الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 301 ] قوله تعالى: ولن تجد من دونه ملتحدا فيه أربعة تأويلات: أحدها: ملجأ، قاله مجاهد ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        لا تحفيا يا أخانا من مودتنا فما لنا عنك في الأقوام ملتحد



                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: مهربا ، قاله قطرب ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        يا لهف نفسي ولهف غير مغنية     عني وما من قضاء الله ملتحد



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: معدلا ، قاله الأخفش.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: وليا ، قاله قتادة . ومعانيها متقاربة. قوله عز وجل: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم فيه وجهان: أحدهما: يريدون تعظيمه.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يريدون طاعته. قال قتادة: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما نزلت عليه قال: (الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر معهم) . يدعون ربهم بالغداة والعشي فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يدعونه رغبة ورهبة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنهم المحافظون على صلاة الجماعة ، قاله الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنها الصلاة المكتوبة ، قاله ابن عباس ومجاهد. ويحتمل وجها رابعا: أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق ، ويختموه بالدعاء طلبا للمغفرة. يريدون وجهه يحتمل وجهين: أحدهما: بدعائهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بعمل نهارهم. وخص النهار بذلك دون الليل لأن عمل النهار إذا كان لله تعالى فعمل الليل أولى أن يكون له. ولا تعد عيناك عنهم فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 302 ] أحدهما: ولا تتجاوزهم بالنظر إلى غيرهم من أهل الدنيا طلبا لزينتها ، حكاه اليزيدي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: ما حكاه ابن جريج أن عيينة بن حصن قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم: لقد آذاني ريح سلمان الفارسي وأصحابه فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعونا فيه ، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه ، فنزلت. ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا قوله أغفلنا فيه وجهان: أحدهما: جعلناه غافلا عن ذكرنا.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: وجدناه غافلا عن ذكرنا. وفي هذه الغفلة لأصحاب الخواطر ثلاثة أوجه: أحدها: أنها إبطال الوقت بالبطالة ، قاله سهل بن عبد الله.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أنها طول الأمل.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنها ما يورث الغفلة. واتبع هواه فيه وجهان: أحدهما: في شهواته وأفعاله.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: في سؤاله وطلبه التمييز عن غيره. وكان أمره فرطا فيه خمسة تأويلات: أحدها: ضيقا ، وهو قول مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: متروكا ، قاله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: ندما قاله ابن قتيبة.

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع: سرفا وإفراطا ، قاله مقاتل.

                                                                                                                                                                                                                                        الخامس: سريعا. قاله ابن بحر. يقال أفرط إذا أسرف وفرط إذا قصر.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية