الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون

                                                                                                                                                                                                                                        يسألونك عن الساعة أي عن القيامة ، وهي من الأسماء الغالبة وإطلاقها عليها إما لوقوعها بغتة أو لسرعة حسابها ، أو لأنها على طولها عند الله كساعة . أيان مرساها متى إرساؤها أي إثباتها واستقرارها ورسو الشيء ثباته واستقراره ، ومنه رسا الجبل وأرسى السفينة ، واشتقاق أيان من أي لأن معناه أي وقت ، وهو من أويت إليه لأن البعض أوى إلى الكل . قل إنما علمها عند ربي استأثر به لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا . لا يجليها لوقتها لا يظهر أمرها في وقتها . إلا هو والمعنى أن الخفاء بها مستمر على غيره إلى وقت وقوعها ، واللام للتأقيت كاللام في قوله : أقم الصلاة لدلوك الشمس . ثقلت في السماوات والأرض عظمت على أهلها من الملائكة والثقلين لهولها ، وكأنه إشارة إلى الحكمة في إخفائها . لا تأتيكم إلا بغتة إلا فجأة على غفلة ، كما قال عليه الصلاة والسلام : « إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه والرجل يسقي ماشيته والرجل يقوم سلعته في سوقه والرجل يخفض ميزانه ويرفعه » .

                                                                                                                                                                                                                                        يسألونك كأنك حفي عنها عالم بها ، فعيل من حفى عن الشيء إذا سأل عنه ، فإن من بالغ في السؤال عن الشيء والبحث عنه استحكم علمه فيه ، ولذلك عدي بعن . وقيل هي صلة يسألونك . وقيل هو من الحفاوة بمعنى الشفقة فإن قريشا قالوا له : إن بيننا وبينك قرابة فقل لنا متى الساعة ، والمعنى يسألونك عنها كأنك حفي تتحفى بهم فتخصهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها . وقيل معناه كأنك حفي بالسؤال عنها تحبه ، من حفى بالشيء إذا فرح أي تكثره لأنه من الغيب الذي استأثر الله بعلمه . قل إنما علمها عند الله كرره لتكرير يسألونك لما نيط به من هذه الزيادة وللمبالغة . ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن علمها عند الله لم يؤته أحدا من خلقه .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 45 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية