها حرام يوجب الحد عند خلوصها لأحدهم ، ولا توجب الإباحة المتقدمة شبهة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا قطع في ثمر ولا كثر إلا ما أواه الجرين } . رواه قليله وأبو داود . وانفرد قليله : { ولا في حريسة جبل إلا فيما أواه المراح } . المسألة العاشرة : ومنه ما إذا سرق حرا صغيرا . قال مالك : عليه القطع . وقيل : لا قطع عليه ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ; لأنه ليس بمال . قلنا : هو أعظم من المال ; ولم يقطع السارق في المال لعينه ، وإنما قطع لتعلق النفوس به ، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية