الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب لا يقول المملوك ربي وربتي

                                                                      4975 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد عن أيوب وحبيب بن الشهيد وهشام عن محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا يقولن المملوك ربي وربتي وليقل المالك فتاي وفتاتي وليقل المملوك سيدي وسيدتي فإنكم المملوكون والرب الله عز وجل حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا يونس حدثه عن أبي هريرة في هذا الخبر ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال وليقل سيدي ومولاي [ ص: 261 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 261 ] " 6194 " ( لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ) : لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى فكلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ( ولا يقولن المملوك : ربي وربتي ) : لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى ، لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء ولا يوجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى ( وليقل المالك فتاي وفتاتي ) : هما بمعنى الشاب والشابة بناء على الغالب في الخدم ، أو القوي والقوية ولو باعتبار ما كان ( وليقل المملوك سيدي وسيدتي ) : لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب ولا مستعملة فيه كاستعمالها حتى كره مالك الدعاء بسيدي ، ولم يأت تسميته تعالى بالسيد في القرآن ولا في حديث متواتر قاله النووي ( والرب الله ) : مبتدأ وخبر .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي .

                                                                      ( أن أبا يونس ) : هو سليمان بن جبير مولى أبي هريرة ( في هذا الخبر ) : أي السابق ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم - أي لم يرفع الحديث ( وليقل سيدي ومولاي ) : أي مكان قوله [ ص: 262 ] سيدي وسيدتي وقد عقد الإمام البخاري بابا في جواز إطلاق السيد والعبد من أبواب المظالم فقال باب كراهية التطاول على الرقيق وقوله عبدي وأمتي إلى آخره ، وأورد فيه سبعة أحاديث كله يدل على الجواز .

                                                                      قال في فتح الباري : قوله وليقل سيدي ومولاي . وفيه جواز إطلاق العبد على مالكه سيدي . قال القرطبي وغيره : إنما فرق بين الرب والسيد لأن الرب من أسماء الله تعالى اتفاقا .

                                                                      واختلف في السيد ولم يرد في القرآن أنه من أسماء الله تعالى فإن قلنا إنه ليس من أسماء الله تعالى فالفرق ظاهر ولا التباس ; وإن قلنا إنه من أسمائه فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب فيحصل الفرق بذلك أيضا . وقد روى أبو داود والنسائي وأحمد والمصنف في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن الشخير عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال : السيد الله .

                                                                      وقال الخطابي : إنما أطلقه لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة على من تحت يده والسياسة له وحسن التدبير لأمره ، ولذلك سمي الزوج سيدا . قال وأما المولى فكثير التصرف في الوجوه المختلفة من ولي وناصر وغير ذلك ، ولكن لا يقال السيد ولا المولى على الإطلاق من غير إضافة إلا في صفة الله تعالى . انتهى .

                                                                      وفي الحديث جواز إطلاق مولاي أيضا .

                                                                      وأما ما أخرجه مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة في هذا الحديث نحوه وزاد ولا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله ولكن ليقل سيدي فقد بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها وقال عياض حذفها أصح وقال القرطبي المشهور حذفها . قال وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ . انتهى .

                                                                      ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى وهو خلاف المتعارف ، فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسهل والأعلى والسيد لا يطلق إلا على الأعلى ، فكان إطلاق المولى أسهل وأقرب إلى عدم الكرامة ، والله تعالى أعلم .

                                                                      وقد رواه محمد بن سيرين عن أبي هريرة فلم يتعرض للفظ المولى إثباتا ولا نفيا أخرجه أبو داود والنسائي والمصنف في الأدب المفرد للفظ لا يقولن أحدكم عبدي ولا أمتي ولا يقل المملوك ربي وربتي ولكن ليقل المالك فتاي وفتاتي والمملوك سيدي وسيدتي [ ص: 263 ] فإنكم المملوكون والرب الله تعالى ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الإطلاق كما تقدم من كلام الخطابي .

                                                                      ويؤكد كلامه حديث ابن الشخير المذكور والله أعلم . وعن مالك تخصيص الكراهة بالنداء فيكره أن يقول يا سيدي ولا يكره في غير النداء . انتهى .

                                                                      قلت : حديث عبد الله بن الشخير رواه أحمد وأبو داود والنسائي والبخاري في الأدب المفرد واللفظ للبخاري حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل حدثنا أبو مسلمة عن أبي نضرة عن مطرف قال : قال أبي : انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنت سيدنا قال : السيد الله قالوا : وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا قال : فقال قولوا بقولكم ولا يستجرينكم [ أي لا يتخذكم وكلاء ] الشيطان . انتهى .

                                                                      قال الحافظ : رجاله ثقات . وقد صححه غير واحد ، ويمكن الجمع بأن يحمل النهي عن ذلك على إطلاقه على غير المالك والإذن بإطلاقه على المالك . وقد كان بعض أكابر العلماء يأخذ بهذا ويكره أن يخاطب أحدا بلفظه أو كتابته بالسيد ويتأكد هذا إذا كان المخاطب غير تقي لحديث بريدة مرفوعا لا تقولوا للمنافق سيدا الحديث أخرجه أبو داود وغيره . انتهى كلامه .

                                                                      قلت : هذا الجمع والتوفيق ليس بقوي وفيه وجوه أخر فيطلب من غاية المقصود شرح سنن أبي داود ، والله أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة بمعناه .




                                                                      الخدمات العلمية