الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 139 ] فصل . شروط مفهوم المخالفة العائدة إلى المسكوت عنه ]

                                                      للقول بمفهوم المخالفة شروط : منها ما يرجع للمسكوت عنه ، ومنها ما يرجع للمذكور . فمن الأول أن لا يكون المسكوت عنه أولى بذلك الحكم من المنطوق ، فإن كان أولى منه كان مفهوم موافقة ، أو مساويا كان قياسا جليا على الخلاف السابق .

                                                      ومنها : أن لا يعارض بما يقتضي خلافه ، فيجوز تركه بنص يضاده وبفحوى مقطوع به يعارضه ، كفهم مشاركة الأمة العبد في سراية العتق ، فأما القياس فلم يجوز القاضي ترك المفهوم به مع تجويزه ترك العموم بالقياس ، هكذا نقله في " المنخول " . قال : ولعله قريب مما اخترناه في المفهوم ، فإنه تلقاء الظاهر ، والعموم قد لا يترك بالقياس ، بل يجتهد الناظر في ترجيح أحد الظنين منهما على الآخر ، وكذلك القول في القياس إذا عارضه العموم . ا هـ . والذي نقله الإمام عن القاضي التوقف في تجويز تخصيص العموم بالقياس .

                                                      وقال صاحب " الكبريت الأحمر " : القول بالمفهوم عند تجرده عن القرائن ، أما إذا اقترن بظاهر الخطاب قرينة ، فإنه لا يكون لدلالة الخطاب حكم بالإجماع . وقال شارح " اللمع " : دليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه ما هو أقوى منه ، كالنص والتنبيه ، فإن عارضه أحد هؤلاء [ ص: 140 ] سقط ، وإن عارضه عموم صح التعلق بدليل الخطاب على الأصح . وإن عارضه قياس جلي قدم القياس . وأما الخفي فإن جعلناه كالنطق قدم دليل الخطاب ، وإن جعلناه كالقياس ، فقد رأيت بعض أصحابنا يقدمون كثيرا القياس في كتب الخلاف ، والذي يقتضيه المذهب أنهما يتعارضان .

                                                      قلت : وما صححه في معارضة العموم هي مسألة تخصيص العموم بالمفهوم ، لكن كلام الشافعي في " ; البويطي " يخالفه ، فإنه قال : وإذا قتل الرجل صيدا عمدا أو خطأ ضمنه ، والحجة في ذلك قوله تعالى : { ومن قتله منكم متعمدا } والحجة في الخطأ قوله : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } . فدخل في هذا العمد والخطأ . ا هـ . فقد قدم هذا العموم على مفهوم قوله : متعمدا . ومن الفوائد ما نقله الخطابي وغيره عن الحسن البصري : لا يقتل الذكر بالأنثى ، وهو شاهد لكن شبهته قوية . فإن مفهوم قوله تعالى : { والأنثى بالأنثى } . لا يعارض بالعموم الذي في قوله : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } . لأن هذا خطاب وارد في غير شريعتنا ، وهي مسألة مختلف فيها . وما قاله في القياس الجلي فيه نظر ، لأن القياس عموم معنوي ، وإذا ثبت تقديم المفهوم على العموم اللفظي فتقديمه على المعنوي أولى . ويكون خروج صور المفهوم من مقتضى القياس كخروجها من مقتضى لفظ العموم . ومنه حاجة المخاطب ، كقوله تعالى : { ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق } فذكر هذا القيد لحاجة المخاطبين إليه إذ هو الحامل لهم على قتلهم ، لا لاختصاص الحكم به ، ونظيره : { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية