الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ومن يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ومن يهد الله فهو المهتدي معناه من يحكم الله تعالى بهدايته فهو المهتدي بإخلاصه وطاعته. ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه فيه وجهان: أحدهما: ومن يحكم بضلاله فلن تجد له أولياء من دونه في هدايته.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ومن يقض الله تعالى بعقوبته لم يوجد له ناصر يمنعه من عقابه. ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم فيه وجهان: أحدهما: أن ذلك عبارة عن الإسراع بهم إلى جهنم ، من قول العرب: قدم القوم على وجوههم إذا أسرعوا.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 275 ] الثاني: أنهم يسحبون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم كمن يفعل في الدنيا بمن يبالغ في هوانه وتعذيبه. عميا وبكما وصما فيه وجهان: أحدهما: أنهم حشروا في النار عمي الأبصار بكم الألسن صم الأسماع ليكون ذلك زيادة في عذابهم ، ثم أبصروا لقوله تعالى ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها [الكهف: 53] وتكلموا لقوله تعالى دعوا هنالك ثبورا [الفرقان: 13] وسمعوا لقوله تعالى سمعوا لها تغيظا وزفيرا [الفرقان: 12] . وقال مقاتل بن سليمان: بل إذا قال لهم اخسئوا فيها ولا تكلمون [المؤمنون: 18] صاروا عميا لا يبصرون ، صما لا يسمعون ، بكما لا يفقهون.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أن حواسهم على ما كانت عليه ، ومعناه عمي عما يسرهم ، بكم عن التكلم بما ينفعهم ، صم عما يمتعهم ، قاله ابن عباس والحسن. مأواهم جهنم يعني مستقرهم جهنم. كلما خبت زدناهم سعيرا فيه وجهان: أحدهما: كلما طفئت أوقدت ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: كلما سكن التهابها زدناهم سعيرا والتهابا ، قاله الضحاك ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        وكنا كالحريق أصاب غابا فيخبو ساعة ويهب ساعا



                                                                                                                                                                                                                                        وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم ولا تخفيف من عذابهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية