الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي أو امرأة

                                                                                                                                            1055 - ( عن ابن عباس قال : { بت عند خالتي ميمونة ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فقمت أصلي معه ، فقمت عن يساره ، فأخذ برأسي وأقامني عن يمينه } . رواه الجماعة وفي لفظ { : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ ابن عشر ، وقمت إلى جنبه عن يساره ، فأقامني عن يمينه ، قال : وأنا يومئذ ابن عشر سنين } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( بت ) في رواية " نمت " . قوله : ( يصلي من الليل ) قد تقدم الكلام في صلاة الليل . قوله : ( وأقامني عن يمينه ) يحتمل المساواة ويحتمل التقدم والتأخر قليلا . وفي رواية : " فقمت إلى جنبه " وهو ظاهر في المساواة .

                                                                                                                                            وعن بعض أصحاب الشافعي : يستحب أن يقف المأموم دونه قليلا ، وليس عليه فيما أعلم دليل .

                                                                                                                                            وفي الموطأ عن عبد الله بن مسعود قال : دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح ، فقمت وراءه ، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه .

                                                                                                                                            والحديث له فوائد كثيرة ، منه ما بوب له المصنف من انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي وليس على قول من منع من انعقاد إمامة من معه صبي فقط دليل ، ولم يستدل لهم في البحر إلا بحديث : " رفع القلم " ورفع القلم لا يدل على عدم صحة صلاته وانعقاد الجماعة به ولو سلم لكان مخصصا بحديث ابن عباس ونحوه .

                                                                                                                                            وقد ذهب إلى أن الجماعة لا تنعقد بصبي : الهادي والناصر المؤيد بالله وأبو حنيفة وأصحابه .

                                                                                                                                            وذهب أصحاب الشافعي والإمام يحيى إلى الصحة من غير فرق بين الفرض والنفل . وذهب مالك وأبو حنيفة في رواية عنه إلى الصحة في النافلة . ومنها صحة صلاة النوافل جماعة وقد تقدم بعض الكلام على ذلك وسيأتي بقيته . ومنها أن موقف المؤتم عن يمين الإمام .

                                                                                                                                            وقال سعيد بن المسيب : إن موقف المؤتم الواحد عن يسار الإمام ، ولم يتابع على ذلك لمخالفته للأدلة . وقد اختلف في صحة صلاة من وقف عن اليسار فقيل : [ ص: 171 ] لا تبطل بل هي صحيحة وهو قول الجمهور ، وتمسكوا بعدم بطلان صلاة ابن عباس لوقوفه عن اليسار لتقريره صلى الله عليه وسلم له على أول صلاته .

                                                                                                                                            وقيل : تبطل وإليه ذهب أحمد والهادوية ، قالوا : وتقريره صلى الله عليه وسلم لابن عباس لا يدل على صحة صلاة من وقف من أول الصلاة إلى آخرها عن اليسار عالما . وغاية ما فيه تقرير من جهل الموقف والجهل عذر ، وسيأتي الكلام على الموقف للمؤتم الواحد والاثنين والجماعة في أبواب مواقف الإمام والمأموم .

                                                                                                                                            ومنها جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وقد بوب البخاري لذلك ، وفي المسألة خلاف ، والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة . واستدل لذلك ابن المنذر بحديث أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان ، قال : فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطا ، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بنا تجوز في صلاته } الحديث ، وسيأتي ، وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموا هم به ابتداء وأقرهم ، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري . وذهب أحمد إلى الفرق بين النافلة والفريضة ، فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة ، وفيه نظر لحديث أبي سعيد : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وحده ، فقال : ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه } أخرجه أبو داود وقد حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .

                                                                                                                                            1056 - ( وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات } رواه أبو داود ) . الحديث . ذكر أبو داود أن بعضهم لم يرفعه ولا ذكر أبا هريرة وجعله كلام أبي سعيد ، وبعضهم رواه موقوفا ، وقد أخرجه النسائي وابن ماجه مسندا وفيه مشروعية إيقاظ الرجل أهله بالليل للصلاة وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء ، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها ، فإن أبى نضحت في وجهه الماء } وفي إسناده محمد بن عجلان ، وقد وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم واستشهد به البخاري ، وأخرج له مسلم في المتابعة وتكلم فيه بعضهم .

                                                                                                                                            وحديث الباب استدل به على صحة الإمامة وانعقادها برجل وامرأة وإلى ذلك ذهب الفقهاء ولكنه لا يخفى أن قول : " فصليا ركعتين جميعا " محتمل لأنه يصدق عليهما إذا صلى كل واحد منهما ركعتين منفردا أنهما صليا جميعا ركعتين ، أي كل واحد منهما فعل الركعتين ولم يفعلهما أحدهما [ ص: 172 ] فقط ، ولكن الأصل صحة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرجل كما تنعقد بالرجل مع الرجل ، ومن منع ذلك فعليه الدليل ، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عائشة أنها قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا } وقال : إنه حديث غريب .

                                                                                                                                            وقد روى الشافعي وابن أبي شيبة والبخاري تعليقا عن عائشة أنها كانت تأتم بغلامها .

                                                                                                                                            وحكى المهدي في البحر عن العترة أنه لا يؤم الرجل امرأة ، واستدل لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : { أخروهن حيث أخرهن الله } وقوله : { شر صفوف النساء أولها } وليس في ذلك ما يدل على المطلوب . واستدل أيضا بأن عليا عليه السلام منع من ذلك ، قال : وهو توقيف . وجعله من التوقيف دعوى مجردة لأن المسألة من مسائل الاجتهاد ، وليس المنع مذهبا لجميع العترة فقد صرح الهادي أنه يجوز للرجل أن يؤم بالمحارم في النوافل وجوز ذلك المنصور بالله مطلقا . .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية