الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة والعشرون : قوله تعالى : { فاقطعوا أيديهما } اعلموا أن هذه المسائل المتقدمة في هذه الآية لم يتعرض في القرآن لذكرها ، ولكن العموم لما كان يتناول كل ذلك ونظراءه ذكرنا أمهات النظائر ، لئلا يطول عليكم الاستيفاء ، وبينا كيفية التخصيص لهذا العموم ، لتعلموا كيفية استنباط الأحكام من كتاب الله تعالى ، وهكذا عقدنا في كل آية وسردنا ، فافهموه من آيات هذا الكتاب ; إذ لو ذهبنا إلى ذكر كل ما يتعلق بها من الأحكام لصعب المرام . ومن أهم المسائل في هذه الآية ما وقع التنصيص عليه فيها ، وهو قوله تعالى : { فاقطعوا أيديهما } ، فنذكر وجه إيرادها لغة ، وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة والعشرون : ثم نفيض بعد ذلك في تمامها ، فإنها عظيمة الإشكال لغة لا فقها ، فنقول : إن قيل : كيف قال : فاقطعوا أيديهما ، وإنما هما يمينان " ؟ [ ص: 117 ] قلت : لما توجه هذا السؤال وسمعه الناس لم يحل أحد منهم بطائل من فهمه . أما أهل اللغة فتقبلوه ، وتكلموا عليه ، وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم من غير تحقيق لكلامهم ، وذكروا في ذلك خمسة أوجه :

                                                                                                                                                                                                              الوجه الأول : أن أكثر ما في الإنسان من الأعضاء اثنان ، فحمل الأقل على الأكثر ; ألا ترى أنك تقول : بطونهما وعيونهما ، وهما اثنان ; فجعل ذلك مثله .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أن العرب فعلت ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما فيه منه اثنان ، فجعل ما في الشيء منه واحد جمعا إذا ثني ، ومعنى ذلك أنه وإن جعل جمعا فالإضافة تثنية ، لا سيما والتثنية جمع ، وكان الأصل أن يقال اثنان رجلان ، ولكن رجلان يدل على الجنس والتثنية جميعا ، وذكر كذلك اختصارا ، وكذلك إذا قلت : قلوبهما فالتثنية فيهما قد بينت لك عدد قلب ، وقد قال الشاعر فجمع بين الأمرين :

                                                                                                                                                                                                              ومهمهين قذفين مرتين

                                                                                                                                                                                                              ظهراهما مثل ظهور الترسين

                                                                                                                                                                                                              الثالث : قال سيبويه : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، كقول العرب : وضعا رحالهما ، وتريد رحلي راحلتيهما ، وإلى معنى الثاني يرجع في البيان الرابع ، ويشترك الفقهاء معهم فيه أنه في كل جسد يدان ، فهي أيديهما معا حقيقة ، ولكن لما أراد اليمنى من كل جسد ، وهي واحدة ، جرى هذا الجمع على هذه الصفة ، وتؤول كذلك . الخامس : أن ذكر الواحد بلفظ الجميع عند التثنية أفصح من ذكره بلفظ التثنية مع التثنية ; فهذا منتهى ما تحصل لي من أقوالهم ، وقد تتقارب وتتباعد ، وهذا كله بناء على ما أشرنا إليه عنهم في الخامس ، من أنهم بنوا الأمر على أن اليمين وحدها هي التي تقطع ، وليس كذلك ; بل تقطع الأيدي والأرجل ، فيعود قوله : أيديهما إلى أربعة ، وهي جمع في الآيتين ، وهي تثنية ; فيأتي الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا [ ص: 118 ] أيديهم لكان وجها ; لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى إلا بالفعل المنسوب إليه ، ولكنه جمع لحقيقة الجمع فيه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية