الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 381 ] قوله - عز وجل - : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي ؛ " الأمي " : هو على خلقة الأمة؛ لم يتعلم الكتاب؛ فهو على جبلته؛ وقوله : الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ؛ وهذا أبلغ في الاحتجاج عليهم؛ لأنه إخبار بما في كتبهم؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يكتب؛ ولا قرأ التوراة؛ والإنجيل؛ ولا عاشر أهلهما؛ فإتيانه بما فيهما من آيات الله العظام؛ ومحال أن يجيء مدع إلى قوم؛ فيقول لهم : " ذكري في كتابكم " ؛ وليس ذلك فيه؛ وذكره قد أنبأ من آمن من أهل الكتاب به؛ وقوله : يأمرهم بالمعروف ؛ يجوز أن يكون " يأمرهم " ؛ مستأنفا؛ وقوله : ويحل لهم الطيبات ؛ أي : يحل لهم ما حرم عليهم من طيبات الطعام؛ ويجوز : " ويحل لهم الطيبات " ؛ أي : ما أخذ من وجهه طيبا؛ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم ؛ و " الإصر " : ما عقدته من عقد ثقيل؛ والأغلال التي كانت عليهم ؛ و " الأغلال " ؛ تمثيل؛ ألا ترى أنك تقول : " جعلت هذا طوقا في عنقك " ؛ وليس هناك طوق؛ وإنما تأويله أني قد وليتك هذا؛ وألزمتك القيام به؛ فجعلت لزومه لك كالطوق في عنقك؛ و " الأغلال التي كانت عليهم " : كان عليهم أنه من قتل قتل؛ لا يقبل في ذلك دية؛ وكان عليهم إذا أصاب جلودهم شيء من البول أن يقرضوه؛ وكان عليهم ألا يعملوا في السبت؛ فهذه الأغلال التي كانت عليهم. [ ص: 382 ] وقوله : فالذين آمنوا به ؛ أي : بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وعزروه ونصروه ؛ اختلف أهل اللغة في معنى قوله : " وعزروه " ؛ وقوله : " عزرت فلانا؛ أعزره؛ وأعزره؛ عزرا " ؛ قال بعضهم : معنى " عزرته " : رددته؛ وقال بعضهم : معنى " عزرته " : أغثته؛ وقال بعضهم : يقال : " عزرت الرجل؛ أعزره " ؛ إذا لمته؛ ويقال : " عزرت فلانا " ؛ قال بعضهم : " عزرت فلانا " : نصرته؛ وقال بعضهم : " منعت منه " ؛ فالمعنى : " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه " : معنى " عزروه " : منعوا أعداءه من الكفر به؛ وقال بعضهم : " عزروه " ؛ بمعنى : " نصروه " ؛ والمعنى قريب؛ لأن منع الأعداء منه نصرته؛ ومعنى " عزرت فلانا " ؛ إذا ضربته ضربا دون الحد؛ يمنعه بضربه إياه عن معاودة مثل عمله؛ وقوله : " عزرته " : رددته؛ يجوز أن يكون منه " التعزير " ؛ أي : فعلت به ما يرده عن المعصية؛.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله : واتبعوا النور الذي أنـزل معه ؛ أي : واتبعوا الحق الذي بيانه في القلوب كبيان النور في العيون.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية