الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي هذا باب يذكر فيه قوله تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات الآية. ويمحق من محق يمحق محقا، من باب فعل يفعل بفتح العين فيهما، والمحق النقصان وذهاب البركة. وقيل: هو أن يذهب كله، حتى لا يرى منه أثر، ومنه: يمحق الله الربا أي يستأصله ويذهب ببركته ويهلك المال الذي يدخل فيه. وفي تفسير الطبري، عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: "الربا وإن كثر فإلى قل" وقال المهلب: سئل بعض العلماء وقيل: نحن نرى صاحب الربا يربو ماله، وصاحب الصدقة إنما كان مقلا؟ فقال: يربي الصدقات، يعني أن صاحبها يجدها مثل أحد يوم القيامة، وصاحب الربا يجد عمله ممحوقا إن تصدق به، أو وصل رحمه; لأنه لم يكتب له بذلك حسنة، وكان عليه إثم الربا. وقال ابن بطال: وقالت طائفة: إن الربا يمحق في الدنيا والآخرة على عموم اللفظ، وقال عبد الرزاق، عن معمر أنه قال: سمعنا أنه لا يأتي على صاحب الربا أربعون سنة حتى يمحق.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ويربي الصدقات أي يزيدها، من الإرباء، قال الطبري: الإرباء الزيادة على الشيء، يقال منه: أربى فلان على فلان إذا زاد عليه، وقرئ: ويربي بضم الياء وفتح الراء وكسر الباء المشددة; من التربية، كما في الصحيح "من تصدق بعدل تمرة" الحديث. وفيه: "ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فلوه، حتى يكون مثل الجبل" وفي رواية [ ص: 205 ] ابن جرير " وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله - أو قال في كف الله - حتى يكون مثل أحد فتصدقوا " وهكذا رواه أحمد أيضا، وهذا طريق غريب صحيح الإسناد، ولكن لفظه عجيب، والمحفوظ ما تقدم.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والله لا يحب كل كفار أثيم " أي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل، ومناسبة ختم هذه الآية بهذه الصفة هي أن المرابي لا يرضى بما أعطاه الله من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل، وقال الطبري: والله لا يحب كل مصر على كفر مقيم عليه مستحل أكل الربا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية