الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 141 ] وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر وقرأ الحسن ، والأعمش: "ظفر" بسكون الفاء; وهذا التحريم تحريم بلوى وعقوبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي ذي الظفر ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه ما ليس بمنفرج الأصابع ، كالإبل ، والنعام ، والإوز ، والبط ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: الإبل فقط ، قاله ابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: كل ذي حافر من الدواب ، ومخلب من الطير ، قاله ابن قتيبة . قال: وسمي الحافر ظفرا على الاستعارة; والعرب تجعل الحافر والإظلاف موضع القدم ، استعارة; وأنشدوا:


                                                                                                                                                                                                                                      سأمنعها أو سوف أجعل أمرها إلى ملك أظلافه لم تشقق



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 142 ] أراد قدميه; وإنما الأظلاف للشاء والبقر . قال ابن الأنباري: الظفر هاهنا ، يجري مجرى الظفر للإنسان . وفيه ثلاث لغات . أعلاهن: ظفر; ويقال: ظفر ، وأظفور . وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      ألم تر أن الموت أدرك من مضى     فلم يبق منه ذا جناح وذا ظفر



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      لقد كنت ذا ناب وظفر على العدى     فأصبحت ما يخشون نابي ولا ظفري



                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر:

                                                                                                                                                                                                                                      ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت     وبين أخرى تليها قيد أظفور



                                                                                                                                                                                                                                      وفي شحوم البقر والغنم ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه إنما حرم من ذلك شحوم الثروب خاصة ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: شحوم الثروب والكلى ، قاله السدي ، وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: كل شحم لم يكن مختلطا بعظم ، ولا على عظم ، قاله ابن جريج . وفي قوله: إلا ما حملت ظهورهما ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه ما علق بالظهر من الشحوم ، قاله ابن عباس . والثاني: الإلية ، قاله أبو صالح ، والسدي . والثالث: ما علق بالظهر والجنب من داخل بطونهما ، [ ص: 143 ] قاله قتادة . فأما الحوايا ، فللمفسرين فيها أقوال تتقارب معانيها . قال ابن عباس ، والحسن ، وابن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن قتيبة: هي المباعر . وقال ابن زيد: هي بنات اللبن ، وهي المرابض التي تكون فيها الأمعاء . وقال الفراء: الحوايا: هي المباعر ، وبنات اللبن . وقال الأصمعي: هي بنات اللبن ، وأحدها: حاوياء ، وحاوية ، وحوية .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشاعر: أقتلهم ولا أرى معاوية الجاحظ العين العظيم الحاوية

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الآخر: كأن نقيق الحب في حاويائه فحيح الأفاعي أو نقيق العقارب

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة: الحوايا: ما تحوي من البطن ، أي: ما استدار منها . وقال الزجاج : الحوايا: اسم لجميع ما تحوي من البطن فاجتمع واستدار ، وهي بنات اللبن ، وهي المباعر ، وتسمى: المرابض ، وفيها الأمعاء:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أو ما اختلط بعظم فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه شحم البطن والإلية ، لأنهما على عظم ، قاله السدي . والثاني: كل شحم في القوائم ، والجنب ، والرأس ، والعينين ، والأذنين ، فهو مما اختلط بعظم ، قاله ابن جريج . واتفقوا على أن ما حملت ظهورها حلال ، [ ص: 144 ] بالاستثناء من التحريم . فأما ما حملت الحوايا ، أو ما اختلط بعظم ، ففيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه داخل في الاستثناء ، فهو مباح; والمعنى: وأبيح لهم ما حملت الحوايا من الشحم وما اختلط بعظم ، هذا قول الأكثرين .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه نسق على ما حرم ، لا على الاستثناء; فالمعنى: حرمنا عليهم شحومهما ، أو الحوايا ، أو ما اختلط بعظم ، إلا ما حملت الظهور ، فإنه غير محرم . قاله الزجاج . فأما "أو" المذكورة هاهنا ، فهي بمعنى الواو ، كقوله: آثما أو كفورا [الدهر:24] .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ذلك جزيناهم أي: ذلك التحريم عقوبة لهم على بغيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي بغيهم قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه قتلهم الأنبياء ، وأكلهم الربا . والثاني: أنه تحريم ما أحل لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية