الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          وأما استحبابنا للمتمتع أن يهل بالحج يوم التروية في أخذه في النهوض إلى منى فلما ذكرنا من فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحضرته ; واختار مالك أن يهل المتمتع ، وأهل مكة إذا أهل هلال ذي الحجة ، واحتجوا برواية عن عمر أنه قال : يا أهل مكة يقدم الناس شعثا وأنتم مدهنون فإذا رأيتم الهلال فأهلوا ; فإن هذه رواية لا نعلمها تتصل إلى عمر ; إنما نذكرها من طريق القاسم بن محمد وإبراهيم النخعي عن عمر ; وكلاهما لم يولد إلا بعد موت عمر بأعوام ; ثم لو صح عنه لكان الثابت المتصل من فعل الصحابة بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أولى من رأي رآه عمر ؟ وقد روينا عن سعيد بن منصور نا هشيم نا ابن أبي ليلى عن عطاء بن أبي رباح قال : رأيت ابن عمر في المسجد الحرام وقد أهل بالحج إذ رأى هلال ذي الحجة عاما ثم عاما آخر ; فلما كان في العام الثالث قيل له : قد رئي هلال ذي الحجة ؟ فقال : ما أنا إلا كرجل من أصحابي ، وما أراني أفعل إلا كما فعلوا ، فأمسك إلى يوم التروية ، ثم أحرم من البطحاء حين استوت به راحلته بالحج .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور عن عتاب بن أبي بشر عن خصيف عن مجاهد عن ابن عمر : أنه أحرم عاما من المسجد حين أهل هلال ذي الحجة ثم عاما آخر كذلك ، فلما كان العام الثالث لم يحرم حتى كان يوم التروية قال مجاهد : فسألته عن ذلك ؟ فقال : إني كنت امرأ من أهل المدينة فأحببت أن أهل بإهلالهم ثم ذهبت أنظر فإذا أنا أدخل على أهلي وأنا محرم وأخرج وأنا محرم ، فإذا ذلك لا يصلح ; لأن المحرم إذا أحرم خرج لوجهه . قال مجاهد : فقلت لابن عمر : فأي ذلك ترى ؟ قال : يوم التروية .

                                                                                                                                                                                          فهذا ابن عمر قد أخبر أن فعل الصحابة أن يهل المتمتع وأهل مكة يوم التروية ، ورغب عن رأي أبيه لو ثبت أيضا عنه . [ ص: 120 ] فإن قالوا : إنما اخترنا له ذلك ليكون أشعث ؟ قلنا : ما علمنا الله - تعالى - ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اختيار الشعث للمحرم ؟ فإن اخترتموه فأمروهم بالإهلال من أول شوال فهو أتم للشعث ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية