الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الرجل ينبطح على بطنه

                                                                      5040 حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن يعيش بن طخفة بن قيس الغفاري قال كان أبي من أصحاب الصفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا بنا إلى بيت عائشة رضي الله عنها فانطلقنا فقال يا عائشة أطعمينا فجاءت بحشيشة فأكلنا ثم قال يا عائشة أطعمينا فجاءت بحيسة مثل القطاة فأكلنا ثم قال يا عائشة اسقينا فجاءت بعس من لبن فشربنا ثم قال يا عائشة اسقينا فجاءت بقدح صغير فشربنا ثم قال إن شئتم بتم وإن شئتم انطلقتم إلى المسجد قال فبينما أنا مضطجع في المسجد من السحر على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال إن هذه ضجعة يبغضها الله قال فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 309 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 309 ] باب في الرجل ينبطح على بطنه

                                                                      " 6272 " قال في القاموس : بطحه كمنعه ألقاه على وجهه فانبطح .

                                                                      ( عن يعيش ) : بعين مهملة وشين معجمة على وزن يزيد ( بن طخفة ) : بكسر أوله وسكون الخاء المعجمة ثم فاء كذا في التقريب . وقال في المغني بمفتوحة وسكون معجمة ففاء ( الغفاري ) : بكسر الغين المعجمة ( كان أبي ) : أي طخفة ( فجاءت بحشيشة ) : بالحاء المهملة . قال في مجمع البحار في باب الحاء المهملة . وفيه فجاءت بحشيشة هو طعام يصنع من حنطة قد طحنت بعض الطحن وطبخت وتلقى فيه لحم أو تمر . انتهى . وفي بعض النسخ بجشيشة بالجيم .

                                                                      قال في مجمع البحار في باب الجيم : وفيه أولم صلى الله عليه وسلم بحشيشة هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم تجعل في القدر ويلقى عليه لحم أو تمر وبطيخ ، ويقال لها دشيشة . انتهى .

                                                                      وفي بعض الحواشي هي ما يجش من الجش فيطبخ والجش طحن خفيف فوق الدقيق .

                                                                      فظهر أن الجشيشة بالجيم والحشيشة بالحاء المهملة كلاهما بمعنى واحد ( فجاءت بحيسة ) : بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية طعام يتخذ من تمر وسويق وأقط وسمن ( مثل القطاة ) بفتح القاف ضرب من الحمام وكأنه شبه في القلة ، قاله السندي .

                                                                      قلت : ويحتمل أنه شبه عائشة بالقطاة بالصدق والوفاء ، والعرب تضرب الأمثال بالقطاة .

                                                                      [ ص: 310 ] قال العلامة الدميري : القطا طائر معروف واحده قطاة والجمع قطوات . قال ابن قتيبة من أهل اللغة والرافعي من الفقهاء إن القطا من الحمام .

                                                                      وتوصف القطا بالهدايا والعرب تضرب بها المثل في ذلك لأنها تبيض في القفر وتسقي أولادها من البعد في الليل والنهار فتجيء في الليلة المظلمة وفي حواصلها الماء فإذا صارت حيال أولادها صاحت قطا قطا فلم تخط بلا علم ولا إشارة ولا شجرة . فسبحان من هداها لذلك .

                                                                      وقال أبو زياد الكلابي : إن القطا تطلب الماء من مسيرة عشرين ليلة وفوقها ودونها .

                                                                      قال الدميري : والعرب تصف القطا بحسن المشي لتقارب خطاها ، ومشيها يشبه مشي النساء الخفرات بمشيتهن .

                                                                      وروى ابن حبان وغيره من حديث أبي ذر وابن ماجه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله تعالى له في الجنة بيتا وخصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شعر ولا على رأس جبل إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور فذلك شبه به المسجد ، ولأنها توصف بالصدق كما تقدم ، فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه .

                                                                      وقيل خرج ذلك مخرج الترغيب بالقليل عن الكثير كما خرج مخرج التحذير بالقليل عن الكثير قوله صلى الله عليه وسلم - : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده . انتهى كلامه ملخصا .

                                                                      ( فجاءت بعس ) : بضم العين المهملة وتشديد السين قدح ضخم ( من السحر ) : قال في المرقاة بفتحتين وفي نسخة بسكون الثاني وهو الرئة انتهى ، يقال بالفارسية شش .

                                                                      قال في المصباح : السحر الرئة وقيل ما لصق بالحلقوم والمريء من أعلى البطن وقيل هو كل ما تعلق بالحلقوم من قلب وكبد ورئة وفيه ثلاث لغات على وزن فلس وسبب وقفل ، وجمع الأولى سحور مثال فلس وفلوس ، وجمع الثانية والثالثة أسحار . انتهى .

                                                                      [ ص: 311 ] وقال الجوهري في الصحاح : السحر الرئة والجمع أسحار مثل برد وأبراد ، وكذلك السحر والجمع سحور مثل فلس وفلوس وقد يحرك فيقال سحر مثل نهر ونهر لمكان حروف الحلق . انتهى .

                                                                      وفي اللسان : السحر الرئة والجمع أسحار وسحر وسحور وقد يحرك فيقال سحر مثل نهر ونهر والسحر أيضا الكبد ، والسحر سواد القلب ونواحيه وقيل هو القلب . انتهى .

                                                                      والمعنى أن طخفة بن قيس كان له ذات الرئة فلذا كان مضطجعا على بطنه وأن صاحب ذات الرئة لا يستطيع أن ينام مستلقيا لأجل الوجع ، والله أعلم .

                                                                      ( فقال إن هذه ضجعة ) : بكسر الضاد المعجمة . قال القاري : ولعله عليه السلام لم يتبين له عذره أو لكونه يمكن الاضطجاع على الفخذين لدفع الوجع من غير مد الرجلين والله أعلم . انتهى .

                                                                      وفي الحديث أن النوم على البطن لا يجوز وأنه ضجعة الشيطان .

                                                                      قال المنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه ، وليس في حديث أبي داود عن أبيه ، ووقع عند النسائي عن قيس بن طهفة قال حدثني أبي ، وعند ابن ماجه عن قيس بن طهفة مختصرا وفيه اختلاف كثير جدا .

                                                                      وقال أبو عمر النمري : اختلف فيه اختلافا كثيرا واضطرب فيه اضطرابا شديدا ، فقيل طهفة بالهاء وقيل طخفة بالخاء وقيل طغفة بالغين ، وقيل طقفة بالقاف وقيل قيس بن طخفة ، وقيل يعيش بن طخفة وقيل عبد الله بن طخفة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديثهم كلهم واحد . قال كنت نائما في الصفة فركضني رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله وقال هذه نومة يبغضها الله وكان من أهل الصفة .

                                                                      ومن أهل العلم من يقول : إن الصحبة لأبيه عبد الله وإنه صاحب القصة . هذا آخر كلامه . وذكر البخاري فيه اختلافا كثيرا وقال طغفة خطأ وذكر أنه روى عن يعيش بن طخفة عن قيس الغفاري قال كان أبي وقال لا يصح قيس فيه ، وذكر أنه روى عن أبي هريرة قال ولا يصح أبو هريرة . انتهى كلام المنذري .




                                                                      الخدمات العلمية