الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في وكالة الرجل أو المرأة على النكاح

                                                                                                                                                                                        الوكالة على النكاح من أحد الزوجين الرجل أو المرأة جائزة، فيوكل الرجل من يزوجه امرأة معينة، أو غير معينة يجعل ذلك إلى اجتهاده، وكذلك المرأة لا ولي لها توكل من يزوجها من رجل تعينه له.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا لم تعينه له وجعلت ذلك إلى اجتهاده، فألزمها ذلك في "الكتاب" مرة، ومرة لم يلزمها ، والأول أحسن; لأنها وكالة على غير ما يجوز بيعه فأشبه الوكالة على غير ذلك من البياعات، وقياسا على توكيل الزوج إذا لم يعين المرأة، فإنه لا أعلمهم يختلفون أن ذلك يلزمه، إلا أن يعلم أنه قصر في الاجتهاد لها ; فيكون لها رد ذلك.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا زوجها من نفسه فكرهت: فقال في "الكتاب": لها ذلك، ولم يلزمها إياه . وذكر أبو الحسن قولا آخر أن ذلك لازم لها. وقد اختلف في هذا الأصل: إذا وكل رجل رجلا على البيع والشراء فباع واشترى من نفسه، فالقول الأول أحسن; لأنه معزول عن العقد من نفسه، ومفهوم الوكالة [ ص: 1813 ] العقد من غيره، ومعلوم أن المرأة إذا كان لها غرض في رجل جعلت سفيرا لذلك، ولا توكله ليبصر غيره.

                                                                                                                                                                                        ويختلف على هذا إذا وكل رجل امرأة لتزوجه فزوجته من نفسها وعقد ذلك ولدها ، وأن لا يلزم أحسن.

                                                                                                                                                                                        ويختلف إذا وكلت المرأة من يزوجها فزوجها من ولده أو من يتيمه، أو وكل الرجل من يزوجه فزوجه من ابنته أو يتيمته، هل يلزم ذلك النكاح أم لا؟ قياسا إذا وكله على أن يسلم له فأسلم ذلك إلى من هو في ولائه من ولد أو يتيم.

                                                                                                                                                                                        فمنع ذلك ابن القاسم وإن لم تكن فيه محاباة، ورأى أن الوكالة تقتضي أن يتولى المعاملة مع من ليس له عليه حكم، ومعزول عن من له عليه عقد، وأجاز ذلك سحنون . فكذلك النكاح لا يمضي على قول ابن القاسم ، ويمضي على قول سحنون .

                                                                                                                                                                                        ولو كان وصيا، فزوج يتيمه من ابنته، أو يتيمته من ابنه، أو نفسه مضى النكاح، ولم يرد على كراهية في ذلك إلا في الابتداء أن لا يفعل، إلا بعد مطالعة السلطان; لأن الوصي وكيل مفوض إليه، والأول غير مفوض إليه. فإذا زوج الوصي وكان بعضهم كفؤا لبعض، وأسقط في الصداق- جاز ذلك. وإن كان فعل الوصي على غير صواب من الصداق خاصة- زاد على يتيمه أو [ ص: 1814 ] حط عن يتيمته ، قيل له: إن أنت حططت الزائد على هذا وأكملت صداق المثل عن هذه مضى النكاح، وإلا فسخ ما لم يقع الدخول. فيحط الزائد عن الصبي، ويكمل النقص حكما من غير خيار.

                                                                                                                                                                                        وإن لم يكن ولده كفؤا ليتيمته ولا ابنته كفؤا ليتيمه- فسخ، إلا أن ينزل بمن في ولائه من ذكر أو أنثى عيب، أو ذهاب مال، أو ما أشبه ذلك، مما يرى أن بقاءهما من حسن النظر فيتركانه. [ ص: 1815 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية