بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإيمان باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى وبيان الدليل على التبري ممن لا يؤمن بالقدر وإغلاظ القول في حقه قال أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري رحمه الله بعون الله نبتدئ وإياه نستكفي وما توفيقنا إلا بالله جل جلاله
8 حدثني حدثنا أبو خيثمة زهير بن حرب عن وكيع عن كهمس عن عبد الله بن بريدة ح وحدثنا يحيى بن يعمر وهذا حديثه حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي عن كهمس عن ابن بريدة قال كان أول من قال في القدر يحيى بن يعمر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا حاجين أو معتمرين فقلنا لو لقينا أحدا من وحميد بن عبد الرحمن الحميري أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت عبد الله بن عمر بن الخطاب أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف قال فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به لو أن لأحدهم مثل عبد الله بن عمر أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم حدثني ثم قال حدثني أبي محمد بن عبيد الغبري وأبو كامل الجحدري وأحمد بن عبدة قالوا حدثنا عن حماد بن زيد عن مطر الوراق عن عبد الله بن بريدة قال لما تكلم يحيى بن يعمر معبد بما تكلم به في شأن القدر أنكرنا ذلك قال فحججت أنا حجة وساقوا الحديث بمعنى حديث وحميد بن عبد الرحمن الحميري كهمس وإسناده وفيه بعض زيادة ونقصان أحرف وحدثني حدثنا محمد بن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد القطان عثمان بن غياث حدثنا عن عبد الله بن بريدة يحيى بن يعمر قالا لقينا وحميد بن عبد الرحمن فذكرنا القدر وما يقولون فيه فاقتص الحديث كنحو حديثهم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه شيء من زيادة وقد نقص منه شيئا وحدثني عمر حدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا يونس بن محمد عن المعتمر عن أبيه عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم عمر
كتاب الإيمان
- باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان والإيمان بالقدر
- باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام
- باب السؤال عن أركان الإسلام
- باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة
- باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام
- باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين
- باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام
- باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله
- الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في الغرغرة ونسخ جواز الاستغفار للمشركين
- باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا
- باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا فهو مؤمن وإن ارتكب المعاصي الكبائر
- باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها وفضيلة الحياء وكونه من الإيمان
- باب جامع أوصاف الإسلام
- باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل
- باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان
- باب وجوب محبة رسول الله أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين ونفي الإيمان عمن لم يحبه
- باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير
- باب بيان تحريم إيذاء الجار
- باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير
- باب بيان أن النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص
- باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه
- باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون وأن محبة المؤمنين من الإيمان وأن إفشاء السلام سببا لحصولها
- باب بيان أن الدين النصيحة
- باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله
- باب بيان خصال المنافق
- باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر
- باب بيان حال إيمان من رغب عن أبيه وهو يعلم
- باب بيان قول النبي سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
- باب بيان معنى قول النبي لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض
- باب إطلاق اسم الكفر على الطعن في النسب والنياحة
- باب تسمية العبد الآبق كافرا
- باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء
- باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان وعلاماته
- باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات وبيان إطلاق الكفر على كفر النعمة والحقوق
- باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة
- باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال
- باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده
- باب بيان الكبائر وأكبرها
- باب تحريم الكبر وبيانه
- باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار
- باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا
- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا
- باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية
- باب بيان غلظ تحريم النميمة
- باب تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة
- باب تحريم قتل الإنسان نفسه وأن من قتل نفسه بشيء يعذب به وأنه لا يدخل الجنة إلا مسلم
- باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون
- باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر
- باب في الريح التي تكون قرب القيامة تقبض من في قلبه شيء من الإيمان
- باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن
- باب مخافة المؤمن أن يحبط عمله
- باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية
- باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج
- باب بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده
- باب صدق الإيمان وإخلاصه
- باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق
- باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب إذا لم تستقر
- باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب
- باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها
- باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار
- باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه
- باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار
- باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب وعرض الفتن على القلوب
- باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا وأنه يأرز بين المسجدين
- باب ذهاب الإيمان آخر الزمان
- باب الاستسرار بالإيمان للخائف
- باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع
- باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة
- باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس ونسخ الملل بملته
- باب نزول عيسى ابن مريم حاكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
- باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان
- باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
- باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات
- باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال
- باب في ذكر سدرة المنتهى
- باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء
- باب في قوله عليه السلام نور أنى أراه وفي قوله رأيت نورا
- باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام وفي قوله حجابه النور لو كشفه لأحرق سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
- باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى
- باب معرفة طريق الرؤية
- باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار
- باب آخر أهل النار خروجا
- باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها
- باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أول الناس يشفع في الجنة وأنا أكثر الأنبياء تبعا
- باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته
- باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم
- باب بيان أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين
- باب في قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين
- باب شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب والتخفيف عنه بسببه
- باب أهون أهل النار عذابا
- باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل
- باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم
- باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب
- باب كون هذه الأمة نصف أهل الجنة
- باب قوله يقول الله لآدم أخرج بعث النار من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين
التالي
السابق
باب بيان أن الإسناد من الدين
وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة . جرح الرواة
قال - رحمه الله - ( حدثنا حسن بن الربيع قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد وحدثنا فضيل عن هشام وحدثنا مخلد بن حسين عن هشام عن ابن سيرين ) أما ( هشام ) أولا فمجرور معطوف على أيوب وهو بضم القاف ، هشام بن حسان القردوسي والقائل : وحدثنا ومحمد هو ابن سيرين ، فضيل وحدثنا مخلد ، هو حسن بن الربيع .
وأما ( الزاهد السيد الجليل - رضي الله عنه - . فضيل ) فهو ابن عياض أبو علي
وأما قوله : ( وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ) فهذه مسألة قدمناها في أول الخطبة وبينا المذاهب فيها .
قوله : ( حدثنا هو ابن راهويه الإمام المشهور حافظ أهل زمانه . إسحاق بن إبراهيم الحنظلي )
وأما ( فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد بضم المثناة من تحت وكسر الميم الشامي الدمشقي إمام الأوزاعي ) أهل الشام في زمنه بلا مدافعة ولا مخالفة ، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس ، ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطا إلى أن مات بها ، وقد انعقد الإجماع على إمامته وجلالته وعلو مرتبته ، وكمال فضيلته ، وأقاويل السلف كثيرة مشهورة في ورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وفقهه وفصاحته واتباعه السنة وإجلال أعيان أئمة زمانه من جميع الأقطار له واعترافهم بمزيته ، وروينا من غير وجه أنه أفتى في سبعين ألف مسألة وروى عن كبار التابعين وروى عنه قتادة والزهري وهم من التابعين وليس هو من التابعين ، وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر . ويحيى بن أبي كثير
واختلفوا في الأوزاع التي نسب إليها فقيل : بطن من حمير ، وقيل : قرية كانت عند باب الفراديس من دمشق ، وقيل : من أوزاع القبائل أي فرقهم وبقايا مجتمعة من قبائل شتى ، وقال أبو زرعة الدمشقي : كان اسم الأوزاعي عبد العزيز فسمى نفسه عبد الرحمن وكان ينزل الأوزاع فغلب ذلك عليه ، وقال محمد بن سعد : الأوزاع بطن من همدان من أنفسهم والله أعلم . والأوزاعي
[ ص: 77 ] قوله : ( لقيت فقلت : حدثني فلان كيت وكيت فقال : إن كان مليا فخذ عنه ) قوله : ( كيت وكيت ) هما بفتح التاء وكسرها لغتان نقلهما طاوسا الجوهري في صحاحه عن أبي عبيدة . وقوله ( إن كان مليا ) يعني : ثقة ضابطا متقنا يوثق بدينه ومعرفته ، ويعتمد عليه كما يعتمد على معاملة الملي بالمال ، ثقة بذمته .
وأما قول مسلم : ( وحدثنا ) فهذا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الدارمي هو صاحب المسند المعروف كنيته أبو محمد السمرقندي منسوب إلى دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم ، وكان أبو محمد الدارمي هذا أحد حفاظ المسلمين في زمانه قل من كان يدانيه في الفضيلة والحفظ ، قال : ما أعلم أحدا هو أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رجاء بن مرجى الدارمي ، وقال أبو حاتم : هو إمام أهل زمانه ، وقال أبو حامد بن الشرقي : إنما أخرجت خراسان من أئمة الحديث خمسة رجال : محمد بن يحيى ، ومحمد بن إسماعيل ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، ومسلم بن الحجاج ، . وإبراهيم بن أبي طالب
وقال محمد بن عبد الله : غلبنا الدارمي بالحفظ والورع . ولد الدارمي سنة إحدى وثمانين ومائة ، ومات سنة خمس وخمسين ومائتين رحمه الله .
قال مسلم - رحمه الله - : ( حدثنا حدثنا نصر بن علي الجهضمي الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه ) أما ( الجهضمي ) فبفتح الجيم وإسكان الهاء وفتح الضاد المعجمة .
قال الإمام الحافظ في كتابه الأنساب : هذه النسبة إلى أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني الجهاضمة وهي محلة بالبصرة قال : وكان نصر بن علي هذا قاضي البصرة وكان من العلماء المتقنين ، وكان المستعين بالله بعث إليه ليشخصه للقضاء فدعاه أمير البصرة لذلك فقال : أرجع فأستخير الله تعالى فرجع إلى بيته نصف النهار فصلى ركعتين وقال : اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك فنام فأنبهوه فإذا هو ميت ، وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين ، وأما ( الأصمعي ) فهو الإمام المشهور من كبار أئمة اللغة والمكثرين والمعتمدين منهم ، واسمه بقاف [ ص: 78 ] مضمومة ثم راء مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم باء موحدة عبد الملك بن قريب ابن عبد الملك بن أصمع البصري أبو سعيد نسب إلى جده ، وكان الأصمعي من ثقات الرواة ومتقنيهم وكان جامعا للغة والغريب والنحو والأخبار والملح ، والنوادر . قال - رحمه الله تعالى - : ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة من الشافعي الأصمعي ، وقال - رحمه الله تعالى - أيضا : ما عبر أحد من العرب بأحسن من عبارة الشافعي الأصمعي ، وروينا عن الأصمعي قال : أحفظ ست عشرة ألف أرجوزة . ( وأما أبو الزناد ) وبكسر الزاي فاسمه عبد الله بن ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن لقب له كان يكرهه واشتهر به وهو قرشي مولاهم مدني . وأبو الزناد
وكان الثوري يسمي أمير المؤمنين في الحديث . قال أبا الزناد : أصح أسانيد البخاري أبي هريرة أبو الزناد عن عن الأعرج . وقال أبي هريرة مصعب : كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة .
وأما ( ابن أبي الزناد ) فهو عبد الرحمن ثلاثة بنين يروون عنه : ولأبي الزناد عبد الرحمن وقاسم وأبو القاسم .
وأما ( مسعر ) فبكسر الميم وهو المتفق على جلالته وحفظه وإتقانه . وقوله : ( لا يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات ) معناه لا يقبل إلا من الثقات . ابن كدام الهلالي العامري الكوفي أبو سلمة
وأما قوله - رحمه الله - ( حدثني محمد عن عبد الله بن قهزاد من أهل مرو قال سمعت يقول : سمعت عبدان بن عثمان ابن المبارك يقول : الإسناد من الدين ) ففيه لطيفة من لطائف الإسناد الغريبة وهو أنه إسناد خراساني كله من شيخنا أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن مضر إلى آخره . فإني قد قدمت أن الإسناد من شيخنا إلى مسلم خراسانيون نيسابوريون وهؤلاء الثلاثة المذكورون أعني محمدا وعبدان خراسانيون وهذا قل أن يتفق مثله في هذه الأزمان . وابن المبارك
أما ( قهزاذ ) فبقاف مضمومة ثم هاء ساكنة ثم زاي ثم ألف ثم ذال معجمة ، هذا هو الصحيح المشهور المعروف في ضبطه ، وحكى صاحب مطالع الأنوار عن بعضهم أنه قيده بضم الهاء وتشديد الزاي وهو أعجمي فلا ينصرف . قال : مات ابن ماكولا محمد بن عبد الله بن قهزاد هذا يوم الأربعاء لعشر خلون من المحرم سنة اثنتين وستين ومائتين . فتحصل من هذا أن مسلما - رحمه الله - مات قبل شيخه هذا بخمسة أشهر ونصف كما قدمناه أول هذا الكتاب من تاريخ وفاة مسلم رحمه الله .
وأما ( عبدان ) فبفتح العين وهو لقب له واسمه عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي مولاهم ، أبو عبد الرحمن المروزي قال في تاريخه : توفي البخاري عبدان سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين .
وأما ( ابن المبارك ) فهو السيد الجليل جامع أنواع المحاسن أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم . سمع [ ص: 79 ] جماعات من التابعين ، وروى عنه جماعات من كبار العلماء وشيوخه وأئمة عصره كسفيان الثوري وآخرين ، وقد أجمع العلماء على جلالته وإمامته وكبر محله وعلو مرتبته . روينا عن وفضيل بن عياض ، الحسن بن عيسى قال : اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين فقالوا : تعالوا حتى نعد خصال ومحمد بن النضر ، ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا : جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والزهد والشعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والشدة في رأيه وقلة الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه ، وقال العباس بن مصعب : جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق . وقال محمد بن سعد : صنف ابن المبارك كتبا كثيرة في أبواب العلم وصنوفه ، وأحواله مشهورة معروفة .
وأما ( مرو ) فغير مصروفة وهي مدينة عظيمة بخراسان وأمهات مدائن خراسان أربع : نيسابور ، ومرو ، وبلخ وهراة . والله أعلم .
قوله : ( حدثني العباس بن أبي رزمة قال : سمعت عبد الله يقول : بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد ) أما ( رزمة ) فبراء مكسورة ثم زاي ساكنة ثم ميم ثم هاء .
وأما ( ومعنى هذا الكلام إن جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه وإلا تركناه . فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم . ثم إنه وقع في بعض الأصول عبد الله ) فهو ابن المبارك العباس بن رزمة ، وفي بعضها العباس بن أبي رزمة وكلاهما مشكل . ولم يذكر في تاريخه وجماعة من أصحاب كتب أسماء الرجال البخاري العباس ابن رزمة ولا العباس بن أبي رزمة وإنما ذكروا سمع عبد العزيز بن أبي رزمة أبا محمد المروزي ومات في المحرم سنة ست ومائتين واسم عبد الله بن المبارك أبي رزمة غزوان . والله أعلم .
قوله : ( أبا إسحاق الطالقاني - هو بفتح اللام - قال : قلت : الحديث الذي جاء لابن المبارك قال إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك ابن المبارك : عمن هذا ؟ قلت : من حديث قال : ثقة ، عمن ؟ قلت : عن شهاب بن خراش ، الحجاج بن دينار ، قال : ثقة ، عمن ؟ قال . قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : يا أبا إسحق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ولكن ليس في الصدقة اختلاف ) معنى هذه الحكاية أنه . لا يقبل الحديث إلا بإسناد صحيح
وقوله : ( مفاوز ) جمع مفازة وهي الأرض القفر البعيدة عن العمارة وعن الماء التي [ ص: 80 ] يخاف الهلاك فيها ، قيل : سميت مفازة للتفاؤل بسلامة سالكها كما سموا اللديغ سليما ، وقيل : لأن من قطعها فاز ونجا ، وقيل : لأنها تهلك صاحبها يقال : فوز الرجل : إذا هلك . ثم إن هذه العبارة التي استعملها هنا استعارة حسنة وذلك لأن الحجاج بن دينار هذا من تابعي التابعين ، فأقل ما يمكن أن يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان التابعي والصحابي فلهذا قال بينهما مفاوز أي : انقطاع كثير .
وأما قوله : ( ليس في الصدقة اختلاف ) فمعناه أن هذا الحديث لا يحتج به ، ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما فإن بلا خلاف بين المسلمين وهذا هو الصواب . الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها
وأما ما حكاه أقضى القضاة البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب فهو مذهب باطل قطعا وخطأ بين مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه . أبو الحسن الماوردي
وأما الصلاة والصوم فمذهب وجماهير العلماء أنه لا يصل ثوابهما إلى الميت إلا إذا كان الصوم واجبا على الميت فقضاه عنه وليه أو من أذن له الولي فإن فيه قولين الشافعي أشهرهما عنه أنه لا يصح وأصحهما عند محققي متأخري أصحابه أنه يصح وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله . للشافعي
وأما فالمشهور من مذهب قراءة القرآن أنه لا يصل ثوابها إلى الميت وقال بعض أصحابه : يصل ثوابها إلى الميت . الشافعي
وذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك ، وفي صحيح في باب من مات وعليه نذر أن البخاري ابن عمر أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها . وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت . وقال الشيخ وإسحاق بن راهويه من أصحابنا المتأخرين في كتابه الانتصار إلى اختيار هذا ، وقال الإمام أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون أبو محمد البغوي من أصحابنا في كتابه التهذيب : لا يبعد أن يطعم عن كل صلاة مد من طعام وكل هذه المذاهب ضعيفة . ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج فإنها تصل بالإجماع ودليل وموافقيه قول الله : تعالى : الشافعي وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له واختلف أصحاب إذا مات ابن في ركعتي الطواف في حج الأجير هل تقعان عن الأجير أم عن المستأجر ؟ والله أعلم . الشافعي
وأما ( خراش ) المذكور فبكسر الخاء المعجمة وقد تقدم في الفصول أنه ليس في الصحيحين حراش بالمهملة إلا والد ربعي .
وأما قول مسلم : ( حدثني أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال : حدثني أبو النضر هاشم بن [ ص: 81 ] القاسم قال : حدثنا أبو عقيل صاحب بهية ) فهكذا وقع في الأصول أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال : حدثني أبو النضر . و ( أبو النضر ) هذا جد أبي بكر هذا وأكثر ما يستعمل أبو بكر بن أبي النضر ، واسم أبي النضر ولقب هاشم بن القاسم ، أبي النضر قيصر ، وأبو بكر هذا الاسم له لا كنيته هذا هو المشهور ، وقال عبد الله بن أحمد الدورقي : اسمه أحمد ، قال الحافظ : قيل : اسمه أبو القاسم بن عساكر محمد .
وأما ( أبو عقيل ) فبفتح العين و ( بهية ) بضم الباء الموحدة وفتح الهاء وتشديد الياء وهي امرأة تروي عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قيل : إنها سمتها بهية ، ذكره في تقييد المهمل ، وروى عن أبو علي الغساني بهية مولاها أبو عقيل المذكور واسمه يحيى بن المتوكل الضرير المدني وقيل : الكوفي ، وقد ضعفه يحيى بن معين وعلي بن المديني وعمرو بن علي وعثمان بن سعيد الدارمي وابن عمار ذكر هذا كله والنسائي ، في تاريخ الخطيب البغدادي بغداد بأسانيده عن هؤلاء .
فإن قيل : فإذا كان هذا حاله فكيف روى له مسلم ؟ فجوابه من وجهين : أحدهما : أنه لم يثبت جرحه عنده مفسرا ولا يقبل الجرح إلا مفسرا .
والثاني : أنه لم يذكره أصلا ومقصودا بل ذكره استشهادا لما قبله .
وأما قوله في الرواية الأولى : ( لأنك ابن إمامي هدى للقاسم بن عبيد الله أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ) . وفي الرواية الثانية ( وأنت ابن إمامي الهدى يعني عمر رضي الله عنهما ) فلا مخالفة بينهما فإن وابن عمر القاسم هذا هو ابن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فهو ابنهما ، وأم القاسم هي أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - . فأبو بكر جده الأعلى لأمه [ ص: 82 ] وعمر جده الأعلى لأبيه جده الحقيقي لأبيه رضي الله عنهم أجمعين . وابن عمر
وأما قول سفيان في الرواية الثانية : ( أخبروني عن أبي عقيل ) فقد يقال فيه : هذه رواية عن مجهولين وجوابه ما تقدم أن هذا ذكره متابعة واستشهادا والمتابعة والاستشهاد يذكرون فيهما من لا يحتج به على انفراده ; لأن الاعتماد على ما قبلهما لا عليهما وقد تقدم بيان هذا في الفصول والله أعلم .
قوله : ( سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة الباب فقال : إن شهرا نزكوه ، قال : يقول : أخذته ألسنة الناس : تكلموا فيه ) أما ( ابن عون ) فهو الإمام الجليل المجمع على جلالته وورعه كان يسمى سيد القراء أي العلماء وأحواله ومناقبه أكثر من أن تحصر . عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري
وقوله : ( أسكفة الباب ) هي العتبة السفلى التي توطأ وهي بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء .
وقوله : ( نزكوه ) هو بالنون والزاي المفتوحتين معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه فكأنه يقول : طعنوه بالنيزك بفتح النون المثناة وإسكان المثناة من تحت وفتح الزاي وهو رمح قصير وهذا الذي ذكرته هو الرواية الصحيحة المشهورة وكذا ذكرها من أهل الأدب واللغة والغريب الهروي في غريبه ، وحكى القاضي عياض عن كثيرين من رواة مسلم أنهم رووه ( تركوه ) بالتاء والراء وضعفه القاضي وقال : الصحيح بالنون والزاي قال : وهو الأشبه بسياق الكلام وقال غير القاضي : رواية التاء تصحيف وتفسير مسلم يردها . ويدل عليه أيضا أن شهرا ليس متروكا بل وثقه كثيرون من كبار أئمة السلف أو أكثرهم ، فممن وثقه أحمد بن حنبل وآخرون وقال ويحيى بن معين : ما أحسن حديثه ، ووثقه ، وقال أحمد بن حنبل : هو تابعي ثقة ، وقال أحمد بن عبد الله العجلي عن ابن أبي خيثمة : هو ثقة . ولم يذكر يحيى بن معين غير هذا وقال ابن أبي خيثمة أبو زرعة : لا بأس به ، وقال الترمذي : قال : محمد يعني البخاري شهر حسن الحديث وقوي أمره ، وقال : إنما تكلم فيه ابن عون ثم روى عن هلال بن أبي زينب عن شهر وقال يعقوب بن شيبة : شهر ثقة ، وقال صالح بن محمد : شهر روى عنه الناس من أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام ولم يوقف منه على كذب وكان رجلا ينسك أي يتعبد إلا أنه روى أحاديث لم يشركه فيها أحد فهذا كلام هؤلاء الأئمة في الثناء عليه . وأما ما ذكر من جرحه أنه أخذ خريطة من بيت المال فقد حمله العلماء المحققون على محمل صحيح وقول أبي حاتم بن حيان أنه سرق من [ ص: 83 ] رفيقه في الحج عيبة غير مقبول عند المحققين بل أنكروه والله أعلم .
وهو ( ) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة شهر بن حوشب أبو سعيد ويقال : أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن وأبو الجعد الأشعري الشامي الحمصي وقيل : الدمشقي .
وقوله : ( أخذته ألسنة الناس ) جمع لسان على لغة من جعل اللسان مذكرا وأما من جعله مؤنثا فجمعه ألسن بضم السين قاله . والله أعلم . ابن قتيبة
وقوله رحمه الله : ( حدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا شبابة ) هو كان أبوه حجاج بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي ، يوسف شاعرا صحب أبا نواس ، وحجاج هذا يوافق الوالي الجائر المشهور بالظلم وسفك الدماء فيوافقه في اسمه واسم أبيه وكنيته ونسبته ، ويخالفه في جده وعصره وعدالته وحسن طريقته . الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي أبا محمد
وأما ( شبابة ) فبفتح الشين المعجمة وبالباءين الموحدتين وهو قيل : اسمه شبابة ابن سوار أبو عمرو الفزاري مولاهم المدايني مروان وشبابة لقب .
وأما قوله : ( عباد بن كثير من تعرف حاله ) فهو بالتاء المثناة فوق خطابا يعني أنت عارف بضعفه .
وأما ( الحسين بن واقد ) فبالقاف .
وأما ( محمد بن أبي عتاب ) فبالعين المهملة .
وأما قول يحيى بن سعيد : ( لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث ) وفي الرواية الأخرى ( لم تر ) ضبطناه في الأول بالنون وفي الثاني بالتاء المثناة ومعناه ما قاله مسلم أنه يجري الكذب [ ص: 84 ] على ألسنتهم ولا يتعمدون ذلك لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث ، فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه ويروون الكذب ، ولا يعلمون أنه كذب . وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عمدا كان أو سهوا أو غلطا .
وقوله : ( فلقيت أنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان ) فالقطان مجرور صفة ليحيى وليس منصوبا على أنه صفة لمحمد والله أعلم .
قوله : ( فأخذه البول فقام فنظرت في الكراسة فإذا فيها حدثني أبان عن أنس ) أما قوله : ( أخذه البول ) فمعناه ضغطه وأزعجه واحتاج إلى إخراجه .
وأما ( الكراسه ) بالهاء في آخرها فمعروفة قال في كتابه صناعة الكتاب : الكراسه معناها الكتبة المضموم بعضها إلى بعض والورق الذي قد ألصق بعضه إلى بعض مشتق من قولهم : رسم مكرس إذا ألصقت الريح التراب به ، قال : وقال أبو جعفر النحاس الخليل الكراسه مأخوذة من أكراس الغنم وهو أن تبول في الموضع شيئا بعد شيء فيتلبد . وقال أقضى القضاة أصل الكرسي العلم ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسه . والله أعلم . الماوردي
وأما ( أبان ) ففيه وجهان لأهل العربية الصرف وعدمه ، فمن لم يصرفه جعله فعلا ماضيا والهمزة زائدة ، فيكون أفعل . ومن صرفه جعل الهمزة أصلا فيكون فعالا ، وصرفه هو الصحيح هو الذي اختاره الإمام محمد بن جعفر في كتابه جامع اللغة والإمام أبو محمد بن السيد البطليوسي .
قال رحمه الله : ( وسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام حديث عمر بن عبد العزيز قال هشام حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان عن محمد بن كعب قلت : إنهم يقولون هشام سمعه من محمد بن كعب فقال : إنما ابتلي من قبل هذا الحديث فكان يقول : حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد ) .
أما قوله : ( حديث عمر ) فيجوز في إعرابه النصب والرفع . فالرفع على تقدير هو حديث عمر ، والنصب على وجهين : [ ص: 85 ] أحدهما البدل من قوله حديث هشام ، والثاني على تقدير أعني .
وقوله ( قال هشام حدثني رجل إلى آخره ) هو بيان للحديث الذي رآه في كتاب عفان .
وأما ( هشام ) هذا فهو ابن زياد الأموي مولاهم البصري ضعفه الأئمة . ثم هنا قاعدة ننبه عليها ثم نحيل عليها فيما بعد - إن شاء الله تعالى - وهي : أن عفان - رحمه الله - قال : إنما ابتلي هشام يعني : إنما ضعفوه من قبل هذا الحديث ، كان يقول : حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد . وهذا القدر وحده لا يقتضي ضعفا لأنه ليس فيه تصريح بكذب لاحتمال أنه سمعه من محمد ثم نسيه ، فحدث به عن يحيى عنه ، ثم ذكر سماعه من محمد فرواه عنه ، ولكن انضم إلى هذا قرائن وأمور اقتضت عند العلماء بهذا الفن الحذاق فيه من أهله العارفين بدقائق أحوال رواته أنه لم يسمعه من محمد ، فحكموا بذلك لما قامت الدلائل الظاهرة عندهم بذلك ، وسيأتي بعد هذا أشياء كثيرة من أقوال الأئمة في الجرح بنحو هذا وكلها يقال فيها ما قلنا هنا . والله أعلم .
قال - رحمه الله - : ( حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال : سمعت عبد الله بن عثمان بن جبلة يقول : قلت من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث لعبد الله بن المبارك : عبد الله بن عمرو : يوم الفطر يوم الجوائز ؟ قال : سليمان بن الحجاج انظر ما وضعت في يدك منه ) .
قال قهزاد : وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبد الملك قال : قال : رأيت عبد الله - يعني ابن المبارك - روح بن غطيف صاحب ( الدم قدر درهم ) وجلست إليه مجلسا فجعلت أستحي من أصحابي أن يروني جالسا معه كره حديثه
أما ( قهزاذ ) فتقدم ضبطه .
وأما ( عبد الله بن عثمان بن جبلة ) فهو الملقب بعبدان وتقدم بيانه .
و ( جبلة ) بفتح الجيم والموحدة .
وأما حديث يوم الفطر يوم الجوائز فهو ما روي : "
فإذا صلوا العيد نادى مناد من السماء : [ ص: 86 ] ارجعوا إلى منازلكم راشدين فقد غفرت ذنوبكم كلها ويسمى ذلك اليوم يوم الجوائز " وهذا الحديث رويناه في كتاب المستقصى في فضائل المسجد الأقصى تصنيف الحافظ إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أفواه الطرق ونادت يا معشر المسلمين اغدوا إلى رب رحيم يأمر بالخير ويثيب عليه الجزيل ، أمركم فصمتم وأطعتم ربكم فاقبلوا جوائزكم . أبي محمد بن عساكر الدمشقي - رحمه الله - والجوائز جمع جائزة وهي العطاء .
وأما قوله : ( انظر ما وضعت في يدك ) ضبطناه بفتح التاء من وضعت ولا يمتنع ضمها وهو مدح وثناء على سليمان بن الحجاج .
وأما ( زمعة ) فبإسكان الميم وفتحها ، وأما ( غطيف ) فبغين معجمة مضمومة ثم طاء مهملة مفتوحة هذا هو الصواب وحكى القاضي عن أكثر شيوخه أنهم رووه ( غضيف ) بالضاد المعجمة قال وهو خطأ ، قال في تاريخه : هو منكر الحديث . البخاري
وقوله : ( صاحب الدم قدر الدرهم ) يريد وصفه وتعريفه بالحديث الذي رواه روح هذا عن الزهري عن أبي سلمة عن يرفعه " أبي هريرة " يعني من الدم ، وهذا الحديث ذكره تعاد الصلاة من قدر الدرهم في تاريخه . وهو حديث باطل لا أصل له عند أهل الحديث . والله أعلم . البخاري
وقوله ( أستحيي ) هو بياءين ويجوز حذف إحداهما وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تفسير حقيقة الحياء في بابه من كتاب الإيمان .
وقوله : ( كره حديثه ) هو بضم الكاف ونصب الهاء أي كراهية له . والله أعلم .
قوله : ( ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر ) يعني عن الثقات والضعفاء .
وقوله : ( عن الشعبي قال : حدثني الحارث الأعور الهمداني ) أما الهمداني فبإسكان الميم وبالدال المهملة .
وأما ( الشعبي ) فبفتح الشين واسمه عامر بن شراحيل ، وقيل : ابن شرحبيل .
والأول هو المشهور منسوب إلى شعب بطن من همدان ولد لست سنين خلت من خلافة - رضي الله عنه - وكان عمر بن الخطاب الشعبي إماما عظيما جليلا جامعا للتفسير والحديث والفقه والمغازي والعبادة ، قال الحسن : كان الشعبي والله كثير العلم عظيم الحلم قديم السلم من الإسلام بمكان .
وأما ( الحارث الأعور ) فهو الحارث بن عبد الله ، وقيل : ابن عبيد أبو زهير الكوفي متفق على ضعفه .
قال - رحمه الله - : ( وحدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري قال : حدثنا أبو أسامة عن مفضل عن مغيرة قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني وهو يشهد أنه أحد الكذابين ) هذا إسناد كله كوفيون . الحارث الأعور
فأما ( براد ) : فبباء موحدة مفتوحة ثم راء مشددة ثم ألف ثم دال مهملة . وهو عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي .
وأما ( أبو أسامة ) فاسمه حماد [ ص: 87 ] بن أسامة بن يزيد القرشي مولاهم الكوفي الحافظ الضابط المتقن العابد .
وأما ( مفضل ) فهو ابن مهلل ، أبو عبد الرحمن السعدي الكوفي الحافظ الضابط المتقن العابد .
وأما ( ) فهو ابن مقسم أبو هشام الضبي الكوفي وتقدم أن ميم المغيرة تضم وتكسر . مغيرة
وأما قوله : ( أحد الكذابين ) فبفتح النون على الجمع والضمير في قوله : ( وهو يشهد ) يعود على الشعبي . والقائل ( وهو يشهد ) هو المغيرة . والله أعلم .
وأما قول الحارث : ( تعلمت الوحي في سنتين أو في ثلاث سنين ) وفي الرواية الأخرى ( القرآن هين والوحي أشد ) فقد ذكره مسلم في جملة ما أنكر على الحارث وجرح به ، وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع ، وكذبه ، قال القاضي عياض - رحمه الله - : وأرجو أن هذا من أخف أقواله لاحتماله الصواب فقد فسره بعضهم بأن الوحي هنا الكتابة ومعرفة الخط قاله يقال : أوحى ووحى إذا كتب ، وعلى هذا ليس على الخطابي ، الحارث في هذا درك وعليه الدرك في غيره ، قال القاضي : ولكن لما عرف قبح مذهبه وغلوه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصية إلى علي - رضي الله عنه - وسر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع غيره عليه بزعمهم سيء الظن بالحارث في هذا وذهب به ذلك ، ولعل هذا القائل فهم من الحارث معنى منكرا فيما أراده . والله أعلم .
قوله : ( حدثنا زائدة عن منصور والمغيرة عن إبراهيم ) فالمغيرة مجرور معطوف على منصور .
قوله : ( وأحس الحارث بالشر ) هكذا ضبطناه من أصول محققة ( أحس ) ووقع في كثير من الأصول أو أكثرها ( حس ) بغير ألف وهما لغتان حس وأحس ، ولكن أحس أفصح وأشهر وبها جاء القرآن العزيز ، قال الجوهري وآخرون : حس وأحس لغتان بمعنى علم وأيقن .
وأما قول الفقهاء وأصحاب الأصول : الحاسة والحواس الخمس فإنما يصح على اللغة القليلة حس بغير ألف والكثير في حس بغير ألف أن يكون بمعنى قتل .
[ ص: 88 ] قوله : ( إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم فإنهما كذابان ) أما ( المغيرة بن سعيد ) فقال في كتابه كتاب الضعفاء : هو كوفي دجال أحرق بالنار زمن النسائي ادعى النبوة . النخعي
وأما ( أبو عبد الرحيم ) فقيل : هو شقيق الضبي الكوفي القاص ، وقيل هو سلمة بن عبد الرحمن النخعي وكلاهما يكنى أبا عبد الرحيم ، وهما ضعيفان ، وسيأتي ذكرهما قريبا أيضا إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وحدثني أبو كامل الجحدري ) هو بجيم مفتوحة ثم حاء ساكنة ثم دال مفتوحة مهملتين واسم أبي كامل فضيل بن حسين بالتصغير ، فيهما ابن طلحة البصري قال : هو منسوب إلى أبو سعيد السمعاني جحدر اسم رجل .
قوله : ( كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع وكان يقول : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص وإياكم وشقيقا ، قال : وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج وليس ) أما ( بأبي وائل أبو عبد الرحمن السلمي ) فبضم السين ، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة بضم الراء وفتح الموحدة وكسر المثناة المشددة وآخره هاء الكوفي التابعي الجليل .
وقوله : ( غلمة ) جمع غلام ، واسم الغلام يقع على الصبي من حين يولد على اختلاف حالاته إلى أن يبلغ .
وقوله : ( أيفاع ) أي شببة قال القاضي عياض : معناه بالغون ، يقال : غلام يافع ويفع ويفعة بفتح الفاء فيهما إذا شب وبلغ أو كاد يبلغ ، قال الثعالبي : إذ قارب البلوغ أو بلغه يقال له : يافع وقد أيفع وهو نادر ، وقال أبو عبيد : أيفع الغلام إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم هذا آخر نقل القاضي عياض ، وكأن اليافع مأخوذ من اليفاع بفتح الياء وهو ما ارتفع من الأرض ، قال الجوهري : ويقال غلمان أيفاع ويفعة أيضا .
وأما ( القصاص ) بضم القاف فجمع قاص وهو الذي يقرأ القصص على الناس قال أهل اللغة : القصة الأمر والخبر وقد اقتصصت الحديث إذا رويته على وجهه وقص عليه الخبر قصصا بفتح القاف . والاسم أيضا القصص بالفتح . والقصص بكسر القاف اسم جمع للقصة .
وأما ( شقيق ) الذي نهى عن مجالسته فقال القاضي عياض : هو شقيق الضبي الكوفي القاص ، ضعفه كنيته النسائي ، أبو عبد الرحيم ، قال بعضهم : وهو أبو عبد الرحيم الذي حذر منه إبراهيم قبل هذا في الكتاب ، وقيل : إن أبا عبد الرحيم الذي حذر منه إبراهيم هو سلمة بن عبد الرحمن النخعي ذكر ذلك ابن أبي حاتم الرازي في كتابه عن ابن المديني .
وقول مسلم : ( وليس ) يعني ليس هذا الذي نهى عن مجالسته بأبي وائل المشهور ، معدود من كبار التابعين هذا آخر كلام القاضي رحمه الله . بشقيق بن سلمة أبي وائل الأسدي
[ ص: 89 ] قوله : ( وحدثنا أبو غسان محمد بن عمرو الرازي ) هو بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة والمسموع في كتب المحدثين ورواياتهم غسان غير مصروف ، وذكره في المجمل وغيره من أهل اللغة في باب غسن وفي باب وهذا تصريح بأنه يجوز صرفه وترك صرفه فمن جعل النون أصلا صرفه ، ومن جعلها زائدة لم يصرفه ، ابن فارس وأبو غسان هذا هو الملقب بزنيج بضم الزاي والجيم .
قوله في جابر الجعفي : ( كان يؤمن بالرجعة ) هي بفتح الراء قال الأزهري وغيره : لا يجوز فيها إلا بفتح . وأما رجعة المرأة المطلقة ففيها لغتان الكسر والفتح ، قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - وحكي في هذه الرجعة التي كان يؤمن بها جابر الكسر أيضا : ومعنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليا - كرم الله وجهه - في السحاب فلا نخرج يعني مع من يخرج من ولده حتى ينادي من السماء أن اخرجوا معه . وهذا نوع من أباطيلهم وعظيم من جهالاتهم اللاصقة بأذهانهم السخيفة وعقولهم الواهية .
قوله - رحمه الله تعالى - : ( وحدثني سلمة بن شبيب حدثنا حدثنا الحميدي الإمام المشهور . سفيان ) هو سفيان بن عيينة
وأما ( ) فهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد أبو بكر القرشي الأسدي المكي . الحميدي
وقوله : ( حدثنا ) هو بكسر الحاء المهملة واسمه أبو يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي منسوب إلى بطن من همدان .
وأما ( ) فبفتح الميم وكسر اللام وهو والد الجراح بن مليح وهذا وكيع ، الجراح ضعيف عند المحدثين ، ولكنه مذكور هنا في المتابعات .
وقوله : ( عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر ) أبو جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين [ ص: 90 ] بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - المعروف بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه وفتحه فعرف أصله وتمكن فيه .
وقوله : ( سمعت أبا الوليد يقول سمعت ) اسم سلام بن أبي مطيع أبي الوليد هشام بن عبد الملك وهو الطيالسي .
و ( سلام ) بتشديد اللام ، واسم أبي مطيع سعد .
وقوله : ( إن الرافضة تقول : إن عليا - رضي الله عنه - في السحاب فلا نخرج ) إلى آخره ( نخرج ) بالنون وسموا رافضة : من الرفض وهو الترك ، قال الأصمعي وغيره : سموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي فتركوه .
قال - رحمه الله - : ( وحدثني سلمة حدثنا حدثنا الحميدي سفيان قال : سمعت جابرا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ) قال أبو علي الغساني الجياني : سقط ذكر سلمة بن شبيب بين مسلم عند والحميدي ابن ماهان والصواب رواية الجلودي بإثباته فإن مسلما لم يلق قال الحميدي ، - أحد رواة كتاب أبو عبد الله بن الحذاء مسلم - : سألت عبد الغني بن سعد هل روى مسلم عن الحميدي؟ فقال : لم أره إلا في هذا الموضع وما أبعد ذلك أو يكون سقط قبل رجل ، قال الحميدي القاضي عياض وعبد الغني : إنما رأى من مسلم نسخة ابن ماهان فلذلك قال ما قال ، ولم تكن نسخة [ ص: 91 ] الجلودي دخلت مصر ، قال : وقد ذكر مسلم قبل هذا حدثنا سلمة . حدثنا في حديث آخر كذا هو عند جميعهم وهو الصواب هنا أيضا إن شاء الله تعالى .
قوله : ( الحارث بن حصيرة ) هو بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين وآخره هاء وهو أزدي كوفي سمع قاله زيد بن وهب . البخاري
قال رحمه الله : ( حدثني ) هو بفتح الدال وإسكان الواو وفتح الراء وبالقاف واختلف في معنى هذه النسبة فقيل : كان أبوه ناسكا أي عابدا وكانوا في ذلك الزمان يسمون الناسك دورقيا ، وهذا القول مروي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي أحمد الدورقي ، هذا وهو من أشهر الأقوال ، وقيل هي نسبة إلى القلانس الطوال التي تسمى ، وقيل : منسوب إلى دورق بلدة : بفارس أو غيرها .
قوله : ( ذكر أيوب رجلا فقال : لم يكن بمستقيم اللسان وذكر آخر فقال : هو يزيد في الرقم ) تقدم ذكره أول الكتاب . وهذان اللفظان كناية عن الكذب ، وقول أيوب هذا هو السختياني أيوب في عبد الكريم : رحمه الله كان غير ثقة لقد سألني عن حديث لعكرمة ثم قال : سمعت عكرمة ، هذا القطع بكذبه ، وكونه غير ثقة بمثل هذه القضية قد يستشكل من حيث إنه يجوز أن يكون سمعه من عكرمة ثم نسيه فسئل عنه ثم ذكره فرواه ، ولكن عرف كذبه بقرائن وقد قدمت إيضاح هذا في أول هذا الباب ، وممن نص على ضعف عبد الكريم هذا سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وكان وابن عدي ، عبد الكريم هذا من فضلاء فقهاء البصرة والله أعلم .
[ ص: 92 ] قوله : ( قدم علينا أبو داود الأعمى فجعل يقول : حدثنا البراء حدثنا فذكرنا ذلك زيد بن أرقم لقتادة فقال : كذب ما سمع منهم إنما كان إذ ذاك سائلا يتكفف الناس زمن طاعون الجارف ) وفي الرواية الأخرى ( قبل الجارف ) .
أما ( أبو داود ) هذا فاسمه نفيع بن الحارث القاص الأعمى متفق على ضعفه ، قال عمرو بن علي : هو متروك ، وقال يحيى بن معين وأبو زرعة : ليس هو بشيء ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، وضعفه آخرون .
وقوله : ( ما سمع منهم ) يعني البراء وزيدا وغيرهما ممن زعم أنه روى عنه ، فإنه زعم أنه رأى ثمانية عشر بدريا كما صرح به في الرواية الأخرى في الكتاب .
وقوله : ( يتكفف الناس ) معناه يسألهم في كفه أو بكفه ، ووقع في بعض النسخ ( يتطفف ) بالطاء وهو بمعنى يتكفف أي يسأل في كفه الطفيف وهو القليل ، وذكر ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل وغيره : يتنطف ، ولعله مأخوذ من قولهم : ما تنطفت به أي ما تلطخت .
وأما ( طاعون الجارف ) فسمي بذلك لكثرة من مات فيه من الناس وسمي الموت جارفا لاجترافه الناس ، وسمي السيل جارفا لاجترافه على وجه الأرض ، والجرف : الغرف من فوق الأرض وكشح ما عليها .
وأما الطاعون فوباء معروف وهو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان القلب والقيء .
وأما زمن طاعون الجارف فقد اختلف فيه أقوال العلماء - رحمهم الله - اختلافا شديدا متباينا تباينا بعيدا . فمن ذلك ما قاله الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر في أول التمهيد قال : مات أيوب السختياني في سنة اثنتين وثلاثين ومائة في طاعون الجارف . ونقل في المعارف عن ابن قتيبة الأصمعي : أن طاعون الجارف كان في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين وكذا قال في كتاب التعازي : أن طاعون الجارف كان في زمن أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني ابن الزبير - رضي الله عنهما - سنة سبع وستين في شوال ، وكذا ذكر الكلاباذي في كتابه في رجال معنى هذا فإنه قال : ولد البخاري أيوب السختياني سنة ست وستين وفي قوله : إنه ولد قبل الجارف بسنة ، وقال القاضي عياض في هذا الموضع : كان الجارف سنة تسع عشرة ومائة ، وذكر الحافظ في ترجمة عبد الغني المقدسي عبد الله بن مطرف عن قال : مات يحيى القطان مطرف بعد طاعون الجارف ، وكان الجارف سنة سبع وثمانين ، وذكر في ترجمة يونس بن عبيد أنه رأى أنس بن مالك وأنه ولد بعد الجارف ومات سنة سبع وثلاثين ومائة ; فهذه أقوال متعارضة فيجوز أن يجمع بينها بأن كل طاعون من هذه تسمى جارفا لأن معنى الجرف موجود في جميعها وكانت الطواعين كثيرة .
ذكر في المعارف عن ابن قتيبة الأصمعي أن أول طاعون كان في الإسلام طاعون عمواس بالشام في زمن - رضي الله عنه - فيه توفي عمر بن الخطاب أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - ، وامرأتاه وابنه - رضي الله عنهم - . [ ص: 93 ] ثم الجارف في زمن ومعاذ بن جبل ابن الزبير ، ثم طاعون الفتيات ; لأنه بدأ في العذارى والجواري بالبصرة وبواسط وبالشام والكوفة ، وكان الحجاج يومئذ بواسط في ولاية وكان يقال له : طاعون الأشراف - يعني لما مات فيه من الأشراف ثم طاعون عبد الملك بن مروان سنة مائة ، ثم طاعون عدي بن أرطأة غراب سنة سبع وعشرين ومائة ، وغراب : رجل ، ثم طاعون مسلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومائة في شعبان وشهر رمضان وأقلع في شوال ، وفيه مات أيوب السختياني قال : ولم يقع بالمدينة ولا بمكة طاعون قط ، هذا ما حكاه . ابن قتيبة
وقال أبو الحسن المدايني : كانت الطواعين المشهورة العظام في الإسلام خمسة : طاعون شيرويه بالمدائن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة ست من الهجرة ، ثم طاعون عمواس في زمن - رضي الله عنه - وكان عمر بن الخطاب بالشام مات فيه خمسة وعشرون ألفا ، ثم طاعون الجارف في زمن ابن الزبير في شوال سنة تسع وستين ، هلك في ثلاثة أيام في كل يوم سبعون ألفا ، مات فيه - رضي الله عنه - ثلاثة وثمانون ابنا ويقال : ثلاثة وسبعون ابنا ، ومات لأنس بن مالك أربعون ابنا ، ثم طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين ، ثم كان طاعون في سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب ، واشتد في شهر رمضان فكان يحصى في لعبد الرحمن بن أبي بكرة سكة المريد في كل يوم ألف جنازة أياما ، ثم خف في شوال ، وكان بالكوفة طاعون وهو الذي مات فيه المغيرة بن شعبة سنة خمسين . هذا ما ذكره المدائني ، وكان طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، وقال أبو زرعة الدمشقي : كان سنة سبع عشرة . أو ثماني عشرة قرية بين الرملة وبيت المقدس ، نسب الطاعون إليها لكونه بدأ فيها ، وقيل : لأنه عم الناس فيه ، ذكر القولين الحافظ عبد الغني في ترجمة - رضي الله عنه - بفتح العين والميم فهذا مختصر ما يتعلق بالطاعون ، فإذا علم ما قالوه في طاعون الجارف فإن أبي عبيدة بن الجراح قتادة ولد سنة إحدى وستين ومات سنة سبع عشرة ومائة على المشهور وقيل : سنة ثماني عشرة ; ويلزم من هذا بطلان ما فسر به القاضي عياض - رحمه الله - طاعون الجارف هنا ويتعين أحد الطاعونين فإما سنة سبع وستين فإن قتادة كان ابن ست سنين في ذلك الوقت ، ومثله يضبطه . وإما سنة سبع وثمانين وهو الأظهر إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
وأما قوله : " لا يعرض لشيء من هذا " فهو بفتح الياء وكسر الراء ومعناه لا يعتني بالحديث .
وقوله : ( ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة ، ولا حدثنا عن بدري مشافهة إلا عن سعيد بن المسيب ) المراد بهذا الكلام إبطال قول سعد بن مالك أبي داود الأعمى هذا وزعمه أنه لقي ثمانية عشر بدريا فقال قتادة : الحسن البصري أكبر من وسعيد بن المسيب أبي داود الأعمى ، وأجل وأقدم سنا وأكثر اعتناء بالحديث وملازمة أهله والاجتهاد في الأخذ عن الصحابة ، ومع هذا كله ما حدثنا واحد منهما عن بدري واحد ، فكيف يزعم أبو داود الأعمى أنه لقي ثمانية عشر بدريا ، هذا بهتان [ ص: 94 ] عظيم .
وقوله : ( ) هو سعد بن مالك واسم سعد بن أبي وقاص أبي وقاص مالك بن أهيب ويقال : وهيب ، وأما ( المسيب ) والد سعيد فصحابي مشهور - رضي الله عنه - وهو بفتح الياء ، هذا هو المشهور ، وحكى صاحب مطالع الأنوار عن أنه قال : علي بن المديني أهل العراق يفتحون الياء ، وأهل المدينة يكسرونها ، قال : وحكى أن سعيدا كان يكره الفتح . وسعيد إمام التابعين وسيدهم ومقدمهم في الحديث والفقه وتعبير الرؤيا والورع والزهد وغير ذلك ، وأحواله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر ، وهو مدني كنيته أبو محمد . والله أعلم .
قوله : ( عن رقبة أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق ) أما ( رقبة ) فعلى لفظ رقبة الإنسان ، وهو بفتح الميم وإسكان السين المهملة وفتح القاف رقبة بن مسقلة ابن عبد الله العبدي الكوفي أبو عبد الله ، وكان عظيم القدر جليل الشأن رحمه الله .
وأما قوله : ( كلام حق ) فبنصب كلام ، وهو بدل من أحاديث ، ومعناه كلام صحيح المعنى وحكمة من الحكم ، ولكنه كذب فنسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هو من كلامه - صلى الله عليه وسلم - .
وأما ( أبو جعفر ) هذا فهو عبد الله بن مسور المدائني أبو جعفر الذي تقدم في أول الكتاب في الضعفاء والواضعين ، قال في تاريخه : هو البخاري عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر القرشي الهاشمي ، وذكر كلام رقبة وهو هذا الكلام الذي هنا ، ثم إنه وقع في الأصول هنا ( المدني ) وفي بعضها ( المديني ) بزيادة ياء ولم أر في شيء منها هنا المدائني ، ووقع في أول الكتاب المدائني ، فأما المديني والمدني فنسبة إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والقياس المدني بحذف الياء ومن أثبتها فهو على الأصل .
وروى الإمام الحافظ في كتاب الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط بإسناده عن الإمام أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال : أبي عبد الله البخاري المديني - يعني بالياء - : هو الذي أقام بالمدينة ولم يفارقها ، والمدني الذي تحول عنها وكان منها .
قال - رحمه الله - : ( حدثنا الحسن الحلواني قال : حدثنا نعيم قال : أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان : وحدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ) هكذا وقع في كثير من الأصول المحققة قول أبو داود الطيالسي أبي إسحاق ، ولم يقع قوله في بعضها وأبو إسحاق هذا صاحب مسلم ورواية الكتاب عنه ، فيكون قد ساوى مسلما في هذا الحديث وعلا فيه برجل ، وأما ( تقدم بيانه . أبو داود الطيالسي ) فاسمه سليمان بن أبي داود ،
[ ص: 95 ] قوله : ( قلت : إن لعوف بن أبي جميلة حدثنا عن عمرو بن عبيد الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . قال : كذب والله من حمل علينا السلاح فليس منا عمرو ، ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث ) .
أما ( عوف ) فتقدم بيانه في أول الكتاب .
وأما ( ) فهو القدري المعتزلي الذي كان صاحب عمرو بن عبيد . الحسن البصري
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) . صحيح مروي من طرق وقد ذكرها من حمل علينا السلاح فليس منا مسلم - رحمه الله - بعد هذا . ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا ، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله : لست مني ، وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " وأشباهه ، ومراد من غش فليس منا مسلم - رحمه الله - بإدخال هذا الحديث هنا بيان أن عوفا جرح وقال : كذب ، وإنما كذبه مع أن الحديث صحيح لكونه نسبه إلى عمرو بن عبيد الحسن ، وكان عوف من كبار أصحاب الحسن والعارفين بأحاديثه ، فقال كذب في نسبته إلى الحسن ، فلم يرو الحسن هذا ، أو لم يسمعه هذا من الحسن .
وقوله : ( أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث ) معناه : كذب بهذه الرواية ليعضد بها مذهبه الباطل الرديء وهو الاعتزال ، فإنهم يزعمون أن ارتكاب المعاصي يخرج صاحبه عن الإيمان ويخلده في النار ولا يسمونه كافرا بل فاسقا مخلدا في النار ، وسيأتي الرد عليهم بقواطع الأدلة في كتاب الإيمان إن شاء الله تعالى .
وقول أيوب السختياني : ( إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب ) معناه : إنما نهرب أو نخاف من هذه الغرائب التي يأتي بها مخافة من كونها كذبا فنقع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كانت أحاديث ، وإن كانت من الآراء والمذاهب فحذرا من الوقوع في البدع أو في مخالفة الجمهور . عمرو بن عبيد ،
وقوله : ( نفرق بفتح الراء .
وقوله : ( نفر أو نفرق ) شك من الراوي في إحداهما .
[ ص: 96 ] قوله : ( حدثنا قبل أن يحدث ) هو بضم الياء وإسكان الحاء وكسر الدال يعني قبل أن يصير مبتدعا قدريا . عمرو بن عبيد
قوله : ( كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط فكتب إلي : لا تكتب عنه شيئا ومزق كتابي ) وأبو شيبة هذا هو جد أولاد أبي شيبة وهم : أبو بكر وعثمان والقاسم بنو محمد بن إبراهيم أبي شيبة وأبو شيبة ضعيف ، وقد قدمنا بيانه وبيانهم في أول الكتاب ، وواسط مصروف ، كذا سمع من العرب ، وهي من بناء
وقوله : ( مزق كتابي ) هو بكسر الزاي أمره بتمزيقه مخافة من بلوغه إلى الحجاج بن يوسف . أبي شيبة ووقوفه على ذكره له بما يكره لئلا يناله منه أذى أو يترتب على ذلك مفسدة .
قوله في صالح المري : ( كذب ) هو من نحو ما قدمناه في قوله لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث ، معناه ما قاله مسلم : يجري الكذب على ألسنتهم من غير تعمد ، وذلك لأنهم لا يعرفون صناعة هذا الفن فيخبرون بكل ما سمعوه وفيه الكذب فيكونون كاذبين ، فإن الكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو سهوا كان الإخبار أو عمدا ، كما قدمناه ، وكان صالح هذا من كبار العباد الزهاد الصالحين ، وهو صالح بن بشير بفتح الباء وكسر الشين أبو بشير البصري القاضي ، وقيل له : المري ; لأن امرأة من بني مرة أعتقته .
وأبوه عربي وأمه معتقة للمرأة المرية . وكان صالح - رحمه الله - حسن الصوت بالقرآن ، وقد مات بعض من سمع قراءته ، وكان شديد الخوف من الله تعالى ، كثير البكاء ، قال : كان عفان بن مسلم صالح إذا أخذ في قصصه كأنه رجل مذعور ، يفزعك أمره من حزنه ، [ ص: 97 ] وكثرة بكائه كأنه ثكلى ، والله أعلم .
قوله : ( عن مقسم ) هو بكسر الميم وفتح السين .
وقوله : ( قلت للحكم ما تقول في أولاد الزنى قال : يصلى عليهم ، قلت : من حديث من يروى ، قال : يروى عن فقال الحسن البصري ، الحسن بن عمارة : حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي ) معنى هذا الكلام أن الحسن بن عمارة كذب فروى هذا الحديث عن الحكم عن يحيى عن علي ، وإنما هو عن من قوله ، وقد قدمنا أن مثل هذا وإن كان يحتمل كونه جاء عن الحسن البصري الحسن وعن علي ، لكن الحفاظ يعرفون كذب الكذابين بقرائن ، وقد يعرفون ذلك بدلائل قطعية يعرفها أهل هذا الفن فقولهم مقبول في كل هذا ، والحسن بن عمارة متفق على ضعفه وتركه . وعمارة بضم العين ، ويحيى بن الجزار بالجيم والزاي وبالراء آخره قال صاحب المطالع : ليس في الصحيحين والموطأ غيره ، ومن سواه خزار أو خراز بالخاء فيهما .
قال - رحمه الله - : ( حدثنا الحسن الحلواني قال : سمعت وذكر يزيد بن هارون زياد بن ميمون فقال : حلفت أن لا أروي عنه شيئا ولا عن خالد بن محدوج قال : لقيت زياد بن ميمون فسألته عن حديث فحدثني به عن بكر المزني ، ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن . وكان ينسبهما إلى الكذب ) أما ( محدوج ) فبميم مفتوحة ثم حاء ساكنة ثم دال مضمومة مهملتين ثم واو ثم جيم ، و ( خالد ) هذا واسطي ضعيف ، ضعفه أيضا وكنيته النسائي أبو روح رأى أنس بن مالك رضي الله عنه .
وأما ( زياد بن ميمون ) فبصري كنيته أبو عمار ضعيف ، قال في تاريخه : تركوه . البخاري
وأما ( بكر المزني ) فهو بفتح الباء وإسكان الكاف وهو بكر بن عبد الله المزني أبو [ ص: 98 ] عبد الله البصري التابعي الجليل الفقيه رحمه الله .
وأما ( مورق ) فبضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة وهو مورق بن المشمرج بضم الميم الأولى وفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالجيم العجلي الكوفي أبو المعتمر التابعي الجليل العابد .
وأما قوله : ( وكان ينسبهما إلى الكذب ) فالقائل هو الحلواني ، والناسب والمنسوبان يزيد بن هارون ، خالد بن محدوج وزياد بن ميمون .
وأما قوله : ( حلفت أن لا أروي عنهما ) ففعله نصيحة للمسلمين ومبالغة في التنفير عنهما لئلا يغتر أحد بهما فيروي عنهما الكذب ; فيقع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وربما راج حديثهما فاحتج به ، وأما حكمه بكذب ميمون لكونه حدثه بالحديث عن واحد ثم عن آخر ثم عن آخر فهو جار على ما قدمناه من انضمام القرائن والدلائل على الكذب . والله أعلم .
قوله : ( حديث العطارة ) قال القاضي عياض - رحمه الله - : هو حديث رواه زياد بن ميمون هذا عن أنس أن امرأة يقال لها : الحولاء ، عطارة كانت بالمدينة فدخلت على عائشة - رضي الله عنها - وذكرت خبرها مع زوجها ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر لها في فضل الزوج وهو حديث طويل غير صحيح ، ذكره ابن وضاح بكماله ويقال : إن هذه العطارة هي الحولاء بنت تويت .
قوله : ( فأنا لقيت زياد بن ميمون ) وعبد الرحمن بن مهدي فعبد الرحمن مرفوع معطوف على الضمير في قوله لقيت .
قوله : ( إن كان لا يعلم الناس فأنتما لا تعلمان أني لم ألق أنسا ) هكذا وقع في الأصول فأنتما لا تعلمان ومعناه فأنتما تعلمان فيجوز أن تكون لا زائدة ، ويجوز أن يكون معناه أفأنتما لا تعلمان ويكون استفهام تقرير وحذف همزة الاستفهام .
قوله : ( سمعت شبابة يقول : كان عبد القدوس يحدثنا فيقول : قال سويد بن عقلة شبابة : وسمعت عبد القدوس يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ الروح عرضا قال : فقيل له أي شيء [ ص: 99 ] هذا ؟ فقال : يعني يتخذ كوة في حائطه ليدخل عليه الروح ) المراد بهذا المذكور بيان تصحيف عبد القدوس وغباوته واختلال ضبطه وحصول الوهم في إسناده ومتنه ، فأما الإسناد فإنه قال : بالعين المهملة والقاف وهو تصحيف ظاهر وخطأ بين ، وإنما هو غفلة بالغين المعجمة والفاء المفتوحتين . سويد بن عقلة
وأما المتن فقال : الروح بفتح الراء وعرضا بالعين المهملة وإسكان الراء وهو تصحيف قبيح وخطأ صريح ، وصوابه الروح بضم الراء وغرضا بالغين المعجمة والراء المفتوحتين . ومعناه : نهى أن نتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضا أي هدفا للرمي فيرمى إليه بالنشاب وشبهه ، وسيأتي إيضاح هذا الحديث وبيان فقهه في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى .
وأما ( شبابة ) فتقدم بيان اسمه وضبطه .
وأما ( الكوة ) فبفتح الكاف على اللغة المشهورة قال صاحب المطالع : وحكي فيها الضم .
وقوله ( ليدخل عليه الروح ) أي النسيم .
قوله : ( قال حماد بعدما جلس مهدي بن هلال : ما هذه العين المالحة التي نبعت قبلكم ، قال : نعم يا أبا إسماعيل ) أما ( مهدي ) هذا : فمتفق على ضعفه ، قال هو بصري متروك يروي عن النسائي داود بن أبي هند . ويونس بن عبيد
وقوله : ( العين المالحة ) كناية عن ضعفه وجرحه .
وقوله : ( قال : نعم يا أبا إسماعيل ) كأنه وافقه على جرحه ، وأبو إسماعيل كنية حماد بن زيد .
قوله : ( سمعت أبا عوانة قال : ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه علي ) أما ( أبو عوانة ) فاسمه الوضاح بن عبد الله ، وأبان يصرف ولا يصرف والصرف أجود وقد تقدم ذكر أبي عوانة وأبان ، ومعنى هذا الكلام أنه كان يحدث عن الحسن بكل ما يسأل عنه ، وهو كاذب في ذلك .
قوله : ( إن حمزة الزيات رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فعرض عليه ما سمعه من أبان فما عرف منه إلا شيئا يسيرا ) قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من [ ص: 100 ] ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء ، هذا كلام القاضي . وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع . وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " . فإن معنى الحديث أن من رآني في المنام فقد رآني ولكن لا يجوز رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان به لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي ، وقد اتفقوا على أن من إثبات حكم شرعي أن يكون متيقظا لا مغفلا ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط ، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه ، هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة ، أما إذا شرط من تقبل روايته وشهادته أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه ; لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك الشيء . والله أعلم . رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه
قوله : ( حدثنا الدارمي ) قد تقدم بيانه وأنه منسوب إلى دارم .
وأما ( ) فبفتح الفاء واسمه إبراهيم بن محمد بن الحسن بن أسماء بن جارحة الكوفي الإمام الجليل المجمع على جلالته وتقدمه في العلم وفضيلته . والله أعلم . أبو إسحاق الفزاري
قوله : ( قال أبو إسحاق الفزاري : اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين ، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين ، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا غيرهم ) هذا الذي قاله أبو إسحاق الفزاري في إسماعيل خلاف قول جمهور الأئمة ، قال عباس : سمعت يقول : يحيى بن معين إسماعيل بن عياش ثقة وكان أحب إلى أهل الشام من بقية ، وقال : سمعت ابن أبي خيثمة يقول : هو ثقة ، والعراقيون يكرهون حديثه وقال يحيى بن معين : ما روي عن الشاميين أصح ، وقال البخاري عمرو بن علي : إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح ، وإذا حدث عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيد فليس بشيء ، وقال وسهيل بن أبي صالح يعقوب بن سفيان : كنت أسمع أصحابنا يقولون : علم الشام عند إسماعيل بن عياش قال والوليد بن مسلم ، يعقوب : وتكلم قوم في إسماعيل ، وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام ، ولا يدفعه دافع ، وأكثر ما تكلموا قالوا : يغرب عن ثقات المكيين والمدنيين ، وقال : يحيى بن معين إسماعيل ثقة فيما روى عن الشاميين ، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم ، وقال أبو حاتم : هو لين يكتب حديثه ولا أعلم أحدا كف عنه إلا وقال أبا إسحاق الفزاري الترمذي : قال أحمد : هو أصلح من بقية فإن لبقية أحاديث مناكير ، وقال أحمد بن أبي الحواري : قال لي : يروون عندكم عن وكيع إسماعيل بن [ ص: 101 ] عياش ، فقلت : أما الوليد ومروان فيرويان عنه ، وأما الهيثم بن خارجة ومحمد بن إياس فلا ، فقال : وأي شيء الهيثم وابن إياس إنما أصحاب البلد الوليد ومروان ، والله أعلم .
قال - رحمه الله - : ( وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال : قال ابن المبارك : نعم الرجل بقية لولا أنه يكني الأسامي ويسمي الكنى ، كان دهرا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس ) قوله : ( سمعت بعض أصحاب عبد الله ) هذا مجهول ولا يصح الاحتجاج به ، ولكن ذكره مسلم متابعة لا أصلا . وقد تقدم في الكتاب نظير هذا وقد قدمنا وجه إدخاله هنا .
وأما قوله : ( يكني الأسامي ويسمي الكنى ) فمعناه : أنه إذا روى عن إنسان معروف باسمه كناه ولم يسمه ، وإذا روى عن معروف بكنيته سماه ولم يكنه ، وهذا نوع من التدليس وهو قبيح مذموم فإنه يلبس أمره على الناس ويوهم أن ذلك الراوي ليس هو ذلك الضعيف فيخرجه عن حاله المعروفة بالجرح المتفق عليه وعلى تركه إلى حالة الجهالة التي لا تؤثر عند جماعة من العلماء ; بل يحتجون لصاحبها وتفضي توقفا عن الحكم بصحته أو ضعفه عند الآخرين ، وقد يعتضد المجهول فيحتج به أو يرجح به غيره أو يستأنس به . وأقبح هذا النوع أن يكني الضعيف ، أو يسميه بكنية الثقة أو باسمه لاشتراكهما في ذلك ، وشهرة الثقة به فيوهم الاحتجاج به . وقد قدمنا وبسطه في الفصول المتقدمة والله أعلم . حكم التدليس
وأما ( الوحاظي ) فبضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة وحكى صاحب المطالع وغيره فتح الواو أيضا ، قال : بطن من أبو علي الغساني حمير ، وعبد القدوس هذا هو الشامي الذي تقدم تضعيفه وتصحيفه وهو بفتح الكاف عبد القدوس بن حبيب الكلاعي أبو سعيد الشامي فهو كلاعي وحاظي .
وقول الدارمي : ( سمعت أبا نعيم وذكر المعلى بن عرفان فقال : حدثنا أبو وائل قال : خرج علينا ابن مسعود بصفين فقال أبو نعيم : أتراه بعث بعد الموت ) معنى هذا الكلام أن المعلى كذب على أبي وائل في قوله هذا ; لأن ابن مسعود - رضي الله عنه - توفي سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل : سنة [ ص: 102 ] ثلاث وثلاثين ، والأول قول الأكثرين ، وهذا قبل انقضاء خلافة عثمان - رضي الله عنه - بثلاث سنين ، وصفين كانت في خلافة علي - رضي الله عنه - بعد ذلك بسنتين فلا يكون ابن مسعود - رضي الله عنه - خرج عليهم بصفين إلا أن يكون بعث بعد الموت وقد علمتم أنه لم يبعث بعد الموت ، مع جلالته وكمال فضيلته وعلو مرتبته والاتفاق على صيانته لا يقول خرج علينا من لم يخرج عليهم ، هذا ما لا شك فيه فتعين أن يكون الكذب من وأبو وائل المعلى بن عرفان مع ما عرف من ضعفه .
وقوله : ( أتراه ) هو بضم التاء ومعناه أتظنه .
وأما ( صفين ) فبكسر الصاد والفاء المشددة وبعدها ياء في الأحوال الثلاث : الرفع والنصب والجر ، وهذه هي اللغة المشهورة وفيها لغة أخرى حكاها عن أبو عمر الزاهد ثعلب عن الفراء ، وحكاها صاحب المطالع وغيره من المتأخرين بالواو في حال الرفع ، وهي موضع الوقعة بين أهل الشام والعراق مع علي ومعاوية - رضي الله عنهما - .
وأما ( عرفان ) والد المعلى فبضم العين المهملة وإسكان الراء وبالفاء هذا وهو المشهور ، وحكي فيه كسر العين ، وبالكسر ضبطه الحافظ أبو عامر العبدري ، والمعلى هذا أسدي كوفي ضعيف ، قال - رحمه الله - في تاريخه : هو منكر الحديث ، وضعفه البخاري أيضا وغيره . النسائي
وأما ( بضم المهملة ، لقب واسمه أبو نعيم ) فهو الفضل بن دكين عمرو بن حماد بن زهير وأبو نعيم كوفي من أجل أهل زمانه ومن أتقنهم رحمه الله .
قال - رحمه الله - : ( وحدثني ) اسم جعفر هذا أحمد بن سعيد بن صخر النيسابوري ، كان ثقة عالما ثبتا متقنا أحد حفاظ الحديث ، وكان أكثر أيامه الرحلة في طلب الحديث . أبو جعفر الدارمي
قوله : ( صالح مولى التوءمة ) هو بتاء مثناة من فوق ثم واو ساكنة ثم همزة مفتوحة قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا صوابها ، قال : وقد يسهل فتفتح الواو وينقل إليها حركة الهمزة ، قال القاضي : ومن ضم التاء وهمز الواو فقد أخطأ ، وهي رواية أكثر المشايخ والرواة وكما قيدناه أولا قيده أصحاب المؤتلف والمختلف ، وكذلك أتقناه على أهل المعرفة من شيوخنا ، قال : والتوءمة هذه هي بنت أمية بن خلف الجمحي قاله وغيره ، قال البخاري الواقدي : وكانت مع أخت لها في بطن واحد فلذلك قيل : التوءمة وهي مولاة أبي صالح ، وأبو صالح هذا اسمه نبهان ، هذا آخر كلام القاضي ، ثم إن [ ص: 103 ] - رحمه الله - حكم بضعف مالكا صالح مولى التوأمة وقال : ليس هو ثقة ، وقد خالفه غيره فقال : صالح هذا ثقة حجة فقيل : إن يحيى ابن معين ترك السماع منه فقال : إنما أدركه مالكا مالك بعدما كبر وخرف وكذلك الثوري إنما أدركه بعد أن خرف فسمع منه أحاديث منكرات ، ولكن من سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت . وقال : لا بأس به إذا سمعوا منه قديما مثل أبو أحمد بن عدي ابن أبي ذئب وابن جريج وغيرهم . وقال وزياد بن سعد أبو زرعة : صالح هذا ضعيف ، وقال : ليس بقوي . وقال أبو حاتم الرازي أبو حاتم بن حيان : تغير صالح مولى التوءمة في سنة خمس وعشرين ومائة ، واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك . والله أعلم .
وأما ( أبو الحويرث ) الذي قال مالك : إنه ليس بثقة فهو بضم الحاء واسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري الزرقي المدني ، قال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوي عندهم ، وأنكر قول أحمد بن حنبل مالك : إنه ليس بثقة .
وقال : روى عنه شعبة . وذكره في تاريخه ولم يتكلم فيه ، قال : وكان البخاري شعبة يقول فيه : أبو الجويرية ، وحكى هذا القول ثم قال : وهو وهم . وأما ( الحاكم أبو أحمد شعبة ) الذي روى عنه ابن أبي ذئب ، وقال مالك : ليس هو بثقة - فهو شعبة القرشي الهاشمي المدني أبو عبد الله ، وقيل : أبو يحيى ، مولى ابن عباس ، سمع ابن عباس - رضي الله عنهما - ضعفه كثيرون مع مالك وقال أحمد بن حنبل : ليس به بأس ، قال ويحيى بن معين : ولم أجد له حديثا منكرا . ابن عدي
وأما ( ) فهو السيد الجليل محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن شعبة بن عبد الله القرشي العامري المدني فهو منسوب إلى جد جده ، وأما ( ابن أبي ذئب حرام بن عثمان ) الذي قال مالك : ليس هو بثقة فهو بفتح الحاء وبالراء ، قال : هو أنصاري سلمي منكر الحديث ، قال البخاري الزبير : كان يتشيع روى عن ابن جابر بن عبد الله ، وقال : هو مدني ضعيف . النسائي
قوله : ( وسألته - يعني - عن رجل فقال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي ) هذا تصريح من مالكا مالك - رحمه الله - بأن من أدخله في كتابه فهو ثقة ، فمن وجدناه في كتابه حكمنا بأنه ثقة عند مالك ، وقد لا يكون ثقة عند غيره . وقد اختلف العلماء في فذهب بعضهم إلى أنه تعديل ، وذهب الجماهير إلى أنه ليس بتعديل ، وهذا هو الصواب ; فإنه قد يروي عن غير الثقة لا للاحتجاج به ، بل للاعتبار والاستشهاد أو لغير ذلك ، أما إذا قال : مثل قول رواية العدل عن مجهول هل يكون تعديلا له ؟ مالك أو نحوه فمن أدخله في كتابه فهو عنده عدل ، أما إذا قال أخبرني الثقة ; فإنه يكفي في التعديل عند من يوافق القائل في المذهب وأسباب الجرح على المختار فأما من لا يوافقه أو يجهل حاله فلا يكفي في التعديل في حقه ; لأنه قد يكون فيه سبب جرح لا يراه القائل جارحا ونحن نراه جارحا ; فإن تخفى ومختلف فيها ، وربما لو ذكر اسمه اطلعنا فيه على جارح . أسباب الجرح
[ ص: 104 ] قوله : ( عن شرحبيل بن سعد وكان متهما ) قد قدمنا أن شرحبيل اسم عجمي لا ينصرف ، وكان شرحبيل هذا من أئمة المغازي ، قال سفيان بن عيينة : لم يكن أحد أعلم منه بالمغازي فاحتاج ، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلب منه شيئا فلم يعطه أن يقول : لم يشهد أبوك بدرا ، قال غير سفيان : كان شرحبيل مولى للأنصار ، وهو مدني كنيته أبو سعد ، قال محمد بن سعد : كان شيخا قديما روى عن وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقي إلى آخر الزمان حتى اختلط ، واحتاج حاجة شديدة ، وليس يحتج به . زيد بن ثابت
قوله : ( ابن قهزاذ عن الطالقاني ) تقدم ضبطهما في الباب الذي قبل هذا .
قوله : ( لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة ) . و ( محرر ) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبالراء المكررة الأولى مفتوحة ، وقد تقدم في أول الكتاب .
قوله : ( قال زيد يعني ابن أبي أنيسة ، لا تأخذوا عن أخي ) أما ( أنيسة ) فبضم الهمزة وفتح النون ، واسم ، وأما الأخ المذكور فاسمه ( أبي أنيسة زيد يحيى ) وهو المذكور في الرواية الأخرى ، وهو يروي عن الزهري ، ، وهو ضعيف ، قال وعمرو بن شعيب : ليس هو بذاك ، وقال البخاري : ضعيف متروك الحديث ، وأما أخوه النسائي زيد فثقة جليل احتج به البخاري ومسلم ، قال محمد بن سعد : كان ثقة ، كثير الحديث ، فقيها راوية للعلم .
قوله : ( حدثني قال : حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي عبد السلام الوابصي ) أما ( الدورقي ) فتقدم بيانه في وسط هذا الباب .
وأما ( الوابصي ) فبكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة وهو عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد ، الأسدي ، أبو الفضل الرقي - بفتح الراء - قاضي الرقة وحران وحلب وقضى ببغداد .
[ ص: 105 ] قوله : ( ذكر فرقد عند أيوب فقال : ليس بصاحب حديث ) و ( فرقد ) بفتح الفاء وإسكان الراء وفتح القاف وهو فرقد بن يعقوب السبخي بفتح السين المهملة والموحدة وبالخاء المعجمة - منسوب إلى سبخة البصرة ، أبو يعقوب ، التابعي العابد ، لا يحتج بحديثه عند أهل الحديث ; لكونه ليس صنعته كما قدمناه في قوله : لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث . وقال في رواية عنه : ثقة . يحيى بن معين
قوله : ( فضعفه جدا ) هو بكسر الجيم وهو مصدر جد يجد جدا ومعناه : تضعيفا بليغا .
قوله : ( سمعت ضعف يحيى بن سعيد القطان حكيم بن جبير ، وعبد الأعلى ، وضعف يحيى بن موسى بن دينار ، وقال : حديثه ريح . وضعف موسى بن الدهقان ، وعيسى بن أبي عيسى المدني ) هكذا وقع في الأصول كلها وضعف يحيى بن موسى بإثبات لفظة ( بن ) بين يحيى وموسى ، وهو غلط بلا شك . والصواب حذفها . كذا قاله الحفاظ ; منهم أبو علي الغساني الجياني وجماعات آخرون . والغلط فيه من رواة كتاب مسلم ، لا من مسلم . ويحيى هو ابن سعيد القطان المذكور أولا فضعف يحيى بن سعيد حكيم بن جبير ، وعبد الأعلى ، وموسى بن دينار ، وموسى بن الدهقان ، وعيسى . وكل هؤلاء متفق على ضعفهم .
وأقوال الأئمة في تضعيفهم مشهورة .
فأما ( حكيم ) : كوفي متشيع . قال : هو غال في التشييع . وقيل أبو حاتم الرازي ، لعبد الرحمن بن مهدي ولشعبة : لم تركتما حديث حكيم ؟ قالا : نخاف النار .
وأما ( عبد الأعلى ) فهو ابن عامر الثعالبي - بالمثلثة الكوفي .
وأما ( موسى بن دينار ) فمكي يروي عن سالم ، قاله . النسائي
وأما ( موسى بن الدهقان ) فبصري يروي عن ابن كعب بن مالك ، والدهقان بكسر الدال .
وأما ( عيسى بن أبي عيسى ) فهو عيسى بن ميسرة أبو موسى ، ويقال أبو محمد الغفاري ، المدني أصله كوفي يقال له : الخياط والحناط ، والخباط ، الأول إلى الخياطة ، [ ص: 106 ] والثاني إلى الحنطة والثالث إلى الخبط قال : كان خياطا ، ثم ترك ذلك وصار حناطا ، ثم ترك ذلك وصار يبيع الخبط . يحيى بن معين
قوله ( لا تكتب حديث عبيدة بن معتب والسري بن إسماعيل ، ومحمد بن سالم ) هؤلاء الثلاثة مشهورون بالضعف والترك فعبيدة بضم العين هذا هو الصحيح المشهور في كتب المؤتلف والمختلف ، وغيرهما . وحكى صاحب المطالع عن بعض رواة أنه ضبطه بضم العين وفتحها . و ( البخاري معتب ) بضم الميم وفتح المهملة وكسر المثناة فوق بعدها موحدة . و ( عبيدة ) هذا صبي كوفي كنيته أبو عبد الكريم وأما ( السري ) فهمداني بإسكان الميم - كوفي ، وأما ( محمد بن سالم ) كوفي أيضا ; فاستوى الثلاثة في كونهم : كوفيين متروكين والله أعلم ،
قال - رحمه الله - في الأحاديث الضعيفة : ( ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها ) هكذا هو في الأصول المحققة من رواية الفراوي عن الفارسي عن الجلودي ، وذكر القاضي عياض أنه هكذا هو في رواية الفارسي عن ، وأنها الصواب ، وأنه وقع في روايات شيوخهم عن العذري عن الرازي عن الجلودي ( وأقلها أو أكثرها ) قال القاضي : وهذا مختل مصحف ، وهذا الذي قاله القاضي فيه نظر . ولا ينبغي أن يحكم بكونه تصحيفا فإن لهذه الرواية وجها في الجملة لمن تدبرها .
قوله : ( وأهل القناعة ) هي بفتح القاف أي الذين يقنع بحديثهم ، لكمال حفظهم وإتقانهم وعدالتهم .
قوله : ( ولا مقنع ) هو بفتح الميم والنون .
[ ص: 107 ] ( الجرح وشروطه )
فرع في جملة المسائل والقواعد التي تتعلق بهذا الباب
إحداها : اعلم أن جائز ; بل واجب بالاتفاق للضرورة الداعية إليه لصيانة الشريعة المكرمة ، وليس هو من الغيبة المحرمة ; بل من النصيحة لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، ولم يزل فضلاء الأئمة وأخيارهم ، وأهل الورع منهم يفعلون ذلك ، كما ذكر جرح الرواة مسلم في هذا الباب عن جماعات منهم ما ذكره ، وقد ذكرت أنا قطعة صالحة من كلامهم فيه في أول شرح صحيح - رحمه الله - ثم على الجارح تقوى الله تعالى في ذلك ، والتثبت فيه ، والحذر من البخاري ، أو بنقص من لم يظهر نقصه ; فإن مفسدة الجرح عظيمة ; فإنها غيبة مؤبدة مبطلة لأحاديثه ، مسقطة لسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورادة لحكم من أحكام الدين . ثم إنما يجوز الجرح لعارف به ، مقبول القول فيه ، أما التساهل بجرح سليم من الجرح ، أو لم يكن ممن يقبل قوله فيه ; فلا يجوز له الكلام في أحد ; فإن تكلم كان كلامه غيبة محرمة ، كذا ذكره إذا لم يكن الجارح من أهل المعرفة القاضي عياض رحمه الله وهو ظاهر . قال : وهذا ، ولو عابه قائل بما جرح به أدب وكان غيبة . كالشاهد يجوز جرحه لأهل الجرح
الثانية : ، الجرح لا يقبل إلا من عدل عارف بأسبابه ؟ فيه خلاف للعلماء ، والصحيح أنه ; لا يشترط بل يصير مجروحا أو عدلا بقول واحد ; لأنه من باب الخبر ; فيقبل فيه الواحد . وهل يشترط في الجارح والمعدل العدد ؟ اختلفوا فيه ; فذهب وهل يشترط ذكر سبب الجرح أم لا وكثيرون إلى اشتراطه لكونه قد يعده مجروحا بما لا يجرح لخفاء الأسباب ولاختلاف العلماء فيها . وذهب الشافعي في آخرين إلى أنه لا يشترط . وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط من العارف بأسبابه ، ويشترط من غيره . وعلى مذهب من اشترط في الجرح التفسير يقول : فائدة القاضي أبو بكر بن الباقلاني أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح . ثم من وجد في الصحيحين ممن جرحه بعض المتقدمين يحمل ذلك على أنه لم يثبت جرحه مفسرا بما يجرح ، الجرح فيمن جرح مطلقا ، قدم الجرح ، على المختار الذي قاله المحققون والجماهير ، ولا فرق بين أن يكون عدد المعدلين أكثر أو أقل وقيل : إذا كان المعدلون أكثر قدم التعديل ، والصحيح الأول لأن الجارح اطلع على أمر خفي جهله المعدل . ولو تعارض جرح وتعديل
الثالثة : قد ذكر مسلم - رحمه الله - في هذا الباب : أن الشعبي روى عن وشهد أنه كاذب . وعن غيره : حدثني فلان وكان متهما ، وعن غيره الحارث الأعور . فقد يقال لم حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم ؟ ويجاب عنه بأجوبة : الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين
أحدها : أنهم رووها ليعرفوها ، وليبينوا ضعفها ; لئلا يلتبس في وقت عليهم ، أو على غيرهم ، أو يتشككوا في صحتها .
الثاني : أن كما قدمناه في فصل المتابعات ، ولا يحتج به على انفراده . الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد
الثالث : أن يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل ; فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض ، وذلك سهل عليهم معروف عندهم . وبهذا احتج روايات الراوي الضعيف رحمه الله حين نهى عن الرواية عن سفيان الثوري الكلبي ، فقيل له : أنت تروي عنه فقال : أنا أعلم صدقه من كذبه .
الرابع : أنهم قد يروون عنهم أحاديث [ ص: 108 ] الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال ، والقصص ، وأحاديث الزهد ، ومكارم الأخلاق ، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام ، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه .
ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به ، لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله . وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام ، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ، ولا محقق من غيرهم من العلماء : وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك ، واعتمادهم عليه ، فليس بصواب ، بل قبيح جدا ، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به . فإنهم متفقون على أنه ، وإن كان لا يعرف ضعفه ، لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفا . والله أعلم . لا يحتج بالضعيف في الأحكام
المسألة الرابعة : في بيان وقد نقحها أصناف الكاذبين في الحديث وحكمهم القاضي عياض - رحمه الله - فقال : الكاذبون ضربان :
أحدهما : ضرب عرفوا بالكذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أنواع : منهم : كالزنادقة وأشباههم ممن لم يرج للدين وقارا . من يضع عليه ما لم يقله أصلا ، إما ترافعا واستخفافا بزعمهم وتدينا كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب ، وإما وإما حسبة كفسقة المحدثين ، وإما إغرابا وسمعة ومتعصبي المذاهب ، وإما تعصبا واحتجاجا كدعاة المبتدعة . وقد تعين جماعة من كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال ، ومنهم من لا يضع متن الحديث ، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادا صحيحا مشهورا . ومنهم من يقلب الأسانيد أو يزيد فيها ، ويتعمد ذلك إما للإغراب على غيره ، وإما لرفع الجهالة عن نفسه . ومنهم من يكذب فيدعي سماع ما لم يسمع ، ولقاء من لم يلق ، ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم . ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهؤلاء كلهم كذابون متروكو الحديث وكذلك من اتباعا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر فيما أتوه ، فلا يحدث عن هؤلاء ، ولا يقبل ما حدثوا به . ولو لم يقع منهم ما جاءوا به إلا مرة واحدة ; كشاهد الزور إذا تعمد ذلك سقطت شهادته . واختلف تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه قلت : المختار الأظهر قبول توبته كغيره من أنواع الفسق . وحجة من ردها أبدا وإن حسنت توبته التغليظ ، وتعظيم العقوبة في هذا الكذب ، والمبالغة في الزجر عنه ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : هل تقبل روايته في المستقبل إذا ظهرت توبته ؟ . إن كذبا علي ليس ككذب على أحد
قال القاضي :
والضرب الثاني : من لا يستجيز شيئا من هذا كله في الحديث ، ولكنه ، فهذا أيضا لا تقبل روايته ولا شهادته ، وتنفعه التوبة ، ويرجع إلى القبول . يكذب في حديث الناس ، قد عرف بذلك
فأما ، فلا يقطع بجرحه بمثله لاحتمال الغلط عليه والوهم ، وإن اعترف بتعمد ذلك المرة الواحدة ، ما لم يضر به من يندر منه القليل من الكذب ، ولم يعرف به مسلما ، فلا يجرح بهذا ، وإن كانت معصية لندورها ، ولأنها لا تلحق بالكبائر الموبقات ، ولأن أكثر الناس قلما يسلمون من مواقعات بعض الهنات . وكذلك لا يسقطها ، أو الغلو في القول ; إذ ليس بكذب في الحقيقة ، وإن كان في صورة الكذب ، لأنه لا يدخل تحت حد [ ص: 109 ] الكذب ، ولا يريد المتكلم به الإخبار عن ظاهر لفظه . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " كذبه فيما هو من باب التعريض أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه " وقد قال أما إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - : هذه أختي . هذا آخر كلام القاضي رحمه الله وقد أتقن هذا الفصل رحمه الله ورضي عنه والله أعلم .
قوله : ( لو ضربنا عن حكايته ) كذا هو في الأصول ضربنا وهو صحيح وإن كانت لغة قليلة قال الأزهري : يقال ضربت عن الأمر ، وأضربت عنه ، بمعنى كففت ، وأعرضت . والمشهور الذي قاله الأكثرون وأضربت بالألف .
وقوله : ( لكان رأيا متينا ) أي قويا .
وقوله : ( وإخمال ذكر قائله ) أي : إسقاطه . والخامل الساقط وهو بالخاء المعجمة .
وقوله : ( أجدى على الأنام ) هو بالجيم والأنام بالنون ومعناه أنفع للناس . هذا هو الصواب والصحيح . ووقع في كثير من الأصول أجدى عن الآثام بالثاء المثلثة ، وهذا وإن كان له وجه ; فالوجه هو الأول . ويقال في الأنام أيضا حكاه الزبيدي والواحدي وغيرهما .
قوله : ( وسوء رويته ) بفتح الراء وكسر الواو وتشديد الياء ، أي : فكره .
[ ص: 111 ] قوله : ( حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا ) هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول الصحيحة المعتمدة ( حتى ) بالتاء المثناة من فوق ثم المثناة من تحت . ووقع في بعض النسخ ( حين ) بالياء ثم بالنون وهو تصحيف .
قال مسلم - رحمه الله : ( فيقال لمخترع هذا القول : قد أعطيت في جملة قولك أن خبر الواحد الثقة حجة يلزم به العمل ) هذا الذي قاله مسلم رحمه الله تنبيه على القاعدة العظيمة التي ينبني عليها معظم أحكام الشرع ، وهو وجوب ; فينبغي الاهتمام بها والاعتناء بتحقيقها ، وقد أطنب العلماء - رحمهم الله - في الاحتجاج لها وإيضاحها ، وأفردها جماعة من السلف بالتصنيف ، واعتنى بها أئمة المحدثين وأصول الفقه ، وأول من بلغنا تصنيفه فيها الإمام العمل بخبر الواحد : رحمه الله ، وقد تقررت أدلتها النقلية والعقلية في كتب أصول الفقه ونذكر هنا طرفا في بيان خبر الواحد والمذاهب فيه مختصرا . الشافعي
قال العلماء : . الخبر ضربان : متواتر وآحاد
عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط ، ويخبرون عن حسي لا مظنون ويحصل العلم بقولهم . ثم المختار الذي عليه المحققون والأكثرون أن ذلك لا يضبط بعدد مخصوص ، ولا يشترط في المخبرين الإسلام ولا العدالة . وفيه مذاهب أخرى ضعيفة ، وتفريعات معروفة مستقصاة في كتب الأصول . فالمتواتر ، ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب
وأما سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر . واختلف في حكمه ; فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول : أن خبر الواحد : فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر من حجج الشرع يلزم العمل بها ، خبر الواحد الثقة حجة ، وأن وجوب العمل به عرفناه بالشرع لا بالعقل . وذهبت ويفيد الظن ولا يفيد [ ص: 112 ] العلم القدرية والرافضة وبعض أهل الظاهر إلى أنه يجب العمل به ثم منهم من يقول : منع من العمل به دليل العقل . ومنهم من يقول : منع دليل الشرع . وذهبت طائفة إلى أنه يجب العمل به من جهة دليل العقل . وقال من المعتزلة : لا يجب العمل إلا بما رواه اثنان عن اثنين . وقال غيره . لا يجب العمل إلا بما رواه أربعة عن أربعة . وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم . وقال بعضهم يوجب العلم الظاهر دون الباطن . وذهب بعض المحدثين إلى أن أو صحيح البخاري مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد . وقد قدمنا هذا القول وإبطاله في الفصول وهذه الأقاويل كلها سوى قول الجمهور باطلة ، وإبطال من قال لا حجة فيه ظاهر ; فلم تزل كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وآحاد رسله يعمل بها ، ويلزمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - العمل بذلك ، واستمر على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم . ولم تزل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنة ، وقضائهم به ، ورجوعهم إليه في القضاء والفتيا ، ونقضهم به ما حكموا به خلافه ، وطلبهم خبر الواحد عند عدم الحجة ممن هو عنده واحتجاجهم بذلك على من خالفهم ، وانقياد المخالف لذلك . وهذا كله معروف لا شك في شيء منه . والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد وقد جاء الشرع بوجوب العمل به ، فوجب المصير إليه . الآحاد التي في صحيح
وأما من قال يوجب العلم : فهو مكابر للحسن . وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك ، متطرق إليه ؟ والله أعلم .
قال مسلم - رحمه الله - حكاية عن مخالفه : ( والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة ) هذا الذي قاله هو المعروف من مذاهب المحدثين وهو قول وجماعة من الفقهاء : وذهب الشافعي مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء إلى جواز . وقد قدمنا في الفصول السابقة بيان أحكام المرسل واضحة ، وبسطناها بسطا شافيا ، وإن كان لفظه مختصرا وجيزا . والله أعلم . الاحتجاج بالمرسل
قوله ( فإن عزب عني معرفة ذلك أوقفت الخبر ) يقال : عزب الشيء عني بفتح الزاي ويعزب بكسر الزاي وضمها لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبع . والضم أشهر وأكثر . ومعناه : ذهب .
وقوله : ( أوقفت الخبر ) كذا هو في الأصول أوقفت وهي لغة قليلة . والفصيح المشهور وقفت بغير ألف .
( باب صحة إذا أمكن لقاء المعنعنين ولم يكن فيهم مدلس ) الاحتجاج بالحديث المعنعن
حاصل هذا الباب أن مسلما - رحمه الله - ادعى إجماع العلماء قديما وحديثا على أن محمول على الاتصال والسماع إذا أمكن لقاء من أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضا يعني مع براءتهم من التدليس . ونقل المعنعن ، وهو الذي فيه فلان عن فلان مسلم عن بعض أهل عصره أنه قال : لا تقوم الحجة بها ، ولا يحمل على الاتصال ، حتى يثبت أنهما التقيا في عمرهما مرة فأكثر ، ولا يكفي إمكان تلاقيهما . قال مسلم : وهذا قول ساقط مخترع مستحدث ، لم يسبق قائله إليه ، ولا مساعد له من أهل العلم عليه ، وإن القول به بدعة باطلة وأطنب مسلم - رحمه الله - في الشناعة على قائله ، واحتج مسلم - رحمه الله - بكلام مختصره : أن المعنعن عند أهل العلم محمول على الاتصال إذا ثبت التلاقي ، مع احتمال الإرسال ، وكذا إذا أمكن التلاقي . وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحققون ، وقالوا : هذا الذي صار إليه ضعيف ، والذي رده هو المختار الذي عليه أئمة هذا الفن : ، علي بن المديني وغيرهما . وقد زاد جماعة من المتأخرين على هذا ; فاشترط والبخاري القابسي أن يكون قد أدركه إدراكا بينا ، وزاد ; فاشترط طول الصحبة بينهما ، وزاد أبو المظفر السمعاني الفقيه الشافعي ; فاشترط معرفته بالرواية عنه . ودليل هذا المذهب المختار الذي ذهب إليه أبو عمرو الداني المقري ابن المديني وموافقوهما : أن والبخاري إنما حمل على الاتصال ; لأن الظاهر ، ممن ليس بمدلس ، أنه لا يطلق ذلك إلا على السماع ، ثم الاستقراء يدل عليه . فإن عادتهم أنهم لا يطلقون ذلك إلا فيما سمعوه ، إلا المدلس ، ولهذا رددنا المعنعن عند ثبوت التلاقي . فإذا ثبت التلاقي غلب على الظن الاتصال ، والباب مبني على غلبة الظن ؟ فاكتفينا به . وليس هذا المعنى موجودا فيما رواية المدلس ; فإنه لا يغلب على الظن الاتصال فلا يجوز الحمل على الاتصال ، ويصير كالمجهول ; فإن روايته مردودة لا للقطع بكذبه أو ضعفه بل للشك في حاله . والله أعلم . إذا أمكن التلاقي ولم يثبت
هذا حكم . المعنعن من غير المدلس
وأما المدلس فتقدم بيان حكمه في الفصول السابقة . هذا كله تفريع على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه السلف والخلف من أصحاب الحديث والفقه والأصول : أن المعنعن محمول على الاتصال بشرطه الذي قدمناه على الاختلاف فيه . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يحتج بالمعنعن مطلقا لاحتمال [ ص: 110 ] الانقطاع ، وهذا المذهب مردود بإجماع السلف ، ودليلهم ما أشرنا إليه من حصول غلبة الظن مع الاستقراء . والله أعلم . هذا حكم المعنعن .
أما ، كقوله : حدثني إذا قال : حدثني فلان : أن فلانا قال الزهري : أن قال : كذا ، أو حدث بكذا ، أو نحوه : فالجمهور على أن لفظة أن كعن فيحمل على الاتصال بالشرط المتقدم . وقال سعيد بن المسيب ، أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة ، وأبو بكر : لا تحمل أن على الاتصال . وإن كانت عن للاتصال . والصحيح الأول ، ; فكله محمول على الاتصال والسماع . وكذا قال ، وحدث ، وذكر ، وشبهها
[ ص: 113 ] قوله : ( في ذكر هشام لما أحب أن يرويها مرسلا ) ضبطناه ( لما ) بفتح اللام وتشديد الميم ، ومرسلا بفتح السين ويجوز تخفيف ( لما ) وكسر سين مرسلا .
قوله : ( وينشط أحيانا ) هو بفتح الياء والشين أي يخف في أوقات .
قوله ( عن عائشة - رضي الله عنها - كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله ولحرمه ) يقال : ( حرمه ) بضم الحاء وكسرها لغتان . ومعناه لإحرامه قال القاضي عياض - رحمه الله - : قيدناه عن شيوخنا بالوجهين ، قال : وبالضم قيده وخطأ الخطابي أصحاب الحديث في كسره . وقيده الخطابي ثابت بالكسر وحكي عن المحدثين الضم ، وخطأهم فيه ، وقال : صوابه الكسر ، كما قال لحله . وفي هذا الحديث استحباب . وقد اختلف فيه السلف والخلف ومذهب التطيب عند الإحرام وكثيرين استحبابه . ومذهب الشافعي مالك في آخرين كراهيته ، وسيأتي بسط المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .
[ ص: 114 ] قوله في الرواية الأخرى : ( عن عائشة رضي الله عنها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض ) فيه جمل من العلم ، منها أن ، وهذا مجمع عليه . ولا يصح ما حكي عن أعضاء الحائض طاهرة أبي يوسف من نجاسة يدها ، وفيه جواز ، ترجيل المعتكف شعره . واستدل به أصحابنا وغيرهم على أن ونظره إلى امرأته ، ولمسها شيئا منه بغير شهوة منه ، وأن الحائض لا تدخل المسجد . ولا يظهر فيه دلالة لواحد منهما فإنه لا شك في كون هذا هو المحبوب وليس في الحديث أكثر من هذا . الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد
فأما الاشتراط والتحريم في حقها : فليس فيه ، لكن لذلك دلائل أخر مقررة في كتب الفقه . واحتج القاضي عياض - رحمه الله - به على أن ورد به على قليل الملامسة لا تنقض الوضوء . وهذا الاستدلال منه عجب وأي دلالة فيه لهذا وأين في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمس بشرة الشافعي عائشة - رضي الله عنها - وكان على طهارة ، ثم صلى بها ؟ فقد لا يكون متوضئا . ولو كان فما فيه أنه : ما جدد طهارة ، ولأن الملموس لا ينتقض وضوءه على أحد قولي ، ولأن الشافعي لا ينقض عند لمس الشعر ، كذا نص في كتبه وليس في الحديث أكثر من مسها الشعر . والله أعلم . الشافعي
قوله : ( وروى الزهري ، وصالح بن أبي حسان ) هكذا هو في الأصول ببلادنا ، وكذا ذكره القاضي عياض عن معظم الأصول ببلادهم . وذكر أنه وجد في نسخة أبو علي الغساني الرازي أحد رواتهم صالح بن كيسان . قال أبو علي : وهو وهم ، والصواب صالح بن أبي حسان . وقد ذكر هذا الحديث ، وغيره من طريق النسائي ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان عن أبي سلمة . قلت : قال الترمذي عن : البخاري صالح بن أبي حسان ثقة . وكذا وثقه غيره - وإنما ذكرت هذا لأنه ربما اشتبه بصالح بن حسان أبي الحرث البصري المديني ويقال : الأنصاري ، وهو في طبقة صالح ابن أبي حسان هذا ; فإنهما يرويان جميعا عن ، ويروي عنهما جميعا أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب . ولكن صالح بن حسان متفق على ضعفه ، وأقوالهم في ضعفه مشهورة ، وقال في الكفاية : أجمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج الخطيب البغدادي بصالح بن حسان هذا لسوء حفظه وقلة ضبطه . والله أعلم .
قوله : ( فقال في هذا الخبر في القبلة : أخبرني يحيى بن أبي كثير أبو سلمة أن عمر بن عبد العزيز [ ص: 115 ] أخبره أن عروة أخبره أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته ) هذه الرواية اجتمع فيها أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض : أولهم وهذا من أطرف الطرف . يحيى بن كثير
وأغرب لطائف الإسناد . ولهذا نظائر قليلة في الكتاب وغيره سيمر بك إن شاء الله تعالى ما تيسر منها . وقد جمعت جملة منها في أول شرح صحيح رحمه الله ، وقد تقدم التنبيه على هذا . وفي هذا الإسناد لطيفة أخرى : وهو أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ; فإن البخاري أبا سلمة من كبار التابعين ، من أصاغرهم سنا وطبقة ; وإن كان من كبارهم علما وقدرا ودينا وورعا وزهدا وغير ذلك . واسم وعمر بن عبد العزيز أبي سلمة هذا هذا هو المشهور . وقيل : اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف إسماعيل . وقال عمرو بن علي : لا يعرف اسمه . وقال : كنيته هي اسمه . حكى هذه الأقوال فيه أحمد بن حنبل - رحمه الله - . الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي
وأبو سلمة هذا من أجل التابعين ، ومن أفقههم . وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال فيهم .
وأما ( ) فتابعي صغير ، كنيته يحيى بن أبي كثير أبو نصر ، رأى أنس بن مالك ، وسمع السائب بن يزيد ، وكان جليل القدر . واسم أبي كثير صالح ، وقيل : سيار وقيل : نشيط ، وقيل : دينار .
قوله : ( لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله ) هو بقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت أي مقتضاه .
قوله : ( إذا كان ممن عرف بالتدليس ) قد قدمنا بيان التدليس في الفصول السابقة فلا حاجة إلى إعادته .
قوله : ( فما ابتغي ذلك من غير مدلس ) هكذا وقع في أكثر الأصول ( فما ابتغي ) بضم التاء وكسر الغين على ما لم يسم فاعله . وفي بعضها : ( ابتغى ) بفتح التاء والغين وفي بعض الأصول المحققة : ( فمن ابتغى ) ولكل واحد وجه .
[ ص: 116 ] قوله : ( فمن ذلك أن وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد روى عن عبد الله بن يزيد الأنصاري حذيفة وعن وعن كل واحد منهما حديثا يسنده ) أما حديثه عن أبي أبي مسعود الأنصاري مسعود : فهو حديث نفقة الرجل على أهله ، وقد خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وأما حديثه عن حذيفة : فقوله : الحديث أخرجه أخبرني النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن مسلم .
وأما ( ، قال الجمهور : سكن أبو مسعود ) فاسمه عقبة بن عمرو الأنصاري المعروف بالبدري بدرا ولم يشهدها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال الزهري ، والحكم ، التابعيون ، ومحمد بن إسحاق : شهدها . والبخاري
وأما قوله : ( وعن كل واحد ) فكذا هو في الأصول ( وعن ) بالواو والوجه حذفها فإنها تغير المعنى .
قوله : ( وهي في زعم من حكينا قوله واهية ) هو بفتح الزاي وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورة . ولو قال : ضعيفة بدل واهية لكان أحسن ; فإن هذا القائل لا يدعي أنها واهية شديدة الضعف متناهية فيه ، كما هو معنى واهية ، بل يقتصر على أنها ضعيفة لا تقوم بها الحجة .
[ ص: 117 ] قوله : ( وهذا أبو عثمان النهدي ، ، وهما ممن أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البدريين هلم جرا ، ونقلا عنهما الأخبار ، حتى نزلا إلى مثل وأبو رافع الصائغ أبي هريرة وذويهما ، قد أسند كل واحد منهما عن وابن عمر أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) أما ( وتقدم بيانه . أبو عثمان النهدي ) فاسمه عبد الرحمن بن مل
وأما ( أبو رافع ) : فاسمه نفيع المدني ، قال ثابت : لما أعتق أبو رافع بكى ، فقيل له : ما يبكيك ، فقال : كان لي أجران فذهب أحدهما .
وأما قوله : ( أدرك الجاهلية ) فمعناه : كانا رجلين قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والجاهلية ما قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سموا بذلك لكثرة جهالاتهم .
وقوله : ( من البدريين هلم جرا ) قال القاضي عياض : ليس هذا موضع استعمال ( هلم جرا ) لأنها إنما تستعمل فيما اتصل إلى زمان المتكلم بها ، وإنما أراد مسلم فمن بعدهم من الصحابة .
وقوله : ( جرا ) منون قال صاحب المطالع : قال ابن الأنباري : معنى هلم جرا سيروا وتمهلوا في سيركم وتثبتوا ، وهو من الجر ، وهو ترك النعم في سيرها ، فيستعمل فيما دووم عليه من الأعمال . قال ابن الأنباري : فانتصب ( جرا ) على المصدر ، أي : جروا جرا ، أو على الحال أو على التمييز .
وقوله : ( وذويهما ) فيه إضافة ذي إلى غير الأجناس والمعروف عند أهل العربية أنها لا تستعمل إلا مضافة إلى الأجناس كذي مال .
وقد جاء في الحديث وغيره من كلام العرب إضافة أحرف منها إلى المفردات كما في الحديث " " وكقولهم : وتصل ذا رحمك ذو يزن ، وذو نواس ، وأشباهها . قالوا : هذا كله مقدر فيه الانفصال ; فتقدير ذي رحمك : الذي له معك رحم .
وأما حديث أبي عثمان عن أبي فقوله : كان رجل لا أعلم أحدا أبعد بيتا من المسجد منه الحديث . وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " خرجه أعطاك الله ما احتسبت مسلم .
وأما حديث أبي رافع عنه فهو ، رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف في العشر الأخر فسافر عاما فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوما أبو داود والنسائي في سننهم ، ورواه جماعات من أصحاب المسانيد . وابن ماجه
قوله : ( وأسند أبو عمرو الشيباني كل واحد منهما عن وأبو معمر عبد الله بن سخبرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرين ) أبي مسعود الأنصاري
أما ( تقدم ذكره . أبو عمرو الشيباني ) : فاسمه سعد بن إياس
وأما ( سخبرة ) : فبسين مهملة مفتوحة ثم خاء معجمة ساكنة ثم موحدة مفتوحة .
وأما الحديثان اللذان رواهما الشيباني : فأحدهما حديث والآخر جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إنه أبدع بي " أخرجهما جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بناقة مخطومة فقال : " لك بها يوم القيامة سبعمائة مسلم ، وأسند أبو عمرو الشيباني أيضا عن أبي مسعود حديث " " رواه المستشار مؤتمن ابن ماجه ، وعبد بن حميد في مسنده .
وأما حديثا [ ص: 118 ] أبي معمر فأحدهما أخرجه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة مسلم . والآخر " صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع " رواه لا تجزي أبو داود ، ، والترمذي ، والنسائي وغيرهم من أصحاب السنن والمسانيد . قال وابن ماجه الترمذي : هو حديث حسن صحيح . والله أعلم .
قال مسلم - رحمه الله - : ( وأسند عن عبيد بن عمير أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو قولها لما مات أبو سلمة قلت : غريب وفي أرض غربة بكاء يتحدث عنه أخرجه مسلم . واسم ، واسمه أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة ، وقيل : سهيل بن المغيرة المخزومية ، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ثلاث ، وقيل : اسمها رملة ، وليس بشيء .
قوله : ( وأسند عن قيس بن أبي حازم أبي مسعود ثلاثة أخبار ) هي حديث " " وحديث " إن الإيمان هاهنا ، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين " وحديث إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد . أخرجها كلها لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان البخاري ومسلم في صحيحيهما ، واسم أبي حازم عبد عوف ، وقيل : عوف بن عبد الحارث البجلي صحابي .
قوله : ( وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو قوله أبو طلحة أم سليم اصنعي طعاما للنبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه أمر مسلم وقد تقدم اسم أبي ليلى ، وبيان الاختلاف فيه وبيان ابنه وابن ابنه .
قوله : ( وأسند عن ربعي بن حراش عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثين وعن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) أما حديثاه عن عمران ; فأحدهما : في إسلام حصين والد عمران وفيه قوله كان عبد المطلب خيرا لقومك منك رواه عبد بن حميد في مسنده في كتابه عمل اليوم والليلة بإسناديهما الصحيحين . والحديث الآخر " والنسائي " رواه لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله في سننه . النسائي
وأما حديثه عن أبي بكرة فهو " " أخرجه إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم مسلم وأشار إليه واسم البخاري . كني أبي بكرة : نفيع بن الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللام الثقفي بأبي بكرة لأنه تدلى من حصن الطائف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببكرة . وكان أبو بكرة ممن اعتزل يوم الجمل فلم يقاتل مع أحد من الفريقين .
وأما ( ربعي ) بكسر الراء ( وحراش ) بالحاء المهملة فتقدم بيانهما .
[ ص: 119 ] قوله : ( وأسند عن نافع بن جبير بن مطعم أبي شريح الخزاعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) أما حديثه فهو حديث " " أخرجه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره مسلم في كتاب الإيمان هكذا من رواية ، وقد أخرجه نافع بن جبير البخاري ومسلم أيضا من رواية . سعيد بن أبي سعيد المقبري
وأما ( أبو شريح ) فاسمه : خويلد بن عمرو ، وقيل : عبد الرحمن وقيل : عمرو بن خويلد ، وقيل : هانئ بن عمرو ، وقيل : كعب . ويقال فيه : أبو شريح الخزاعي والعدوي والكعبي .
قوله : ( وأسند النعمان بن أبي عياش عن - رضي الله عنه - ثلاثة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أما الحديث الأول : أبي سعيد الخدري فمن صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفا
والثاني أخرجهما معا إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها البخاري ومسلم .
والثالث : الحديث أخرجه إن أدنى أهل الجنة منزلة من صرف الله وجهه مسلم .
وأما ( أبو ، منسوب إلى سعيد الخدري ) فاسمه سعد بن مالك بن سنان خدرة بن عوف بن الحرث بن الخزرج . توفي أبو سعيد بالمدينة سنة أربع وستين ، وقيل : سنة أربع وسبعين ، وهو ابن أربع وسبعين .
وأما ( أبو عياش ) والد النعمان : فبالشين المعجمة . واسمه زيد بن الصامت ، وقيل : زيد بن النعمان ، وقيل : عبيد بن معاوية بن الصامت ، وقيل : عبد الرحمن .
قوله : ( وأسند عطاء بن يزيد الليثي عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو حديث " تميم الداري " . وأما الدين النصيحة فكذا هو في تميم الداري مسلم ، واختلف فيه رواة الموطأ ففي رواية يحيى وابن بكير وغيرهما ( الديري ) بالياء ، وفي رواية القعنبي وابن القاسم وأكثرهم ( الداري ) بالألف ، واختلف العلماء في أنه إلى ما نسب ; فقال الجمهور : إلى جد من أجداده ، وهو الدار بن هانئ فإنه تميم بن أوس ابن خارجة بن سور بضم السين بن جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة بن ذراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم وهو مالك بن عدي .
وأما من قال : الديري فهو نسبة إلى دير كان تميم فيه قبل الإسلام وكان نصرانيا ، هكذا رواه في كتابه مناقب أبو الحسن الرازي بإسناده الصحيح عن الشافعي أنه قال في النسبتين : ما ذكرناه . وعلى هذا أكثر العلماء . ومنهم من قال الشافعي الداري بالألف إلى دارين وهو مكان عند البحرين وهو محط السفن ، كان يجلب إليه العطر من الهند ، ولذلك قيل للعطار داري . ومنهم من جعله بالياء نسبة إلى قبيلة أيضا . وهو بعيد شاذ . حكاه والذي قبله صاحب المطالع ، قال وصوب بعضهم الديري قلت : وكلاهما صواب ، فنسب إلى القبيلة بالألف وإلى الدير بالياء ; لاجتماع الوصفين فيه . قال صاحب المطالع : وليس في الصحيحين والموطأ داري ولا ديري ديري إلا تميم . وكنية تميم أبو رقية ، أسلم [ ص: 120 ] سنة تسع وكان بالمدينة ، ثم انتقل إلى الشام فنزل ببيت المقدس ، وقد روى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة الجساسة ، وهذه لتميم ، ويدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر . والله أعلم . منقبة شريفة
قوله : ( وأسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو حديث المحاقلة أخرجه مسلم .
قوله : ( وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ) من هذه الأحاديث " أبي هريرة شهر الله المحرم ، أفضل الصيام بعد رمضان صلاة الليل وأفضل الصلاة بعد الفريضة " أخرجه مسلم منفردا به عن قال البخاري أبو عبد الله الحميدي - رحمه الله - في آخر مسند من الجمع بين الصحيحين : ليس أبي هريرة عن لحميد بن عبد الرحمن الحميري في الصحيح غير هذا الحديث قال : وليس له عند أبي هريرة في صحيحه عن البخاري شيء . وهذا الذي قاله أبي هريرة صحيح . وربما اشتبه الحميدي حميد بن عبد الرحمن الحميري هذا الراوي عن بحميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أيضا . وقد رويا له في الصحيحين عن أبي هريرة أحاديث كثيرة ; فقد يقف من لا خبرة له على شيء منهما فينكر قول أبي هريرة توهما منه أن الحميدي حميدا هذا هو ذاك وهو خطأ صريح ، وجهل قبيح ، وليس للحميري عن أيضا في الكتب الثلاثة التي هي تمام أصول الإسلام الخمسة أعني : سنن أبي هريرة أبي داود ، ، والترمذي غير هذا الحديث . والنسائي
قوله : ( كلاما خلفا ) بإسكان اللام وهو الساقط الفاسد .
قوله : ( وعليه التكلان ) هو بضم التاء وإسكان الكاف أي الاتكال . والله أعلم بالصواب . ولله الحمد والنعمة ، والفضل والمنة ، وبه التوفيق والعصمة .
[ ص: 121 ] [ ( باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى )
( وبيان الدليل على وإغلاظ القول في حقه ) ] التبري ممن لا يؤمن بالقدر
أهم ما يذكر في الباب ، وعمومهما ، وخصوصهما ، وأن اختلاف العلماء في الإيمان والإسلام ؟ وأن الإيمان يزيد وينقص أم لا ؟ وقد أكثر العلماء رحمهم الله تعالى من المتقدمين والمتأخرين القول في كل ما ذكرناه . الأعمال من الإيمان أم لا
وأنا أقتصر على نقل أطراف من متفرقات كلامهم يحصل منها مقصود ما ذكرته مع زيادات كثيرة .
قال الإمام الفقيه الأديب الشافعي المحقق - رحمه الله - في كتابه معالم السنن : ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة . أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي
فأما الزهري فقال : الإسلام الكلمة ، والإيمان العمل ، واحتج بالآية يعني قوله سبحانه وتعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وذهب غيره إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد . واحتج بقوله تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين قال : وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم ، وصار كل واحد منهما إلى قول من هذين . ورد الآخر منهما على المتقدم ، وصنف عليه كتابا يبلغ عدد أوراقه المئين . الخطابي
قال : والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ، ولا يطلق ; وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ، ولا يكون مؤمنا في بعضها . والمؤمن الخطابي مسلم في جميع [ ص: 122 ] الأحوال ; . وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات ، واعتدل القول فيها ، ولم يختلف شيء منها . فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا
، وأصل الإيمان : التصديق ; فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر ، غير منقاد في الباطن ، وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر . وقال وأصل الإسلام : الاستسلام والانقياد أيضا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الخطابي الإيمان بضع وسبعون شعبة في هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أدنى وأعلى ، والاسم يتعلق ببعضها ، كما يتعلق بكلها ، والحقيقة تقتضي جميع شعبه ، وتستوفي جملة أجزائه ; كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء ، والاسم يتعلق ببعضها ، والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها . ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : . وفيه : إثبات الحياء شعبة من الإيمان ، وتباين المؤمنين في درجاته . هذا آخر كلام التفاضل في الإيمان . وقال الإمام الخطابي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي - رحمه الله - في حديث سؤال جبريل - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام وجوابه ، قال : جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال ; وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام ; بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد ، وجماعها الدين ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد جبريل أتاكم يعلمكم دينكم والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا ; يدل عليه قوله - سبحانه وتعالى - ذاك إن الدين عند الله الإسلام ورضيت لكم الإسلام دينا و ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فأخبر سبحانه وتعالى أن ، ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل . هذا كلام الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام البغوي .
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي - رحمه الله - في كتابه التحرير في شرح صحيح مسلم : الإيمان في اللغة هو التصديق فإن عنى به ذلك فلا يزيد ولا ينقص ; لأن التصديق ليس شيئا يتجزأ حتى يتصور كماله مرة ونقصه أخرى . . وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقص . وهو مذهب أهل السنة ، قال : فالخلاف في هذا على التحقيق إنما هو أن والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان والمختار عندنا أنه لا يسمى به . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل الإيمان هل يسمى مؤمنا مطلقا أم لا ؟ لأنه لم يعمل بموجب الإيمان فيستحق هذا الإطلاق . هذا آخر كلام صاحب التحرير . لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
وقال الإمام في شرح صحيح أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي المغربي : مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها : أن البخاري ، والحجة على زيادته ونقصانه : ما أورده الإيمان قول وعمل يزيد وينقص من الآيات ، يعني قوله عز وجل : البخاري ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وقوله تعالى : وزدناهم هدى ، وقوله تعالى : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وقوله [ ص: 123 ] تعالى : والذين اهتدوا زادهم وقوله تعالى : ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقوله تعالى : أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وقوله تعالى : فاخشوهم فزادهم إيمانا وقوله تعالى : وما زادهم إلا إيمانا وتسليما قال ابن بطال : فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص ، قال : فإن قيل : الإيمان في اللغة التصديق ، فالجواب : أن التصديق يكمل بالطاعات كلها ، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل ، وبهذه الجملة يزيد الإيمان وبنقصانها ينقص ، ، ومتى زادت زاد الإيمان كمالا . هذا توسط القول في الإيمان . وأما التصديق بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - : فلا ينقص ولذلك توقف فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان مالك - رحمه الله - في بعض الروايات عن القول بالنقصان ; إذ لا يجوز نقصان التصديق ; لأنه إذا نقص صار شكا ، وخرج عن اسم الإيمان .
وقال بعضهم : إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب ، وقد قال مالك بنقصان الإيمان مثل قول جماعة أهل السنة . قال عبد الرزاق : سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وعبيد الله بن عمر ، والأوزاعي ومعمر بن راشد ، وابن جريج ، يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وهذا قول وسفيان بن عيينة ابن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصري ، ، وعطاء ، وطاوس ومجاهد ، . فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة : التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح ، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع : أنه لو وعبد الله بن المبارك ، لا يستحق اسم مؤمن . ولو عرفه ، وعمل ، وجحد بلسانه ، وكذب ما عرف من التوحيد ، لا يستحق اسم مؤمن ، وكذلك إذا أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه ، لا يسمى مؤمنا بالإطلاق وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى ; لقوله عز وجل : أقر بالله تعالى وبرسله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ولم يعمل بالفرائض إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا فأخبرنا سبحانه وتعالى : أن المؤمن من كانت هذه صفته .
وقال ابن بطال في باب من قال الإيمان هو العمل : فإن قيل : قد قدمتم أن الإيمان هو التصديق قيل : التصديق هو أول منازل الإيمان ، ويوجب للمصدق الدخول فيه ، ولا يوجب له استكمال منازله ، ولا يسمى مؤمنا مطلقا . هذا مذهب جماعة أهل السنة : أن الإيمان قول وعمل .
قال أبو عبيد : وهو قول مالك والثوري ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة الدين من والأوزاعي أهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم .
قال ابن بطال : وهذا المعنى أراد - رحمه الله - إثباته في [ ص: 124 ] كتاب الإيمان وعليه بوب أبوابه كلها . فقال : باب أمور الإيمان ، وباب الصلاة من الإيمان ، وباب الزكاة من الإيمان ، وباب الجهاد من الإيمان ، وسائر أبوابه ، وإنما أراد الرد على البخاري المرجئة في قولهم : إن الإيمان قول بلا عمل وتبيين غلطهم ، وسوء اعتقادهم ومخالفتهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة ثم قال ابن بطال في باب آخر : قال المهلب : الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذي هو عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذي لا ينفع عند الله تعالى غيره .
وقالت الكرامية وبعض المرجئة : الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب ، ومن أقوى ما يرد به عليهم إجماع الأمة على وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين ، قال الله تعالى : إكفار المنافقين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله . . . إلى قوله تعالى : وتزهق أنفسهم وهم كافرون هذا آخر كلام ابن بطال .
وقال الشيخ الإمام - رحمه الله - : قوله - صلى الله عليه وسلم - : أبو عمرو بن الصلاح : الإسلام محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، والإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال : هذا بيان لأصل الإيمان ، وهو التصديق الباطن ، وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر ، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين ، وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة ، والحج ، والصوم ، لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه ، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ، ثم إن أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن في هذا الحديث وسائر الطاعات لأنها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ، ومقويات ومتممات وحافظات له ، ولهذا فسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث وفد اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم . ولهذا ، لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ، ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد ; ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة ، أو بدل فريضة واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ; فإن ذلك كله استسلام . قال : فخرج مما ذكرناه وحققنا أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان ، وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا . قال : وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون . وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم . هذا آخر كلام الشيخ أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ، ويتناول أصل الطاعات أبي عمرو بن الصلاح ، فإذا تقرر ما ذكرناه من مذاهب السلف ، وأئمة الخلف ، فهي متظاهرة متطابقة على كون الإيمان يزيد وينقص . وهذا مذهب السلف والمحدثين وجماعة من المتكلمين .
وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصانه ، وقالوا : متى قبل الزيادة كان شكا وكفرا قال المحققون من أصحابنا المتكلمين : نفس . والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته ، وهي الأعمال ونقصانها قالوا : وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف ، وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون ، وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرا حسنا فالأظهر - والله أعلم - أن نفس [ ص: 125 ] التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض ، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال . وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك فهذا مما لا يمكن إنكاره . التصديق لا يزيد ولا ينقص
ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق - رضي الله عنه - لا يساويه تصديق آحاد الناس ; ولهذا قال أبي بكر الصديق في صحيحه : قال البخاري : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان ابن أبي مليكة جبريل وميكائيل . والله أعلم .
وأما فمتفق عليه عند أهل الحق . ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر . قال الله تعالى : إطلاق اسم الإيمان على الأعمال وما كان الله ليضيع إيمانكم أجمعوا على أن المراد صلاتكم .
وأما الأحاديث فستمر بك في هذا الكتاب منها جمل مستكثرات والله أعلم .
واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ، ونطق بالشهادتين ، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك فإنه يكون مؤمنا . أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول وأنا بريء من كل دين خالف الإسلام إلا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب فإنه لا يحكم بإسلامه إلا بأن يتبرأ ، ومن أصحابنا أصحاب إذا عجز عن النطق رحمه الله من شرط أن يتبرأ مطلقا ، وليس بشيء : أما الشافعي : فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلما . ومن أصحابنا من قال : يكون مسلما ويطالب بالشهادة الأخرى ، فإن أبى جعل مرتدا . ويحتج لهذا القول بقوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا اقتصر على قوله لا إله إلا الله ، ولم يقل : محمد رسول الله وهذا محمول عند الجماهير على قول الشهادتين ، واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى لارتباطهما وشهرتهما والله أعلم . أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم
أما إذا ؟ فيه وجهان لأصحابنا ، فمن جعله مسلما قال : كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلما . أما إذا أقر بوجوب الصلاة أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها فهل يجعل بذلك مسلما ؟ فيه وجهان لأصحابنا : الصحيح منهما أنه يصير مسلما لوجود الإقرار ، وهذا الوجه هو الحق ولا يظهر للآخر وجه وقد بينت ذلك مستقصى في شرح المهذب والله أعلم . أقر بالشهادتين بالعجمية وهو يحسن العربية فهل يجعل بذلك مسلما
واختلف العلماء من السلف وغيرهم في إطلاق الإنسان قوله : ( أنا مؤمن ) فقالت طائفة : لا يقول أنا مؤمن مقتصرا عليه بل . وحكى هذا المذهب بعض أصحابنا عن أكثر أصحابنا المتكلمين ، وذهب آخرون إلى جواز الإطلاق وأنه لا يقول : ( إن شاء الله ) . وهذا هو المختار ، وقول [ ص: 126 ] أهل التحقيق . وذهب يقول : أنا مؤمن إن شاء الله الأوزاعي وغيره إلى جواز الأمرين . والكل صحيح باعتبارات مختلفة فمن أطلق نظر إلى الحال وأحكام الإيمان جارية عليه في الحال ، ومن قال : إن شاء الله فقالوا فيه : هو إما للتبرك ، وإما لاعتبار العاقبة وما قدر الله تعالى ; فلا يدري أيثبت على الإيمان أم يصرف عنه ، والقول بالتخيير حسن صحيح نظرا إلى مأخذ القولين الأولين ورفعا لحقيقة الخلاف وأما الكافر ففيه خلاف غريب لأصحابنا ، منهم من قال : يقال : هو كافر ، ولا يقول إن شاء الله ، ومنهم من قال : هو في التقييد كالمسلم على ما تقدم فيقال على قول التقييد : هو كافر إن شاء الله نظرا إلى الخاتمة وأنها مجهولة ، وهذا القول اختاره بعض المحققين والله أعلم .
واعلم أن مذهب أهل الحق : أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ، وأن ولا يكفر أهل الأهواء والبدع حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك ; فإن استمر حكم بكفره ، وكذا حكم من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة . فهذه جمل من المسائل المتعلقة بالإيمان قدمتها في صدر الكتاب تمهيدا لكونها مما يكثر الاحتياج إليه ولكثرة تكررها وتردادها في الأحاديث ، فقدمتها لأحيل عليها إذا مررت بما يخرج عليها والله أعلم بالصواب . وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة . من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة
قال الإمام رضي الله عنه : ( حدثني أبو الحسين مسلم بن الحجاج حدثنا وكيع عن أبو خيثمة زهير بن حرب كهمس عن عبد الله بن بريدة عن ح وحدثنا يحيى بن يعمر وهذا حديثه ثنا أبي ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري كهمس عن ابن بريدة عن قال : كان أول من قال في القدر يحيى بن يعمر بالبصرة معبد الجهني إلى آخر الحديث ) اعلم أن مسلما - رحمه الله - سلك في هذا الكتاب طريقة في الإتقان والاحتياط والتدقيق والتحقيق مع الاختصار البليغ والإيجاز التام في نهاية من الحسن مصرحة بغزارة علومه ودقة نظره وحذقه ، وذلك يظهر في الإسناد تارة وفي المتن تارة وفيهما تارة ، فينبغي للناظر في كتابه أن يتنبه لما ذكرته فإنه يجد عجائب من النفائس والدقائق تقر بآحاد أفرادها عينه ، وينشرح لها صدره ، وتنشطه للاشتغال بهذا العلم . واعلم أنه لا يعرف أحد شارك مسلما في هذه النفائس التي يشير إليها من دقائق علم الإسناد . وكتاب وإن كان أصح وأجل وأكثر فوائد في الأحكام والمعاني ، فكتاب البخاري مسلم يمتاز بزوائد من صنعة الإسناد ، وسترى مما أنبه عليه من ذلك ما ينشرح له صدرك ، ويزداد به الكتاب ومصنفه في قلبك جلالة إن شاء الله تعالى . فإذا تقرر ما قلته ففي هذه الأحرف التي ذكرها من الإسناد أنواع مما ذكرته ، فمن ذلك أنه قال أولا : حدثني أبو خيثمة ، ثم قال في الطريق الآخر : وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، ففرق بين حدثني وحدثنا . وهذا تنبيه على القاعدة المعروفة عند أهل الصنعة وهي أنه ، يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ : حدثني ، وفيما سمعه مع [ ص: 127 ] غيره من لفظ الشيخ : حدثنا ، وهذا اصطلاح معروف عندهم ، وهو مستحب عندهم ، ولو تركه وأبدل حرفا من ذلك بآخر صح السماع ولكن ترك الأولى . والله أعلم . وفيما قرأه وحده على الشيخ : أخبرني ، وفيما قرئ بحضرته في جماعة على الشيخ : أخبرنا
ومن ذلك أنه قال في الطريق الأول : ( حدثنا عن وكيع كهمس عن عبد الله بن بريدة عن ) ثم في الطريق الثاني أعاد الرواية ( عن يحيى بن يعمر كهمس عن ابن بريدة عن يحيى ) فقد يقال : هذا تطويل لا يليق بإتقان مسلم واختصاره ، فكان ينبغي أن يقف بالطريق الأول على ، ويجتمع وكيع معاذ في الرواية عن ووكيع كهمس عن ابن بريدة وهذا الاعتراض فاسد لا يصدر إلا من شديد الجهالة بهذا الفن . فإن مسلما رحمه الله يسلك الاختصار لكن بحيث لا يحصل خلل ، ولا يفوت به مقصود ، وهذا الموضع يحصل في الاختصار فيه خلل ، ويفوت به مقصود ; وذلك لأن قال : عن وكيعا كهمس ، ومعاذ قال : حدثنا كهمس . وقد علم بما قدمناه في باب أن العلماء اختلفوا في الاحتجاج ولم يختلفوا في المتصل ، فأتى المعنعن مسلم بالروايتين كما سمعتا ليعرف المتفق عليه من المختلف فيه وليكون راويا باللفظ الذي سمعه . ولهذا نظائر في مسلم ستراها مع التنبيه عليها إن شاء الله تعالى وإن كان مثل هذا ظاهرا لمن له أدنى اعتناء بهذا الفن إلا أني أنبه عليه لغيرهم ولبعضهم ممن قد يغفل ، ولكلهم من جهة أخرى وهو أنه يسقط عنهم النظر وتحرير عبارة عن المقصود . وهنا مقصود آخر وهو أن في رواية قال : عن وكيع عبد الله بن بريدة ، وفي رواية معاذ قال : عن ابن بريدة ، فلو أتى بأحد اللفظين حصل خلل فإنه إن قال : ابن بريدة لم ندر ما اسمه ، وهل هو عبد الله هذا ، أو أخوه ؟ وإن قال : سليمان بن بريدة عبد الله بن بريدة كان كاذبا على معاذ فإنه ليس في روايته عبد الله والله أعلم .
وأما قوله في الرواية الأولى ( عن ) فلا يظهر لذكره أولا فائدة ، وعادة يحيى بن يعمر مسلم وغيره في مثل هذا أن لا يذكروا لأن الطريقين اجتمعتا في يحيى بن يعمر ابن بريدة ولفظهما عنه بصيغة واحدة إلا أني رأيت في بعض النسخ في الطريق الأولى عن يحيى فحسب ، وليس فيها ابن يعمر ، فإن صح هذا فهو مزيل للإنكار الذي ذكرناه ; فإنه يكون فيه فائدة كما قررناه في ابن بريدة والله أعلم . ومن ذلك قوله : ( وحدثنا عبيد الله بن معاذ وهذا حديثه ) ، فهذه عادة لمسلم - رحمه الله - قد أكثر منها وقد استعملها غيره قليلا وهي مصرحة بما ذكرته من تحقيقه وورعه واحتياطه ومقصوده أن الراويين اتفقا في المعنى واختلفا في بعض الألفاظ وهذا لفظ فلان والآخر بمعناه والله أعلم .
وأما قوله ( ح ) بعد في الرواية الأولى فهي حاء التحويل من إسناد إلى إسناد فيقول القارئ إذا انتهى إليها : ح قال وحدثنا فلان هذا هو المختار ، وقد قدمت في الفصول السابقة بيانها والخلاف فيها والله أعلم . فهذا ما حضرني في الحال في التنبيه على دقائق هذا الإسناد وهو تنبيه على ما سواه ، وأرجو أن يتفطن به لما عداه ولا ينبغي للناظر في هذا الشرح أن يسأم من شيء من ذلك يجده مبسوطا واضحا فإني إنما أقصد بذلك إن شاء الله الكريم الإيضاح والتيسير والنصيحة لمطالعه وإعانته وإغناءه من مراجعة غيره في بيانه ، وهذا مقصود الشروح . فمن استطال شيئا من هذا وشبهه فهو [ ص: 128 ] بعيد من الإتقان ، مباعد للفلاح في هذا الشأن ، فليعز نفسه لسوء حاله ، وليرجع عما ارتكبه من قبيح فعاله . ولا ينبغي لطالب التحقيق والتنقيح والإتقان والتدقيق أن يلتفت إلى كراهة أو سآمة ذوي البطالة ، وأصحاب الغباوة والمهانة والملالة ، بل يفرح بما يجده من العلم مبسوطا ، وما يصادفه من القواعد والمشكلات واضحا مضبوطا ، ويحمد الله الكريم على تيسيره ، ويدعو لجامعه الساعي في تنقيحه وإيضاحه وتقريره . وفقنا الله الكريم لمعالي الأمور ، وجنبنا بفضله جميع أنواع الشرور ، وجمع بيننا وبين أحبابنا في دار الحبور والسرور . والله أعلم . يحيى بن يعمر
وأما ضبط أسماء المذكورين في هذا الإسناد : فخيثمة بفتح المعجمة وإسكان المثناة تحت وبعدها مثلثة .
وأما ( كهمس ) فبفتح الكاف وإسكان الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة وهو كهمس بن الحسن أبو الحسن التميمي البصري .
وأما ( ) فبفتح الميم ويقال : بضمها ، وهو غير مصروف لوزن الفعل . كنية يحيى بن يعمر ، ويقال : يحيى بن يعمر أبو سليمان أبو سعيد ، ويقال : أبو عدي البصري ثم المروزي قاضيها من بني عوف بن بكر بن أسد قال في تاريخ الحاكم أبو عبد الله نيسابور : ففيه أديب نحوي مبرز . أخذ النحو عن يحيى بن يعمر أبي الأسود نفاه الحجاج إلى خراسان فقبله وولاه قضاء قتيبة بن مسلم خراسان .
وأما ( معبد الجهني ) فقال في كتابه الأنساب : أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني التميمي المروزي الجهني بضم الجيم نسبة إلى جهينة قبيلة من قضاعة ، واسمه زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة . نزلت الكوفة وبها محلة تنسب إليهم ، وبقيتهم نزلت البصرة . قال : وممن نزل جهينة فنسب إليهم معبد بن خالد الجهني كان يجالس ، وهو الحسن البصري البصرة بالقدر ، فسلك أول من تكلم في أهل البصرة بعده مسلكه لما رأوا ينتحله . قتله عمرو بن عبيد صبرا . وقيل : إنه الحجاج بن يوسف هذا آخر كلام معبد بن عبد الله بن عويمر السمعاني وأما ( البصرة ) فبفتح الباء وضمها وكسرها ثلاث لغات حكاها الأزهري ، والمشهور الفتح ، ويقال لها البصيرة . بالتصغير . قال صاحب المطالع : ويقال لها : تدمر ، ويقال لها : المؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر . والنسب إليها بصري بفتح الباء وكسرها وجهان مشهوران . قال السمعاني يقال البصرة قبة الإسلام ، وخزانة العرب ، بناها في خلافة عتبة بن غزوان - رضي الله عنه - ، بناها سنة سبع عشرة من الهجرة ، وسكنها الناس سنة ثماني عشرة ، ولم يعبد الصنم قط على أرضها ، هكذا كان يقول لي عمر بن الخطاب أبو الفضل عبد الوهاب بن أحمد بن معاوية الواعظ بالبصرة . قال أصحابنا : والبصرة داخلة في أرض سواد العراق وليس لها حكمه والله أعلم .
وأما قوله أول من قال في القدر فمعناه أول من قال بنفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق . ويقال القدر والقدر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان وحكاهما عن ابن قتيبة الكسائي وقالهما غيره . واعلم أن ومعناه : أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ، وعلم - سبحانه - أنها ستقع في أوقات معلومة عنده - سبحانه وتعالى - وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى . الله - تبارك وتعالى - قدر الأشياء في القدم
وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنه - سبحانه [ ص: 129 ] وتعالى - لم يقدرها ولم يتقدم علمه سبحانه وتعالى بها وأنها مستأنفة العلم أي إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها وكذبوا على الله سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا . وسميت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر . قال أصحاب المقالات من المتكلمين : وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل ، ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه ، وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر ; ولكن يقولون : الخير من الله والشر من غيره ، تعالى الله عن قولهم .
وقد حكى أبو محمد بن قتيبة في كتابه غريب الحديث في كتابه الإرشاد في أصول الدين أن بعض وأبو المعالي إمام الحرمين القدرية قال : لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم إثبات القدر . قال والإمام : هذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهتة ; فإن أهل الحق يفوضون أموركم إلى الله سبحانه وتعالى ويضيفون القدر والأفعال إلى الله سبحانه وتعالى ، وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ، ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره ، وينفيه عن نفسه . قال الإمام وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابن قتيبة القدرية مجوس هذه الأمة شبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدرية هذا كلام الإمام وابن قتيبة . وحديث القدرية مجوس هذه الأمة رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أخرجه أبو داود في سننه ، في المستدرك على الصحيحين ، وقال : صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع والحاكم أبو عبد الله أبي حازم من ابن عمر ، قال : إنما جعلهم - صلى الله عليه وسلم - مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب الخطابي المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور ، والشر من فعل الظلمة ، فصاروا ثنوية . وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره ، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا واكتسابا والله أعلم . والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر جميعا
وقال : وقد يحسب كثير من الناس أن الخطابي إجبار الله سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه ، وليس الأمر كما يتوهمونه وإنما معناه : الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها . قال : معنى القضاء والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر ، يقال قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد ، والقدر في هذا معناه الخلق كقوله تعالى : والقضاء فقضاهن سبع سماوات في يومين أي خلقهن ، قلت : وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على . وقد أكثر العلماء من التصنيف فيه ومن أحسن المصنفات فيه وأكثرها فوائد كتاب الحافظ الفقيه إثبات قدر الله سبحانه وتعالى رضي الله عنه وقد قرر أئمتنا من المتكلمين ذلك أحسن تقرير بدلائلهم القطعية السمعية والعقلية . والله أعلم . أبي بكر البيهقي
قوله : ( فوفق لنا عبد الله بن عمر ) هو بضم الواو وكسر الفاء المشددة ، قال صاحب التحرير معناه جعل وفقا لنا وهو من الموافقة التي هي كالالتحام يقال أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين أهل ، [ ص: 130 ] لا قبله ، ولا بعده ، وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام وفي مسند ( فوافق لنا ) بزيادة ألف والموافقة : المصادفة . أبي يعلى الموصلي
قوله : ( فاكتنفته أنا وصاحبي ) يعني صرنا في ناحيتيه . ثم فسره فقال : أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله . وكنفا الطائر جناحاه وفي هذا تنبيه على ، وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به . أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم
قوله : ( فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي ) معناه : يسكت ويفوضه إلي لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني ، فقد جاء عنه في رواية : لأني كنت أبسط لسانا .
قوله : ( ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم ) هو بتقديم القاف على الفاء ، ومعناه : يطلبونه ويتتبعونه هذا هو المشهور ، وقيل : معناه : يجمعونه ، ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان ( يتفقرون ) بتقديم الفاء ، وهو صحيح وهو أيضا معناه : يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه . وروي في غير مسلم يتقفون بتقديم القاف وحذف الراء وهو صحيح أيضا ومعناه أيضا : يتتبعون . قال القاضي عياض : ورأيت بعضهم قال فيه ( يتقعرون ) بالعين ، وفسره بأنهم يطلبون قعره أي غامضه وخفيه . ومنه تقعر في كلامه إذا جاء بالغريب منه وفي رواية يتفقهون بزيادة الهاء وهو ظاهر . أبي يعلى الموصلي
قوله : ( وذكر من شأنهم ) هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون والظاهر أنه من يحيى بن يعمر ابن بريدة الراوي عن يعني وذكر يحيى بن يعمر ابن يعمر من حال هؤلاء ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به .
قوله : ( ) هو بضم الهمزة والنون أي : مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى ، وإنما يعلمه بعد وقوعه كما قدمنا حكايته عن مذهبهم الباطل ، وهذا القول قول غلاتهم وليس قول جميع يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف القدرية ، وكذب قائله وضل وافترى . عافانا الله وسائر المسلمين .
قوله : ( قال يعني ابن عمر - رضي الله عنهما - فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ) هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما ظاهر في تكفيره القدرية . قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا في القدرية الأول الذين نفوا ، قال : والقائل بهذا كافر بلا خلاف ، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة ، قال غيره : ويجوز أنه لم يرد بهذا [ ص: 131 ] الكلام التكفير المخرج من الملة فيكون من قبيل كفران النعم . إلا أن قوله : ما قبله الله منه ، ظاهر في التفكير ; فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم لا يقبل عمله لمعصيته وإن كان صحيحا ، كما أن تقدم علم الله تعالى بالكائنات صحيحة غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل بإجماع السلف وهي غير مقبولة فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا والله أعلم . وقوله : فأنفقه ، يعني في سبيل الله تعالى ، أي طاعته كما جاء في رواية أخرى . قال الصلاة في الدار المغصوبة نفطويه : سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى .
قوله : ( لا يرى عليه أثر السفر ) ضبطناه بالياء المثناة من تحت المضمومة . وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين وغيره . وضبطه الحافظأبو حازم العدوي هنا ( نرى ) بالنون المفتوحة ، وكذا هو في مسند وكلاهما صحيح . أبي يعلى الموصلي
قوله : ( ووضع كفيه على فخذيه ) معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على . والله أعلم . هيئة المتعلم
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . والإيمان أن تؤمن بالله . . . إلى آخره ) هذا قد تقدم بيانه وإيضاحه بما يغني عن إعادته .
قوله : ( فعجبنا له يسأله ويصدقه ) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل ، إنما هذا كلام خبير بالمسئول عنه ، ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) هذا من - لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به فقال - صلى الله عليه وسلم - : اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على [ ص: 132 ] تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقتضاه ، فمقصود الكلام جوامع الكلم التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى ، في إتمام الخشوع والخضوع ، وغير ذلك . وقد ندب أهل الحقائق إلى الحث على الإخلاص في العبادة ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته ؟ . مجالسة الصالحين
قال القاضي عياض - رحمه الله - : وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشبعة منه قال : وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألفنا كتابنا الذي سميناه بالمقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان إذ لا يشذ شيء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) فيه أنه ، وأن ذلك لا ينقصه بل يستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه . وقد بسطت هذا بدلائله وشواهده وما يتعلق به في مقدمة شرح المهذب المشتملة على أنواع من الخير لا بد لطالب العلم من معرفة مثلها وإدامة النظر فيه . والله أعلم . ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم
قوله : ( فأخبرني عن ) هو بفتح الهمزة والأمارة والأمار بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة . أماراتها
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أن ) وفي الرواية الأخرى : ربها على التذكير ، وفي الأخرى : بعلها وقال يعني السراري . ومعنى ربها وربتها . سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها قال الأكثرون من العلماء هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن ; فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ; لأن مال الإنسان صائر إلى ولده ، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين ، إما بتصريح أبيه له بالإذن ، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال . وقيل : معناه أن الإماء يلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته ، وهذا قول تلد الأمة ربتها ، وقيل : معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري ، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد فإنه متصور في غيرهن ; فإن الأمة تلد ولدا حرا من غير سيدها بشبهة ، أو ولدا رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا ، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد . وقيل في معناه غير ما ذكرناه . ولكنها أقوال ضعيفة جدا أو فاسدة فتركتها . إبراهيم الحربي
وأما بعلها فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد فيكون بمعنى ربها على ما ذكرناه . قال أهل اللغة : بعل الشيء ربه ومالكه . وقال ابن عباس رضي الله عنهما والمفسرون في قوله - سبحانه وتعالى - أتدعون بعلا أي : ربا . وقيل : المراد بالبعل [ ص: 133 ] في الحديث : الزوج ومعناه نحو ما تقدم أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري . وهذا أيضا معنى صحيح إلا أن الأول أظهر ; لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى . والله أعلم .
واعلم أن هذا الحديث ليس فيه دليل على إباحة ، ولا منع بيعهن . وقد استدل إمامان من كبار العلماء به على ذلك ، فاستدل أحدهما على الإباحة والآخر على المنع وذلك عجب منهما . وقد أنكر عليهما فإنه ليس كل ما أخبر - صلى الله عليه وسلم - بكونه من علامات الساعة يكون محرما أو مذموما ، فإن بيع أمهات الأولاد . تطاول الرعاء في البنيان ، وفشو المال ليس بحرام بلا شك ، وإنما هذه علامات والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك ; بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره والله أعلم . وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) أما ( العالة ) فهم الفقراء ، والعائل الفقير ، والعيلة الفقر ، وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر . والرعاء بكسر الراء وبالمد ، ويقال فيهم ( رعاة ) بضم الراء وزيادة الهاء بلا مد ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . والله أعلم . أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان
قوله ( فلبث مليا ) هكذا ضبطناه لبث آخره ثاء مثلثة من غير تاء . وفي كثير من الأصول المحققة ( لبثت ) بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح . وأما ( مليا ) بتشديد الياء فمعناه وقتا طويلا . وفي رواية أبي داود أنه قال ذلك بعد ثلاث . وفي شرح السنة والترمذي للبغوي ( بعد ثالثة ) وظاهر هذا : أنه بعد ثلاث ليال . وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث بعد هذا أبي هريرة جبريل ، فيحتمل الجمع بينهما أن ثم أدبر الرجل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ردوا علي الرجل ، فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا عمر - رضي الله عنه - لم يحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم في الحال بل كان قد قام من المجلس ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحاضرين في الحال ، وأخبر عمر - رضي الله عنه - بعد ثلاث إذ لم يكن حاضرا وقت إخبار الباقين . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا . واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض ، وقد تقدم في ضمن الكلام فيه جمل من فوائده ومما لم نذكره من فوائده أن فيه أنه ليحصل الجواب للجميع . وفيه أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجة ، إلى مسألة لا يسألون عنها أن يسأل هو عنها غير هائب ولا منقبض . وأنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ، ويدنيه منه ، ليتمكن من سؤاله . والله أعلم . ينبغي للسائل أن يرفق في سؤاله
[ ص: 134 ] قوله : ( حدثني محمد بن عبيد الغبري وأبو كامل الجحدري وأحمد بن عبدة ) أما ( الغبري ) فبضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وقد تقدم بيانه واضحا في أول مقدمة الكتاب ، و ( وهو بفتح الجيم وبعدها حاء ساكنة ، وتقدم أيضا بيانه في المقدمة ، و ( الجحدري ) اسمه الفضيل بن حسين عبدة ) بإسكان الباء وقد تقدم في الفصول بيان عبدة وعبيدة . وفي هذا الإسناد ( سكن مطر الوراق ) هو مطر بن طهمان أبو رجاء الخرساني البصرة كان يكتب المصاحف فقيل له الوراق .
قوله : ( فحججنا حجة ) هي بكسر الحاء وفتحها لغتان فالكسر هو المسموع من العرب ، والفتح هو القياس ، كالضربة وشبهها كذا قاله أهل اللغة .
قوله : ( عثمان بن غياث ) هو بالغين المعجمة .
و ( ) هو حجاج بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي وقد تقدم في أوائل الكتاب بيانه واتفاقه مع حجاج بن الشاعر الحجاج بن يوسف الوالي الظالم المعروف وافتراقه .
وفي الإسناد يونس وقد تقدم فيه ست لغات ضم النون وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه .
وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات وأن بما هو فيهم جائز بل واجب وأنه ليس من الغيبة المحرمة بل من الذب عن الشريعة المكرمة . جرح الرواة
قال - رحمه الله - ( حدثنا حسن بن الربيع قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد وحدثنا فضيل عن هشام وحدثنا مخلد بن حسين عن هشام عن ابن سيرين ) أما ( هشام ) أولا فمجرور معطوف على أيوب وهو بضم القاف ، هشام بن حسان القردوسي والقائل : وحدثنا ومحمد هو ابن سيرين ، فضيل وحدثنا مخلد ، هو حسن بن الربيع .
وأما ( الزاهد السيد الجليل - رضي الله عنه - . فضيل ) فهو ابن عياض أبو علي
وأما قوله : ( وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ) فهذه مسألة قدمناها في أول الخطبة وبينا المذاهب فيها .
قوله : ( حدثنا هو ابن راهويه الإمام المشهور حافظ أهل زمانه . إسحاق بن إبراهيم الحنظلي )
وأما ( فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد بضم المثناة من تحت وكسر الميم الشامي الدمشقي إمام الأوزاعي ) أهل الشام في زمنه بلا مدافعة ولا مخالفة ، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس ، ثم تحول إلى بيروت فسكنها مرابطا إلى أن مات بها ، وقد انعقد الإجماع على إمامته وجلالته وعلو مرتبته ، وكمال فضيلته ، وأقاويل السلف كثيرة مشهورة في ورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وفقهه وفصاحته واتباعه السنة وإجلال أعيان أئمة زمانه من جميع الأقطار له واعترافهم بمزيته ، وروينا من غير وجه أنه أفتى في سبعين ألف مسألة وروى عن كبار التابعين وروى عنه قتادة والزهري وهم من التابعين وليس هو من التابعين ، وهذا من رواية الأكابر عن الأصاغر . ويحيى بن أبي كثير
واختلفوا في الأوزاع التي نسب إليها فقيل : بطن من حمير ، وقيل : قرية كانت عند باب الفراديس من دمشق ، وقيل : من أوزاع القبائل أي فرقهم وبقايا مجتمعة من قبائل شتى ، وقال أبو زرعة الدمشقي : كان اسم الأوزاعي عبد العزيز فسمى نفسه عبد الرحمن وكان ينزل الأوزاع فغلب ذلك عليه ، وقال محمد بن سعد : الأوزاع بطن من همدان من أنفسهم والله أعلم . والأوزاعي
[ ص: 77 ] قوله : ( لقيت فقلت : حدثني فلان كيت وكيت فقال : إن كان مليا فخذ عنه ) قوله : ( كيت وكيت ) هما بفتح التاء وكسرها لغتان نقلهما طاوسا الجوهري في صحاحه عن أبي عبيدة . وقوله ( إن كان مليا ) يعني : ثقة ضابطا متقنا يوثق بدينه ومعرفته ، ويعتمد عليه كما يعتمد على معاملة الملي بالمال ، ثقة بذمته .
وأما قول مسلم : ( وحدثنا ) فهذا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي الدارمي هو صاحب المسند المعروف كنيته أبو محمد السمرقندي منسوب إلى دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم ، وكان أبو محمد الدارمي هذا أحد حفاظ المسلمين في زمانه قل من كان يدانيه في الفضيلة والحفظ ، قال : ما أعلم أحدا هو أعلم بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رجاء بن مرجى الدارمي ، وقال أبو حاتم : هو إمام أهل زمانه ، وقال أبو حامد بن الشرقي : إنما أخرجت خراسان من أئمة الحديث خمسة رجال : محمد بن يحيى ، ومحمد بن إسماعيل ، وعبد الله بن عبد الرحمن ، ومسلم بن الحجاج ، . وإبراهيم بن أبي طالب
وقال محمد بن عبد الله : غلبنا الدارمي بالحفظ والورع . ولد الدارمي سنة إحدى وثمانين ومائة ، ومات سنة خمس وخمسين ومائتين رحمه الله .
قال مسلم - رحمه الله - : ( حدثنا حدثنا نصر بن علي الجهضمي الأصمعي عن ابن أبي الزناد عن أبيه ) أما ( الجهضمي ) فبفتح الجيم وإسكان الهاء وفتح الضاد المعجمة .
قال الإمام الحافظ في كتابه الأنساب : هذه النسبة إلى أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني الجهاضمة وهي محلة بالبصرة قال : وكان نصر بن علي هذا قاضي البصرة وكان من العلماء المتقنين ، وكان المستعين بالله بعث إليه ليشخصه للقضاء فدعاه أمير البصرة لذلك فقال : أرجع فأستخير الله تعالى فرجع إلى بيته نصف النهار فصلى ركعتين وقال : اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك فنام فأنبهوه فإذا هو ميت ، وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين ، وأما ( الأصمعي ) فهو الإمام المشهور من كبار أئمة اللغة والمكثرين والمعتمدين منهم ، واسمه بقاف [ ص: 78 ] مضمومة ثم راء مفتوحة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم باء موحدة عبد الملك بن قريب ابن عبد الملك بن أصمع البصري أبو سعيد نسب إلى جده ، وكان الأصمعي من ثقات الرواة ومتقنيهم وكان جامعا للغة والغريب والنحو والأخبار والملح ، والنوادر . قال - رحمه الله تعالى - : ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة من الشافعي الأصمعي ، وقال - رحمه الله تعالى - أيضا : ما عبر أحد من العرب بأحسن من عبارة الشافعي الأصمعي ، وروينا عن الأصمعي قال : أحفظ ست عشرة ألف أرجوزة . ( وأما أبو الزناد ) وبكسر الزاي فاسمه عبد الله بن ذكوان كنيته أبو عبد الرحمن لقب له كان يكرهه واشتهر به وهو قرشي مولاهم مدني . وأبو الزناد
وكان الثوري يسمي أمير المؤمنين في الحديث . قال أبا الزناد : أصح أسانيد البخاري أبي هريرة أبو الزناد عن عن الأعرج . وقال أبي هريرة مصعب : كان أبو الزناد فقيه أهل المدينة .
وأما ( ابن أبي الزناد ) فهو عبد الرحمن ثلاثة بنين يروون عنه : ولأبي الزناد عبد الرحمن وقاسم وأبو القاسم .
وأما ( مسعر ) فبكسر الميم وهو المتفق على جلالته وحفظه وإتقانه . وقوله : ( لا يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الثقات ) معناه لا يقبل إلا من الثقات . ابن كدام الهلالي العامري الكوفي أبو سلمة
وأما قوله - رحمه الله - ( حدثني محمد عن عبد الله بن قهزاد من أهل مرو قال سمعت يقول : سمعت عبدان بن عثمان ابن المبارك يقول : الإسناد من الدين ) ففيه لطيفة من لطائف الإسناد الغريبة وهو أنه إسناد خراساني كله من شيخنا أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن مضر إلى آخره . فإني قد قدمت أن الإسناد من شيخنا إلى مسلم خراسانيون نيسابوريون وهؤلاء الثلاثة المذكورون أعني محمدا وعبدان خراسانيون وهذا قل أن يتفق مثله في هذه الأزمان . وابن المبارك
أما ( قهزاذ ) فبقاف مضمومة ثم هاء ساكنة ثم زاي ثم ألف ثم ذال معجمة ، هذا هو الصحيح المشهور المعروف في ضبطه ، وحكى صاحب مطالع الأنوار عن بعضهم أنه قيده بضم الهاء وتشديد الزاي وهو أعجمي فلا ينصرف . قال : مات ابن ماكولا محمد بن عبد الله بن قهزاد هذا يوم الأربعاء لعشر خلون من المحرم سنة اثنتين وستين ومائتين . فتحصل من هذا أن مسلما - رحمه الله - مات قبل شيخه هذا بخمسة أشهر ونصف كما قدمناه أول هذا الكتاب من تاريخ وفاة مسلم رحمه الله .
وأما ( عبدان ) فبفتح العين وهو لقب له واسمه عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي مولاهم ، أبو عبد الرحمن المروزي قال في تاريخه : توفي البخاري عبدان سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين .
وأما ( ابن المبارك ) فهو السيد الجليل جامع أنواع المحاسن أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم . سمع [ ص: 79 ] جماعات من التابعين ، وروى عنه جماعات من كبار العلماء وشيوخه وأئمة عصره كسفيان الثوري وآخرين ، وقد أجمع العلماء على جلالته وإمامته وكبر محله وعلو مرتبته . روينا عن وفضيل بن عياض ، الحسن بن عيسى قال : اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين فقالوا : تعالوا حتى نعد خصال ومحمد بن النضر ، ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا : جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والزهد والشعر والفصاحة والورع والإنصاف وقيام الليل والعبادة والشدة في رأيه وقلة الكلام فيما لا يعنيه وقلة الخلاف على أصحابه ، وقال العباس بن مصعب : جمع ابن المبارك الحديث والفقه والعربية وأيام الناس والشجاعة والتجارة والسخاء والمحبة عند الفرق . وقال محمد بن سعد : صنف ابن المبارك كتبا كثيرة في أبواب العلم وصنوفه ، وأحواله مشهورة معروفة .
وأما ( مرو ) فغير مصروفة وهي مدينة عظيمة بخراسان وأمهات مدائن خراسان أربع : نيسابور ، ومرو ، وبلخ وهراة . والله أعلم .
قوله : ( حدثني العباس بن أبي رزمة قال : سمعت عبد الله يقول : بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد ) أما ( رزمة ) فبراء مكسورة ثم زاي ساكنة ثم ميم ثم هاء .
وأما ( ومعنى هذا الكلام إن جاء بإسناد صحيح قبلنا حديثه وإلا تركناه . فجعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم . ثم إنه وقع في بعض الأصول عبد الله ) فهو ابن المبارك العباس بن رزمة ، وفي بعضها العباس بن أبي رزمة وكلاهما مشكل . ولم يذكر في تاريخه وجماعة من أصحاب كتب أسماء الرجال البخاري العباس ابن رزمة ولا العباس بن أبي رزمة وإنما ذكروا سمع عبد العزيز بن أبي رزمة أبا محمد المروزي ومات في المحرم سنة ست ومائتين واسم عبد الله بن المبارك أبي رزمة غزوان . والله أعلم .
قوله : ( أبا إسحاق الطالقاني - هو بفتح اللام - قال : قلت : الحديث الذي جاء لابن المبارك قال إن من البر بعد البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك وتصوم لهما مع صومك ابن المبارك : عمن هذا ؟ قلت : من حديث قال : ثقة ، عمن ؟ قلت : عن شهاب بن خراش ، الحجاج بن دينار ، قال : ثقة ، عمن ؟ قال . قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : يا أبا إسحق إن بين الحجاج بن دينار وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي ولكن ليس في الصدقة اختلاف ) معنى هذه الحكاية أنه . لا يقبل الحديث إلا بإسناد صحيح
وقوله : ( مفاوز ) جمع مفازة وهي الأرض القفر البعيدة عن العمارة وعن الماء التي [ ص: 80 ] يخاف الهلاك فيها ، قيل : سميت مفازة للتفاؤل بسلامة سالكها كما سموا اللديغ سليما ، وقيل : لأن من قطعها فاز ونجا ، وقيل : لأنها تهلك صاحبها يقال : فوز الرجل : إذا هلك . ثم إن هذه العبارة التي استعملها هنا استعارة حسنة وذلك لأن الحجاج بن دينار هذا من تابعي التابعين ، فأقل ما يمكن أن يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنان التابعي والصحابي فلهذا قال بينهما مفاوز أي : انقطاع كثير .
وأما قوله : ( ليس في الصدقة اختلاف ) فمعناه أن هذا الحديث لا يحتج به ، ولكن من أراد بر والديه فليتصدق عنهما فإن بلا خلاف بين المسلمين وهذا هو الصواب . الصدقة تصل إلى الميت وينتفع بها
وأما ما حكاه أقضى القضاة البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي عن بعض أصحاب الكلام من أن الميت لا يلحقه بعد موته ثواب فهو مذهب باطل قطعا وخطأ بين مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه . أبو الحسن الماوردي
وأما الصلاة والصوم فمذهب وجماهير العلماء أنه لا يصل ثوابهما إلى الميت إلا إذا كان الصوم واجبا على الميت فقضاه عنه وليه أو من أذن له الولي فإن فيه قولين الشافعي أشهرهما عنه أنه لا يصح وأصحهما عند محققي متأخري أصحابه أنه يصح وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله . للشافعي
وأما فالمشهور من مذهب قراءة القرآن أنه لا يصل ثوابها إلى الميت وقال بعض أصحابه : يصل ثوابها إلى الميت . الشافعي
وذهب جماعات من العلماء إلى أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصلاة والصوم والقراءة وغير ذلك ، وفي صحيح في باب من مات وعليه نذر أن البخاري ابن عمر أمر من ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها . وحكى صاحب الحاوي عن عطاء بن أبي رباح أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت . وقال الشيخ وإسحاق بن راهويه من أصحابنا المتأخرين في كتابه الانتصار إلى اختيار هذا ، وقال الإمام أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن أبي عصرون أبو محمد البغوي من أصحابنا في كتابه التهذيب : لا يبعد أن يطعم عن كل صلاة مد من طعام وكل هذه المذاهب ضعيفة . ودليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج فإنها تصل بالإجماع ودليل وموافقيه قول الله : تعالى : الشافعي وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له واختلف أصحاب إذا مات ابن في ركعتي الطواف في حج الأجير هل تقعان عن الأجير أم عن المستأجر ؟ والله أعلم . الشافعي
وأما ( خراش ) المذكور فبكسر الخاء المعجمة وقد تقدم في الفصول أنه ليس في الصحيحين حراش بالمهملة إلا والد ربعي .
وأما قول مسلم : ( حدثني أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال : حدثني أبو النضر هاشم بن [ ص: 81 ] القاسم قال : حدثنا أبو عقيل صاحب بهية ) فهكذا وقع في الأصول أبو بكر بن النضر بن أبي النضر قال : حدثني أبو النضر . و ( أبو النضر ) هذا جد أبي بكر هذا وأكثر ما يستعمل أبو بكر بن أبي النضر ، واسم أبي النضر ولقب هاشم بن القاسم ، أبي النضر قيصر ، وأبو بكر هذا الاسم له لا كنيته هذا هو المشهور ، وقال عبد الله بن أحمد الدورقي : اسمه أحمد ، قال الحافظ : قيل : اسمه أبو القاسم بن عساكر محمد .
وأما ( أبو عقيل ) فبفتح العين و ( بهية ) بضم الباء الموحدة وفتح الهاء وتشديد الياء وهي امرأة تروي عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - قيل : إنها سمتها بهية ، ذكره في تقييد المهمل ، وروى عن أبو علي الغساني بهية مولاها أبو عقيل المذكور واسمه يحيى بن المتوكل الضرير المدني وقيل : الكوفي ، وقد ضعفه يحيى بن معين وعلي بن المديني وعمرو بن علي وعثمان بن سعيد الدارمي وابن عمار ذكر هذا كله والنسائي ، في تاريخ الخطيب البغدادي بغداد بأسانيده عن هؤلاء .
فإن قيل : فإذا كان هذا حاله فكيف روى له مسلم ؟ فجوابه من وجهين : أحدهما : أنه لم يثبت جرحه عنده مفسرا ولا يقبل الجرح إلا مفسرا .
والثاني : أنه لم يذكره أصلا ومقصودا بل ذكره استشهادا لما قبله .
وأما قوله في الرواية الأولى : ( لأنك ابن إمامي هدى للقاسم بن عبيد الله أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ) . وفي الرواية الثانية ( وأنت ابن إمامي الهدى يعني عمر رضي الله عنهما ) فلا مخالفة بينهما فإن وابن عمر القاسم هذا هو ابن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فهو ابنهما ، وأم القاسم هي أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - . فأبو بكر جده الأعلى لأمه [ ص: 82 ] وعمر جده الأعلى لأبيه جده الحقيقي لأبيه رضي الله عنهم أجمعين . وابن عمر
وأما قول سفيان في الرواية الثانية : ( أخبروني عن أبي عقيل ) فقد يقال فيه : هذه رواية عن مجهولين وجوابه ما تقدم أن هذا ذكره متابعة واستشهادا والمتابعة والاستشهاد يذكرون فيهما من لا يحتج به على انفراده ; لأن الاعتماد على ما قبلهما لا عليهما وقد تقدم بيان هذا في الفصول والله أعلم .
قوله : ( سئل ابن عون عن حديث لشهر وهو قائم على أسكفة الباب فقال : إن شهرا نزكوه ، قال : يقول : أخذته ألسنة الناس : تكلموا فيه ) أما ( ابن عون ) فهو الإمام الجليل المجمع على جلالته وورعه كان يسمى سيد القراء أي العلماء وأحواله ومناقبه أكثر من أن تحصر . عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون البصري
وقوله : ( أسكفة الباب ) هي العتبة السفلى التي توطأ وهي بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء .
وقوله : ( نزكوه ) هو بالنون والزاي المفتوحتين معناه طعنوا فيه وتكلموا بجرحه فكأنه يقول : طعنوه بالنيزك بفتح النون المثناة وإسكان المثناة من تحت وفتح الزاي وهو رمح قصير وهذا الذي ذكرته هو الرواية الصحيحة المشهورة وكذا ذكرها من أهل الأدب واللغة والغريب الهروي في غريبه ، وحكى القاضي عياض عن كثيرين من رواة مسلم أنهم رووه ( تركوه ) بالتاء والراء وضعفه القاضي وقال : الصحيح بالنون والزاي قال : وهو الأشبه بسياق الكلام وقال غير القاضي : رواية التاء تصحيف وتفسير مسلم يردها . ويدل عليه أيضا أن شهرا ليس متروكا بل وثقه كثيرون من كبار أئمة السلف أو أكثرهم ، فممن وثقه أحمد بن حنبل وآخرون وقال ويحيى بن معين : ما أحسن حديثه ، ووثقه ، وقال أحمد بن حنبل : هو تابعي ثقة ، وقال أحمد بن عبد الله العجلي عن ابن أبي خيثمة : هو ثقة . ولم يذكر يحيى بن معين غير هذا وقال ابن أبي خيثمة أبو زرعة : لا بأس به ، وقال الترمذي : قال : محمد يعني البخاري شهر حسن الحديث وقوي أمره ، وقال : إنما تكلم فيه ابن عون ثم روى عن هلال بن أبي زينب عن شهر وقال يعقوب بن شيبة : شهر ثقة ، وقال صالح بن محمد : شهر روى عنه الناس من أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الشام ولم يوقف منه على كذب وكان رجلا ينسك أي يتعبد إلا أنه روى أحاديث لم يشركه فيها أحد فهذا كلام هؤلاء الأئمة في الثناء عليه . وأما ما ذكر من جرحه أنه أخذ خريطة من بيت المال فقد حمله العلماء المحققون على محمل صحيح وقول أبي حاتم بن حيان أنه سرق من [ ص: 83 ] رفيقه في الحج عيبة غير مقبول عند المحققين بل أنكروه والله أعلم .
وهو ( ) بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة شهر بن حوشب أبو سعيد ويقال : أبو عبد الله وأبو عبد الرحمن وأبو الجعد الأشعري الشامي الحمصي وقيل : الدمشقي .
وقوله : ( أخذته ألسنة الناس ) جمع لسان على لغة من جعل اللسان مذكرا وأما من جعله مؤنثا فجمعه ألسن بضم السين قاله . والله أعلم . ابن قتيبة
وقوله رحمه الله : ( حدثنا حجاج بن الشاعر حدثنا شبابة ) هو كان أبوه حجاج بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي ، يوسف شاعرا صحب أبا نواس ، وحجاج هذا يوافق الوالي الجائر المشهور بالظلم وسفك الدماء فيوافقه في اسمه واسم أبيه وكنيته ونسبته ، ويخالفه في جده وعصره وعدالته وحسن طريقته . الحجاج بن يوسف بن الحكم الثقفي أبا محمد
وأما ( شبابة ) فبفتح الشين المعجمة وبالباءين الموحدتين وهو قيل : اسمه شبابة ابن سوار أبو عمرو الفزاري مولاهم المدايني مروان وشبابة لقب .
وأما قوله : ( عباد بن كثير من تعرف حاله ) فهو بالتاء المثناة فوق خطابا يعني أنت عارف بضعفه .
وأما ( الحسين بن واقد ) فبالقاف .
وأما ( محمد بن أبي عتاب ) فبالعين المهملة .
وأما قول يحيى بن سعيد : ( لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث ) وفي الرواية الأخرى ( لم تر ) ضبطناه في الأول بالنون وفي الثاني بالتاء المثناة ومعناه ما قاله مسلم أنه يجري الكذب [ ص: 84 ] على ألسنتهم ولا يتعمدون ذلك لكونهم لا يعانون صناعة أهل الحديث ، فيقع الخطأ في رواياتهم ولا يعرفونه ويروون الكذب ، ولا يعلمون أنه كذب . وقد قدمنا أن مذهب أهل الحق أن الكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عمدا كان أو سهوا أو غلطا .
وقوله : ( فلقيت أنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان ) فالقطان مجرور صفة ليحيى وليس منصوبا على أنه صفة لمحمد والله أعلم .
قوله : ( فأخذه البول فقام فنظرت في الكراسة فإذا فيها حدثني أبان عن أنس ) أما قوله : ( أخذه البول ) فمعناه ضغطه وأزعجه واحتاج إلى إخراجه .
وأما ( الكراسه ) بالهاء في آخرها فمعروفة قال في كتابه صناعة الكتاب : الكراسه معناها الكتبة المضموم بعضها إلى بعض والورق الذي قد ألصق بعضه إلى بعض مشتق من قولهم : رسم مكرس إذا ألصقت الريح التراب به ، قال : وقال أبو جعفر النحاس الخليل الكراسه مأخوذة من أكراس الغنم وهو أن تبول في الموضع شيئا بعد شيء فيتلبد . وقال أقضى القضاة أصل الكرسي العلم ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسه . والله أعلم . الماوردي
وأما ( أبان ) ففيه وجهان لأهل العربية الصرف وعدمه ، فمن لم يصرفه جعله فعلا ماضيا والهمزة زائدة ، فيكون أفعل . ومن صرفه جعل الهمزة أصلا فيكون فعالا ، وصرفه هو الصحيح هو الذي اختاره الإمام محمد بن جعفر في كتابه جامع اللغة والإمام أبو محمد بن السيد البطليوسي .
قال رحمه الله : ( وسمعت الحسن بن علي الحلواني يقول رأيت في كتاب عفان حديث هشام أبي المقدام حديث عمر بن عبد العزيز قال هشام حدثني رجل يقال له يحيى بن فلان عن محمد بن كعب قلت : إنهم يقولون هشام سمعه من محمد بن كعب فقال : إنما ابتلي من قبل هذا الحديث فكان يقول : حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد ) .
أما قوله : ( حديث عمر ) فيجوز في إعرابه النصب والرفع . فالرفع على تقدير هو حديث عمر ، والنصب على وجهين : [ ص: 85 ] أحدهما البدل من قوله حديث هشام ، والثاني على تقدير أعني .
وقوله ( قال هشام حدثني رجل إلى آخره ) هو بيان للحديث الذي رآه في كتاب عفان .
وأما ( هشام ) هذا فهو ابن زياد الأموي مولاهم البصري ضعفه الأئمة . ثم هنا قاعدة ننبه عليها ثم نحيل عليها فيما بعد - إن شاء الله تعالى - وهي : أن عفان - رحمه الله - قال : إنما ابتلي هشام يعني : إنما ضعفوه من قبل هذا الحديث ، كان يقول : حدثني يحيى عن محمد ثم ادعى بعد أنه سمعه من محمد . وهذا القدر وحده لا يقتضي ضعفا لأنه ليس فيه تصريح بكذب لاحتمال أنه سمعه من محمد ثم نسيه ، فحدث به عن يحيى عنه ، ثم ذكر سماعه من محمد فرواه عنه ، ولكن انضم إلى هذا قرائن وأمور اقتضت عند العلماء بهذا الفن الحذاق فيه من أهله العارفين بدقائق أحوال رواته أنه لم يسمعه من محمد ، فحكموا بذلك لما قامت الدلائل الظاهرة عندهم بذلك ، وسيأتي بعد هذا أشياء كثيرة من أقوال الأئمة في الجرح بنحو هذا وكلها يقال فيها ما قلنا هنا . والله أعلم .
قال - رحمه الله - : ( حدثنا محمد بن عبد الله بن قهزاذ قال : سمعت عبد الله بن عثمان بن جبلة يقول : قلت من هذا الرجل الذي رويت عنه حديث لعبد الله بن المبارك : عبد الله بن عمرو : يوم الفطر يوم الجوائز ؟ قال : سليمان بن الحجاج انظر ما وضعت في يدك منه ) .
قال قهزاد : وسمعت وهب بن زمعة يذكر عن سفيان بن عبد الملك قال : قال : رأيت عبد الله - يعني ابن المبارك - روح بن غطيف صاحب ( الدم قدر درهم ) وجلست إليه مجلسا فجعلت أستحي من أصحابي أن يروني جالسا معه كره حديثه
أما ( قهزاذ ) فتقدم ضبطه .
وأما ( عبد الله بن عثمان بن جبلة ) فهو الملقب بعبدان وتقدم بيانه .
و ( جبلة ) بفتح الجيم والموحدة .
وأما حديث يوم الفطر يوم الجوائز فهو ما روي : "
فإذا صلوا العيد نادى مناد من السماء : [ ص: 86 ] ارجعوا إلى منازلكم راشدين فقد غفرت ذنوبكم كلها ويسمى ذلك اليوم يوم الجوائز " وهذا الحديث رويناه في كتاب المستقصى في فضائل المسجد الأقصى تصنيف الحافظ إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أفواه الطرق ونادت يا معشر المسلمين اغدوا إلى رب رحيم يأمر بالخير ويثيب عليه الجزيل ، أمركم فصمتم وأطعتم ربكم فاقبلوا جوائزكم . أبي محمد بن عساكر الدمشقي - رحمه الله - والجوائز جمع جائزة وهي العطاء .
وأما قوله : ( انظر ما وضعت في يدك ) ضبطناه بفتح التاء من وضعت ولا يمتنع ضمها وهو مدح وثناء على سليمان بن الحجاج .
وأما ( زمعة ) فبإسكان الميم وفتحها ، وأما ( غطيف ) فبغين معجمة مضمومة ثم طاء مهملة مفتوحة هذا هو الصواب وحكى القاضي عن أكثر شيوخه أنهم رووه ( غضيف ) بالضاد المعجمة قال وهو خطأ ، قال في تاريخه : هو منكر الحديث . البخاري
وقوله : ( صاحب الدم قدر الدرهم ) يريد وصفه وتعريفه بالحديث الذي رواه روح هذا عن الزهري عن أبي سلمة عن يرفعه " أبي هريرة " يعني من الدم ، وهذا الحديث ذكره تعاد الصلاة من قدر الدرهم في تاريخه . وهو حديث باطل لا أصل له عند أهل الحديث . والله أعلم . البخاري
وقوله ( أستحيي ) هو بياءين ويجوز حذف إحداهما وسيأتي - إن شاء الله تعالى - تفسير حقيقة الحياء في بابه من كتاب الإيمان .
وقوله : ( كره حديثه ) هو بضم الكاف ونصب الهاء أي كراهية له . والله أعلم .
قوله : ( ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر ) يعني عن الثقات والضعفاء .
وقوله : ( عن الشعبي قال : حدثني الحارث الأعور الهمداني ) أما الهمداني فبإسكان الميم وبالدال المهملة .
وأما ( الشعبي ) فبفتح الشين واسمه عامر بن شراحيل ، وقيل : ابن شرحبيل .
والأول هو المشهور منسوب إلى شعب بطن من همدان ولد لست سنين خلت من خلافة - رضي الله عنه - وكان عمر بن الخطاب الشعبي إماما عظيما جليلا جامعا للتفسير والحديث والفقه والمغازي والعبادة ، قال الحسن : كان الشعبي والله كثير العلم عظيم الحلم قديم السلم من الإسلام بمكان .
وأما ( الحارث الأعور ) فهو الحارث بن عبد الله ، وقيل : ابن عبيد أبو زهير الكوفي متفق على ضعفه .
قال - رحمه الله - : ( وحدثنا أبو عامر عبد الله بن براد الأشعري قال : حدثنا أبو أسامة عن مفضل عن مغيرة قال : سمعت الشعبي يقول : حدثني وهو يشهد أنه أحد الكذابين ) هذا إسناد كله كوفيون . الحارث الأعور
فأما ( براد ) : فبباء موحدة مفتوحة ثم راء مشددة ثم ألف ثم دال مهملة . وهو عبد الله بن براد بن يوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي .
وأما ( أبو أسامة ) فاسمه حماد [ ص: 87 ] بن أسامة بن يزيد القرشي مولاهم الكوفي الحافظ الضابط المتقن العابد .
وأما ( مفضل ) فهو ابن مهلل ، أبو عبد الرحمن السعدي الكوفي الحافظ الضابط المتقن العابد .
وأما ( ) فهو ابن مقسم أبو هشام الضبي الكوفي وتقدم أن ميم المغيرة تضم وتكسر . مغيرة
وأما قوله : ( أحد الكذابين ) فبفتح النون على الجمع والضمير في قوله : ( وهو يشهد ) يعود على الشعبي . والقائل ( وهو يشهد ) هو المغيرة . والله أعلم .
وأما قول الحارث : ( تعلمت الوحي في سنتين أو في ثلاث سنين ) وفي الرواية الأخرى ( القرآن هين والوحي أشد ) فقد ذكره مسلم في جملة ما أنكر على الحارث وجرح به ، وأخذ عليه من قبيح مذهبه وغلوه في التشيع ، وكذبه ، قال القاضي عياض - رحمه الله - : وأرجو أن هذا من أخف أقواله لاحتماله الصواب فقد فسره بعضهم بأن الوحي هنا الكتابة ومعرفة الخط قاله يقال : أوحى ووحى إذا كتب ، وعلى هذا ليس على الخطابي ، الحارث في هذا درك وعليه الدرك في غيره ، قال القاضي : ولكن لما عرف قبح مذهبه وغلوه في مذهب الشيعة ودعواهم الوصية إلى علي - رضي الله عنه - وسر النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع غيره عليه بزعمهم سيء الظن بالحارث في هذا وذهب به ذلك ، ولعل هذا القائل فهم من الحارث معنى منكرا فيما أراده . والله أعلم .
قوله : ( حدثنا زائدة عن منصور والمغيرة عن إبراهيم ) فالمغيرة مجرور معطوف على منصور .
قوله : ( وأحس الحارث بالشر ) هكذا ضبطناه من أصول محققة ( أحس ) ووقع في كثير من الأصول أو أكثرها ( حس ) بغير ألف وهما لغتان حس وأحس ، ولكن أحس أفصح وأشهر وبها جاء القرآن العزيز ، قال الجوهري وآخرون : حس وأحس لغتان بمعنى علم وأيقن .
وأما قول الفقهاء وأصحاب الأصول : الحاسة والحواس الخمس فإنما يصح على اللغة القليلة حس بغير ألف والكثير في حس بغير ألف أن يكون بمعنى قتل .
[ ص: 88 ] قوله : ( إياكم والمغيرة بن سعيد وأبا عبد الرحيم فإنهما كذابان ) أما ( المغيرة بن سعيد ) فقال في كتابه كتاب الضعفاء : هو كوفي دجال أحرق بالنار زمن النسائي ادعى النبوة . النخعي
وأما ( أبو عبد الرحيم ) فقيل : هو شقيق الضبي الكوفي القاص ، وقيل هو سلمة بن عبد الرحمن النخعي وكلاهما يكنى أبا عبد الرحيم ، وهما ضعيفان ، وسيأتي ذكرهما قريبا أيضا إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وحدثني أبو كامل الجحدري ) هو بجيم مفتوحة ثم حاء ساكنة ثم دال مفتوحة مهملتين واسم أبي كامل فضيل بن حسين بالتصغير ، فيهما ابن طلحة البصري قال : هو منسوب إلى أبو سعيد السمعاني جحدر اسم رجل .
قوله : ( كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ونحن غلمة أيفاع وكان يقول : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص وإياكم وشقيقا ، قال : وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج وليس ) أما ( بأبي وائل أبو عبد الرحمن السلمي ) فبضم السين ، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة بضم الراء وفتح الموحدة وكسر المثناة المشددة وآخره هاء الكوفي التابعي الجليل .
وقوله : ( غلمة ) جمع غلام ، واسم الغلام يقع على الصبي من حين يولد على اختلاف حالاته إلى أن يبلغ .
وقوله : ( أيفاع ) أي شببة قال القاضي عياض : معناه بالغون ، يقال : غلام يافع ويفع ويفعة بفتح الفاء فيهما إذا شب وبلغ أو كاد يبلغ ، قال الثعالبي : إذ قارب البلوغ أو بلغه يقال له : يافع وقد أيفع وهو نادر ، وقال أبو عبيد : أيفع الغلام إذا شارف الاحتلام ولم يحتلم هذا آخر نقل القاضي عياض ، وكأن اليافع مأخوذ من اليفاع بفتح الياء وهو ما ارتفع من الأرض ، قال الجوهري : ويقال غلمان أيفاع ويفعة أيضا .
وأما ( القصاص ) بضم القاف فجمع قاص وهو الذي يقرأ القصص على الناس قال أهل اللغة : القصة الأمر والخبر وقد اقتصصت الحديث إذا رويته على وجهه وقص عليه الخبر قصصا بفتح القاف . والاسم أيضا القصص بالفتح . والقصص بكسر القاف اسم جمع للقصة .
وأما ( شقيق ) الذي نهى عن مجالسته فقال القاضي عياض : هو شقيق الضبي الكوفي القاص ، ضعفه كنيته النسائي ، أبو عبد الرحيم ، قال بعضهم : وهو أبو عبد الرحيم الذي حذر منه إبراهيم قبل هذا في الكتاب ، وقيل : إن أبا عبد الرحيم الذي حذر منه إبراهيم هو سلمة بن عبد الرحمن النخعي ذكر ذلك ابن أبي حاتم الرازي في كتابه عن ابن المديني .
وقول مسلم : ( وليس ) يعني ليس هذا الذي نهى عن مجالسته بأبي وائل المشهور ، معدود من كبار التابعين هذا آخر كلام القاضي رحمه الله . بشقيق بن سلمة أبي وائل الأسدي
[ ص: 89 ] قوله : ( وحدثنا أبو غسان محمد بن عمرو الرازي ) هو بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة والمسموع في كتب المحدثين ورواياتهم غسان غير مصروف ، وذكره في المجمل وغيره من أهل اللغة في باب غسن وفي باب وهذا تصريح بأنه يجوز صرفه وترك صرفه فمن جعل النون أصلا صرفه ، ومن جعلها زائدة لم يصرفه ، ابن فارس وأبو غسان هذا هو الملقب بزنيج بضم الزاي والجيم .
قوله في جابر الجعفي : ( كان يؤمن بالرجعة ) هي بفتح الراء قال الأزهري وغيره : لا يجوز فيها إلا بفتح . وأما رجعة المرأة المطلقة ففيها لغتان الكسر والفتح ، قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - وحكي في هذه الرجعة التي كان يؤمن بها جابر الكسر أيضا : ومعنى إيمانه بالرجعة هو ما تقوله الرافضة وتعتقده بزعمها الباطل أن عليا - كرم الله وجهه - في السحاب فلا نخرج يعني مع من يخرج من ولده حتى ينادي من السماء أن اخرجوا معه . وهذا نوع من أباطيلهم وعظيم من جهالاتهم اللاصقة بأذهانهم السخيفة وعقولهم الواهية .
قوله - رحمه الله تعالى - : ( وحدثني سلمة بن شبيب حدثنا حدثنا الحميدي الإمام المشهور . سفيان ) هو سفيان بن عيينة
وأما ( ) فهو عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد أبو بكر القرشي الأسدي المكي . الحميدي
وقوله : ( حدثنا ) هو بكسر الحاء المهملة واسمه أبو يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي منسوب إلى بطن من همدان .
وأما ( ) فبفتح الميم وكسر اللام وهو والد الجراح بن مليح وهذا وكيع ، الجراح ضعيف عند المحدثين ، ولكنه مذكور هنا في المتابعات .
وقوله : ( عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر ) أبو جعفر هذا هو محمد بن علي بن الحسين [ ص: 90 ] بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - المعروف بالباقر لأنه بقر العلم أي شقه وفتحه فعرف أصله وتمكن فيه .
وقوله : ( سمعت أبا الوليد يقول سمعت ) اسم سلام بن أبي مطيع أبي الوليد هشام بن عبد الملك وهو الطيالسي .
و ( سلام ) بتشديد اللام ، واسم أبي مطيع سعد .
وقوله : ( إن الرافضة تقول : إن عليا - رضي الله عنه - في السحاب فلا نخرج ) إلى آخره ( نخرج ) بالنون وسموا رافضة : من الرفض وهو الترك ، قال الأصمعي وغيره : سموا رافضة لأنهم رفضوا زيد بن علي فتركوه .
قال - رحمه الله - : ( وحدثني سلمة حدثنا حدثنا الحميدي سفيان قال : سمعت جابرا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ) قال أبو علي الغساني الجياني : سقط ذكر سلمة بن شبيب بين مسلم عند والحميدي ابن ماهان والصواب رواية الجلودي بإثباته فإن مسلما لم يلق قال الحميدي ، - أحد رواة كتاب أبو عبد الله بن الحذاء مسلم - : سألت عبد الغني بن سعد هل روى مسلم عن الحميدي؟ فقال : لم أره إلا في هذا الموضع وما أبعد ذلك أو يكون سقط قبل رجل ، قال الحميدي القاضي عياض وعبد الغني : إنما رأى من مسلم نسخة ابن ماهان فلذلك قال ما قال ، ولم تكن نسخة [ ص: 91 ] الجلودي دخلت مصر ، قال : وقد ذكر مسلم قبل هذا حدثنا سلمة . حدثنا في حديث آخر كذا هو عند جميعهم وهو الصواب هنا أيضا إن شاء الله تعالى .
قوله : ( الحارث بن حصيرة ) هو بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين وآخره هاء وهو أزدي كوفي سمع قاله زيد بن وهب . البخاري
قال رحمه الله : ( حدثني ) هو بفتح الدال وإسكان الواو وفتح الراء وبالقاف واختلف في معنى هذه النسبة فقيل : كان أبوه ناسكا أي عابدا وكانوا في ذلك الزمان يسمون الناسك دورقيا ، وهذا القول مروي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي أحمد الدورقي ، هذا وهو من أشهر الأقوال ، وقيل هي نسبة إلى القلانس الطوال التي تسمى ، وقيل : منسوب إلى دورق بلدة : بفارس أو غيرها .
قوله : ( ذكر أيوب رجلا فقال : لم يكن بمستقيم اللسان وذكر آخر فقال : هو يزيد في الرقم ) تقدم ذكره أول الكتاب . وهذان اللفظان كناية عن الكذب ، وقول أيوب هذا هو السختياني أيوب في عبد الكريم : رحمه الله كان غير ثقة لقد سألني عن حديث لعكرمة ثم قال : سمعت عكرمة ، هذا القطع بكذبه ، وكونه غير ثقة بمثل هذه القضية قد يستشكل من حيث إنه يجوز أن يكون سمعه من عكرمة ثم نسيه فسئل عنه ثم ذكره فرواه ، ولكن عرف كذبه بقرائن وقد قدمت إيضاح هذا في أول هذا الباب ، وممن نص على ضعف عبد الكريم هذا سفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وكان وابن عدي ، عبد الكريم هذا من فضلاء فقهاء البصرة والله أعلم .
[ ص: 92 ] قوله : ( قدم علينا أبو داود الأعمى فجعل يقول : حدثنا البراء حدثنا فذكرنا ذلك زيد بن أرقم لقتادة فقال : كذب ما سمع منهم إنما كان إذ ذاك سائلا يتكفف الناس زمن طاعون الجارف ) وفي الرواية الأخرى ( قبل الجارف ) .
أما ( أبو داود ) هذا فاسمه نفيع بن الحارث القاص الأعمى متفق على ضعفه ، قال عمرو بن علي : هو متروك ، وقال يحيى بن معين وأبو زرعة : ليس هو بشيء ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، وضعفه آخرون .
وقوله : ( ما سمع منهم ) يعني البراء وزيدا وغيرهما ممن زعم أنه روى عنه ، فإنه زعم أنه رأى ثمانية عشر بدريا كما صرح به في الرواية الأخرى في الكتاب .
وقوله : ( يتكفف الناس ) معناه يسألهم في كفه أو بكفه ، ووقع في بعض النسخ ( يتطفف ) بالطاء وهو بمعنى يتكفف أي يسأل في كفه الطفيف وهو القليل ، وذكر ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل وغيره : يتنطف ، ولعله مأخوذ من قولهم : ما تنطفت به أي ما تلطخت .
وأما ( طاعون الجارف ) فسمي بذلك لكثرة من مات فيه من الناس وسمي الموت جارفا لاجترافه الناس ، وسمي السيل جارفا لاجترافه على وجه الأرض ، والجرف : الغرف من فوق الأرض وكشح ما عليها .
وأما الطاعون فوباء معروف وهو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حوله أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان القلب والقيء .
وأما زمن طاعون الجارف فقد اختلف فيه أقوال العلماء - رحمهم الله - اختلافا شديدا متباينا تباينا بعيدا . فمن ذلك ما قاله الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر في أول التمهيد قال : مات أيوب السختياني في سنة اثنتين وثلاثين ومائة في طاعون الجارف . ونقل في المعارف عن ابن قتيبة الأصمعي : أن طاعون الجارف كان في زمن ابن الزبير سنة سبع وستين وكذا قال في كتاب التعازي : أن طاعون الجارف كان في زمن أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدايني ابن الزبير - رضي الله عنهما - سنة سبع وستين في شوال ، وكذا ذكر الكلاباذي في كتابه في رجال معنى هذا فإنه قال : ولد البخاري أيوب السختياني سنة ست وستين وفي قوله : إنه ولد قبل الجارف بسنة ، وقال القاضي عياض في هذا الموضع : كان الجارف سنة تسع عشرة ومائة ، وذكر الحافظ في ترجمة عبد الغني المقدسي عبد الله بن مطرف عن قال : مات يحيى القطان مطرف بعد طاعون الجارف ، وكان الجارف سنة سبع وثمانين ، وذكر في ترجمة يونس بن عبيد أنه رأى أنس بن مالك وأنه ولد بعد الجارف ومات سنة سبع وثلاثين ومائة ; فهذه أقوال متعارضة فيجوز أن يجمع بينها بأن كل طاعون من هذه تسمى جارفا لأن معنى الجرف موجود في جميعها وكانت الطواعين كثيرة .
ذكر في المعارف عن ابن قتيبة الأصمعي أن أول طاعون كان في الإسلام طاعون عمواس بالشام في زمن - رضي الله عنه - فيه توفي عمر بن الخطاب أبو عبيدة بن الجراح - رضي الله عنه - ، وامرأتاه وابنه - رضي الله عنهم - . [ ص: 93 ] ثم الجارف في زمن ومعاذ بن جبل ابن الزبير ، ثم طاعون الفتيات ; لأنه بدأ في العذارى والجواري بالبصرة وبواسط وبالشام والكوفة ، وكان الحجاج يومئذ بواسط في ولاية وكان يقال له : طاعون الأشراف - يعني لما مات فيه من الأشراف ثم طاعون عبد الملك بن مروان سنة مائة ، ثم طاعون عدي بن أرطأة غراب سنة سبع وعشرين ومائة ، وغراب : رجل ، ثم طاعون مسلم بن قتيبة سنة إحدى وثلاثين ومائة في شعبان وشهر رمضان وأقلع في شوال ، وفيه مات أيوب السختياني قال : ولم يقع بالمدينة ولا بمكة طاعون قط ، هذا ما حكاه . ابن قتيبة
وقال أبو الحسن المدايني : كانت الطواعين المشهورة العظام في الإسلام خمسة : طاعون شيرويه بالمدائن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة ست من الهجرة ، ثم طاعون عمواس في زمن - رضي الله عنه - وكان عمر بن الخطاب بالشام مات فيه خمسة وعشرون ألفا ، ثم طاعون الجارف في زمن ابن الزبير في شوال سنة تسع وستين ، هلك في ثلاثة أيام في كل يوم سبعون ألفا ، مات فيه - رضي الله عنه - ثلاثة وثمانون ابنا ويقال : ثلاثة وسبعون ابنا ، ومات لأنس بن مالك أربعون ابنا ، ثم طاعون الفتيات في شوال سنة سبع وثمانين ، ثم كان طاعون في سنة إحدى وثلاثين ومائة في رجب ، واشتد في شهر رمضان فكان يحصى في لعبد الرحمن بن أبي بكرة سكة المريد في كل يوم ألف جنازة أياما ، ثم خف في شوال ، وكان بالكوفة طاعون وهو الذي مات فيه المغيرة بن شعبة سنة خمسين . هذا ما ذكره المدائني ، وكان طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، وقال أبو زرعة الدمشقي : كان سنة سبع عشرة . أو ثماني عشرة قرية بين الرملة وبيت المقدس ، نسب الطاعون إليها لكونه بدأ فيها ، وقيل : لأنه عم الناس فيه ، ذكر القولين الحافظ عبد الغني في ترجمة - رضي الله عنه - بفتح العين والميم فهذا مختصر ما يتعلق بالطاعون ، فإذا علم ما قالوه في طاعون الجارف فإن أبي عبيدة بن الجراح قتادة ولد سنة إحدى وستين ومات سنة سبع عشرة ومائة على المشهور وقيل : سنة ثماني عشرة ; ويلزم من هذا بطلان ما فسر به القاضي عياض - رحمه الله - طاعون الجارف هنا ويتعين أحد الطاعونين فإما سنة سبع وستين فإن قتادة كان ابن ست سنين في ذلك الوقت ، ومثله يضبطه . وإما سنة سبع وثمانين وهو الأظهر إن شاء الله تعالى ، والله أعلم .
وأما قوله : " لا يعرض لشيء من هذا " فهو بفتح الياء وكسر الراء ومعناه لا يعتني بالحديث .
وقوله : ( ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة ، ولا حدثنا عن بدري مشافهة إلا عن سعيد بن المسيب ) المراد بهذا الكلام إبطال قول سعد بن مالك أبي داود الأعمى هذا وزعمه أنه لقي ثمانية عشر بدريا فقال قتادة : الحسن البصري أكبر من وسعيد بن المسيب أبي داود الأعمى ، وأجل وأقدم سنا وأكثر اعتناء بالحديث وملازمة أهله والاجتهاد في الأخذ عن الصحابة ، ومع هذا كله ما حدثنا واحد منهما عن بدري واحد ، فكيف يزعم أبو داود الأعمى أنه لقي ثمانية عشر بدريا ، هذا بهتان [ ص: 94 ] عظيم .
وقوله : ( ) هو سعد بن مالك واسم سعد بن أبي وقاص أبي وقاص مالك بن أهيب ويقال : وهيب ، وأما ( المسيب ) والد سعيد فصحابي مشهور - رضي الله عنه - وهو بفتح الياء ، هذا هو المشهور ، وحكى صاحب مطالع الأنوار عن أنه قال : علي بن المديني أهل العراق يفتحون الياء ، وأهل المدينة يكسرونها ، قال : وحكى أن سعيدا كان يكره الفتح . وسعيد إمام التابعين وسيدهم ومقدمهم في الحديث والفقه وتعبير الرؤيا والورع والزهد وغير ذلك ، وأحواله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر ، وهو مدني كنيته أبو محمد . والله أعلم .
قوله : ( عن رقبة أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق ) أما ( رقبة ) فعلى لفظ رقبة الإنسان ، وهو بفتح الميم وإسكان السين المهملة وفتح القاف رقبة بن مسقلة ابن عبد الله العبدي الكوفي أبو عبد الله ، وكان عظيم القدر جليل الشأن رحمه الله .
وأما قوله : ( كلام حق ) فبنصب كلام ، وهو بدل من أحاديث ، ومعناه كلام صحيح المعنى وحكمة من الحكم ، ولكنه كذب فنسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس هو من كلامه - صلى الله عليه وسلم - .
وأما ( أبو جعفر ) هذا فهو عبد الله بن مسور المدائني أبو جعفر الذي تقدم في أول الكتاب في الضعفاء والواضعين ، قال في تاريخه : هو البخاري عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب أبو جعفر القرشي الهاشمي ، وذكر كلام رقبة وهو هذا الكلام الذي هنا ، ثم إنه وقع في الأصول هنا ( المدني ) وفي بعضها ( المديني ) بزيادة ياء ولم أر في شيء منها هنا المدائني ، ووقع في أول الكتاب المدائني ، فأما المديني والمدني فنسبة إلى مدينة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والقياس المدني بحذف الياء ومن أثبتها فهو على الأصل .
وروى الإمام الحافظ في كتاب الأنساب المتفقة في الخط المتماثلة في النقط والضبط بإسناده عن الإمام أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي قال : أبي عبد الله البخاري المديني - يعني بالياء - : هو الذي أقام بالمدينة ولم يفارقها ، والمدني الذي تحول عنها وكان منها .
قال - رحمه الله - : ( حدثنا الحسن الحلواني قال : حدثنا نعيم قال : أبو إسحاق إبراهيم بن سفيان : وحدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ) هكذا وقع في كثير من الأصول المحققة قول أبو داود الطيالسي أبي إسحاق ، ولم يقع قوله في بعضها وأبو إسحاق هذا صاحب مسلم ورواية الكتاب عنه ، فيكون قد ساوى مسلما في هذا الحديث وعلا فيه برجل ، وأما ( تقدم بيانه . أبو داود الطيالسي ) فاسمه سليمان بن أبي داود ،
[ ص: 95 ] قوله : ( قلت : إن لعوف بن أبي جميلة حدثنا عن عمرو بن عبيد الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . قال : كذب والله من حمل علينا السلاح فليس منا عمرو ، ولكنه أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث ) .
أما ( عوف ) فتقدم بيانه في أول الكتاب .
وأما ( ) فهو القدري المعتزلي الذي كان صاحب عمرو بن عبيد . الحسن البصري
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) . صحيح مروي من طرق وقد ذكرها من حمل علينا السلاح فليس منا مسلم - رحمه الله - بعد هذا . ومعناه عند أهل العلم أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واقتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا ، كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله : لست مني ، وهكذا القول في كل الأحاديث الواردة بنحو هذا القول ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " وأشباهه ، ومراد من غش فليس منا مسلم - رحمه الله - بإدخال هذا الحديث هنا بيان أن عوفا جرح وقال : كذب ، وإنما كذبه مع أن الحديث صحيح لكونه نسبه إلى عمرو بن عبيد الحسن ، وكان عوف من كبار أصحاب الحسن والعارفين بأحاديثه ، فقال كذب في نسبته إلى الحسن ، فلم يرو الحسن هذا ، أو لم يسمعه هذا من الحسن .
وقوله : ( أراد أن يحوزها إلى قوله الخبيث ) معناه : كذب بهذه الرواية ليعضد بها مذهبه الباطل الرديء وهو الاعتزال ، فإنهم يزعمون أن ارتكاب المعاصي يخرج صاحبه عن الإيمان ويخلده في النار ولا يسمونه كافرا بل فاسقا مخلدا في النار ، وسيأتي الرد عليهم بقواطع الأدلة في كتاب الإيمان إن شاء الله تعالى .
وقول أيوب السختياني : ( إنما نفر أو نفرق من تلك الغرائب ) معناه : إنما نهرب أو نخاف من هذه الغرائب التي يأتي بها مخافة من كونها كذبا فنقع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كانت أحاديث ، وإن كانت من الآراء والمذاهب فحذرا من الوقوع في البدع أو في مخالفة الجمهور . عمرو بن عبيد ،
وقوله : ( نفرق بفتح الراء .
وقوله : ( نفر أو نفرق ) شك من الراوي في إحداهما .
[ ص: 96 ] قوله : ( حدثنا قبل أن يحدث ) هو بضم الياء وإسكان الحاء وكسر الدال يعني قبل أن يصير مبتدعا قدريا . عمرو بن عبيد
قوله : ( كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة قاضي واسط فكتب إلي : لا تكتب عنه شيئا ومزق كتابي ) وأبو شيبة هذا هو جد أولاد أبي شيبة وهم : أبو بكر وعثمان والقاسم بنو محمد بن إبراهيم أبي شيبة وأبو شيبة ضعيف ، وقد قدمنا بيانه وبيانهم في أول الكتاب ، وواسط مصروف ، كذا سمع من العرب ، وهي من بناء
وقوله : ( مزق كتابي ) هو بكسر الزاي أمره بتمزيقه مخافة من بلوغه إلى الحجاج بن يوسف . أبي شيبة ووقوفه على ذكره له بما يكره لئلا يناله منه أذى أو يترتب على ذلك مفسدة .
قوله في صالح المري : ( كذب ) هو من نحو ما قدمناه في قوله لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث ، معناه ما قاله مسلم : يجري الكذب على ألسنتهم من غير تعمد ، وذلك لأنهم لا يعرفون صناعة هذا الفن فيخبرون بكل ما سمعوه وفيه الكذب فيكونون كاذبين ، فإن الكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو سهوا كان الإخبار أو عمدا ، كما قدمناه ، وكان صالح هذا من كبار العباد الزهاد الصالحين ، وهو صالح بن بشير بفتح الباء وكسر الشين أبو بشير البصري القاضي ، وقيل له : المري ; لأن امرأة من بني مرة أعتقته .
وأبوه عربي وأمه معتقة للمرأة المرية . وكان صالح - رحمه الله - حسن الصوت بالقرآن ، وقد مات بعض من سمع قراءته ، وكان شديد الخوف من الله تعالى ، كثير البكاء ، قال : كان عفان بن مسلم صالح إذا أخذ في قصصه كأنه رجل مذعور ، يفزعك أمره من حزنه ، [ ص: 97 ] وكثرة بكائه كأنه ثكلى ، والله أعلم .
قوله : ( عن مقسم ) هو بكسر الميم وفتح السين .
وقوله : ( قلت للحكم ما تقول في أولاد الزنى قال : يصلى عليهم ، قلت : من حديث من يروى ، قال : يروى عن فقال الحسن البصري ، الحسن بن عمارة : حدثنا الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي ) معنى هذا الكلام أن الحسن بن عمارة كذب فروى هذا الحديث عن الحكم عن يحيى عن علي ، وإنما هو عن من قوله ، وقد قدمنا أن مثل هذا وإن كان يحتمل كونه جاء عن الحسن البصري الحسن وعن علي ، لكن الحفاظ يعرفون كذب الكذابين بقرائن ، وقد يعرفون ذلك بدلائل قطعية يعرفها أهل هذا الفن فقولهم مقبول في كل هذا ، والحسن بن عمارة متفق على ضعفه وتركه . وعمارة بضم العين ، ويحيى بن الجزار بالجيم والزاي وبالراء آخره قال صاحب المطالع : ليس في الصحيحين والموطأ غيره ، ومن سواه خزار أو خراز بالخاء فيهما .
قال - رحمه الله - : ( حدثنا الحسن الحلواني قال : سمعت وذكر يزيد بن هارون زياد بن ميمون فقال : حلفت أن لا أروي عنه شيئا ولا عن خالد بن محدوج قال : لقيت زياد بن ميمون فسألته عن حديث فحدثني به عن بكر المزني ، ثم عدت إليه فحدثني به عن مورق ثم عدت إليه فحدثني به عن الحسن . وكان ينسبهما إلى الكذب ) أما ( محدوج ) فبميم مفتوحة ثم حاء ساكنة ثم دال مضمومة مهملتين ثم واو ثم جيم ، و ( خالد ) هذا واسطي ضعيف ، ضعفه أيضا وكنيته النسائي أبو روح رأى أنس بن مالك رضي الله عنه .
وأما ( زياد بن ميمون ) فبصري كنيته أبو عمار ضعيف ، قال في تاريخه : تركوه . البخاري
وأما ( بكر المزني ) فهو بفتح الباء وإسكان الكاف وهو بكر بن عبد الله المزني أبو [ ص: 98 ] عبد الله البصري التابعي الجليل الفقيه رحمه الله .
وأما ( مورق ) فبضم الميم وفتح الواو وكسر الراء المشددة وهو مورق بن المشمرج بضم الميم الأولى وفتح الشين المعجمة وكسر الراء وبالجيم العجلي الكوفي أبو المعتمر التابعي الجليل العابد .
وأما قوله : ( وكان ينسبهما إلى الكذب ) فالقائل هو الحلواني ، والناسب والمنسوبان يزيد بن هارون ، خالد بن محدوج وزياد بن ميمون .
وأما قوله : ( حلفت أن لا أروي عنهما ) ففعله نصيحة للمسلمين ومبالغة في التنفير عنهما لئلا يغتر أحد بهما فيروي عنهما الكذب ; فيقع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وربما راج حديثهما فاحتج به ، وأما حكمه بكذب ميمون لكونه حدثه بالحديث عن واحد ثم عن آخر ثم عن آخر فهو جار على ما قدمناه من انضمام القرائن والدلائل على الكذب . والله أعلم .
قوله : ( حديث العطارة ) قال القاضي عياض - رحمه الله - : هو حديث رواه زياد بن ميمون هذا عن أنس أن امرأة يقال لها : الحولاء ، عطارة كانت بالمدينة فدخلت على عائشة - رضي الله عنها - وذكرت خبرها مع زوجها ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر لها في فضل الزوج وهو حديث طويل غير صحيح ، ذكره ابن وضاح بكماله ويقال : إن هذه العطارة هي الحولاء بنت تويت .
قوله : ( فأنا لقيت زياد بن ميمون ) وعبد الرحمن بن مهدي فعبد الرحمن مرفوع معطوف على الضمير في قوله لقيت .
قوله : ( إن كان لا يعلم الناس فأنتما لا تعلمان أني لم ألق أنسا ) هكذا وقع في الأصول فأنتما لا تعلمان ومعناه فأنتما تعلمان فيجوز أن تكون لا زائدة ، ويجوز أن يكون معناه أفأنتما لا تعلمان ويكون استفهام تقرير وحذف همزة الاستفهام .
قوله : ( سمعت شبابة يقول : كان عبد القدوس يحدثنا فيقول : قال سويد بن عقلة شبابة : وسمعت عبد القدوس يقول : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتخذ الروح عرضا قال : فقيل له أي شيء [ ص: 99 ] هذا ؟ فقال : يعني يتخذ كوة في حائطه ليدخل عليه الروح ) المراد بهذا المذكور بيان تصحيف عبد القدوس وغباوته واختلال ضبطه وحصول الوهم في إسناده ومتنه ، فأما الإسناد فإنه قال : بالعين المهملة والقاف وهو تصحيف ظاهر وخطأ بين ، وإنما هو غفلة بالغين المعجمة والفاء المفتوحتين . سويد بن عقلة
وأما المتن فقال : الروح بفتح الراء وعرضا بالعين المهملة وإسكان الراء وهو تصحيف قبيح وخطأ صريح ، وصوابه الروح بضم الراء وغرضا بالغين المعجمة والراء المفتوحتين . ومعناه : نهى أن نتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضا أي هدفا للرمي فيرمى إليه بالنشاب وشبهه ، وسيأتي إيضاح هذا الحديث وبيان فقهه في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى .
وأما ( شبابة ) فتقدم بيان اسمه وضبطه .
وأما ( الكوة ) فبفتح الكاف على اللغة المشهورة قال صاحب المطالع : وحكي فيها الضم .
وقوله ( ليدخل عليه الروح ) أي النسيم .
قوله : ( قال حماد بعدما جلس مهدي بن هلال : ما هذه العين المالحة التي نبعت قبلكم ، قال : نعم يا أبا إسماعيل ) أما ( مهدي ) هذا : فمتفق على ضعفه ، قال هو بصري متروك يروي عن النسائي داود بن أبي هند . ويونس بن عبيد
وقوله : ( العين المالحة ) كناية عن ضعفه وجرحه .
وقوله : ( قال : نعم يا أبا إسماعيل ) كأنه وافقه على جرحه ، وأبو إسماعيل كنية حماد بن زيد .
قوله : ( سمعت أبا عوانة قال : ما بلغني عن الحسن حديث إلا أتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه علي ) أما ( أبو عوانة ) فاسمه الوضاح بن عبد الله ، وأبان يصرف ولا يصرف والصرف أجود وقد تقدم ذكر أبي عوانة وأبان ، ومعنى هذا الكلام أنه كان يحدث عن الحسن بكل ما يسأل عنه ، وهو كاذب في ذلك .
قوله : ( إن حمزة الزيات رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فعرض عليه ما سمعه من أبان فما عرف منه إلا شيئا يسيرا ) قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا ومثله استئناس واستظهار على ما تقرر من [ ص: 100 ] ضعف أبان لا أنه يقطع بأمر المنام ولا أنه تبطل بسببه سنة ثبتت ولا تثبت به سنة لم تثبت وهذا بإجماع العلماء ، هذا كلام القاضي . وكذا قاله غيره من أصحابنا وغيرهم فنقلوا الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع . وليس هذا الذي ذكرناه مخالفا لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " " . فإن معنى الحديث أن من رآني في المنام فقد رآني ولكن لا يجوز رؤيته صحيحة وليست من أضغاث الأحلام وتلبيس الشيطان به لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي ، وقد اتفقوا على أن من إثبات حكم شرعي أن يكون متيقظا لا مغفلا ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط ، والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه ، هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف ما يحكم به الولاة ، أما إذا شرط من تقبل روايته وشهادته أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه ; لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل تقرر من أصل ذلك الشيء . والله أعلم . رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه
قوله : ( حدثنا الدارمي ) قد تقدم بيانه وأنه منسوب إلى دارم .
وأما ( ) فبفتح الفاء واسمه إبراهيم بن محمد بن الحسن بن أسماء بن جارحة الكوفي الإمام الجليل المجمع على جلالته وتقدمه في العلم وفضيلته . والله أعلم . أبو إسحاق الفزاري
قوله : ( قال أبو إسحاق الفزاري : اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين ، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين ، ولا تكتب عن إسماعيل بن عياش ما روى عن المعروفين ولا غيرهم ) هذا الذي قاله أبو إسحاق الفزاري في إسماعيل خلاف قول جمهور الأئمة ، قال عباس : سمعت يقول : يحيى بن معين إسماعيل بن عياش ثقة وكان أحب إلى أهل الشام من بقية ، وقال : سمعت ابن أبي خيثمة يقول : هو ثقة ، والعراقيون يكرهون حديثه وقال يحيى بن معين : ما روي عن الشاميين أصح ، وقال البخاري عمرو بن علي : إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح ، وإذا حدث عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيد فليس بشيء ، وقال وسهيل بن أبي صالح يعقوب بن سفيان : كنت أسمع أصحابنا يقولون : علم الشام عند إسماعيل بن عياش قال والوليد بن مسلم ، يعقوب : وتكلم قوم في إسماعيل ، وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام ، ولا يدفعه دافع ، وأكثر ما تكلموا قالوا : يغرب عن ثقات المكيين والمدنيين ، وقال : يحيى بن معين إسماعيل ثقة فيما روى عن الشاميين ، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم ، وقال أبو حاتم : هو لين يكتب حديثه ولا أعلم أحدا كف عنه إلا وقال أبا إسحاق الفزاري الترمذي : قال أحمد : هو أصلح من بقية فإن لبقية أحاديث مناكير ، وقال أحمد بن أبي الحواري : قال لي : يروون عندكم عن وكيع إسماعيل بن [ ص: 101 ] عياش ، فقلت : أما الوليد ومروان فيرويان عنه ، وأما الهيثم بن خارجة ومحمد بن إياس فلا ، فقال : وأي شيء الهيثم وابن إياس إنما أصحاب البلد الوليد ومروان ، والله أعلم .
قال - رحمه الله - : ( وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال سمعت بعض أصحاب عبد الله قال : قال ابن المبارك : نعم الرجل بقية لولا أنه يكني الأسامي ويسمي الكنى ، كان دهرا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي فنظرنا فإذا هو عبد القدوس ) قوله : ( سمعت بعض أصحاب عبد الله ) هذا مجهول ولا يصح الاحتجاج به ، ولكن ذكره مسلم متابعة لا أصلا . وقد تقدم في الكتاب نظير هذا وقد قدمنا وجه إدخاله هنا .
وأما قوله : ( يكني الأسامي ويسمي الكنى ) فمعناه : أنه إذا روى عن إنسان معروف باسمه كناه ولم يسمه ، وإذا روى عن معروف بكنيته سماه ولم يكنه ، وهذا نوع من التدليس وهو قبيح مذموم فإنه يلبس أمره على الناس ويوهم أن ذلك الراوي ليس هو ذلك الضعيف فيخرجه عن حاله المعروفة بالجرح المتفق عليه وعلى تركه إلى حالة الجهالة التي لا تؤثر عند جماعة من العلماء ; بل يحتجون لصاحبها وتفضي توقفا عن الحكم بصحته أو ضعفه عند الآخرين ، وقد يعتضد المجهول فيحتج به أو يرجح به غيره أو يستأنس به . وأقبح هذا النوع أن يكني الضعيف ، أو يسميه بكنية الثقة أو باسمه لاشتراكهما في ذلك ، وشهرة الثقة به فيوهم الاحتجاج به . وقد قدمنا وبسطه في الفصول المتقدمة والله أعلم . حكم التدليس
وأما ( الوحاظي ) فبضم الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة وحكى صاحب المطالع وغيره فتح الواو أيضا ، قال : بطن من أبو علي الغساني حمير ، وعبد القدوس هذا هو الشامي الذي تقدم تضعيفه وتصحيفه وهو بفتح الكاف عبد القدوس بن حبيب الكلاعي أبو سعيد الشامي فهو كلاعي وحاظي .
وقول الدارمي : ( سمعت أبا نعيم وذكر المعلى بن عرفان فقال : حدثنا أبو وائل قال : خرج علينا ابن مسعود بصفين فقال أبو نعيم : أتراه بعث بعد الموت ) معنى هذا الكلام أن المعلى كذب على أبي وائل في قوله هذا ; لأن ابن مسعود - رضي الله عنه - توفي سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل : سنة [ ص: 102 ] ثلاث وثلاثين ، والأول قول الأكثرين ، وهذا قبل انقضاء خلافة عثمان - رضي الله عنه - بثلاث سنين ، وصفين كانت في خلافة علي - رضي الله عنه - بعد ذلك بسنتين فلا يكون ابن مسعود - رضي الله عنه - خرج عليهم بصفين إلا أن يكون بعث بعد الموت وقد علمتم أنه لم يبعث بعد الموت ، مع جلالته وكمال فضيلته وعلو مرتبته والاتفاق على صيانته لا يقول خرج علينا من لم يخرج عليهم ، هذا ما لا شك فيه فتعين أن يكون الكذب من وأبو وائل المعلى بن عرفان مع ما عرف من ضعفه .
وقوله : ( أتراه ) هو بضم التاء ومعناه أتظنه .
وأما ( صفين ) فبكسر الصاد والفاء المشددة وبعدها ياء في الأحوال الثلاث : الرفع والنصب والجر ، وهذه هي اللغة المشهورة وفيها لغة أخرى حكاها عن أبو عمر الزاهد ثعلب عن الفراء ، وحكاها صاحب المطالع وغيره من المتأخرين بالواو في حال الرفع ، وهي موضع الوقعة بين أهل الشام والعراق مع علي ومعاوية - رضي الله عنهما - .
وأما ( عرفان ) والد المعلى فبضم العين المهملة وإسكان الراء وبالفاء هذا وهو المشهور ، وحكي فيه كسر العين ، وبالكسر ضبطه الحافظ أبو عامر العبدري ، والمعلى هذا أسدي كوفي ضعيف ، قال - رحمه الله - في تاريخه : هو منكر الحديث ، وضعفه البخاري أيضا وغيره . النسائي
وأما ( بضم المهملة ، لقب واسمه أبو نعيم ) فهو الفضل بن دكين عمرو بن حماد بن زهير وأبو نعيم كوفي من أجل أهل زمانه ومن أتقنهم رحمه الله .
قال - رحمه الله - : ( وحدثني ) اسم جعفر هذا أحمد بن سعيد بن صخر النيسابوري ، كان ثقة عالما ثبتا متقنا أحد حفاظ الحديث ، وكان أكثر أيامه الرحلة في طلب الحديث . أبو جعفر الدارمي
قوله : ( صالح مولى التوءمة ) هو بتاء مثناة من فوق ثم واو ساكنة ثم همزة مفتوحة قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا صوابها ، قال : وقد يسهل فتفتح الواو وينقل إليها حركة الهمزة ، قال القاضي : ومن ضم التاء وهمز الواو فقد أخطأ ، وهي رواية أكثر المشايخ والرواة وكما قيدناه أولا قيده أصحاب المؤتلف والمختلف ، وكذلك أتقناه على أهل المعرفة من شيوخنا ، قال : والتوءمة هذه هي بنت أمية بن خلف الجمحي قاله وغيره ، قال البخاري الواقدي : وكانت مع أخت لها في بطن واحد فلذلك قيل : التوءمة وهي مولاة أبي صالح ، وأبو صالح هذا اسمه نبهان ، هذا آخر كلام القاضي ، ثم إن [ ص: 103 ] - رحمه الله - حكم بضعف مالكا صالح مولى التوأمة وقال : ليس هو ثقة ، وقد خالفه غيره فقال : صالح هذا ثقة حجة فقيل : إن يحيى ابن معين ترك السماع منه فقال : إنما أدركه مالكا مالك بعدما كبر وخرف وكذلك الثوري إنما أدركه بعد أن خرف فسمع منه أحاديث منكرات ، ولكن من سمع منه قبل أن يختلط فهو ثبت . وقال : لا بأس به إذا سمعوا منه قديما مثل أبو أحمد بن عدي ابن أبي ذئب وابن جريج وغيرهم . وقال وزياد بن سعد أبو زرعة : صالح هذا ضعيف ، وقال : ليس بقوي . وقال أبو حاتم الرازي أبو حاتم بن حيان : تغير صالح مولى التوءمة في سنة خمس وعشرين ومائة ، واختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك . والله أعلم .
وأما ( أبو الحويرث ) الذي قال مالك : إنه ليس بثقة فهو بضم الحاء واسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري الزرقي المدني ، قال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوي عندهم ، وأنكر قول أحمد بن حنبل مالك : إنه ليس بثقة .
وقال : روى عنه شعبة . وذكره في تاريخه ولم يتكلم فيه ، قال : وكان البخاري شعبة يقول فيه : أبو الجويرية ، وحكى هذا القول ثم قال : وهو وهم . وأما ( الحاكم أبو أحمد شعبة ) الذي روى عنه ابن أبي ذئب ، وقال مالك : ليس هو بثقة - فهو شعبة القرشي الهاشمي المدني أبو عبد الله ، وقيل : أبو يحيى ، مولى ابن عباس ، سمع ابن عباس - رضي الله عنهما - ضعفه كثيرون مع مالك وقال أحمد بن حنبل : ليس به بأس ، قال ويحيى بن معين : ولم أجد له حديثا منكرا . ابن عدي
وأما ( ) فهو السيد الجليل محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن شعبة بن عبد الله القرشي العامري المدني فهو منسوب إلى جد جده ، وأما ( ابن أبي ذئب حرام بن عثمان ) الذي قال مالك : ليس هو بثقة فهو بفتح الحاء وبالراء ، قال : هو أنصاري سلمي منكر الحديث ، قال البخاري الزبير : كان يتشيع روى عن ابن جابر بن عبد الله ، وقال : هو مدني ضعيف . النسائي
قوله : ( وسألته - يعني - عن رجل فقال : لو كان ثقة لرأيته في كتبي ) هذا تصريح من مالكا مالك - رحمه الله - بأن من أدخله في كتابه فهو ثقة ، فمن وجدناه في كتابه حكمنا بأنه ثقة عند مالك ، وقد لا يكون ثقة عند غيره . وقد اختلف العلماء في فذهب بعضهم إلى أنه تعديل ، وذهب الجماهير إلى أنه ليس بتعديل ، وهذا هو الصواب ; فإنه قد يروي عن غير الثقة لا للاحتجاج به ، بل للاعتبار والاستشهاد أو لغير ذلك ، أما إذا قال : مثل قول رواية العدل عن مجهول هل يكون تعديلا له ؟ مالك أو نحوه فمن أدخله في كتابه فهو عنده عدل ، أما إذا قال أخبرني الثقة ; فإنه يكفي في التعديل عند من يوافق القائل في المذهب وأسباب الجرح على المختار فأما من لا يوافقه أو يجهل حاله فلا يكفي في التعديل في حقه ; لأنه قد يكون فيه سبب جرح لا يراه القائل جارحا ونحن نراه جارحا ; فإن تخفى ومختلف فيها ، وربما لو ذكر اسمه اطلعنا فيه على جارح . أسباب الجرح
[ ص: 104 ] قوله : ( عن شرحبيل بن سعد وكان متهما ) قد قدمنا أن شرحبيل اسم عجمي لا ينصرف ، وكان شرحبيل هذا من أئمة المغازي ، قال سفيان بن عيينة : لم يكن أحد أعلم منه بالمغازي فاحتاج ، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلب منه شيئا فلم يعطه أن يقول : لم يشهد أبوك بدرا ، قال غير سفيان : كان شرحبيل مولى للأنصار ، وهو مدني كنيته أبو سعد ، قال محمد بن سعد : كان شيخا قديما روى عن وعامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبقي إلى آخر الزمان حتى اختلط ، واحتاج حاجة شديدة ، وليس يحتج به . زيد بن ثابت
قوله : ( ابن قهزاذ عن الطالقاني ) تقدم ضبطهما في الباب الذي قبل هذا .
قوله : ( لو خيرت بين أن أدخل الجنة وبين أن ألقى عبد الله بن محرر لاخترت أن ألقاه ثم أدخل الجنة ) . و ( محرر ) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبالراء المكررة الأولى مفتوحة ، وقد تقدم في أول الكتاب .
قوله : ( قال زيد يعني ابن أبي أنيسة ، لا تأخذوا عن أخي ) أما ( أنيسة ) فبضم الهمزة وفتح النون ، واسم ، وأما الأخ المذكور فاسمه ( أبي أنيسة زيد يحيى ) وهو المذكور في الرواية الأخرى ، وهو يروي عن الزهري ، ، وهو ضعيف ، قال وعمرو بن شعيب : ليس هو بذاك ، وقال البخاري : ضعيف متروك الحديث ، وأما أخوه النسائي زيد فثقة جليل احتج به البخاري ومسلم ، قال محمد بن سعد : كان ثقة ، كثير الحديث ، فقيها راوية للعلم .
قوله : ( حدثني قال : حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي عبد السلام الوابصي ) أما ( الدورقي ) فتقدم بيانه في وسط هذا الباب .
وأما ( الوابصي ) فبكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة وهو عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن معبد ، الأسدي ، أبو الفضل الرقي - بفتح الراء - قاضي الرقة وحران وحلب وقضى ببغداد .
[ ص: 105 ] قوله : ( ذكر فرقد عند أيوب فقال : ليس بصاحب حديث ) و ( فرقد ) بفتح الفاء وإسكان الراء وفتح القاف وهو فرقد بن يعقوب السبخي بفتح السين المهملة والموحدة وبالخاء المعجمة - منسوب إلى سبخة البصرة ، أبو يعقوب ، التابعي العابد ، لا يحتج بحديثه عند أهل الحديث ; لكونه ليس صنعته كما قدمناه في قوله : لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث . وقال في رواية عنه : ثقة . يحيى بن معين
قوله : ( فضعفه جدا ) هو بكسر الجيم وهو مصدر جد يجد جدا ومعناه : تضعيفا بليغا .
قوله : ( سمعت ضعف يحيى بن سعيد القطان حكيم بن جبير ، وعبد الأعلى ، وضعف يحيى بن موسى بن دينار ، وقال : حديثه ريح . وضعف موسى بن الدهقان ، وعيسى بن أبي عيسى المدني ) هكذا وقع في الأصول كلها وضعف يحيى بن موسى بإثبات لفظة ( بن ) بين يحيى وموسى ، وهو غلط بلا شك . والصواب حذفها . كذا قاله الحفاظ ; منهم أبو علي الغساني الجياني وجماعات آخرون . والغلط فيه من رواة كتاب مسلم ، لا من مسلم . ويحيى هو ابن سعيد القطان المذكور أولا فضعف يحيى بن سعيد حكيم بن جبير ، وعبد الأعلى ، وموسى بن دينار ، وموسى بن الدهقان ، وعيسى . وكل هؤلاء متفق على ضعفهم .
وأقوال الأئمة في تضعيفهم مشهورة .
فأما ( حكيم ) : كوفي متشيع . قال : هو غال في التشييع . وقيل أبو حاتم الرازي ، لعبد الرحمن بن مهدي ولشعبة : لم تركتما حديث حكيم ؟ قالا : نخاف النار .
وأما ( عبد الأعلى ) فهو ابن عامر الثعالبي - بالمثلثة الكوفي .
وأما ( موسى بن دينار ) فمكي يروي عن سالم ، قاله . النسائي
وأما ( موسى بن الدهقان ) فبصري يروي عن ابن كعب بن مالك ، والدهقان بكسر الدال .
وأما ( عيسى بن أبي عيسى ) فهو عيسى بن ميسرة أبو موسى ، ويقال أبو محمد الغفاري ، المدني أصله كوفي يقال له : الخياط والحناط ، والخباط ، الأول إلى الخياطة ، [ ص: 106 ] والثاني إلى الحنطة والثالث إلى الخبط قال : كان خياطا ، ثم ترك ذلك وصار حناطا ، ثم ترك ذلك وصار يبيع الخبط . يحيى بن معين
قوله ( لا تكتب حديث عبيدة بن معتب والسري بن إسماعيل ، ومحمد بن سالم ) هؤلاء الثلاثة مشهورون بالضعف والترك فعبيدة بضم العين هذا هو الصحيح المشهور في كتب المؤتلف والمختلف ، وغيرهما . وحكى صاحب المطالع عن بعض رواة أنه ضبطه بضم العين وفتحها . و ( البخاري معتب ) بضم الميم وفتح المهملة وكسر المثناة فوق بعدها موحدة . و ( عبيدة ) هذا صبي كوفي كنيته أبو عبد الكريم وأما ( السري ) فهمداني بإسكان الميم - كوفي ، وأما ( محمد بن سالم ) كوفي أيضا ; فاستوى الثلاثة في كونهم : كوفيين متروكين والله أعلم ،
قال - رحمه الله - في الأحاديث الضعيفة : ( ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها ) هكذا هو في الأصول المحققة من رواية الفراوي عن الفارسي عن الجلودي ، وذكر القاضي عياض أنه هكذا هو في رواية الفارسي عن ، وأنها الصواب ، وأنه وقع في روايات شيوخهم عن العذري عن الرازي عن الجلودي ( وأقلها أو أكثرها ) قال القاضي : وهذا مختل مصحف ، وهذا الذي قاله القاضي فيه نظر . ولا ينبغي أن يحكم بكونه تصحيفا فإن لهذه الرواية وجها في الجملة لمن تدبرها .
قوله : ( وأهل القناعة ) هي بفتح القاف أي الذين يقنع بحديثهم ، لكمال حفظهم وإتقانهم وعدالتهم .
قوله : ( ولا مقنع ) هو بفتح الميم والنون .
[ ص: 107 ] ( الجرح وشروطه )
فرع في جملة المسائل والقواعد التي تتعلق بهذا الباب
إحداها : اعلم أن جائز ; بل واجب بالاتفاق للضرورة الداعية إليه لصيانة الشريعة المكرمة ، وليس هو من الغيبة المحرمة ; بل من النصيحة لله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، ولم يزل فضلاء الأئمة وأخيارهم ، وأهل الورع منهم يفعلون ذلك ، كما ذكر جرح الرواة مسلم في هذا الباب عن جماعات منهم ما ذكره ، وقد ذكرت أنا قطعة صالحة من كلامهم فيه في أول شرح صحيح - رحمه الله - ثم على الجارح تقوى الله تعالى في ذلك ، والتثبت فيه ، والحذر من البخاري ، أو بنقص من لم يظهر نقصه ; فإن مفسدة الجرح عظيمة ; فإنها غيبة مؤبدة مبطلة لأحاديثه ، مسقطة لسنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ورادة لحكم من أحكام الدين . ثم إنما يجوز الجرح لعارف به ، مقبول القول فيه ، أما التساهل بجرح سليم من الجرح ، أو لم يكن ممن يقبل قوله فيه ; فلا يجوز له الكلام في أحد ; فإن تكلم كان كلامه غيبة محرمة ، كذا ذكره إذا لم يكن الجارح من أهل المعرفة القاضي عياض رحمه الله وهو ظاهر . قال : وهذا ، ولو عابه قائل بما جرح به أدب وكان غيبة . كالشاهد يجوز جرحه لأهل الجرح
الثانية : ، الجرح لا يقبل إلا من عدل عارف بأسبابه ؟ فيه خلاف للعلماء ، والصحيح أنه ; لا يشترط بل يصير مجروحا أو عدلا بقول واحد ; لأنه من باب الخبر ; فيقبل فيه الواحد . وهل يشترط في الجارح والمعدل العدد ؟ اختلفوا فيه ; فذهب وهل يشترط ذكر سبب الجرح أم لا وكثيرون إلى اشتراطه لكونه قد يعده مجروحا بما لا يجرح لخفاء الأسباب ولاختلاف العلماء فيها . وذهب الشافعي في آخرين إلى أنه لا يشترط . وذهب آخرون إلى أنه لا يشترط من العارف بأسبابه ، ويشترط من غيره . وعلى مذهب من اشترط في الجرح التفسير يقول : فائدة القاضي أبو بكر بن الباقلاني أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح . ثم من وجد في الصحيحين ممن جرحه بعض المتقدمين يحمل ذلك على أنه لم يثبت جرحه مفسرا بما يجرح ، الجرح فيمن جرح مطلقا ، قدم الجرح ، على المختار الذي قاله المحققون والجماهير ، ولا فرق بين أن يكون عدد المعدلين أكثر أو أقل وقيل : إذا كان المعدلون أكثر قدم التعديل ، والصحيح الأول لأن الجارح اطلع على أمر خفي جهله المعدل . ولو تعارض جرح وتعديل
الثالثة : قد ذكر مسلم - رحمه الله - في هذا الباب : أن الشعبي روى عن وشهد أنه كاذب . وعن غيره : حدثني فلان وكان متهما ، وعن غيره الحارث الأعور . فقد يقال لم حدث هؤلاء الأئمة عن هؤلاء مع علمهم بأنهم لا يحتج بهم ؟ ويجاب عنه بأجوبة : الرواية عن المغفلين والضعفاء والمتروكين
أحدها : أنهم رووها ليعرفوها ، وليبينوا ضعفها ; لئلا يلتبس في وقت عليهم ، أو على غيرهم ، أو يتشككوا في صحتها .
الثاني : أن كما قدمناه في فصل المتابعات ، ولا يحتج به على انفراده . الضعيف يكتب حديثه ليعتبر به أو يستشهد
الثالث : أن يكون فيها الصحيح والضعيف والباطل ; فيكتبونها ثم يميز أهل الحديث والإتقان بعض ذلك من بعض ، وذلك سهل عليهم معروف عندهم . وبهذا احتج روايات الراوي الضعيف رحمه الله حين نهى عن الرواية عن سفيان الثوري الكلبي ، فقيل له : أنت تروي عنه فقال : أنا أعلم صدقه من كذبه .
الرابع : أنهم قد يروون عنهم أحاديث [ ص: 108 ] الترغيب والترهيب ، وفضائل الأعمال ، والقصص ، وأحاديث الزهد ، ومكارم الأخلاق ، ونحو ذلك مما لا يتعلق بالحلال والحرام وسائر الأحكام ، وهذا الضرب من الحديث يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل فيه .
ورواية ما سوى الموضوع منه والعمل به ، لأن أصول ذلك صحيحة مقررة في الشرع معروفة عند أهله . وعلى كل حال فإن الأئمة لا يروون عن الضعفاء شيئا يحتجون به على انفراده في الأحكام ، فإن هذا شيء لا يفعله إمام من أئمة المحدثين ، ولا محقق من غيرهم من العلماء : وأما فعل كثيرين من الفقهاء أو أكثرهم ذلك ، واعتمادهم عليه ، فليس بصواب ، بل قبيح جدا ، وذلك لأنه إن كان يعرف ضعفه لم يحل له أن يحتج به . فإنهم متفقون على أنه ، وإن كان لا يعرف ضعفه ، لم يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا ، أو بسؤال أهل العلم به إن لم يكن عارفا . والله أعلم . لا يحتج بالضعيف في الأحكام
المسألة الرابعة : في بيان وقد نقحها أصناف الكاذبين في الحديث وحكمهم القاضي عياض - رحمه الله - فقال : الكاذبون ضربان :
أحدهما : ضرب عرفوا بالكذب في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم أنواع : منهم : كالزنادقة وأشباههم ممن لم يرج للدين وقارا . من يضع عليه ما لم يقله أصلا ، إما ترافعا واستخفافا بزعمهم وتدينا كجهلة المتعبدين الذين وضعوا الأحاديث في الفضائل والرغائب ، وإما وإما حسبة كفسقة المحدثين ، وإما إغرابا وسمعة ومتعصبي المذاهب ، وإما تعصبا واحتجاجا كدعاة المبتدعة . وقد تعين جماعة من كل طبقة من هذه الطبقات عند أهل الصنعة وعلم الرجال ، ومنهم من لا يضع متن الحديث ، ولكن ربما وضع للمتن الضعيف إسنادا صحيحا مشهورا . ومنهم من يقلب الأسانيد أو يزيد فيها ، ويتعمد ذلك إما للإغراب على غيره ، وإما لرفع الجهالة عن نفسه . ومنهم من يكذب فيدعي سماع ما لم يسمع ، ولقاء من لم يلق ، ويحدث بأحاديثهم الصحيحة عنهم . ومنهم من يعمد إلى كلام الصحابة وغيرهم وحكم العرب والحكماء فينسبها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . وهؤلاء كلهم كذابون متروكو الحديث وكذلك من اتباعا لهوى أهل الدنيا فيما أرادوه وطلب العذر فيما أتوه ، فلا يحدث عن هؤلاء ، ولا يقبل ما حدثوا به . ولو لم يقع منهم ما جاءوا به إلا مرة واحدة ; كشاهد الزور إذا تعمد ذلك سقطت شهادته . واختلف تجاسر بالحديث بما لم يحققه ولم يضبطه أو هو شاك فيه قلت : المختار الأظهر قبول توبته كغيره من أنواع الفسق . وحجة من ردها أبدا وإن حسنت توبته التغليظ ، وتعظيم العقوبة في هذا الكذب ، والمبالغة في الزجر عنه ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : هل تقبل روايته في المستقبل إذا ظهرت توبته ؟ . إن كذبا علي ليس ككذب على أحد
قال القاضي :
والضرب الثاني : من لا يستجيز شيئا من هذا كله في الحديث ، ولكنه ، فهذا أيضا لا تقبل روايته ولا شهادته ، وتنفعه التوبة ، ويرجع إلى القبول . يكذب في حديث الناس ، قد عرف بذلك
فأما ، فلا يقطع بجرحه بمثله لاحتمال الغلط عليه والوهم ، وإن اعترف بتعمد ذلك المرة الواحدة ، ما لم يضر به من يندر منه القليل من الكذب ، ولم يعرف به مسلما ، فلا يجرح بهذا ، وإن كانت معصية لندورها ، ولأنها لا تلحق بالكبائر الموبقات ، ولأن أكثر الناس قلما يسلمون من مواقعات بعض الهنات . وكذلك لا يسقطها ، أو الغلو في القول ; إذ ليس بكذب في الحقيقة ، وإن كان في صورة الكذب ، لأنه لا يدخل تحت حد [ ص: 109 ] الكذب ، ولا يريد المتكلم به الإخبار عن ظاهر لفظه . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " كذبه فيما هو من باب التعريض أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه " وقد قال أما إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - : هذه أختي . هذا آخر كلام القاضي رحمه الله وقد أتقن هذا الفصل رحمه الله ورضي عنه والله أعلم .
قوله : ( لو ضربنا عن حكايته ) كذا هو في الأصول ضربنا وهو صحيح وإن كانت لغة قليلة قال الأزهري : يقال ضربت عن الأمر ، وأضربت عنه ، بمعنى كففت ، وأعرضت . والمشهور الذي قاله الأكثرون وأضربت بالألف .
وقوله : ( لكان رأيا متينا ) أي قويا .
وقوله : ( وإخمال ذكر قائله ) أي : إسقاطه . والخامل الساقط وهو بالخاء المعجمة .
وقوله : ( أجدى على الأنام ) هو بالجيم والأنام بالنون ومعناه أنفع للناس . هذا هو الصواب والصحيح . ووقع في كثير من الأصول أجدى عن الآثام بالثاء المثلثة ، وهذا وإن كان له وجه ; فالوجه هو الأول . ويقال في الأنام أيضا حكاه الزبيدي والواحدي وغيرهما .
قوله : ( وسوء رويته ) بفتح الراء وكسر الواو وتشديد الياء ، أي : فكره .
[ ص: 111 ] قوله : ( حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا ) هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول الصحيحة المعتمدة ( حتى ) بالتاء المثناة من فوق ثم المثناة من تحت . ووقع في بعض النسخ ( حين ) بالياء ثم بالنون وهو تصحيف .
قال مسلم - رحمه الله : ( فيقال لمخترع هذا القول : قد أعطيت في جملة قولك أن خبر الواحد الثقة حجة يلزم به العمل ) هذا الذي قاله مسلم رحمه الله تنبيه على القاعدة العظيمة التي ينبني عليها معظم أحكام الشرع ، وهو وجوب ; فينبغي الاهتمام بها والاعتناء بتحقيقها ، وقد أطنب العلماء - رحمهم الله - في الاحتجاج لها وإيضاحها ، وأفردها جماعة من السلف بالتصنيف ، واعتنى بها أئمة المحدثين وأصول الفقه ، وأول من بلغنا تصنيفه فيها الإمام العمل بخبر الواحد : رحمه الله ، وقد تقررت أدلتها النقلية والعقلية في كتب أصول الفقه ونذكر هنا طرفا في بيان خبر الواحد والمذاهب فيه مختصرا . الشافعي
قال العلماء : . الخبر ضربان : متواتر وآحاد
عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط ، ويخبرون عن حسي لا مظنون ويحصل العلم بقولهم . ثم المختار الذي عليه المحققون والأكثرون أن ذلك لا يضبط بعدد مخصوص ، ولا يشترط في المخبرين الإسلام ولا العدالة . وفيه مذاهب أخرى ضعيفة ، وتفريعات معروفة مستقصاة في كتب الأصول . فالمتواتر ، ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب
وأما سواء كان الراوي له واحدا أو أكثر . واختلف في حكمه ; فالذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين ، فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول : أن خبر الواحد : فهو ما لم يوجد فيه شروط المتواتر من حجج الشرع يلزم العمل بها ، خبر الواحد الثقة حجة ، وأن وجوب العمل به عرفناه بالشرع لا بالعقل . وذهبت ويفيد الظن ولا يفيد [ ص: 112 ] العلم القدرية والرافضة وبعض أهل الظاهر إلى أنه يجب العمل به ثم منهم من يقول : منع من العمل به دليل العقل . ومنهم من يقول : منع دليل الشرع . وذهبت طائفة إلى أنه يجب العمل به من جهة دليل العقل . وقال من المعتزلة : لا يجب العمل إلا بما رواه اثنان عن اثنين . وقال غيره . لا يجب العمل إلا بما رواه أربعة عن أربعة . وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنه يوجب العلم . وقال بعضهم يوجب العلم الظاهر دون الباطن . وذهب بعض المحدثين إلى أن أو صحيح البخاري مسلم تفيد العلم دون غيرها من الآحاد . وقد قدمنا هذا القول وإبطاله في الفصول وهذه الأقاويل كلها سوى قول الجمهور باطلة ، وإبطال من قال لا حجة فيه ظاهر ; فلم تزل كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وآحاد رسله يعمل بها ، ويلزمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - العمل بذلك ، واستمر على ذلك الخلفاء الراشدون فمن بعدهم . ولم تزل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد إذا أخبرهم بسنة ، وقضائهم به ، ورجوعهم إليه في القضاء والفتيا ، ونقضهم به ما حكموا به خلافه ، وطلبهم خبر الواحد عند عدم الحجة ممن هو عنده واحتجاجهم بذلك على من خالفهم ، وانقياد المخالف لذلك . وهذا كله معروف لا شك في شيء منه . والعقل لا يحيل العمل بخبر الواحد وقد جاء الشرع بوجوب العمل به ، فوجب المصير إليه . الآحاد التي في صحيح
وأما من قال يوجب العلم : فهو مكابر للحسن . وكيف يحصل العلم واحتمال الغلط والوهم والكذب وغير ذلك ، متطرق إليه ؟ والله أعلم .
قال مسلم - رحمه الله - حكاية عن مخالفه : ( والمرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة ) هذا الذي قاله هو المعروف من مذاهب المحدثين وهو قول وجماعة من الفقهاء : وذهب الشافعي مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر الفقهاء إلى جواز . وقد قدمنا في الفصول السابقة بيان أحكام المرسل واضحة ، وبسطناها بسطا شافيا ، وإن كان لفظه مختصرا وجيزا . والله أعلم . الاحتجاج بالمرسل
قوله ( فإن عزب عني معرفة ذلك أوقفت الخبر ) يقال : عزب الشيء عني بفتح الزاي ويعزب بكسر الزاي وضمها لغتان فصيحتان قرئ بهما في السبع . والضم أشهر وأكثر . ومعناه : ذهب .
وقوله : ( أوقفت الخبر ) كذا هو في الأصول أوقفت وهي لغة قليلة . والفصيح المشهور وقفت بغير ألف .
( باب صحة إذا أمكن لقاء المعنعنين ولم يكن فيهم مدلس ) الاحتجاج بالحديث المعنعن
حاصل هذا الباب أن مسلما - رحمه الله - ادعى إجماع العلماء قديما وحديثا على أن محمول على الاتصال والسماع إذا أمكن لقاء من أضيفت العنعنة إليهم بعضهم بعضا يعني مع براءتهم من التدليس . ونقل المعنعن ، وهو الذي فيه فلان عن فلان مسلم عن بعض أهل عصره أنه قال : لا تقوم الحجة بها ، ولا يحمل على الاتصال ، حتى يثبت أنهما التقيا في عمرهما مرة فأكثر ، ولا يكفي إمكان تلاقيهما . قال مسلم : وهذا قول ساقط مخترع مستحدث ، لم يسبق قائله إليه ، ولا مساعد له من أهل العلم عليه ، وإن القول به بدعة باطلة وأطنب مسلم - رحمه الله - في الشناعة على قائله ، واحتج مسلم - رحمه الله - بكلام مختصره : أن المعنعن عند أهل العلم محمول على الاتصال إذا ثبت التلاقي ، مع احتمال الإرسال ، وكذا إذا أمكن التلاقي . وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحققون ، وقالوا : هذا الذي صار إليه ضعيف ، والذي رده هو المختار الذي عليه أئمة هذا الفن : ، علي بن المديني وغيرهما . وقد زاد جماعة من المتأخرين على هذا ; فاشترط والبخاري القابسي أن يكون قد أدركه إدراكا بينا ، وزاد ; فاشترط طول الصحبة بينهما ، وزاد أبو المظفر السمعاني الفقيه الشافعي ; فاشترط معرفته بالرواية عنه . ودليل هذا المذهب المختار الذي ذهب إليه أبو عمرو الداني المقري ابن المديني وموافقوهما : أن والبخاري إنما حمل على الاتصال ; لأن الظاهر ، ممن ليس بمدلس ، أنه لا يطلق ذلك إلا على السماع ، ثم الاستقراء يدل عليه . فإن عادتهم أنهم لا يطلقون ذلك إلا فيما سمعوه ، إلا المدلس ، ولهذا رددنا المعنعن عند ثبوت التلاقي . فإذا ثبت التلاقي غلب على الظن الاتصال ، والباب مبني على غلبة الظن ؟ فاكتفينا به . وليس هذا المعنى موجودا فيما رواية المدلس ; فإنه لا يغلب على الظن الاتصال فلا يجوز الحمل على الاتصال ، ويصير كالمجهول ; فإن روايته مردودة لا للقطع بكذبه أو ضعفه بل للشك في حاله . والله أعلم . إذا أمكن التلاقي ولم يثبت
هذا حكم . المعنعن من غير المدلس
وأما المدلس فتقدم بيان حكمه في الفصول السابقة . هذا كله تفريع على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه السلف والخلف من أصحاب الحديث والفقه والأصول : أن المعنعن محمول على الاتصال بشرطه الذي قدمناه على الاختلاف فيه . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يحتج بالمعنعن مطلقا لاحتمال [ ص: 110 ] الانقطاع ، وهذا المذهب مردود بإجماع السلف ، ودليلهم ما أشرنا إليه من حصول غلبة الظن مع الاستقراء . والله أعلم . هذا حكم المعنعن .
أما ، كقوله : حدثني إذا قال : حدثني فلان : أن فلانا قال الزهري : أن قال : كذا ، أو حدث بكذا ، أو نحوه : فالجمهور على أن لفظة أن كعن فيحمل على الاتصال بالشرط المتقدم . وقال سعيد بن المسيب ، أحمد بن حنبل ويعقوب بن شيبة ، وأبو بكر : لا تحمل أن على الاتصال . وإن كانت عن للاتصال . والصحيح الأول ، ; فكله محمول على الاتصال والسماع . وكذا قال ، وحدث ، وذكر ، وشبهها
[ ص: 113 ] قوله : ( في ذكر هشام لما أحب أن يرويها مرسلا ) ضبطناه ( لما ) بفتح اللام وتشديد الميم ، ومرسلا بفتح السين ويجوز تخفيف ( لما ) وكسر سين مرسلا .
قوله : ( وينشط أحيانا ) هو بفتح الياء والشين أي يخف في أوقات .
قوله ( عن عائشة - رضي الله عنها - كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحله ولحرمه ) يقال : ( حرمه ) بضم الحاء وكسرها لغتان . ومعناه لإحرامه قال القاضي عياض - رحمه الله - : قيدناه عن شيوخنا بالوجهين ، قال : وبالضم قيده وخطأ الخطابي أصحاب الحديث في كسره . وقيده الخطابي ثابت بالكسر وحكي عن المحدثين الضم ، وخطأهم فيه ، وقال : صوابه الكسر ، كما قال لحله . وفي هذا الحديث استحباب . وقد اختلف فيه السلف والخلف ومذهب التطيب عند الإحرام وكثيرين استحبابه . ومذهب الشافعي مالك في آخرين كراهيته ، وسيأتي بسط المسألة في كتاب الحج إن شاء الله تعالى .
[ ص: 114 ] قوله في الرواية الأخرى : ( عن عائشة رضي الله عنها كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض ) فيه جمل من العلم ، منها أن ، وهذا مجمع عليه . ولا يصح ما حكي عن أعضاء الحائض طاهرة أبي يوسف من نجاسة يدها ، وفيه جواز ، ترجيل المعتكف شعره . واستدل به أصحابنا وغيرهم على أن ونظره إلى امرأته ، ولمسها شيئا منه بغير شهوة منه ، وأن الحائض لا تدخل المسجد . ولا يظهر فيه دلالة لواحد منهما فإنه لا شك في كون هذا هو المحبوب وليس في الحديث أكثر من هذا . الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد
فأما الاشتراط والتحريم في حقها : فليس فيه ، لكن لذلك دلائل أخر مقررة في كتب الفقه . واحتج القاضي عياض - رحمه الله - به على أن ورد به على قليل الملامسة لا تنقض الوضوء . وهذا الاستدلال منه عجب وأي دلالة فيه لهذا وأين في هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لمس بشرة الشافعي عائشة - رضي الله عنها - وكان على طهارة ، ثم صلى بها ؟ فقد لا يكون متوضئا . ولو كان فما فيه أنه : ما جدد طهارة ، ولأن الملموس لا ينتقض وضوءه على أحد قولي ، ولأن الشافعي لا ينقض عند لمس الشعر ، كذا نص في كتبه وليس في الحديث أكثر من مسها الشعر . والله أعلم . الشافعي
قوله : ( وروى الزهري ، وصالح بن أبي حسان ) هكذا هو في الأصول ببلادنا ، وكذا ذكره القاضي عياض عن معظم الأصول ببلادهم . وذكر أنه وجد في نسخة أبو علي الغساني الرازي أحد رواتهم صالح بن كيسان . قال أبو علي : وهو وهم ، والصواب صالح بن أبي حسان . وقد ذكر هذا الحديث ، وغيره من طريق النسائي ابن وهب عن ابن أبي ذئب عن صالح بن أبي حسان عن أبي سلمة . قلت : قال الترمذي عن : البخاري صالح بن أبي حسان ثقة . وكذا وثقه غيره - وإنما ذكرت هذا لأنه ربما اشتبه بصالح بن حسان أبي الحرث البصري المديني ويقال : الأنصاري ، وهو في طبقة صالح ابن أبي حسان هذا ; فإنهما يرويان جميعا عن ، ويروي عنهما جميعا أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب . ولكن صالح بن حسان متفق على ضعفه ، وأقوالهم في ضعفه مشهورة ، وقال في الكفاية : أجمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج الخطيب البغدادي بصالح بن حسان هذا لسوء حفظه وقلة ضبطه . والله أعلم .
قوله : ( فقال في هذا الخبر في القبلة : أخبرني يحيى بن أبي كثير أبو سلمة أن عمر بن عبد العزيز [ ص: 115 ] أخبره أن عروة أخبره أن عائشة - رضي الله عنها - أخبرته ) هذه الرواية اجتمع فيها أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض : أولهم وهذا من أطرف الطرف . يحيى بن كثير
وأغرب لطائف الإسناد . ولهذا نظائر قليلة في الكتاب وغيره سيمر بك إن شاء الله تعالى ما تيسر منها . وقد جمعت جملة منها في أول شرح صحيح رحمه الله ، وقد تقدم التنبيه على هذا . وفي هذا الإسناد لطيفة أخرى : وهو أنه من رواية الأكابر عن الأصاغر ; فإن البخاري أبا سلمة من كبار التابعين ، من أصاغرهم سنا وطبقة ; وإن كان من كبارهم علما وقدرا ودينا وورعا وزهدا وغير ذلك . واسم وعمر بن عبد العزيز أبي سلمة هذا هذا هو المشهور . وقيل : اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف إسماعيل . وقال عمرو بن علي : لا يعرف اسمه . وقال : كنيته هي اسمه . حكى هذه الأقوال فيه أحمد بن حنبل - رحمه الله - . الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي
وأبو سلمة هذا من أجل التابعين ، ومن أفقههم . وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال فيهم .
وأما ( ) فتابعي صغير ، كنيته يحيى بن أبي كثير أبو نصر ، رأى أنس بن مالك ، وسمع السائب بن يزيد ، وكان جليل القدر . واسم أبي كثير صالح ، وقيل : سيار وقيل : نشيط ، وقيل : دينار .
قوله : ( لزمه ترك الاحتجاج في قياد قوله ) هو بقاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحت أي مقتضاه .
قوله : ( إذا كان ممن عرف بالتدليس ) قد قدمنا بيان التدليس في الفصول السابقة فلا حاجة إلى إعادته .
قوله : ( فما ابتغي ذلك من غير مدلس ) هكذا وقع في أكثر الأصول ( فما ابتغي ) بضم التاء وكسر الغين على ما لم يسم فاعله . وفي بعضها : ( ابتغى ) بفتح التاء والغين وفي بعض الأصول المحققة : ( فمن ابتغى ) ولكل واحد وجه .
[ ص: 116 ] قوله : ( فمن ذلك أن وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد روى عن عبد الله بن يزيد الأنصاري حذيفة وعن وعن كل واحد منهما حديثا يسنده ) أما حديثه عن أبي أبي مسعود الأنصاري مسعود : فهو حديث نفقة الرجل على أهله ، وقد خرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وأما حديثه عن حذيفة : فقوله : الحديث أخرجه أخبرني النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو كائن مسلم .
وأما ( ، قال الجمهور : سكن أبو مسعود ) فاسمه عقبة بن عمرو الأنصاري المعروف بالبدري بدرا ولم يشهدها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقال الزهري ، والحكم ، التابعيون ، ومحمد بن إسحاق : شهدها . والبخاري
وأما قوله : ( وعن كل واحد ) فكذا هو في الأصول ( وعن ) بالواو والوجه حذفها فإنها تغير المعنى .
قوله : ( وهي في زعم من حكينا قوله واهية ) هو بفتح الزاي وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورة . ولو قال : ضعيفة بدل واهية لكان أحسن ; فإن هذا القائل لا يدعي أنها واهية شديدة الضعف متناهية فيه ، كما هو معنى واهية ، بل يقتصر على أنها ضعيفة لا تقوم بها الحجة .
[ ص: 117 ] قوله : ( وهذا أبو عثمان النهدي ، ، وهما ممن أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البدريين هلم جرا ، ونقلا عنهما الأخبار ، حتى نزلا إلى مثل وأبو رافع الصائغ أبي هريرة وذويهما ، قد أسند كل واحد منهما عن وابن عمر أبي بن كعب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) أما ( وتقدم بيانه . أبو عثمان النهدي ) فاسمه عبد الرحمن بن مل
وأما ( أبو رافع ) : فاسمه نفيع المدني ، قال ثابت : لما أعتق أبو رافع بكى ، فقيل له : ما يبكيك ، فقال : كان لي أجران فذهب أحدهما .
وأما قوله : ( أدرك الجاهلية ) فمعناه : كانا رجلين قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والجاهلية ما قبل بعثة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سموا بذلك لكثرة جهالاتهم .
وقوله : ( من البدريين هلم جرا ) قال القاضي عياض : ليس هذا موضع استعمال ( هلم جرا ) لأنها إنما تستعمل فيما اتصل إلى زمان المتكلم بها ، وإنما أراد مسلم فمن بعدهم من الصحابة .
وقوله : ( جرا ) منون قال صاحب المطالع : قال ابن الأنباري : معنى هلم جرا سيروا وتمهلوا في سيركم وتثبتوا ، وهو من الجر ، وهو ترك النعم في سيرها ، فيستعمل فيما دووم عليه من الأعمال . قال ابن الأنباري : فانتصب ( جرا ) على المصدر ، أي : جروا جرا ، أو على الحال أو على التمييز .
وقوله : ( وذويهما ) فيه إضافة ذي إلى غير الأجناس والمعروف عند أهل العربية أنها لا تستعمل إلا مضافة إلى الأجناس كذي مال .
وقد جاء في الحديث وغيره من كلام العرب إضافة أحرف منها إلى المفردات كما في الحديث " " وكقولهم : وتصل ذا رحمك ذو يزن ، وذو نواس ، وأشباهها . قالوا : هذا كله مقدر فيه الانفصال ; فتقدير ذي رحمك : الذي له معك رحم .
وأما حديث أبي عثمان عن أبي فقوله : كان رجل لا أعلم أحدا أبعد بيتا من المسجد منه الحديث . وفيه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " " خرجه أعطاك الله ما احتسبت مسلم .
وأما حديث أبي رافع عنه فهو ، رواه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف في العشر الأخر فسافر عاما فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين يوما أبو داود والنسائي في سننهم ، ورواه جماعات من أصحاب المسانيد . وابن ماجه
قوله : ( وأسند أبو عمرو الشيباني كل واحد منهما عن وأبو معمر عبد الله بن سخبرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرين ) أبي مسعود الأنصاري
أما ( تقدم ذكره . أبو عمرو الشيباني ) : فاسمه سعد بن إياس
وأما ( سخبرة ) : فبسين مهملة مفتوحة ثم خاء معجمة ساكنة ثم موحدة مفتوحة .
وأما الحديثان اللذان رواهما الشيباني : فأحدهما حديث والآخر جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إنه أبدع بي " أخرجهما جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بناقة مخطومة فقال : " لك بها يوم القيامة سبعمائة مسلم ، وأسند أبو عمرو الشيباني أيضا عن أبي مسعود حديث " " رواه المستشار مؤتمن ابن ماجه ، وعبد بن حميد في مسنده .
وأما حديثا [ ص: 118 ] أبي معمر فأحدهما أخرجه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة مسلم . والآخر " صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع " رواه لا تجزي أبو داود ، ، والترمذي ، والنسائي وغيرهم من أصحاب السنن والمسانيد . قال وابن ماجه الترمذي : هو حديث حسن صحيح . والله أعلم .
قال مسلم - رحمه الله - : ( وأسند عن عبيد بن عمير أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو قولها لما مات أبو سلمة قلت : غريب وفي أرض غربة بكاء يتحدث عنه أخرجه مسلم . واسم ، واسمه أم سلمة هند بنت أبي أمية حذيفة ، وقيل : سهيل بن المغيرة المخزومية ، تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة ثلاث ، وقيل : اسمها رملة ، وليس بشيء .
قوله : ( وأسند عن قيس بن أبي حازم أبي مسعود ثلاثة أخبار ) هي حديث " " وحديث " إن الإيمان هاهنا ، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين " وحديث إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد . أخرجها كلها لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان البخاري ومسلم في صحيحيهما ، واسم أبي حازم عبد عوف ، وقيل : عوف بن عبد الحارث البجلي صحابي .
قوله : ( وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو قوله أبو طلحة أم سليم اصنعي طعاما للنبي - صلى الله عليه وسلم - أخرجه أمر مسلم وقد تقدم اسم أبي ليلى ، وبيان الاختلاف فيه وبيان ابنه وابن ابنه .
قوله : ( وأسند عن ربعي بن حراش عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثين وعن أبي بكرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) أما حديثاه عن عمران ; فأحدهما : في إسلام حصين والد عمران وفيه قوله كان عبد المطلب خيرا لقومك منك رواه عبد بن حميد في مسنده في كتابه عمل اليوم والليلة بإسناديهما الصحيحين . والحديث الآخر " والنسائي " رواه لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله في سننه . النسائي
وأما حديثه عن أبي بكرة فهو " " أخرجه إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم مسلم وأشار إليه واسم البخاري . كني أبي بكرة : نفيع بن الحارث بن كلدة بفتح الكاف واللام الثقفي بأبي بكرة لأنه تدلى من حصن الطائف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببكرة . وكان أبو بكرة ممن اعتزل يوم الجمل فلم يقاتل مع أحد من الفريقين .
وأما ( ربعي ) بكسر الراء ( وحراش ) بالحاء المهملة فتقدم بيانهما .
[ ص: 119 ] قوله : ( وأسند عن نافع بن جبير بن مطعم أبي شريح الخزاعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) أما حديثه فهو حديث " " أخرجه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره مسلم في كتاب الإيمان هكذا من رواية ، وقد أخرجه نافع بن جبير البخاري ومسلم أيضا من رواية . سعيد بن أبي سعيد المقبري
وأما ( أبو شريح ) فاسمه : خويلد بن عمرو ، وقيل : عبد الرحمن وقيل : عمرو بن خويلد ، وقيل : هانئ بن عمرو ، وقيل : كعب . ويقال فيه : أبو شريح الخزاعي والعدوي والكعبي .
قوله : ( وأسند النعمان بن أبي عياش عن - رضي الله عنه - ثلاثة أحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أما الحديث الأول : أبي سعيد الخدري فمن صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه من النار سبعين خريفا
والثاني أخرجهما معا إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها البخاري ومسلم .
والثالث : الحديث أخرجه إن أدنى أهل الجنة منزلة من صرف الله وجهه مسلم .
وأما ( أبو ، منسوب إلى سعيد الخدري ) فاسمه سعد بن مالك بن سنان خدرة بن عوف بن الحرث بن الخزرج . توفي أبو سعيد بالمدينة سنة أربع وستين ، وقيل : سنة أربع وسبعين ، وهو ابن أربع وسبعين .
وأما ( أبو عياش ) والد النعمان : فبالشين المعجمة . واسمه زيد بن الصامت ، وقيل : زيد بن النعمان ، وقيل : عبيد بن معاوية بن الصامت ، وقيل : عبد الرحمن .
قوله : ( وأسند عطاء بن يزيد الليثي عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو حديث " تميم الداري " . وأما الدين النصيحة فكذا هو في تميم الداري مسلم ، واختلف فيه رواة الموطأ ففي رواية يحيى وابن بكير وغيرهما ( الديري ) بالياء ، وفي رواية القعنبي وابن القاسم وأكثرهم ( الداري ) بالألف ، واختلف العلماء في أنه إلى ما نسب ; فقال الجمهور : إلى جد من أجداده ، وهو الدار بن هانئ فإنه تميم بن أوس ابن خارجة بن سور بضم السين بن جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة بن ذراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لخم وهو مالك بن عدي .
وأما من قال : الديري فهو نسبة إلى دير كان تميم فيه قبل الإسلام وكان نصرانيا ، هكذا رواه في كتابه مناقب أبو الحسن الرازي بإسناده الصحيح عن الشافعي أنه قال في النسبتين : ما ذكرناه . وعلى هذا أكثر العلماء . ومنهم من قال الشافعي الداري بالألف إلى دارين وهو مكان عند البحرين وهو محط السفن ، كان يجلب إليه العطر من الهند ، ولذلك قيل للعطار داري . ومنهم من جعله بالياء نسبة إلى قبيلة أيضا . وهو بعيد شاذ . حكاه والذي قبله صاحب المطالع ، قال وصوب بعضهم الديري قلت : وكلاهما صواب ، فنسب إلى القبيلة بالألف وإلى الدير بالياء ; لاجتماع الوصفين فيه . قال صاحب المطالع : وليس في الصحيحين والموطأ داري ولا ديري ديري إلا تميم . وكنية تميم أبو رقية ، أسلم [ ص: 120 ] سنة تسع وكان بالمدينة ، ثم انتقل إلى الشام فنزل ببيت المقدس ، وقد روى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - قصة الجساسة ، وهذه لتميم ، ويدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر . والله أعلم . منقبة شريفة
قوله : ( وأسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا ) هو حديث المحاقلة أخرجه مسلم .
قوله : ( وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ) من هذه الأحاديث " أبي هريرة شهر الله المحرم ، أفضل الصيام بعد رمضان صلاة الليل وأفضل الصلاة بعد الفريضة " أخرجه مسلم منفردا به عن قال البخاري أبو عبد الله الحميدي - رحمه الله - في آخر مسند من الجمع بين الصحيحين : ليس أبي هريرة عن لحميد بن عبد الرحمن الحميري في الصحيح غير هذا الحديث قال : وليس له عند أبي هريرة في صحيحه عن البخاري شيء . وهذا الذي قاله أبي هريرة صحيح . وربما اشتبه الحميدي حميد بن عبد الرحمن الحميري هذا الراوي عن بحميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أيضا . وقد رويا له في الصحيحين عن أبي هريرة أحاديث كثيرة ; فقد يقف من لا خبرة له على شيء منهما فينكر قول أبي هريرة توهما منه أن الحميدي حميدا هذا هو ذاك وهو خطأ صريح ، وجهل قبيح ، وليس للحميري عن أيضا في الكتب الثلاثة التي هي تمام أصول الإسلام الخمسة أعني : سنن أبي هريرة أبي داود ، ، والترمذي غير هذا الحديث . والنسائي
قوله : ( كلاما خلفا ) بإسكان اللام وهو الساقط الفاسد .
قوله : ( وعليه التكلان ) هو بضم التاء وإسكان الكاف أي الاتكال . والله أعلم بالصواب . ولله الحمد والنعمة ، والفضل والمنة ، وبه التوفيق والعصمة .
[ ص: 121 ] [ ( باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى )
( وبيان الدليل على وإغلاظ القول في حقه ) ] التبري ممن لا يؤمن بالقدر
أهم ما يذكر في الباب ، وعمومهما ، وخصوصهما ، وأن اختلاف العلماء في الإيمان والإسلام ؟ وأن الإيمان يزيد وينقص أم لا ؟ وقد أكثر العلماء رحمهم الله تعالى من المتقدمين والمتأخرين القول في كل ما ذكرناه . الأعمال من الإيمان أم لا
وأنا أقتصر على نقل أطراف من متفرقات كلامهم يحصل منها مقصود ما ذكرته مع زيادات كثيرة .
قال الإمام الفقيه الأديب الشافعي المحقق - رحمه الله - في كتابه معالم السنن : ما أكثر ما يغلط الناس في هذه المسألة . أبو سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي
فأما الزهري فقال : الإسلام الكلمة ، والإيمان العمل ، واحتج بالآية يعني قوله سبحانه وتعالى : قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وذهب غيره إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد . واحتج بقوله تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين قال : وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم ، وصار كل واحد منهما إلى قول من هذين . ورد الآخر منهما على المتقدم ، وصنف عليه كتابا يبلغ عدد أوراقه المئين . الخطابي
قال : والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ، ولا يطلق ; وذلك أن المسلم قد يكون مؤمنا في بعض الأحوال ، ولا يكون مؤمنا في بعضها . والمؤمن الخطابي مسلم في جميع [ ص: 122 ] الأحوال ; . وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات ، واعتدل القول فيها ، ولم يختلف شيء منها . فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا
، وأصل الإيمان : التصديق ; فقد يكون المرء مستسلما في الظاهر ، غير منقاد في الباطن ، وقد يكون صادقا في الباطن غير منقاد في الظاهر . وقال وأصل الإسلام : الاستسلام والانقياد أيضا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : الخطابي الإيمان بضع وسبعون شعبة في هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أدنى وأعلى ، والاسم يتعلق ببعضها ، كما يتعلق بكلها ، والحقيقة تقتضي جميع شعبه ، وتستوفي جملة أجزائه ; كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء ، والاسم يتعلق ببعضها ، والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها . ويدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم - : . وفيه : إثبات الحياء شعبة من الإيمان ، وتباين المؤمنين في درجاته . هذا آخر كلام التفاضل في الإيمان . وقال الإمام الخطابي أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي - رحمه الله - في حديث سؤال جبريل - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان والإسلام وجوابه ، قال : جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وجعل الإسلام اسما لما ظهر من الأعمال ; وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان ، والتصديق بالقلب ليس من الإسلام ; بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد ، وجماعها الدين ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : الإيمان اسما لما بطن من الاعتقاد جبريل أتاكم يعلمكم دينكم والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعا ; يدل عليه قوله - سبحانه وتعالى - ذاك إن الدين عند الله الإسلام ورضيت لكم الإسلام دينا و ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه فأخبر سبحانه وتعالى أن ، ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل . هذا كلام الدين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام البغوي .
وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي الأصبهاني الشافعي - رحمه الله - في كتابه التحرير في شرح صحيح مسلم : الإيمان في اللغة هو التصديق فإن عنى به ذلك فلا يزيد ولا ينقص ; لأن التصديق ليس شيئا يتجزأ حتى يتصور كماله مرة ونقصه أخرى . . وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقص . وهو مذهب أهل السنة ، قال : فالخلاف في هذا على التحقيق إنما هو أن والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان والمختار عندنا أنه لا يسمى به . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل الإيمان هل يسمى مؤمنا مطلقا أم لا ؟ لأنه لم يعمل بموجب الإيمان فيستحق هذا الإطلاق . هذا آخر كلام صاحب التحرير . لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن
وقال الإمام في شرح صحيح أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي المغربي : مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها : أن البخاري ، والحجة على زيادته ونقصانه : ما أورده الإيمان قول وعمل يزيد وينقص من الآيات ، يعني قوله عز وجل : البخاري ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وقوله تعالى : وزدناهم هدى ، وقوله تعالى : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى وقوله [ ص: 123 ] تعالى : والذين اهتدوا زادهم وقوله تعالى : ويزداد الذين آمنوا إيمانا وقوله تعالى : أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وقوله تعالى : فاخشوهم فزادهم إيمانا وقوله تعالى : وما زادهم إلا إيمانا وتسليما قال ابن بطال : فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص ، قال : فإن قيل : الإيمان في اللغة التصديق ، فالجواب : أن التصديق يكمل بالطاعات كلها ، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل ، وبهذه الجملة يزيد الإيمان وبنقصانها ينقص ، ، ومتى زادت زاد الإيمان كمالا . هذا توسط القول في الإيمان . وأما التصديق بالله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - : فلا ينقص ولذلك توقف فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان مالك - رحمه الله - في بعض الروايات عن القول بالنقصان ; إذ لا يجوز نقصان التصديق ; لأنه إذا نقص صار شكا ، وخرج عن اسم الإيمان .
وقال بعضهم : إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب ، وقد قال مالك بنقصان الإيمان مثل قول جماعة أهل السنة . قال عبد الرزاق : سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وعبيد الله بن عمر ، والأوزاعي ومعمر بن راشد ، وابن جريج ، يقولون : الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وهذا قول وسفيان بن عيينة ابن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصري ، ، وعطاء ، وطاوس ومجاهد ، . فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة : التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، والعمل بالجوارح ، وذلك أنه لا خلاف بين الجميع : أنه لو وعبد الله بن المبارك ، لا يستحق اسم مؤمن . ولو عرفه ، وعمل ، وجحد بلسانه ، وكذب ما عرف من التوحيد ، لا يستحق اسم مؤمن ، وكذلك إذا أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه ، لا يسمى مؤمنا بالإطلاق وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمنا بالتصديق فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى ; لقوله عز وجل : أقر بالله تعالى وبرسله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - ولم يعمل بالفرائض إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا فأخبرنا سبحانه وتعالى : أن المؤمن من كانت هذه صفته .
وقال ابن بطال في باب من قال الإيمان هو العمل : فإن قيل : قد قدمتم أن الإيمان هو التصديق قيل : التصديق هو أول منازل الإيمان ، ويوجب للمصدق الدخول فيه ، ولا يوجب له استكمال منازله ، ولا يسمى مؤمنا مطلقا . هذا مذهب جماعة أهل السنة : أن الإيمان قول وعمل .
قال أبو عبيد : وهو قول مالك والثوري ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة الدين من والأوزاعي أهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم .
قال ابن بطال : وهذا المعنى أراد - رحمه الله - إثباته في [ ص: 124 ] كتاب الإيمان وعليه بوب أبوابه كلها . فقال : باب أمور الإيمان ، وباب الصلاة من الإيمان ، وباب الزكاة من الإيمان ، وباب الجهاد من الإيمان ، وسائر أبوابه ، وإنما أراد الرد على البخاري المرجئة في قولهم : إن الإيمان قول بلا عمل وتبيين غلطهم ، وسوء اعتقادهم ومخالفتهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة ثم قال ابن بطال في باب آخر : قال المهلب : الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذي هو عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذي لا ينفع عند الله تعالى غيره .
وقالت الكرامية وبعض المرجئة : الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب ، ومن أقوى ما يرد به عليهم إجماع الأمة على وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين ، قال الله تعالى : إكفار المنافقين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله . . . إلى قوله تعالى : وتزهق أنفسهم وهم كافرون هذا آخر كلام ابن بطال .
وقال الشيخ الإمام - رحمه الله - : قوله - صلى الله عليه وسلم - : أبو عمرو بن الصلاح : الإسلام محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ، والإيمان : أن تؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره قال : هذا بيان لأصل الإيمان ، وهو التصديق الباطن ، وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر ، وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين ، وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة ، والحج ، والصوم ، لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه ، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ، ثم إن أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن في هذا الحديث وسائر الطاعات لأنها ثمرات للتصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ، ومقويات ومتممات وحافظات له ، ولهذا فسر - صلى الله عليه وسلم - الإيمان في حديث وفد اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم . ولهذا ، لأن اسم الشيء مطلقا يقع على الكامل منه ، ولا يستعمل في الناقص ظاهرا إلا بقيد ; ولذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة ، أو بدل فريضة واسم الإسلام يتناول أيضا ما هو لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ; فإن ذلك كله استسلام . قال : فخرج مما ذكرناه وحققنا أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان ، وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا . قال : وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون . وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم . هذا آخر كلام الشيخ أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ، ويتناول أصل الطاعات أبي عمرو بن الصلاح ، فإذا تقرر ما ذكرناه من مذاهب السلف ، وأئمة الخلف ، فهي متظاهرة متطابقة على كون الإيمان يزيد وينقص . وهذا مذهب السلف والمحدثين وجماعة من المتكلمين .
وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصانه ، وقالوا : متى قبل الزيادة كان شكا وكفرا قال المحققون من أصحابنا المتكلمين : نفس . والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته ، وهي الأعمال ونقصانها قالوا : وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف ، وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون ، وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرا حسنا فالأظهر - والله أعلم - أن نفس [ ص: 125 ] التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض ، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال . وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك فهذا مما لا يمكن إنكاره . التصديق لا يزيد ولا ينقص
ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق - رضي الله عنه - لا يساويه تصديق آحاد الناس ; ولهذا قال أبي بكر الصديق في صحيحه : قال البخاري : أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخاف النفاق على نفسه ، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان ابن أبي مليكة جبريل وميكائيل . والله أعلم .
وأما فمتفق عليه عند أهل الحق . ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر . قال الله تعالى : إطلاق اسم الإيمان على الأعمال وما كان الله ليضيع إيمانكم أجمعوا على أن المراد صلاتكم .
وأما الأحاديث فستمر بك في هذا الكتاب منها جمل مستكثرات والله أعلم .
واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقادا جازما خاليا من الشكوك ، ونطق بالشهادتين ، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك فإنه يكون مؤمنا . أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول وأنا بريء من كل دين خالف الإسلام إلا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا - صلى الله عليه وسلم - إلى العرب فإنه لا يحكم بإسلامه إلا بأن يتبرأ ، ومن أصحابنا أصحاب إذا عجز عن النطق رحمه الله من شرط أن يتبرأ مطلقا ، وليس بشيء : أما الشافعي : فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلما . ومن أصحابنا من قال : يكون مسلما ويطالب بالشهادة الأخرى ، فإن أبى جعل مرتدا . ويحتج لهذا القول بقوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا اقتصر على قوله لا إله إلا الله ، ولم يقل : محمد رسول الله وهذا محمول عند الجماهير على قول الشهادتين ، واستغنى بذكر إحداهما عن الأخرى لارتباطهما وشهرتهما والله أعلم . أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم
أما إذا ؟ فيه وجهان لأصحابنا ، فمن جعله مسلما قال : كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلما . أما إذا أقر بوجوب الصلاة أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها فهل يجعل بذلك مسلما ؟ فيه وجهان لأصحابنا : الصحيح منهما أنه يصير مسلما لوجود الإقرار ، وهذا الوجه هو الحق ولا يظهر للآخر وجه وقد بينت ذلك مستقصى في شرح المهذب والله أعلم . أقر بالشهادتين بالعجمية وهو يحسن العربية فهل يجعل بذلك مسلما
واختلف العلماء من السلف وغيرهم في إطلاق الإنسان قوله : ( أنا مؤمن ) فقالت طائفة : لا يقول أنا مؤمن مقتصرا عليه بل . وحكى هذا المذهب بعض أصحابنا عن أكثر أصحابنا المتكلمين ، وذهب آخرون إلى جواز الإطلاق وأنه لا يقول : ( إن شاء الله ) . وهذا هو المختار ، وقول [ ص: 126 ] أهل التحقيق . وذهب يقول : أنا مؤمن إن شاء الله الأوزاعي وغيره إلى جواز الأمرين . والكل صحيح باعتبارات مختلفة فمن أطلق نظر إلى الحال وأحكام الإيمان جارية عليه في الحال ، ومن قال : إن شاء الله فقالوا فيه : هو إما للتبرك ، وإما لاعتبار العاقبة وما قدر الله تعالى ; فلا يدري أيثبت على الإيمان أم يصرف عنه ، والقول بالتخيير حسن صحيح نظرا إلى مأخذ القولين الأولين ورفعا لحقيقة الخلاف وأما الكافر ففيه خلاف غريب لأصحابنا ، منهم من قال : يقال : هو كافر ، ولا يقول إن شاء الله ، ومنهم من قال : هو في التقييد كالمسلم على ما تقدم فيقال على قول التقييد : هو كافر إن شاء الله نظرا إلى الخاتمة وأنها مجهولة ، وهذا القول اختاره بعض المحققين والله أعلم .
واعلم أن مذهب أهل الحق : أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب ، وأن ولا يكفر أهل الأهواء والبدع حكم بردته وكفره إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة ونحوه ممن يخفى عليه فيعرف ذلك ; فإن استمر حكم بكفره ، وكذا حكم من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة . فهذه جمل من المسائل المتعلقة بالإيمان قدمتها في صدر الكتاب تمهيدا لكونها مما يكثر الاحتياج إليه ولكثرة تكررها وتردادها في الأحاديث ، فقدمتها لأحيل عليها إذا مررت بما يخرج عليها والله أعلم بالصواب . وله الحمد والنعمة وبه التوفيق والعصمة . من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المحرمات التي يعلم تحريمها ضرورة
قال الإمام رضي الله عنه : ( حدثني أبو الحسين مسلم بن الحجاج حدثنا وكيع عن أبو خيثمة زهير بن حرب كهمس عن عبد الله بن بريدة عن ح وحدثنا يحيى بن يعمر وهذا حديثه ثنا أبي ثنا عبيد الله بن معاذ العنبري كهمس عن ابن بريدة عن قال : كان أول من قال في القدر يحيى بن يعمر بالبصرة معبد الجهني إلى آخر الحديث ) اعلم أن مسلما - رحمه الله - سلك في هذا الكتاب طريقة في الإتقان والاحتياط والتدقيق والتحقيق مع الاختصار البليغ والإيجاز التام في نهاية من الحسن مصرحة بغزارة علومه ودقة نظره وحذقه ، وذلك يظهر في الإسناد تارة وفي المتن تارة وفيهما تارة ، فينبغي للناظر في كتابه أن يتنبه لما ذكرته فإنه يجد عجائب من النفائس والدقائق تقر بآحاد أفرادها عينه ، وينشرح لها صدره ، وتنشطه للاشتغال بهذا العلم . واعلم أنه لا يعرف أحد شارك مسلما في هذه النفائس التي يشير إليها من دقائق علم الإسناد . وكتاب وإن كان أصح وأجل وأكثر فوائد في الأحكام والمعاني ، فكتاب البخاري مسلم يمتاز بزوائد من صنعة الإسناد ، وسترى مما أنبه عليه من ذلك ما ينشرح له صدرك ، ويزداد به الكتاب ومصنفه في قلبك جلالة إن شاء الله تعالى . فإذا تقرر ما قلته ففي هذه الأحرف التي ذكرها من الإسناد أنواع مما ذكرته ، فمن ذلك أنه قال أولا : حدثني أبو خيثمة ، ثم قال في الطريق الآخر : وحدثنا عبيد الله بن معاذ ، ففرق بين حدثني وحدثنا . وهذا تنبيه على القاعدة المعروفة عند أهل الصنعة وهي أنه ، يقول فيما سمعه وحده من لفظ الشيخ : حدثني ، وفيما سمعه مع [ ص: 127 ] غيره من لفظ الشيخ : حدثنا ، وهذا اصطلاح معروف عندهم ، وهو مستحب عندهم ، ولو تركه وأبدل حرفا من ذلك بآخر صح السماع ولكن ترك الأولى . والله أعلم . وفيما قرأه وحده على الشيخ : أخبرني ، وفيما قرئ بحضرته في جماعة على الشيخ : أخبرنا
ومن ذلك أنه قال في الطريق الأول : ( حدثنا عن وكيع كهمس عن عبد الله بن بريدة عن ) ثم في الطريق الثاني أعاد الرواية ( عن يحيى بن يعمر كهمس عن ابن بريدة عن يحيى ) فقد يقال : هذا تطويل لا يليق بإتقان مسلم واختصاره ، فكان ينبغي أن يقف بالطريق الأول على ، ويجتمع وكيع معاذ في الرواية عن ووكيع كهمس عن ابن بريدة وهذا الاعتراض فاسد لا يصدر إلا من شديد الجهالة بهذا الفن . فإن مسلما رحمه الله يسلك الاختصار لكن بحيث لا يحصل خلل ، ولا يفوت به مقصود ، وهذا الموضع يحصل في الاختصار فيه خلل ، ويفوت به مقصود ; وذلك لأن قال : عن وكيعا كهمس ، ومعاذ قال : حدثنا كهمس . وقد علم بما قدمناه في باب أن العلماء اختلفوا في الاحتجاج ولم يختلفوا في المتصل ، فأتى المعنعن مسلم بالروايتين كما سمعتا ليعرف المتفق عليه من المختلف فيه وليكون راويا باللفظ الذي سمعه . ولهذا نظائر في مسلم ستراها مع التنبيه عليها إن شاء الله تعالى وإن كان مثل هذا ظاهرا لمن له أدنى اعتناء بهذا الفن إلا أني أنبه عليه لغيرهم ولبعضهم ممن قد يغفل ، ولكلهم من جهة أخرى وهو أنه يسقط عنهم النظر وتحرير عبارة عن المقصود . وهنا مقصود آخر وهو أن في رواية قال : عن وكيع عبد الله بن بريدة ، وفي رواية معاذ قال : عن ابن بريدة ، فلو أتى بأحد اللفظين حصل خلل فإنه إن قال : ابن بريدة لم ندر ما اسمه ، وهل هو عبد الله هذا ، أو أخوه ؟ وإن قال : سليمان بن بريدة عبد الله بن بريدة كان كاذبا على معاذ فإنه ليس في روايته عبد الله والله أعلم .
وأما قوله في الرواية الأولى ( عن ) فلا يظهر لذكره أولا فائدة ، وعادة يحيى بن يعمر مسلم وغيره في مثل هذا أن لا يذكروا لأن الطريقين اجتمعتا في يحيى بن يعمر ابن بريدة ولفظهما عنه بصيغة واحدة إلا أني رأيت في بعض النسخ في الطريق الأولى عن يحيى فحسب ، وليس فيها ابن يعمر ، فإن صح هذا فهو مزيل للإنكار الذي ذكرناه ; فإنه يكون فيه فائدة كما قررناه في ابن بريدة والله أعلم . ومن ذلك قوله : ( وحدثنا عبيد الله بن معاذ وهذا حديثه ) ، فهذه عادة لمسلم - رحمه الله - قد أكثر منها وقد استعملها غيره قليلا وهي مصرحة بما ذكرته من تحقيقه وورعه واحتياطه ومقصوده أن الراويين اتفقا في المعنى واختلفا في بعض الألفاظ وهذا لفظ فلان والآخر بمعناه والله أعلم .
وأما قوله ( ح ) بعد في الرواية الأولى فهي حاء التحويل من إسناد إلى إسناد فيقول القارئ إذا انتهى إليها : ح قال وحدثنا فلان هذا هو المختار ، وقد قدمت في الفصول السابقة بيانها والخلاف فيها والله أعلم . فهذا ما حضرني في الحال في التنبيه على دقائق هذا الإسناد وهو تنبيه على ما سواه ، وأرجو أن يتفطن به لما عداه ولا ينبغي للناظر في هذا الشرح أن يسأم من شيء من ذلك يجده مبسوطا واضحا فإني إنما أقصد بذلك إن شاء الله الكريم الإيضاح والتيسير والنصيحة لمطالعه وإعانته وإغناءه من مراجعة غيره في بيانه ، وهذا مقصود الشروح . فمن استطال شيئا من هذا وشبهه فهو [ ص: 128 ] بعيد من الإتقان ، مباعد للفلاح في هذا الشأن ، فليعز نفسه لسوء حاله ، وليرجع عما ارتكبه من قبيح فعاله . ولا ينبغي لطالب التحقيق والتنقيح والإتقان والتدقيق أن يلتفت إلى كراهة أو سآمة ذوي البطالة ، وأصحاب الغباوة والمهانة والملالة ، بل يفرح بما يجده من العلم مبسوطا ، وما يصادفه من القواعد والمشكلات واضحا مضبوطا ، ويحمد الله الكريم على تيسيره ، ويدعو لجامعه الساعي في تنقيحه وإيضاحه وتقريره . وفقنا الله الكريم لمعالي الأمور ، وجنبنا بفضله جميع أنواع الشرور ، وجمع بيننا وبين أحبابنا في دار الحبور والسرور . والله أعلم . يحيى بن يعمر
وأما ضبط أسماء المذكورين في هذا الإسناد : فخيثمة بفتح المعجمة وإسكان المثناة تحت وبعدها مثلثة .
وأما ( كهمس ) فبفتح الكاف وإسكان الهاء وفتح الميم وبالسين المهملة وهو كهمس بن الحسن أبو الحسن التميمي البصري .
وأما ( ) فبفتح الميم ويقال : بضمها ، وهو غير مصروف لوزن الفعل . كنية يحيى بن يعمر ، ويقال : يحيى بن يعمر أبو سليمان أبو سعيد ، ويقال : أبو عدي البصري ثم المروزي قاضيها من بني عوف بن بكر بن أسد قال في تاريخ الحاكم أبو عبد الله نيسابور : ففيه أديب نحوي مبرز . أخذ النحو عن يحيى بن يعمر أبي الأسود نفاه الحجاج إلى خراسان فقبله وولاه قضاء قتيبة بن مسلم خراسان .
وأما ( معبد الجهني ) فقال في كتابه الأنساب : أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني التميمي المروزي الجهني بضم الجيم نسبة إلى جهينة قبيلة من قضاعة ، واسمه زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة . نزلت الكوفة وبها محلة تنسب إليهم ، وبقيتهم نزلت البصرة . قال : وممن نزل جهينة فنسب إليهم معبد بن خالد الجهني كان يجالس ، وهو الحسن البصري البصرة بالقدر ، فسلك أول من تكلم في أهل البصرة بعده مسلكه لما رأوا ينتحله . قتله عمرو بن عبيد صبرا . وقيل : إنه الحجاج بن يوسف هذا آخر كلام معبد بن عبد الله بن عويمر السمعاني وأما ( البصرة ) فبفتح الباء وضمها وكسرها ثلاث لغات حكاها الأزهري ، والمشهور الفتح ، ويقال لها البصيرة . بالتصغير . قال صاحب المطالع : ويقال لها : تدمر ، ويقال لها : المؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها في أول الدهر . والنسب إليها بصري بفتح الباء وكسرها وجهان مشهوران . قال السمعاني يقال البصرة قبة الإسلام ، وخزانة العرب ، بناها في خلافة عتبة بن غزوان - رضي الله عنه - ، بناها سنة سبع عشرة من الهجرة ، وسكنها الناس سنة ثماني عشرة ، ولم يعبد الصنم قط على أرضها ، هكذا كان يقول لي عمر بن الخطاب أبو الفضل عبد الوهاب بن أحمد بن معاوية الواعظ بالبصرة . قال أصحابنا : والبصرة داخلة في أرض سواد العراق وليس لها حكمه والله أعلم .
وأما قوله أول من قال في القدر فمعناه أول من قال بنفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق . ويقال القدر والقدر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان وحكاهما عن ابن قتيبة الكسائي وقالهما غيره . واعلم أن ومعناه : أن مذهب أهل الحق إثبات القدر ، وعلم - سبحانه - أنها ستقع في أوقات معلومة عنده - سبحانه وتعالى - وعلى صفات مخصوصة فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى . الله - تبارك وتعالى - قدر الأشياء في القدم
وأنكرت القدرية هذا وزعمت أنه - سبحانه [ ص: 129 ] وتعالى - لم يقدرها ولم يتقدم علمه سبحانه وتعالى بها وأنها مستأنفة العلم أي إنما يعلمها سبحانه بعد وقوعها وكذبوا على الله سبحانه وتعالى وجل عن أقوالهم الباطلة علوا كبيرا . وسميت هذه الفرقة قدرية لإنكارهم القدر . قال أصحاب المقالات من المتكلمين : وقد انقرضت القدرية القائلون بهذا القول الشنيع الباطل ، ولم يبق أحد من أهل القبلة عليه ، وصارت القدرية في الأزمان المتأخرة تعتقد إثبات القدر ; ولكن يقولون : الخير من الله والشر من غيره ، تعالى الله عن قولهم .
وقد حكى أبو محمد بن قتيبة في كتابه غريب الحديث في كتابه الإرشاد في أصول الدين أن بعض وأبو المعالي إمام الحرمين القدرية قال : لسنا بقدرية بل أنتم القدرية لاعتقادكم إثبات القدر . قال والإمام : هذا تمويه من هؤلاء الجهلة ومباهتة ; فإن أهل الحق يفوضون أموركم إلى الله سبحانه وتعالى ويضيفون القدر والأفعال إلى الله سبحانه وتعالى ، وهؤلاء الجهلة يضيفونه إلى أنفسهم ، ومدعي الشيء لنفسه ومضيفه إليها أولى بأن ينسب إليه ممن يعتقده لغيره ، وينفيه عن نفسه . قال الإمام وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابن قتيبة القدرية مجوس هذه الأمة شبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر في حكم الإرادة كما قسمت المجوس فصرفت الخير إلى يزدان والشر إلى أهرمن ولا خفاء باختصاص هذا الحديث بالقدرية هذا كلام الإمام وابن قتيبة . وحديث القدرية مجوس هذه الأمة رواه أبو حازم عن ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . أخرجه أبو داود في سننه ، في المستدرك على الصحيحين ، وقال : صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع والحاكم أبو عبد الله أبي حازم من ابن عمر ، قال : إنما جعلهم - صلى الله عليه وسلم - مجوسا لمضاهاة مذهبهم مذهب الخطابي المجوس في قولهم بالأصلين النور والظلمة يزعمون أن الخير من فعل النور ، والشر من فعل الظلمة ، فصاروا ثنوية . وكذلك القدرية يضيفون الخير إلى الله تعالى والشر إلى غيره ، لا يكون شيء منهما إلا بمشيئته فهما مضافان إليه سبحانه وتعالى خلقا وإيجادا وإلى الفاعلين لهما من عباده فعلا واكتسابا والله أعلم . والله سبحانه وتعالى خالق الخير والشر جميعا
وقال : وقد يحسب كثير من الناس أن الخطابي إجبار الله سبحانه وتعالى العبد وقهره على ما قدره وقضاه ، وليس الأمر كما يتوهمونه وإنما معناه : الإخبار عن تقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون من اكتساب العبد وصدورها عن تقدير منه وخلق لها خيرها وشرها . قال : معنى القضاء والقدر اسم لما صدر مقدرا عن فعل القادر ، يقال قدرت الشيء وقدرته بالتخفيف والتثقيل بمعنى واحد ، والقدر في هذا معناه الخلق كقوله تعالى : والقضاء فقضاهن سبع سماوات في يومين أي خلقهن ، قلت : وقد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على . وقد أكثر العلماء من التصنيف فيه ومن أحسن المصنفات فيه وأكثرها فوائد كتاب الحافظ الفقيه إثبات قدر الله سبحانه وتعالى رضي الله عنه وقد قرر أئمتنا من المتكلمين ذلك أحسن تقرير بدلائلهم القطعية السمعية والعقلية . والله أعلم . أبي بكر البيهقي
قوله : ( فوفق لنا عبد الله بن عمر ) هو بضم الواو وكسر الفاء المشددة ، قال صاحب التحرير معناه جعل وفقا لنا وهو من الموافقة التي هي كالالتحام يقال أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين أهل ، [ ص: 130 ] لا قبله ، ولا بعده ، وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام وفي مسند ( فوافق لنا ) بزيادة ألف والموافقة : المصادفة . أبي يعلى الموصلي
قوله : ( فاكتنفته أنا وصاحبي ) يعني صرنا في ناحيتيه . ثم فسره فقال : أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله . وكنفا الطائر جناحاه وفي هذا تنبيه على ، وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به . أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم
قوله : ( فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي ) معناه : يسكت ويفوضه إلي لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني ، فقد جاء عنه في رواية : لأني كنت أبسط لسانا .
قوله : ( ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم ) هو بتقديم القاف على الفاء ، ومعناه : يطلبونه ويتتبعونه هذا هو المشهور ، وقيل : معناه : يجمعونه ، ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان ( يتفقرون ) بتقديم الفاء ، وهو صحيح وهو أيضا معناه : يبحثون عن غامضه ويستخرجون خفيه . وروي في غير مسلم يتقفون بتقديم القاف وحذف الراء وهو صحيح أيضا ومعناه أيضا : يتتبعون . قال القاضي عياض : ورأيت بعضهم قال فيه ( يتقعرون ) بالعين ، وفسره بأنهم يطلبون قعره أي غامضه وخفيه . ومنه تقعر في كلامه إذا جاء بالغريب منه وفي رواية يتفقهون بزيادة الهاء وهو ظاهر . أبي يعلى الموصلي
قوله : ( وذكر من شأنهم ) هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون والظاهر أنه من يحيى بن يعمر ابن بريدة الراوي عن يعني وذكر يحيى بن يعمر ابن يعمر من حال هؤلاء ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به .
قوله : ( ) هو بضم الهمزة والنون أي : مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى ، وإنما يعلمه بعد وقوعه كما قدمنا حكايته عن مذهبهم الباطل ، وهذا القول قول غلاتهم وليس قول جميع يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف القدرية ، وكذب قائله وضل وافترى . عافانا الله وسائر المسلمين .
قوله : ( قال يعني ابن عمر - رضي الله عنهما - فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ) هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما ظاهر في تكفيره القدرية . قال القاضي عياض - رحمه الله - : هذا في القدرية الأول الذين نفوا ، قال : والقائل بهذا كافر بلا خلاف ، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة ، قال غيره : ويجوز أنه لم يرد بهذا [ ص: 131 ] الكلام التكفير المخرج من الملة فيكون من قبيل كفران النعم . إلا أن قوله : ما قبله الله منه ، ظاهر في التفكير ; فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم لا يقبل عمله لمعصيته وإن كان صحيحا ، كما أن تقدم علم الله تعالى بالكائنات صحيحة غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل بإجماع السلف وهي غير مقبولة فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا والله أعلم . وقوله : فأنفقه ، يعني في سبيل الله تعالى ، أي طاعته كما جاء في رواية أخرى . قال الصلاة في الدار المغصوبة نفطويه : سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى .
قوله : ( لا يرى عليه أثر السفر ) ضبطناه بالياء المثناة من تحت المضمومة . وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين وغيره . وضبطه الحافظأبو حازم العدوي هنا ( نرى ) بالنون المفتوحة ، وكذا هو في مسند وكلاهما صحيح . أبي يعلى الموصلي
قوله : ( ووضع كفيه على فخذيه ) معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على . والله أعلم . هيئة المتعلم
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . والإيمان أن تؤمن بالله . . . إلى آخره ) هذا قد تقدم بيانه وإيضاحه بما يغني عن إعادته .
قوله : ( فعجبنا له يسأله ويصدقه ) سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل ، إنما هذا كلام خبير بالمسئول عنه ، ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) هذا من - لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به فقال - صلى الله عليه وسلم - : اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على [ ص: 132 ] تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقتضاه ، فمقصود الكلام جوامع الكلم التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى ، في إتمام الخشوع والخضوع ، وغير ذلك . وقد ندب أهل الحقائق إلى الحث على الإخلاص في العبادة ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته ؟ . مجالسة الصالحين
قال القاضي عياض - رحمه الله - : وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال حتى إن علوم الشريعة كلها راجعة إليه ومتشبعة منه قال : وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألفنا كتابنا الذي سميناه بالمقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان إذ لا يشذ شيء من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما المسئول عنها بأعلم من السائل ) فيه أنه ، وأن ذلك لا ينقصه بل يستدل به على ورعه وتقواه ووفور علمه . وقد بسطت هذا بدلائله وشواهده وما يتعلق به في مقدمة شرح المهذب المشتملة على أنواع من الخير لا بد لطالب العلم من معرفة مثلها وإدامة النظر فيه . والله أعلم . ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم
قوله : ( فأخبرني عن ) هو بفتح الهمزة والأمارة والأمار بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة . أماراتها
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أن ) وفي الرواية الأخرى : ربها على التذكير ، وفي الأخرى : بعلها وقال يعني السراري . ومعنى ربها وربتها . سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها قال الأكثرون من العلماء هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن ; فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها ; لأن مال الإنسان صائر إلى ولده ، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين ، إما بتصريح أبيه له بالإذن ، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال . وقيل : معناه أن الإماء يلدن الملوك فتكون أمه من جملة رعيته وهو سيدها وسيد غيرها من رعيته ، وهذا قول تلد الأمة ربتها ، وقيل : معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري ، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد فإنه متصور في غيرهن ; فإن الأمة تلد ولدا حرا من غير سيدها بشبهة ، أو ولدا رقيقا بنكاح أو زنا ثم تباع الأمة في الصورتين بيعا صحيحا ، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد . وقيل في معناه غير ما ذكرناه . ولكنها أقوال ضعيفة جدا أو فاسدة فتركتها . إبراهيم الحربي
وأما بعلها فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد فيكون بمعنى ربها على ما ذكرناه . قال أهل اللغة : بعل الشيء ربه ومالكه . وقال ابن عباس رضي الله عنهما والمفسرون في قوله - سبحانه وتعالى - أتدعون بعلا أي : ربا . وقيل : المراد بالبعل [ ص: 133 ] في الحديث : الزوج ومعناه نحو ما تقدم أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه وهو لا يدري . وهذا أيضا معنى صحيح إلا أن الأول أظهر ; لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى . والله أعلم .
واعلم أن هذا الحديث ليس فيه دليل على إباحة ، ولا منع بيعهن . وقد استدل إمامان من كبار العلماء به على ذلك ، فاستدل أحدهما على الإباحة والآخر على المنع وذلك عجب منهما . وقد أنكر عليهما فإنه ليس كل ما أخبر - صلى الله عليه وسلم - بكونه من علامات الساعة يكون محرما أو مذموما ، فإن بيع أمهات الأولاد . تطاول الرعاء في البنيان ، وفشو المال ليس بحرام بلا شك ، وإنما هذه علامات والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك ; بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره والله أعلم . وكون خمسين امرأة لهن قيم واحد
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ) أما ( العالة ) فهم الفقراء ، والعائل الفقير ، والعيلة الفقر ، وعال الرجل يعيل عيلة أي افتقر . والرعاء بكسر الراء وبالمد ، ويقال فيهم ( رعاة ) بضم الراء وزيادة الهاء بلا مد ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان . والله أعلم . أهل الحاجة والفاقة تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان
قوله ( فلبث مليا ) هكذا ضبطناه لبث آخره ثاء مثلثة من غير تاء . وفي كثير من الأصول المحققة ( لبثت ) بزيادة تاء المتكلم وكلاهما صحيح . وأما ( مليا ) بتشديد الياء فمعناه وقتا طويلا . وفي رواية أبي داود أنه قال ذلك بعد ثلاث . وفي شرح السنة والترمذي للبغوي ( بعد ثالثة ) وظاهر هذا : أنه بعد ثلاث ليال . وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث بعد هذا أبي هريرة جبريل ، فيحتمل الجمع بينهما أن ثم أدبر الرجل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ردوا علي الرجل ، فأخذوا ليردوه فلم يروا شيئا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا عمر - رضي الله عنه - لم يحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم في الحال بل كان قد قام من المجلس ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحاضرين في الحال ، وأخبر عمر - رضي الله عنه - بعد ثلاث إذ لم يكن حاضرا وقت إخبار الباقين . والله أعلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - ( هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) فيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها دينا . واعلم أن هذا الحديث يجمع أنواعا من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام كما حكيناه عن القاضي عياض ، وقد تقدم في ضمن الكلام فيه جمل من فوائده ومما لم نذكره من فوائده أن فيه أنه ليحصل الجواب للجميع . وفيه أنه ينبغي لمن حضر مجلس العالم إذا علم بأهل المجلس حاجة ، إلى مسألة لا يسألون عنها أن يسأل هو عنها غير هائب ولا منقبض . وأنه ينبغي للعالم أن يرفق بالسائل ، ويدنيه منه ، ليتمكن من سؤاله . والله أعلم . ينبغي للسائل أن يرفق في سؤاله
[ ص: 134 ] قوله : ( حدثني محمد بن عبيد الغبري وأبو كامل الجحدري وأحمد بن عبدة ) أما ( الغبري ) فبضم الغين المعجمة وفتح الموحدة وقد تقدم بيانه واضحا في أول مقدمة الكتاب ، و ( وهو بفتح الجيم وبعدها حاء ساكنة ، وتقدم أيضا بيانه في المقدمة ، و ( الجحدري ) اسمه الفضيل بن حسين عبدة ) بإسكان الباء وقد تقدم في الفصول بيان عبدة وعبيدة . وفي هذا الإسناد ( سكن مطر الوراق ) هو مطر بن طهمان أبو رجاء الخرساني البصرة كان يكتب المصاحف فقيل له الوراق .
قوله : ( فحججنا حجة ) هي بكسر الحاء وفتحها لغتان فالكسر هو المسموع من العرب ، والفتح هو القياس ، كالضربة وشبهها كذا قاله أهل اللغة .
قوله : ( عثمان بن غياث ) هو بالغين المعجمة .
و ( ) هو حجاج بن يوسف بن حجاج الثقفي أبو محمد البغدادي وقد تقدم في أوائل الكتاب بيانه واتفاقه مع حجاج بن الشاعر الحجاج بن يوسف الوالي الظالم المعروف وافتراقه .
وفي الإسناد يونس وقد تقدم فيه ست لغات ضم النون وكسرها وفتحها مع الهمز فيهن وتركه .