الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 170 ] النوع الخامس مفهوم العدد وهو تعليق الحكم بعدد مخصوص يدل على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد زائدا كان أو ناقصا ، كقوله : { إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا } ، وقوله تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } وهو دليل مستعمل كالصفة سواء كما قال الشيخ أبو حامد ، وابن السمعاني . ونقله أبو حامد عن نص الشافعي ، وكذا القاضيان : أبو الطيب الطبري ، والماوردي في باب بيع الطعام قبل أن يستوفى ، وجرى عليه الإمام ، والغزالي ، وابن الصباغ في " العدة " ، وسليم . قال : وهو دليلنا في نصاب الزكاة ، والتحريم بخمس رضعات .

                                                      وقال ابن الرفعة في باب الجماعة من " المطلب " : إنه العمدة لنا في عدم تنقيص الأحجار في الاستنجاء عن الثلاثة ، والزيادة على ثلاثة أيام في خيار الشرط ، وتعجبت من النووي في قوله : إن مفهوم العدد باطل عند الأصوليين . قال : ولعله سبق الوهم إليه من اللقب ، ونقله أبو الخطاب الحنبلي عن منصوص أحمد . وبه قال مالك ، وداود . وقال آخرون : لا يدل ، وهو رأي منكري الصفة كالقاضي ، وإمام الحرمين . وقد قال به صاحب الهداية من الحنفية . فقال في قوله : { خمس [ ص: 171 ] فواسق ، يقتلن في الحل والحرم } : إنه يبقى غيرها بالعدد . وأجاب عن ( خمس رضعات ) بأنه إنما لم ينتف تحريم الرضعة ، لثبوته في إطلاق : { أرضعنكم } الصريح .

                                                      وقال أبو بكر الرازي : كنت أسمع كثيرا من مشايخنا يقولون في المخصوص : إنه حجة ، كقوله : ( خمس فواسق ) . وقوله : { أحلت لنا ميتتان ، ودمان } ، فدل على أن غيرهما من الميتة غير مباح . ولقيت محمد بن شجاع قد احتج به ، ولا أعرف جواب المتقدمين من أصحابنا عنه . قال : والقائلون بهذا فرقوا بين أن يصرح بالعدد كما ذكرنا فيكون حجة ، وبين أن لا يصرح به كقوله : { الذهب بالذهب مثلا بمثل } ، إلى آخر الأصناف الستة فلا يدل على أن ما عداه بخلافه ، لأنه لم يقل : إن الربا في الستة ، كما قيل : خمس يقتلهن المحرم . وقال الأستاذ أبو إسحاق : اختلف أصحاب أبي حنيفة في العدد إذا ورد مقرونا باللفظ ، فذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة ، ثم ناقضوا أصلهم في الزيادة على النص ، فجعلوه أقوى النصين ، ومنعوا من الزيادة عليه بالقياس ، كقوله تعالى : { فاجلدوهم ثمانين جلدة } وقالوا : إنه يدل على سقوط التغريب . وممن أنكر العدد الإمام الرازي بعد تفصيل سبقه إليه أبو الحسين في " المعتمد " ، ونبه عليه الآمدي أيضا . وحاصله أنه لا يدل ، فإنه قال : [ ص: 172 ] الحكم المقيد بعدد إن كان معلول ذلك العدد ثبت في الزائد لوجوده فيه كما في جلد مائة ، أو حكم بأن القلتين يدفعان حكم النجاسة وإلا يلزم كما أوجب مائة جلدة . والناقص عن ذلك العدد ، إن كان داخلا فيه وكان الحكم إيجابا أو إباحة ثبت فيه ، كما أوجب أو أباح جلد مائة ، وإن كان تحريما فلا يلزم . وإن لم يكن داخلا فيه ، كالحكم بشهادة شاهد واحد ، فإنه لا يدخل في الحكم بشهادة شاهدين ، فالتحريم قد ثبت فيه بطريق الأولى ، والإيجاب والإباحة لا يلزمان قال : فثبت أن قصر الحكم على العدد لا يدل على نفيه عما زاد أو نقص إلا بدليل .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية