الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        سورة الأنبياء

                                                                                                                                                                                                        4462 حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء هن من العتاق الأول وهن من تلادي وقال قتادة جذاذا قطعهن وقال الحسن في فلك مثل فلكة المغزل يسبحون يدورون قال ابن عباس نفشت رعت ليلا يصحبون يمنعون أمتكم أمة واحدة قال دينكم دين واحد وقال عكرمة حصب حطب بالحبشية وقال غيره أحسوا توقعوا من أحسست خامدين هامدين والحصيد مستأصل يقع على الواحد والاثنين والجميع لا يستحسرون لا يعيون ومنه حسير وحسرت بعيري عميق بعيد نكسوا ردوا صنعة لبوس الدروع تقطعوا أمرهم اختلفوا الحسيس والحس والجرس والهمس واحد وهو من الصوت الخفي آذناك أعلمناك آذنتكم إذا أعلمته فأنت وهو على سواء لم تغدر وقال مجاهد لعلكم تسألون تفهمون ارتضى رضي التماثيل الأصنام السجل الصحيفة [ ص: 289 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 289 ] قوله : ( سورة الأنبياء - بسم الله الرحمن الرحيم ) ذكر فيه حديث ابن مسعود قال : بني إسرائيل كذا فيه ، وزعم بعض الشراح أنه وهم وليس كذلك بل له وجه وهو أن الأصل سورة بني إسرائيل فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على هيئته ، ثم وجدت في رواية الإسماعيلي " سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل إلخ " وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سبحان ، وزاد في هذه الرواية ما لم يذكره في تلك ، وحاصله أنه ذكر خمس سور متوالية ، ومقتضى ذلك أنهن نزلن بمكة ، لكن اختلف في بعض آيات منهن أما في سبحان فقوله : ومن قتل مظلوما الآية ، وقوله : وإن كادوا ليستفزونك - إلى - تحويلا وقوله : ولقد آتينا موسى تسع آيات الآية ، وقوله : وقل رب أدخلني مدخل صدق الآية . وفي الكهف قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الآية ، وقيل من أولها إلى أحسن عملا وفي مريم وإن منكم إلا واردها الآية . وفي طه وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها الآية ، وفي الأنبياء أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها الآية ، قيل في جميع ذلك إنه مدني ، ولا يثبت شيء من ذلك ، والجمهور على أن الجميع مكيات ، وشذ من قال خلاف ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال قتادة : جذاذا قطعهن ) وصله الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله : فجعلهم جذاذا أي قطعا .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قرأ الجمهور ( جذاذا ) بضم أوله وهو اسم للشيء المكسر كالحطام في المحطم ، وقيل جمع جذاذة كزجاج وزجاجة ، وقرأ الكسائي وابن محيصن بكسر أوله فقيل هو جمع جذيذ ككرام وكريم ، فيها قراءات أخرى في الشواذ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحسن : في فلك مثل فلكة المغزل ) وصله ابن عيينة عن عمرو عن الحسن في قوله : وكل في فلك يسبحون مثل فلكة المغزل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يسبحون يدورون ) وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : كل في فلك يسبحون قال : يدورون حوله . ومن طريق مجاهد ( في فلك ) كهيئة حديدة الرحى ( يسبحون ) يجرون . وقال الفراء : قال يسبحون لأن السباحة من أفعال الآدميين فذكرت بالنون مثل والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 290 ] قوله : ( وقال ابن عباس : نفشت رعت ليلا ) سقط " ليلا " لغير أبي ذر ، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بهذا وهو قول أهل اللغة : نفشت إذا رعت ليلا بلا راع ، وإذا رعت نهارا بلا راع قيل هملت .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يصحبون يمنعون ) وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في

                                                                                                                                                                                                        قوله : ولا هم منا يصحبون قال : يمنعون . ومن وجه آخر منقطع عن ابن عباس " يمنعون " قال : ينصرون ، وهو قول مجاهد رواه الطبري .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أمتكم أمة واحدة : دينكم دين واحد ) قال قتادة في هذه الآية : إن هذه أمتكم قال : دينكم ، أخرجه الطبري وابن المنذر من طريقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عكرمة : حصب جهنم حطب بالحبشة ) سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق ، وروى الفراء بإسنادين عن علي وعائشة أنهما قرآ حطب بالطاء ، وعن ابن عباس أنه قرأها بالضاد الساقطة المنقوطة قال وهو ما هيجت به النار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال غيره : أحسوا توقعوا من أحسست ) كذا لهم وللنسفي ، وقال معمر : أحسوا إلخ ، ومعمر هذا هو بالسكون وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي ، وقد أكثر البخاري نقل كلامه ، فتارة يصرح بعزوه وتارة يبهمه . وقال أبو عبيدة في قوله : فلما أحسوا بأسنا لقوه يقال هل أحسست فلانا أي هل وجدته ، وهل أحسست من نفسك ضعفا أو شرا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خامدين هامدين ) قال أبو عبيدة في قوله : حصيدا خامدين مجاز خامد أي هامد ، كما يقال للنار إذا طفئت خمدت ، قال : والحصيد المستأصل ، وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجمع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجري مجرى المصدر ، قال : ومثله كانتا رتقا ومثله فجعلهم جذاذا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والحصيد مستأصل يقع على الواحد والاثنين والجميع ) كذا لأبي ذر ، ولغيره حصيدا مستأصلا وهو قول أبي عبيدة كما ذكرته قبل .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : هذه القصة نزلت في أهل حضور بفتح المهملة وضم المعجمة ، قرية بصنعاء من اليمن ، وبه جزم ابن الكلبي . وقيل بناحية الحجاز من جهة الشام ، بعث إليهم نبي من حمير يقال له شعيب وليس صاحب مدين بين زمن سليمان وعيسى فكذبوه فقصمهم الله تعالى ، ذكره الكلبي . وقد روى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس ولم يسمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولا يستحسرون لا يعيبون ، ومنه حسير وحسرت بعيري ) هو قول أبي عبيدة أيضا ، وكذا روى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله : ولا يستحسرون قال : لا يعيبون .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع في رواية أبي ذر " يعيون " بفتح أوله ورواه ابن التين وقال : هو من أعيي أي الصواب بضم أوله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عميق بعيد ) كذا ذكره هنا ، وإنما وقع ذلك في السورة التي بعدها وهو قول أبي عبيدة . وكأنه لما وقع في هذه السورة فجاجا وجاء في التي بعدها من كل فج عميق كأنه استطرد من هذه لهذه أو كان في طرة فنقلها الناسخ إلى غير موضعها .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 291 ] قوله : ( نكسوا ردوا ) قال أبو عبيدة في قوله : ثم نكسوا على رءوسهم أي قلبوا ، وتقول نكسته على رأسه إذا قهرته . وقال الفراء : نكسوا رجعوا . وتعقبه الطبري بأنه لم يتقدم شيء يصح أن يرجعوا إليه ، ثم اختاروا ما رواه ابن إسحاق وحاصله أنهم قلبوا في الحجة فاحتجوا على إبراهيم بما هو حجة لإبراهيم - عليه السلام - . وهذا كله على قراءة الجمهور . وقرأ ابن أبي عبلة ( نكسوا ) بالفتح وفيه حذف تقديره نكسوا أنفسهم على رءوسهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( صنعة لبوس الدروع ) قال أبو عبيدة : اللبوس السلاح كله من درع إلى رمح . وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة : اللبوس الدروع كانت صفائح ، وأول من سردها وحلقها داود . وقال الفراء : من قرأ لتحصنكم بالمثناة فلتأنيث الدروع ، ومن قرأ بالتحتانية فلتذكير اللبوس .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( تقطعوا أمرهم اختلفوا ) هو قول أبي عبيدة وزاد : وتفرقوا . وروى الطبري من طريق زيد بن أسلم مثله وزاد " في الدين " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الحسيس والحس والجرس والهمس واحد ، وهو من الصوت الخفي ) سقط لأبي ذر " والهمس " . وقال أبو عبيدة في قوله لا يسمعون حسيسها أي صوتها ، والحسيس والحس واحد ، وقد تقدم في أواخر سورة مريم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( آذناك أعلمناك ، آذنتكم إذا أعلمته فأنت وهو على سواء لم تغدر ) قال أبو عبيدة في قوله : آذنتكم على سواء : إذا أنذرت عدوك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء فقد آذنته . وقد تقدم في تفسير سورة إبراهيم - عليه السلام - . وقوله : ( آذناك ) هو في سورة حم فصلت ذكره هنا استطرادا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مجاهد : لعلكم تسألون تفهمون ) وصله الفريابي من طريقه ، ولابن المنذر من وجه آخر عنه " تفقهون " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ارتضى رضي ) وصله الفريابي من طريقه بلفظ " رضي عنه " وسقط لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( التماثيل الأصنام ) وصله الفريابي من طريقه أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( السجل الصحيفة ) وصله الفريابي من طريقه وجزم به الفراء ، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : كطي السجل يقول : كطي الصحيفة على الكتاب ، قال الطبري : معناه كطي السجل على ما فيه من الكتاب وقيل على بمعنى من أي من أجل الكتاب لأن الصحيفة تطوي حسناته لما فيها من الكتابة . وجاء عن ابن عباس أن السجل اسم كاتب كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه أبو داود والنسائي والطبري من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس بهذا ، وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن مردويه ، وفي حديث ابن عباس المذكور عند ابن مردويه : والسجل الرجل بلسان الحبش . وعند ابن المنذر من طريق السدي قال : السجل الملك . وعند الطبري من وجه آخر عن ابن عباس مثله . وعند عبد بن حميد من طريق عطية مثله . وبإسناد ضعيف عن علي مثله . وذكر السهيلي عن النقاش أنه ملك في السماء الثانية ترفع الحفظة إليه الأعمال كل خميس واثنين . وعند الطبري من حديث ابن عمر بعض معناه . وقد أنكر الثعلبي [ ص: 292 ] والسهيلي أن السجل اسم الكاتب بأنه لا يعرف في كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في أصحابه من اسمه السجل ، قال السهيلي : ولا وجد إلا في هذا الخبر ، وهو حصر مردود ، فقد ذكره في الصحابة ابن منده وأبو نعيم وأوردا من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : " كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كاتب يقال له سجل " وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية