الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) فيما يملك به الصيد وما يذكر معه

                                                                                                                            ( يملك الصيد ) الذي يحل اصطياده بأن لم يكن حرميا وليس به أثر ملك كخضب وقص جناح ولم يكن صائده محرما ( بضبطه ) أي الإنسان ولو غير مكلف ، نعم إن لم يكن له نوع تمييز وأمره غيره فهو لذلك الغير لأنه آلة له محضة ( بيده ) لأنه مباح فملك بوضع اليد عليه كسائر المباحات سواء قصد بذلك ملكه أم لا حتى لو أخذه لينظر إليه ملكه ، ولا فرق بين كونه ممتنعا أو لا لقوله تعالى { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم } أراد بما تناله الأيدي الصغار ، ولو كان الصائد غير مميز كأعجمي ومجنون ولم يأمره به أحد ملكه وإن أمره به غيره فهل هو له إن كان حرا أو لسيده إن كان قنا أو للآمر ؟ فيه الوجهان في تملك المباح ، أما الذي لا يحل اصطياده [ ص: 125 ] فلا يملكه قطعا ، ولو سعى خلفه فوقف إعياء أو جرحه فوقف عطشا لعدم الماء لا عجزا عن الوصول إلى الماء لم يملكه حتى يأخذه ( وبجرح مذفف ) أي مسرع للقتل ( وبإزمان وكسر جناح ) أو قصه بحيث يعجز عن الطيران والعدو جميعا لأنه يعد بذلك مستوليا عليه ، ويكفي في ذلك إبطال شدة عدوه بحيث يسهل أخذه ، ولو قطع حلقومه ومريئه أو أخرج حشوته بسهمه أو جارحته كان كافيا بالأولى ( وبوقوعه ) وقوعا لا يقدر معه على الخلاص ( في شبكة ) ولو مغصوبة ( نصبها ) له ، نعم إن قدر على خلاصه منها لم يملكه ، فلو أخذه غيره ملكه قاله الماوردي ، ولا يملكه من طرده إليها لتقدم حق ناصبها ، وخرج بنصبها ما لو وقعت منه فتعقل بها صيد ويعود الصيد الواقع فيها مباحا إن قطعها فانفلت ويملكه آخذه ، وإن قطعها غيره فانفلت فهو باق على ملك صاحبها فلا يملكه غيره ، فإن ذهب بالشبكة وكان قادرا على امتناعه فهو لمن أخذه وإلا فهو لصاحبها ، ولو أرسل عليه كلبا ولو غير معلم أو سبعا له على ذلك يد ملكه ، فلو انفلت من نحو الكلب ولو بعد أن أدركه صاحبه لم يملكه ، أما إذا قدر معه على ذلك فلا يملكه ما دام قادرا فمن أخذه ملكه ( وبإلجائه إلى مضيق لا يفلت ) بضم أوله وكسر اللام : أي ينفلت ( منه ) بأن يدخله بيتا ونحوه لأنه صار مقدورا عليه ، فلو أدخل سمكا حوضا بحيث لا يمكنه الخروج منه لكونه صغيرا يمكنه تناوله ما فيه بيده ملكه ، فإن كان كبيرا لا يمكنه أخذ ما فيه إلا بجهد وتعب أو إلقاء شبكة لم [ ص: 126 ] يملكه به ولكنه أولى به من غيره فليس لأحد صيده بدون إذنه .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) فيما يملك به الصيد

                                                                                                                            ( قوله : يملك به الصيد ) أي ولو غير مأكول ( قوله : الذي يحل اصطياده ) ومن ذلك الإوز العراقي المعروف فيحل اصطياده وأكله ، ولا عبرة بما اشتهر على الألسنة من أن له ملاكا معروفين لأنه لا عبرة بذلك ، وبتقدير صحته فيجوز أن ذلك الإوز من المباح الذي لا مالك له ، فإن وجد به علامة تدل على الملك كخضب وقص جناح فينبغي أن يكون لقطة كغيره مما يوجد فيه ذلك ( قوله : بأن لم يكن حرميا ) ينبغي أن يزاد ولم يكن مما أمر بقتله كالفواسق الخمس ، فإن اليد لا تثبت عليها ( قوله : ولم يكن صائده محرما ) ولا مرتدا مات على ردته ا هـ حج ( قوله : نعم إن لم يكن له نوع تمييز ) أي أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة الآمر ، لأنه آلة له محضة وخرج بما مر ما لو لم يأمره أحد فيملك ما وضع يده عليه ولا يضر في ذلك عدم تمييزه ( قوله : بيده ) ومنه ما لو تعقل بنحو شبكة نصبها ثم أخذها الصياد بما فيها وانفلت منها الصيد بعد أخذها فلا يزول ملكه عنه ( قوله : أراد بما تناله الأيدي الصغار ) أي من الصيد ( قوله : ولو كان الصائد ) هذه علمت من قوله أولا ولو غير مكلف إلخ ( قوله : ولم يأمره به أحد ) عبارة شيخنا الزيادي وصائده غير محرم : أي ولو صبيا ومجنونا وإن أمرها غيرهما : أي إن كان لهما نوع تمييز ( قوله : وإن أمره ) أي أمر الصائد الذي يعتبر قصده كما يدل عليه السياق لا غير المميز إذ لا قصد له ( قوله : أو للآمر فيه الوجهان ) [ ص: 125 ] الراجح منهما أنه للآمر حيث لم يقصد الآخذ تملكه لنفسه ( قوله لا عجزا ) أفهم أنه لو جرحه فوقف عجزا عن الوصول إلى الماء ملكه ، ولعل وجهه أن وقوفه بعد الجرح ظاهر في أن عجزه نشأ عن الجرح فأشبه ما لو أبطل منعته ، بخلاف ما لو وقف عطشا فإن عطشه المقتضي للوقوف ليس ناشئا عن الجرح ، وكذا إعياؤه فيما لو سعى خلفه ليس بفعل أوجده فيه وإن كان الإعياء ناشئا عن سعيه خلفه فليحرر ويعرف ذلك بالقرائن ( قوله : حلقومه ومريئه ) أي أو أحدهما فقط ( قوله : حشوته ) هي بضم الحاء وكسرها الأمعاء ، وأخرجت حشوة الشاة : أي جوفها ا هـ مصباح ( قوله : نعم إن قدر على خلاصه ) الأولى فإن لأن هذا مفهوم قوله قبل لا يقدر معه على الخلاص ( قوله : فلو أخذه غيره ) أي ويصدق في كون الأول لم يفعل به ما صيره به غير مقدور عليه ( قوله : فتعقل بها صيد ) أي فلا يملكه لعدم فعل منه ( قوله : ويعود الصيد الواقع فيها ) راجع لقول المصنف وبوقوعه في شبكة نصبها إلخ ، وقد يشكل زوال ملكه عنه بقطعه لها بما يأتي في كلام المصنف من أنه متى ملكه لا يزول ملكه بانفلاته ، إلا أن يقال : إنه بقطعه لها تبين أن وقوعه فيها غير مانع من إمكان تخلصه منها ، وقد جعل عدم إمكان التخلص شرطا للملك ( قوله وإن قطعها غيره ) أي غير الصيد ( قوله : فهو باق على ملك صاحبها ) أي ويضمن القاطع أرش القطع ( قوله : أما إذا قدر ) محترز قوله لا يقدر معه ( قوله : فلو أدخل ) أي تسبب في إدخاله كما هو ظاهر [ ص: 126 ] قوله فليس لأحد صيده ) أي فيحرم عليه ( قوله : بدون إذنه ) أي لكن لو أخذه ملكه كالمتحجر



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 124 ] فصل ) فيما يملك به الصيد ( قوله أي الإنسان ) انظر هلا قدمه عند قول المتن يملك كما هو ظاهر ، لكن عبارة التحفة صريحة في أن " يملك " مبني للمجهول ، وانظر ما وجه تعينه مع أن بناءه للفاعل أفيد من حيث تضمنه النص على المالك ( قوله : فيه الوجهان في تملك المباح ) عبارة الدميري : فيه الوجهان في التوكيل في تملك المباح انتهت .

                                                                                                                            فلعل لفظ في التوكيل [ ص: 125 ] سقط من الشارح من الكتبة ( قوله : لا عجزا عن الوصول إلى الماء ) أي بسبب الجرح ( قوله : له ) أي للصيد : أي بخلاف ما إذا نصبها لا للصيد فلا يملك ما وقع فيها كما صرح به ابن حجر خلافا للدميري ( قوله : نعم إن قدر إلخ ) هو مفهوم قوله وقوعا لا يقدر معه على الخلاص ، وسيأتي أنه يكرره في قوله أما إذا قدر معه إلخ ، والتعبير بما سيأتي هو المناسب لكن في بعض النسخ إسقاط الآتي المذكور مع قوله أولا وقوعا لا يقدر معه على الخلاص والاقتصار على هذا الاستدراك ( قوله : وخرج بنصبها ) أي للصيد كما مر ( قوله : ويعود ) أي في مسألة المتن ( قوله : لكونه صغيرا إلخ ) لعل الوجه فإن كان صغيرا إلخ إذ لا يحسن علة لما قبله بل هو قيد زائد




                                                                                                                            الخدمات العلمية