الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5215 [ ص: 532 ] 32 - باب: الأرنب

                                                                                                                                                                                                                              5535 - حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس - رضي الله عنه - قال: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران، فسعى القوم فلغبوا، فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها، فبعث بوركيها -أو قال بفخذيها- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبلها. [انظر: 2572 - مسلم: 1953 - فتح:9 \ 661]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أنس - رضي الله عنه -: أنفجنا أرنبا ونحن بمر الظهران، فسعى القوم فلغبوا، فأخذتها فجئت بها إلى أبي طلحة فذبحها، فبعث بوركيها -أو قال: بفخذيها- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقبلها.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث سلف ، ومعنى (أنفجنا): أثرنا، قال ابن سيده: نفج اليربوع ينفج، نفوجا، وانتفج: عدا، وأنفجه الصائد واستنفجه، الأخيرة عن ابن الأعرابي، ونفجت الأرنب: اقشعرت، يمانية، وكل ما اجثأل فقد نفج .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المنتهى" لأبي المعالي: نفج الأرنب: إذا ثار وعدا، وانتفج أيضا، وأنفجه الصائد: أثاره من مجثمه، وقيل: معنى (أنفجنا): أنا جعلنا بإثارتنا إياها تنتفج، وانتفاجها: إيقاع شعرها وانتفاشه في العدو; لأن الشيء يذكر لغيره; لكونه منه بسبب، وربما قيل: صيد أثرته قد انتفج. وفي الحديث "إنكم في فتنتين تكون الأولى منها كنفجة أرنب" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 533 ] يريد أن الأولى تكون وإن طالت وعظمت عند الأخرى كوثبة الأرنب إذا عدت.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الجامع": نفجت الأرنب، وهو أوحى عدوها، وأنفجه الصائد، ويقال هذا كله للصيد.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              الأرنب واحد الأرانب، قال في "المنتهى": وربما يبدل من الباء تاء، وذكر فيه شعرا، والدرمة الأرنب، ويقال لولدها الصغير: الخرنق، والجمع خرانق.

                                                                                                                                                                                                                              قوله: (فلغبوا) أي أعيوا وتعبوا.

                                                                                                                                                                                                                              قال تعالى وما مسنا من لغوب [ق: 38] وهو بفتح الغين على الأصح.

                                                                                                                                                                                                                              و (مر الظهران): اسم موضع على بريد مكة. وقيل: على أحد عشر ميلا، وقيل: على ستة عشر ميلا. قال الجوهري: وبطن مر أيضا موضع، وهو من مكة على مرحلة .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فقبلها) وفي رواية البخاري في كتاب الهبة: قلت: وأكل منه؟ قال: وأكل منه ثم قال بعد: قبله .

                                                                                                                                                                                                                              وصح من حديث محمد بن صيفي الأنصاري قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأرنبتين قد ذبحهما بمروة فأكلهما - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 534 ] وفي رواية داود، عن الشعبي، عن محمد بن صفوان، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه، أخرجه ابن أبي عاصم وابن أبي شيبة ، وهو مما ألزم الدارقطني الشيخين تخريجه لصحة الطريق إلى ابن صيفي.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              في أحاديث أخر واردة في الإباحة والكراهة والتوقف.

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي شيبة بإسناد جيد من حديث عمر قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهدى رجل إليه -من الأعراب- أرنبا فأكلناه، فقال الأعرابي: إني رأيت بها دما; فقال - عليه السلام -: "لا بأس". قال: وحدثنا وكيع عن إبراهيم أن رجلا سأل عبد الله بن عبيد بن عمير عن الأرنب; فقال: لا بأس بها.

                                                                                                                                                                                                                              قال: إنها تحيض; قال: إن الذي يعلم حيضها يعلم طهرها وإنما هي حاملة من الحوامل. وعن ابن المسيب عن سعد أنه كان يأكلها، قيل لسعد: ما تقول فيها؟ قال: كنت آكلها. وعن عبيد بن سعد أن بلالا رمى أرنبا فذبحها فأكلها. وعن الحسن أنه كان لا يرى بأكلها بأسا. قال طاوس: الأرنب حلال. وقال حسن بن حسن بن علي: أنا أعافها ولا أحرمها على المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم: وصح من حديث أبي هريرة أنه - عليه السلام - أتي بأرنب مشوية فلم يأكل منها وأمر القوم فأكلوا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 535 ] وفي أبي داود من حديث محمد بن خالد بن الحويرث قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الأرنب: "إنها تحيض". .

                                                                                                                                                                                                                              وفي ابن ماجه من حديث ابن إسحاق، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حبان بن جزء، عن أخيه خزيمة بن جزء قلت: يا رسول الله، ما تقول في الأرنب؟ قال: "لا آكله ولا أحرمه". قال: ولم يا رسول الله؟ قال: "إني أحسب أنها تدمي" .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي عاصم بإسناد جيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، من عند ابن أبي شيبة أنه كره أكلها، وكذا عن عكرمة.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حزم: روينا عن عمر أو ابنه أنه كره أكلها، وكذا عن عمرو بن العاص وابنه. وروينا من طريق وكيع، ثنا أبو مكين، عن عكرمة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أتي بأرنب فقيل له: إنها تحيض، فكرهها.

                                                                                                                                                                                                                              ومن طريق عبد الرزاق عن إبراهيم بن عمر، عن عبد الكريم بن أمية قال: سأل جرير بن أنس السلمي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الأرنب، فقال: "لا آكلها، أنبئت أنها تحيض" قال ابن حزم: حديث عكرمة مرسل وأبو أمية هالك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : أكلها حلال عند جمهور الأمة، وذكر عبد الرزاق عن عمرو بن العاص أنه كرهها ، وذكر الطبري عن عبد الله بن عمرو، [ ص: 536 ] وابن أبي ليلى أنهما كرهاها، وعلتهم في ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو، وأنه قال: كنت قاعدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجيء بها إليه فلم يأمر بأكلها ولم ينه عنها، وزعم أنها تحيض.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطبري: وروي عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: سأل رجل أبي عن الأرنب أيحل أكلها؟ قال: وما الذي يحرمها؟ قال: زعموا أنها تطمث كما تطمث المرأة. قال: فهل تعلم متى تطهر؟ قال: لا. قال: فإن الذي يعلم متى طمثها يعلم متى طهرها، وإلا فإنما هي حاملة من الحوامل، إن الله تعالى لم يزد شيئا نسيه، فما قال الله ورسوله فهو كما قالا، وما لم يقولا فعفو من الله، وهذا مثل ما كره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الضب ولم يحرمه . كما ستعلمه، وقد سلف أثر عبد الله قريبا مختصرا. وقد وقع في الرافعي عن أبي حنيفة تحريمها . وأما النووي فحكى عنه حلها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية