الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 272 ] باب ما على القاضي في الخصوم والشهود

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ينبغي للقاضي أن ينصف الخصمين في المدخل عليه للحكم والاستماع والإنصات لكل واحد منهما حتى تنفذ حجته ولا ينهرهما .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن القضاة زعماء العدل والإنصات ، ندبوا لأن يتناصف بهم الناس ، فكان أولى أن يكونوا أنصف الناس .

                                                                                                                                            قال الله تعالى : ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق الآية [ ص : 26 ] .

                                                                                                                                            وقال تعالى : ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله [ القصص : 50 ] . وروى عطاء بن يسار ، عن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من ابتلي بالقضاء بين الناس بالمسلمين فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده ، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ، ما لا يرفع على الآخر "

                                                                                                                                            وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري ، في عهده على قضاء البصرة : " آس بين الناس ، في وجهك ، ومجلسك ، وعدلك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك .

                                                                                                                                            آداب القضاة .

                                                                                                                                            وللقضاة آداب تزيد بها هيبتهم ، وتقوى بها رهبتهم ، والهيبة والرهبة في القضاة من قواعد نظرهم لتقود الخصوم إلى التناصف وتكفهم عن التجاحد .

                                                                                                                                            وآدابهم بعد ما قدمنا من الشروط المعتبرة في صحة ولاياتهم ، تشتمل على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهما : آدابهم في أنفسهم : وهو معتبر بحال القاضي ، فإن كان موسوما بالزهد والتواضع والخشوع ، كان أبلغ في هيبته ، وأزيد في رهبته .

                                                                                                                                            وإن كان ممازجا لأبناء الدنيا ، تميز عنهم بما يزيد في هيبته ، من لباس لا يشاركه غيره فيه ، ومجلس لا يساويه غيره فيه وسمت يزيد على غيره فيه .

                                                                                                                                            ملبس القضاة .

                                                                                                                                            فأما اللباس فينبغي أن يختص بأنظفها ملبسا ، ويخص يوم نظره بأفخر لباسه [ ص: 273 ] جنسا ، ويستكمل ما جرت به العادة بلبسه ، من العمامة والطيلسان وأن يتميز بما جرت به عادة القضاة ، من القلانس والعمائم السود ، والطيالسة السود ، فقد اعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخول مكة عام الفتح ، بعمامة سوداء تميز بها عن غيره ، ويكون نظيف الجسد ، يأخذ شعره وتقليم ظفره ، وإزالة الرائحة المكروهة من بدنه ، ويستعمل من الطيب ما يخفي لونه ، وتظهر رائحته ، إلا أن يكون في يوم ينظر فيه بين النساء ، فلا يستعمل من الطيب ما نم .

                                                                                                                                            مجلس القاضي :

                                                                                                                                            وأما مجلسه في الحكم فينبغي أن يكون فسيحا لا يضيق بالخصوم ولا يسرع فيه الملل ويفترش بساطا ، لا يزري ، ولا يطغي ، ويختص فيه بمقعد ووسادة ، لا يشاركه غيره فيهما . وليكن جلوسه في صدر مجلسه ، ليعرفه الداخل عليه ببديهة النظر ، ولو كان مستقبلا فيه القبلة كان أفضل .

                                                                                                                                            ويفتتح مجلسه بركعتين ، يدعو بعدهما بالتوفيق والتسديد ، ثم يطمئن في جلوسه متربعا مستندا أو غير مستند .

                                                                                                                                            سمت القاضي .

                                                                                                                                            وأما سمته : فينبغي أن يكون في مجلس الحكم غاض الطرف ، كثير الصمت ، قليل الكلام ، يقتصر من كلامه على سؤال أو جواب ، ولا يرفع بكلامه صوتا ، إلا لزجر وتأديب ، وليقلل الحركة والإشارة ، وليقف من أعوانه بين يديه من يستدعي الخصوم إليه ، ويرتب مقاعد الناس في مجلسه ، ويكون مهيبا مأمونا لينصان به مجلسه ، وتكمل به هيبته يوم جلوسه للحكم .

                                                                                                                                            ويجعل يوم جلوسه للحكم العام معروف الزمان والمكان ، وأول النهار أولى به من آخره .

                                                                                                                                            والاعتدال أن يكون له في كل أسبوع يومان إن أقنعا ، ولا يخل يوم في كل أسبوع .

                                                                                                                                            فإن وردت فيما عداه أحكام خاصة لم يؤخرها ، إن ضرت وكان فيها بين إن يستخلف من ينوب عنه في النظر ، وبين أن ينظر فيها بنفسه ، بعد أن يستكمل الراحة والدعة لئلا يسرع إليه ملل ولا ضجر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية