الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
[ ص: 3 ] فصل

وقد ذكر أبو عبد الله الرازي في نهاية العقول له لمثبتي الجهة حججا أخرى، فنذكر هنا أيضا ما ذكره من الجانبين في الكتابين، فقال: "واحتج مثبتو الجهة بأمور أربعة: أولها: أنا نعلم بالضرورة أن كل موجودين قائمين بأنفسهما فلا بد أن يكونا متباينين، ونعلم بالضرورة أن التباين بين الشيئين لا يخلو عن [ ص: 4 ] أحد الوجوه الثلاثة: التباين بالحقيقة، أو بالزمان، أو بالمكان، وإذا ثبت ذلك فنقول: التباين بين الباري تعالى وبين العالم لا يمكن أن يكون بالحقيقة، أو بالزمان، أو بهما فقط؛ لأن الجوهر يباين العرض الحال فيه بالحقيقة وبالزمان، [ ص: 5 ] وكذلك العرضان الحالان في محل واحد قد تباينا تباينا بالحقيقة والزمان، مع أنا نعلم بالضرورة أن بين الباري وبين العالم من التباين ما ليس بين الجوهر وما حل فيه، وبين العرضين الحالين في المحل الواحد؛ إذ لا بد من زيادة تباين على هذين القسمين، ولا ثالث يعقل إلا التباين بالمكان، فوجب أن يكون التباين بين الباري تعالى وبين العالم بالمكان، وذلك يقتضي كون الباري تعالى في الجهة.

ثم قال: "والجواب عما تمسكوا به، أولا: أن المحل مباين للحال في الحقيقة والزمان، ولكن أحدهما حال في الآخر [والآخر] محل له، ويشتركان أيضا في الحدوث والإمكان والحاجة إلى المؤثر، وأما الباري تعالى كما خالف العالم في الحقيقة وفي الزمان فليس حالا فيه، ولا محلا له، ولا بينهما مشاركة في الحدوث والإمكان والحاجة، فلما كان [ ص: 6 ] كذلك كان الاختلاف بين الباري تعالى وبين العالم أتم من الاختلاف بين الحال وبين المحل، فإذا ادعيتم ثبوت التباين بينهما من غير هذه الوجوه حتى تقولوا: يجب أن يكون ذلك التباين بالمكان، فهو محل النزاع.

التالي السابق


الخدمات العلمية