الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      صفوان بن سليم ( ع )

                                                                                      الإمام الثقة الحافظ الفقيه أبو عبد الله ، وقيل : أبو الحارث القرشي [ ص: 365 ] الزهري المدني مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                      حدث عن ابن عمر ، وأنس ، وأم سعد بنت عمرو الجمحية ، وجابر بن عبد الله وعن حميد مولاه ، وعطاء بن يسار ، ونافع بن جبير بن مطعم ، وطاوس ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن سلمة الأزرقي ، وسلمان الأغر ، والقاسم بن محمد ، وأبي بسرة الغفاري ( تابعي مجهول ) وخلق سواهم .

                                                                                      وعنه يزيد بن أبي حبيب ، وموسى بن عقبة ، وابن جريج ، وابن عجلان ، ومالك ، والليث ، وعبد العزيز الدراوردي ، والسفيانان ، وخلق كثير آخرهم وفاة أبو ضمرة الليثي .

                                                                                      قال ابن سعد : كان ثقة ، كثير الحديث ، عابدا ، وقال ابن المديني : ثقة . وعن أحمد بن حنبل قال : من الثقات ، يستشفى بحديثه ، وينزل القطر من السماء بذكره . وروى عبد الله بن أحمد ، عن أبيه : ثقة من خيار عباد الله الصالحين .

                                                                                      وقال أبو حاتم والعجلي والنسائي : ثقة .

                                                                                      وقال المفضل بن غسان : كان يقول بالقدر .

                                                                                      وقال يعقوب بن شيبة : ثبت ثقة مشهور بالعبادة ، سمعت علي بن عبد الله يقول : كان صفوان بن سليم يصلي على السطح في الليلة الباردة لئلا يجيئه النوم .

                                                                                      إسحاق بن محمد ، عن مالك بن أنس قال : كان صفوان بن سليم يصلي في الشتاء في السطح ، وفي الصيف في بطن البيت ، يتيقظ بالحر والبرد ، حتى يصبح ، ثم يقول : هذا الجهد من صفوان وأنت أعلم ، وإنه لترم رجلاه حتى يعود كالسقط من قيام الليل ، ويظهر فيه عروق خضر .

                                                                                      [ ص: 366 ] وروى محمد بن يزيد الآدمي ، عن أنس بن عياض قال : رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له : غدا القيامة ، ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة .

                                                                                      وقال يعقوب بن محمد الزهري ، عن عبد العزيز بن أبي حازم قال : عادلني صفوان بن سليم إلى مكة ، فما وضع جنبه في المحمل حتى رجع .

                                                                                      قال ابن عيينة : حج صفوان ، فذهبت بمنى فسألت عنه ، فقيل لي : إذا دخلت مسجد الخيف فأت المنارة ، فانظر أمامها قليلا شيخا ، إذا رأيته علمت أنه يخشى الله -تعالى- فهو صفوان بن سليم ، فما سألت عنه أحدا حتى جئت كما قالوا ، فإذا أنا بشيخ كما رأيته علمت أنه يخشى الله ، فجلست إليه ; فقلت : أنت صفوان بن سليم ؟ قال : نعم .

                                                                                      قال : وحج صفوان بن سليم وليس معه إلا سبعة دنانير فاشترى بها بدنة ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني سمعت الله يقول : والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير .

                                                                                      محمد بن يعلى الثقفي ، عن المنكدر بن محمد قال : كنا مع صفوان بن سليم في جنازة وفيها أبي وأبو حازم ، وذكر نفرا من العباد ، فلما صلي عليها ، قال صفوان : أما هذا ، فقد انقطعت عنه أعماله ، واحتاج إلى دعاء من خلف بعده ، قال : فأبكى والله القوم جميعا .

                                                                                      يعقوب بن محمد الزهري ، عن أبي زهرة مولى بني أمية ، سمعت صفوان بن سليم يقول : في الموت راحة للمؤمن من شدائد الدنيا ، وإن كان ذا غصص وكرب ، ثم ذرفت عيناه .

                                                                                      قدامة بن محمد الخشرمي ، عن محمد بن صالح التمار قال : كان صفوان بن سليم يأتي البقيع في الأيام فيمر بي ، فاتبعته ذات يوم ، وقلت : لأنظرن ما [ ص: 367 ] يصنع ، فقنع رأسه ، وجلس إلى قبر منها ، فلم يزل يبكي حتى رحمته ، وظننت أنه قبر بعض أهله ، ومر بي مرة أخرى ، فاتبعته ، فقعد إلى جنب قبر غيره ، ففعل مثل ذلك . فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر ، وقلت : إنما ظننت أنه قبر بعض أهله ، فقال محمد : كلهم أهله وإخوته ، إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلما عرضت له قسوة . قال : ثم جعل محمد يمر بي ، فيأتي البقيع ، فسلمت عليه ذات يوم ، فقال : أما نفعك موعظة صفوان ؟ فظننت أنه انتفع بما ألقيت إليه منها .

                                                                                      قال أبو غسان النهدي : سمعت سفيان بن عيينة وأعانه على الحديث أخوه ، قال : حلف صفوان ألا يضع جنبه بالأرض حتى يلقى الله . فمكث على ذلك أكثر من ثلاثين عاما ، فلما حضرته الوفاة ، واشتد به النزع والعلز وهو جالس ، فقالت ابنته : يا أبة لو وضعت جنبك ، فقال : يا بنية إذا ما وفيت لله بالنذر والحلف ، فمات ، وإنه لجالس .

                                                                                      قال سفيان : فأخبرني الحفار الذي يحفر قبور أهل المدينة ، قال : حفرت قبر رجل ، فإذا أنا قد وقعت على قبر فوافيت جمجمة ، فإذا السجود قد أثر في عظام الجمجمة ، فقلت لإنسان : قبر من هذا ؟ فقال : أوما تدري ؟ هذا قبر صفوان بن سليم .

                                                                                      وروى سهل بن عاصم ، عن محمد بن منصور قال : قال صفوان بن سليم : أعطي الله عهدا أن لا أضع جنبي على فراش حتى ألحق بربي ، فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعين سنة لم يضع جنبه ، فلما نزل به الموت ، قيل له : رحمك الله ألا تضطجع ؟ قال : ما وفيت لله بالعهد إذا ، فأسند ، فما زال كذلك حتى خرجت نفسه . قال : ويقول أهل المدينة : إنه بقيت جبهته من كثرة السجود .

                                                                                      [ ص: 368 ] وقال ابن أبي حازم : دخلت مع أبي على صفوان وهو في مصلاه ، فما زال به أبي حتى رده إلى فراشه ، فأخبرته مولاته قالت : ساعة خرجتم مات . وروى كثير بن يحيى ، عن أبيه قال : قدم سليمان بن عبد الملك المدينة ، وعمر بن عبد العزيز عامل عليها ، قال : فصلى بالناس بالظهر ، ثم فتح باب المقصورة ، واستند إلى المحراب ، واستقبل الناس بوجهه ، فنظر إلى صفوان بن سليم ، فقال لعمر : من هذا ؟ ما رأيت أحسن سمتا منه . قال : صفوان ، قال : يا غلام كيس فيه خمسمائة دينار فأتاه به ، فقال لخادمه : اذهب بها إلى ذلك القائم ، فأتى حتى جلس إلىصفوان وهو يصلي ، ثم سلم ، فأقبل عليه ، فقال : ما حاجتك ؟ قال : يقول أمير المؤمنين : استعن بهذه على زمانك وعيالك ، فقال صفوان : لست الذي أرسلت إليه ، قال : ألست صفوان بن سليم ؟ قال : بلى . قال : فإليك أرسلت ، قال : اذهب فاستثبت ، فولى الغلام ، وأخذ صفوان نعليه وخرج ، فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة .

                                                                                      قال الواقدي وابن سعد وخليفة وابن نمير وعدة : مات صفوان سنة اثنتين وثلاثين ومائة .

                                                                                      قال أبو حسان الزيادي : عاش اثنتين وسبعين سنة . وعن ابن عيينة قال : آلى صفوان أن لا يضع جنبه إلى الأرض حتى يلقى الله تعالى .

                                                                                      أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر بسفح قاسيون ، أنبأنا المؤيد بن محمد الطوسي إجازة ، أنبأنا هبة الله بن سهل ، أنبأنا أبو عثمان سعيد بن محمد البحيري ، أنبأنا أبو علي زاهر بن أحمد الفقيه ، أنبأنا إبراهيم بن عبد الصمد ، حدثنا أبو مصعب أحمد بن بكر الزهري ، أنبأنا مالك ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : [ ص: 369 ] غسل الجمعة واجب على كل محتلم أخرجه مسلم وأبو داود ، عن أصحاب مالك ، ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله الحمال ، عن الحسن بن سوار ، عن الليث بن سعد ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن أبي بكر بن المنكدر ، عن عمرو بن سليم الزرقي ، عن أبي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه -رضي الله عنه- . فاعتبار العدد كأن شيخنا رواه بالإجازة ، عن النسائي . ولله المنة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية