الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      النوع الرابع مفهوم الشرط اعلم أن الشرط في اصطلاح المتكلمين : ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلا في الشيء ولا مؤثرا فيه . وفي اصطلاح النحاة : ما دخل عليه أحد الحرفين " إن ، وإذا " أو ما يقوم مقامهما من الأسماء والظروف الدالة على سببية الأول ومسببية الثاني . [ ص: 165 ] وهو المراد هنا أعني اللغوي لا الشرعي والعقلي ، نحو : { وإن كن أولات حمل } فيتعلق الحكم بوجوده إجماعا ، وينتفي بعدمه عند القائلين المفهوم . قالوا : وهو أقوى المفاهيم .

                                                      وأما المنكرون له فاختلفوا ، فذهب ابن سريج ، وابن الصباغ ، والكرخي ، وأبو الحسين البصري إلى لزوم القول [ به ] ، ونقله إمام الحرمين عن أكثر العلماء ، ونقله ابن القشيري عن معظم أهل العراق ، ونقله أبو الحسن السهيلي في " أدب الجدل " عن أكثر الحنفية ، وذهب أكثر المعتزلة - كما نقله في " المحصول " - إلى المنع ، وقالوا : لا ينتفي بعدمه ، بل هو باق على ما كان عليه قبل التعليق ، ورجحه المحققون من الحنفية ، ونقل عن أبي حنيفة ، ونقله ابن التلمساني عن مالك ، وهو اختيار القاضي والغزالي والآمدي .

                                                      وقد احتج القاضي حسين في باب الأصول والثمار من تعليقه على الحنفية بحديث . يعلى بن أمية أنه قال لعمر بن الخطاب : لماذا نقصر ، وقد أمنا . وقال تعالى : { إن خفتم } ؟ فقال له عمر : تعجبت مما تعجبت منه ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : { صدقة تصدق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته } . قال : وهما من صميم العرب ، وأرباب اللسان ، وعرفا من الآية أن المفهوم يعني الشرطي حجة . وإنما تركاه لقول النبي صلى الله عليه وسلم . ا هـ . [ ص: 166 ] وقد بالغ إمام الحرمين في الرد على المنكرين لهذا المفهوم . وقال : من الصور التي يجب الاعتناء بها الشرط والجزاء ، فإن سلم الخصم اقتضاء الشرط تخصيص الجزاء به تعدينا هذه الرتبة ، وإن استقر على النزاع اكتفينا بنسبته إلى الجهالة باللسان أو المراغمة والعناد ، فنحن نعلم من مذهب العرب قاطبة أنها وضعت باب الشرط لتخصيص الجزاء به . فإذا قال القائل : من أكرمني أكرمته ، فقد أشعر باختصاص إكرامه بمن يكرمه . ومن جوز أن يكون وضع هذا الكلام على أن يكرم مكرمه ، ويكرم غيره أيضا ، فقد آل الكلام معه إلى التسفيه والتجهيل والإحالة على تعلم مذهب العرب .

                                                      قيل : وفيه نظر : لأن النزاع في هذه المسألة راجع إلى أن مثل قول القائل : من أكرمني أكرمته كما أنه يدل على إثبات إكرام مكرمه بطريق المنطوق ، هل يدل على نفي إكرام غير مكرمه بطريق المفهوم أم لا ؟ ولا خلاف في أن هذا الكلام لم يوضع لأن يكرم مكرمه ويكرم غير مكرمه ، فإنه لا دلالة له على إثبات إكرام غير مكرمه بالاتفاق ، لا بالمنطوق ولا بالمفهوم ، ولم يصر إليه أحد من منكري المفهوم . وإنما قالوا : إنه لم يلزم إلا إكرام مكرمه خاصة ، وأما غير مكرمه فلا مدخل له في هذا الوعد . ولا دلالة لمثل هذا الكلام على إكرامه بنفي ولا إثبات ، بل هو مسكوت عنه ، وهذا غير محال ولا مناف لاختصاص الجزاء بالشرط .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية