الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وكذلك بعثناهم يعني به إيقاظهم من نومهم. قال مقاتل: وأنام الله كلبهم معهم. ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم ليعلموا قدر نومهم. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم كان السائل منهم أحدهم ، والمجيب له غيره ، فقال لبثنا يوما لأنه أطول مدة النوم المعهود ، فلما رأى الشمس لم تغرب قال أو بعض يوم لأنهم أنيموا أول النهار ونبهوا آخره. قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وفي قائله قولان:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 294 ] أحدهما: أنه حكاية عن الله تعالى أنه أعلم بمدة لبثهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنه قول كبيرهم مكسلمينا حين رأى الفتية مختلفين فيه فقال ربكم أعلم بما لبثتم فنطق بالصواب ورد الأمر إلى الله عالمه ، وهذا قول ابن عباس. فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة قرئ بكسر الراء وبتسكينها ، وهو في القراءتين جميعا الدراهم ، وأما الورق بفتح الراء فهي الإبل والغنم ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        إياك أدعو فتقبل ملقي كفر خطاياي وثمر ورقي



                                                                                                                                                                                                                                        يعني إبله وغنمه. فلينظر أيها أزكى طعاما فيه أربعة تأويلات: أحدها: أيها أكثر طعاما ، وهذا قول عكرمة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أيها أحل طعاما ، وهذا قول قتادة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أطيب طعاما ، قاله الكلبي.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: أرخص طعاما. فليأتكم برزق منه فيه وجهان: أحدهما: بما ترزقون أكله.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بما يحل لكم أكله. وليتلطف يحتمل وجهين: أحدهما: وليسترخص.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: وليتلطف في إخفاء أمركم. وهذا يدل على جواز اشتراك الجماعة في طعامهم وإن كان بعضهم أكثر أكلا وهي المناهدة ، وكانت مستقبحة في الجاهلية

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 295 ] فجاء الشرع بإباحتها. قوله عز وجل: إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يرجموكم بأيديم استنكارا لكم ، قاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بألسنتهم غيبة لكم وشتما ، قاله ابن جريج.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: يقتلوكم. والرجم القتل لأنه أحد أسبابه. أو يعيدوكم في ملتهم يعني في كفرهم. ولن تفلحوا إذا أبدا إن أعادوكم في ملتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية