الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المقدمة الثانية في مشروعيته ، وأصله من الكتاب قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) ، وهو بيع منافع بجزء من الربح ، ومن عمل الصحابة - رضوان الله عليهم - ما في الموطأ : أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر - رضوان الله عليهم - خرجا في جيش إلى العراق ، فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري وهو أمير البصرة فرحب بهما وسهل ، ثم قال : لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به ، ثم قال : بلى هاهنا مال من مال الله تعالى أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكماه فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ، ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح ، فقالا : وددنا ، ففعل وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال ، فلما قدما باعا فأربحا ، فلما دفعا ذلك إلى عمر ، قال عمر : أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما ؟ قالا : لا ، فقال عمر : أبناء أمير المؤمنين فأسلفكما ، أديا المال وربحه . فأما عبد الله فسكت ، وأما عبيد الله فقال : ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا ، لو نقص المال أو هلك لضمناه ، فقال عمر : أدياه ، فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله ، فقال رجل من جلساء عمر يا أمير [ ص: 25 ] المؤمنين لو جعلته قراضا ؟ فقال عمر : قد جعلته قراضا ، فأخذ عمر المال ونصف ربحه ، وأخذ أبناؤه نصف الربح ، ويقال : الرجل عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                سؤال كيف يمكن جعله قراضا بعدما كان قرضا ، وإلزام ذلك في القرض خلاف الإجماع ، وأكل المال بالباطل ; لأن الربح ملك للمقترض إجماعا ، فأخذه منه غصب ، جوابه قال الطرطوشي في سراج الملوك : جعل عمر - رضي الله عنه - انتفاعهم بجاه العمل للمسلمين له نصف الربح ، كأن المصلين ساعدوهما في ذلك ، وهو مستنده في تشطير عماله في أموالهم فهو كالقراض .

                                                                                                                سؤال : أبو موسى حكم عدل وقد تصرف بوجه المصلحة ; لأن المال يصير مضمونا في الذمة فهو أولى من بعثه على وجه الأمانة ، مضافا إلى إكرام من ينبغي إكرامه ، فهو تصرف جامع للمصالح ، فيتعين تنفيذه وعدم الاعتراض عليه ، جوابه : أن عدم التعرض إنما هو بين النظر من الأمراء ، أما الخليفة فله النظر في أمر نوابه وإن كان سدادا أو تقول كأن في هذا التصرف تهمة تتعلق بعمر بسبب أنه إكرام لابنيه ، فأراد إبطالها والذب عن عرض الإمامة بحسب الإمكان ، وفي الموطأ : أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - دفع قراضا على أن الربح بينهما ، وقياسا على المساقاة التي هي مورد السنة بجامع الضرورة ; إذ ليس كل الناس يقدر على تنمية ماله ، وأجمعت الأمة عليه .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية