الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في حكم الإعسار بمؤن الزوجة إذا ( أعسر ) الزوج ( بها ) أي : النفقة ( فإن صبرت ) زوجته ولم تمتعه تمتعا مباحا ( صارت ) كسائر المؤن ما عدا المسكن لما مر أنه أمتاع ( دينا عليه ) ، وإن لم يفرضها قاض ؛ لأنها في مقابلة التمكين ( وإلا ) تصير ابتداء أو انتهاء [ ص: 336 ] بأن صبرت ، ثم أرادت الفسخ كما سيعلم من كلامه ( فلها الفسخ ) بالطريق الآتي ( على الأظهر ) لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته يفرق بينهما ، وقضى به عمر رضي الله عنه ، ولم يخالفه أحد من الصحابة وقال ابن المسيب : إنه من السنة وهو أولى من الفسخ بنحو العنة ، ولا فسخ بالعجز عن نفقة ماضية ، أو عن نفقة الخادم نعم تثبت في ذمته قال الأذرعي بحثا : إلا من تخدم لنحو مرض فإنها في ذلك كالقريب ( والأصح ) أنه ( لا فسخ بمنع موسر ) ، أو متوسط كما يفهمه قوله الآتي : وإنما إلى آخره ( حضر ، أو غاب ) [ ص: 337 ] لتمكنها منه ولو غائبا كما له بالحاكم فإن فرض عجزه عنه فنادر ، واختار كثيرون في غائب تعذر تحصيلها منه الفسخ ، وقواه ابن الصلاح قال : كتعذرها بالإعسار والفرق بأن الإعسار عيب فرق ضعيف انتهى . والمعتمد ما في المتن ومن ثم صرح في الأم بأنه لا فسخ ما دام موسرا ، وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله والمذهب نقل كما قاله الأذرعي فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر مخالف للمنقول كما علمت ، ولا فسخ بغيبة من جهل حاله يسارا أو إعسارا بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن ، وإن علم استنادها للاستصحاب ، أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل ) في حكم الإعسار بمؤن الزوجة ( قوله : فإن صبرت ) أي : ثم أرادت الفسخ فعلم أن رضاها بذمته [ ص: 336 ] لا يسقط حقها من الفسخ خلافا لما وقع في الروضة ؛ لأنه من تصرفه وليس بصحيح كما بينه في شرحه ( قوله : نعم تثبت في ذمته ) قال في شرح الروض قال البلقيني : وعلى ما ذكر في نفقة الخادم إذا كان الخادم موجودا فإن لم يكن ثم خادم فلا تصير نفقته دينا في ذمة الزوج . ا هـ . وقضية ذلك أن بحث الأذرعي مفروض مع وجود الخادم وإلا فلا حاجة إليه وحينئذ ففيه نظر ( قوله : قال الأذرعي إلخ ) كذا م ر ش ( قوله في المتن : موسرا ) أي : حضر ماله دون مسافة القصر بدليل المسألة الآتية ( قوله : أو متوسط ) قد يقال : أو معسر ، وأما قوله : الآتي وإنما [ ص: 337 ] إلخ فإنما يفيد الفسخ لعجزه عن نفقة المعسر فليتأمل . ( قوله : بالحاكم ) متعلق بتمكن ( قوله : ومن ثم صرح في الأم بأنه إلخ ) ، وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي ( قوله : وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله ) أي : ولم يعلم غيبة ماله في مرحلتين أخذا مما يأتي م ر ش ( قوله : ما لم تشهد بإعساره الآن ) أي : فإن شهدت بذلك فلها الفسخ ، وهل يتوقف على الذكر لا يقال بل بينهما فرق ؛ لأن الحاضر يمكنه إنفاقها بنحو الاقتراض فهو مقصر بتركه ، ولا كذلك الغائب ؛ لأنا نقول : هو مقصر أيضا بغيبته مع ماله من غير إقامة منفق ، أو تركه نفقتها فلا وجه للفرق بينهما ، وينبغي حمل النص على من له مال دون مسافة القصر ، أو احتمل أن يكون له مال كذلك ليوافق هذا ، ويمكن أن يحمل على ذلك أيضا ما في شرح المنهج بأن يراد بأنه لا مال له حاضر في البلد مع احتماله في دون مسافة القصر فلا يخالف المنقول عن النص فليتأمل . فإن رد الشارح ما في شرح المنهج ظاهر في خلاف هذا لكن الأوجه المتعين الأخذ بهذا ، وقد وافق عليه م ر آخرا وأثبت في شرحه ما يوافقه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل ) في حكم الإعسار ( قوله : في حكم الإعسار ) إلى قول المتن حضر ، أو غاب في النهاية ( قوله : في حكم الإعسار إلخ ) أي : وما يتبع ذلك كخروجها لتحصيل النفقة مدة الإمهال وقوله : بمؤن الزوجة أراد بها ما يشمل المهر ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : الزوج ) أي : أو من يقوم مقامه من فرع ، أو غيره ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله : أي : النفقة ) أي : المستقبلة ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله : فإن صبرت زوجته ) أي : وأنفقت على نفسها من مالها ، أو مما اقترضته ، والرجعية كالتي في العصمة قاله إبراهيم المروزي ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله : ولم تمتعه إلخ ) فإن متعته لم تصر دينا عليه قاله الرافعي في الكلام على الإمهال ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله : ما عدا المسكن إلخ ) أي : والخادم ع ش و سم ورشيدي وسيد عمر [ ص: 336 ] قوله : بأن صبرت إلخ ) علم بذلك أن رضاها بذمته لا يسقط حقها من الفسخ خلافا لما وقع في الروض ؛ لأنه من تصرفه وليس بصحيح كما بينه في شرحه ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قول المتن : فلها الفسخ ) وبحث م ر الفسخ بالعجز عما لا بد منه من الفرش بأن يترتب على عدمه الجلوس ، والنوم على البلاط ، والرخام والمضر ومن الأواني كالذي يتوقف عليه نحو الشرب سم على حج ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : في الرجل ) أي : في حقه متعلق بالخبر ، أو نعت له وقوله : لا يجد إلخ الجملة حال من الرجل ، أو نعت له وقوله : يفرق بينهما بدل من الخبر ( قوله : وقضى به ) أي : بالفسخ بالإعسار ( قوله : ولم يخالفه أحد إلخ ) أي : فصار إجماعا سكوتيا ( قوله : قال ابن المسيب : إلخ ) ظاهره أنه غير الخبر المار وظاهر صنيع المغني أنهما خبر واحد عبارته ولخبر البيهقي بإسناد صحيح أن سعيد بن المسيب سئل عن رجل لا يجد ما ينفق على أهله فقال : يفرق بينهما فقيل له : سنة فقال : نعم سنة قال الشافعي رحمه الله تعالى ويشبه أنه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : من السنة ) أي : من الطريقة المأخوذة عنه صلى الله عليه وسلم لا أن ذلك مندوب كما هو ظاهر جلي ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ( قوله : وهو أولى إلخ ) من كلام الشارح لا ابن المسيب عبارة المغني ولأنها إذا فسخت بالجب ، والعنة فبالعجز عن النفقة أولى ؛ لأن البدن لا يقوم بدونها بخلاف الوطء ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ولا فسخ بالعجز ) إلى المتن في المغني ( قوله : أو عن نفقة الخادم ) سواء أخدمت نفسها أم استأجرت أم أنفقت على خادمها ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله : نعم تثبت إلخ ) قال في شرح الروض قال البلقيني : ومحل ما ذكر في نفقة الخادم إذا كان الخادم موجودا فإن لم يكن ثم خادم فلا تصير نفقته دينا في ذمة الزوج انتهى . وقضية ذلك أن بحث الأذرعي مفروض مع وجود الخادم وإلا فلا حاجة إليه وحينئذ ففيه نظر ا هـ .

                                                                                                                              سم عبارة ع ش قوله : فإنها في ذلك كالقريب قضيته أنها تسقط بمضي الزمن مطلقا ما لم يفرضها القاضي ويأذن لها في اقتراضها وتقترضها وإن نفقة خادمة من تخدم في بيت أبيها لا تسقط مطلقا وقياس ما مر في قوله : أنها أمتاع أن نفقة الخادمة مطلقا إن قدرت واقترضتها وجبت عليه وإلا فلا ا هـ .

                                                                                                                              أقول وقد يفرق بأن المخدومة لاستخدامها في بيت أبيها تستحق الإخدام بمجرد النكاح بخلاف المخدومة لنحو مرض فإن استحقاقها بواسطة أمر عارض ( قوله : قال الأذرعي : إلخ ) عبارة المغني وينبغي كما قال الأذرعي : أن يكون هذا في المخدومة لرتبتها أما من تخدم لمرضها ونحوه فالوجه عدم الثبوت كالقريب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إلا من تخدم ) الظاهر أنه بفتح أوله ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي أقول قضية ما مر آنفا عن المغني أنه بضم أوله ( قوله : فإنها ) أي : نفقة خادم المخدومة لنحو مرض في ذلك أي في ثبوت الذمة كالقريب أي : كنفقة القريب فلا تثبت إلا بفرض القاضي ( قول المتن بمنع موسر ) أي : امتناعه من الإنفاق ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قول المتن موسر ) أي : حضر ماله دون مسافة القصر بدليل المسألة الآتية ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قوله : أو متوسط ) أقول قد يقال : أو معسر وأما قوله : الآتي وإنما إلخ فإنما يفيد الفسخ بعجزه عن نفقة المعسر القادر على نفقة المعسر فليتأمل سم أقول : هو متجه جدا وعليه فمراده بالموسر هنا القادر على الإنفاق الواجب عليه أعم من أن يكون موسرا بالمعنى المتقدم ، أو لا ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر أي : فلا حاجة لما زاده الشارح والمحشي ( قول المتن ، أو غاب ) وعند غيبته يبعث لحاكم بلده إن كان موضعه معلوما فيلزمه بدفع نفقتها وإن لم يعرف موضعه بأن انقطع خبره فهل لها الفسخ ، أو لا ؟ نقل الزركشي عن صاحبي المهذب ، والكافي وغيرهما أن لها الفسخ ونقل الروياني في البحر عن نص الأم أنه لا فسخ ما دام الزوج موسرا وإن غاب غيبة منقطعة وتعذر استيفاء النفقة من ماله انتهى قال الأذرعي وغالب ظني الوقوف على هذا النص في الأم ، المذهب نقل فإن ثبت له نص بخلافه فذاك وإلا فمذهبه المنع كما رجحه الشيخان انتهى وهذا أحوط [ ص: 337 ] والأول أيسر ا هـ .

                                                                                                                              مغني وقال الشهاب السنباطي : في حاشيته على المحلي وهو أي : الأول المعتمد وما نقله الروياني عن النص ضعيف انتهى ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر وسيأتي عن سم تأويل النص بما يرتفع به الخلاف بينه وبين الأول ( قوله : لتمكنها منه ) عبارة المغني لتمكنها من تحصيل حقها بالحاكم ، أو بيدها إن قدرت وعند غيبته يبعث الحاكم لحاكم بلده إلخ ا هـ .

                                                                                                                              وعبارة النهاية لانتفاء الإعسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من خلاص حقها في الحاضر بالحاكم بأن يلزمه بالحبس وغيره وفي الغائب يبعث الحاكم إلى بلده ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كماله ) سيأتي ما فيه ( قوله : بالحاكم ) متعلق بتمكن ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قوله : عجزه ) أي : الحاكم عنه أي : الزوج ( قوله : واختار ) إلى قوله : أو ذكرته في النهاية إلا قوله : وقواه إلى ، والمعتمد ( قوله : ومن ثم صرح في الأم بأنه إلخ ) وأفتى به شيخنا الشهاب الرملي سم ونهاية ( قوله : ما دام موسرا إلخ ) أي : ولم يعلم غيبة ماله في مرحلتين أخذا مما يأتي ا هـ .

                                                                                                                              نهاية قال ع ش قوله : في مرحلتين أي عن البلدة التي هو مقيم بها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : فجزم شيخنا ) مبتدأ خبره قوله : مخالف إلخ ( قوله : ولا فسخ ) إلى قوله : أو ذكرته في المغني ( قوله : ولا فسخ بغيبة إلخ ) أي : واحتمل أن يكون له مال فيما دون مسافة القصر أخذا مما يأتي عن سم ( قوله : من جهل ) أي : واحتمل أن ماله معه أخذا مما يأتي ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي ( قوله : ما لم تشهد بإعساره الآن إلخ ) فلو شهدت بذلك بناء على الاستصحاب جاز لها ذلك إذا لم تعلم زواله وجاز الفسخ حينئذ ا هـ .

                                                                                                                              مغني ( قوله : وإن علم استنادها إلخ ) يعني أن القاضي يقبل البينة بإعساره الآن وإن علم أنها إنما شهدت بذلك معتمدة على الاستصحاب ويوجه بأن الأصل عدم حصول شيء له وكما يقبلها القاضي مع ذلك كذلك للبينة الإقدام على الشهادة اعتمادا على الظن المستند للاستصحاب ا هـ .

                                                                                                                              ع ش ومر آنفا عن المغني ما يوافقه ( قوله : أو ذكرته إلخ ) أي : وإن ذكرت البينة الاستصحاب تقوية لعلمهم بما شهدوا به بأن جزموا بالشهادة ، ثم قالوا : شهدنا به لذلك وقوله : كما يأتي أي : في الشهادات في بحث التسامع ا هـ .

                                                                                                                              كردي




                                                                                                                              الخدمات العلمية