الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 171 ] باب صدقة السوائم ( فصل في الإبل ) [ ص: 172 ] قال رضي الله عنه ( ليس في أقل من خمس ذود صدقة ، فإذا بلغت خمسا سائمة ، وحال عليها الحول ففيها شاة إلى تسع ، فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى أربع عشرة ، فإذا كانت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه إلى تسع عشرة ، فإذا كانت عشرين ففيها أربع شياه إلى أربع وعشرين ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض ) وهي التي طعنت في الثانية .

( إلى خمس وثلاثين ، فإذا كانت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون ) وهي التي طعنت في الثالثة إلى خمس وأربعين ( فإذا كانت ستا وأربعين ففيها حقة ) وهي التي طعنت في الرابعة ( إلى ستين ، فإذا كانت إحدى وستين ففيها جذعة ) وهي التي طعنت في الخامسة ( إلى خمس وسبعين ، فإذا كانت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين ، فإذا كانت إحدى [ ص: 173 ] وتسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين ) بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ثم ) [ ص: 174 ] إذا زادت على مائة وعشرين ( تستأنف الفريضة ) فيكون في الخمس شاة مع الحقتين ، وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ، [ ص: 175 ] إلى مائة وخمسين فيكون فيها ثلاث حقاق ، ثم تستأنف الفريضة فيكون في الخمس شاة ، وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض ، وفي ست وثلاثين بنت لبون ، فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق إلى مائتين [ ص: 176 ] ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين وهذا عندنا . وقال الشافعي : إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ، فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون ، ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات فتجب في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كتب { إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون } من غير شرط عود ما دونها . ولنا أنه عليه الصلاة والسلام كتب في آخر ذلك في كتاب عمرو بن حزم { فما كان [ ص: 177 ] أقل من ذلك ، ففي كل خمس ذود شاة } فنعمل بالزيادة ( والبخت والعراب سواء ) في وجوب الزكاة لأن مطلق الاسم يتناولهما .

التالي السابق


( باب صدقة السوائم ) سامت الماشية سوما وأسامها ربها إسامة . بدأ محمد رحمه الله في تفصيل أموال الزكاة بالسوائم اقتداء بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما كان في كتبه كذلك لأنها كانت إلى العرب ، وكان جل أموالهم وأنفسها الإبل فبدأ بها . والسائمة التي ترعى ولا تعلف في الأهل . وفي الفقه : هي تلك مع قيد كون ذلك لقصد الدر والنسل حولا أو أكثره ، وسيأتي تفسير السائمة في الهداية ونذكر هناك الخلاف . فلو أسيمت للحمل والركوب [ ص: 172 ] لم تكن السائمة المستلزمة شرعا لحكم وجوب الزكاة ، بل لا زكاة فيها ، ولو أسامها للتجارة كان فيها زكاة التجارة لا زكاة السائمة ، وقد عين في الكتاب أسنان المسميات . وأما اشتقاق الأسماء فسميت بنت المخاض به لأن أمها تكون مخاضا بغيرها عادة : أي حاملا ، ويسمى أيضا وجع الولادة مخاضا ، قال الله تعالى { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } وبنت اللبون لأن أمها تكون ذات لبن ترضع به أخرى ، والحقة لأنها حق لها أن تركب ويحمل عليها ، والجذعة لمعنى في أسنانها يعرفه أهل اللغة ( قوله ليس في أقل من خمس ذود ) الذود : يقال من ثلاثة من الإبل إلى عشرة ، وقد استعملها هنا في الواحد على نظير استعمال الرهط في قوله تعالى { تسعة رهط } وقصد المصنف بذلك متابعة لفظ الصديق رضي الله عنه على ما سنذكره عنه . واعلم أن تقدير النصاب والواجب أمر توقيفي . وفي المبسوط : إن إيجاب الشاة في خمسة من الإبل لأن المأمور به ربع العشر بقوله عليه الصلاة والسلام { هاتوا ربع عشر أموالكم } والشاة تقرب من ربع عشر الإبل ، فإن الشاة كانت تقوم بخمسة وبنت مخاض بأربعين ، فإيجاب الشاة في خمس كإيجاب الخمسة في مائتين ا هـ . وسيأتي في الحديث فيمن وجب عليه سن فلم يوجد عنده وضع العشرة موضع الشاة عند عدمها وهو مصرح ، بخلاف ما قال وسننبهك عليه . ثم ظاهر الغاية في قوله إلى تسع كونها غاية للوجوب ، وإنما يتمشى على قول محمد رحمه الله لأنه جعل الزكاة واجبة في النصاب ، والعفو [ ص: 173 ] والغاية غاية إسقاط لأن المعنى وجوب الشاة مستمر إلى تسع .

واعلم أن الواجب في الإبل هو الإناث أو قيمتها ، بخلاف البقر والغنم فإنه يستوي فيه الذكورة والأنوثة ( قوله بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) منها كتاب الصديق رضي الله عنه لأنس بن مالك ، رواه البخاري وفرقه في ثلاثة أبواب عن ثمامة : أن أنسا حدثه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : بسم الله الرحمن الرحيم . هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين والتي أمر الله بها رسوله ، فمن سئلها من المسلمين فليعطها على وجهها ، ومن سئل فوقه فلا يعطه . في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس ذود شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى ، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل ، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة ، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمسين حقة ، ثم ساق بقية الحديث في الغنم .

ثم ذكر في الباب الثاني عن ثمامة وقال فيه : من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تؤخذ منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة ، فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين انتهى .

فقد جعل بدل كل شاة عند عدم القدرة عليها عشرة ، وهذا يصرح بخلاف الاعتبار الذي اعتبره في المبسوط لأن الظاهر أنه إنما تجعل عند عدمها قيمتها إذ ذاك .

ثم قال : وفي الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى مائة وعشرين شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين ففيها شاتان فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث شياه ، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة ، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء [ ص: 174 ] ربها ، وفي الرقة ربع العشر ، فإذا لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها .

وفي الباب الثالث عن ثمامة أن أنسا حدثه فساق الحديث ، وفيه { لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق } .

ورواه أبو داود في سننه حديثا واحدا وزاد فيه : { وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية } وقد يوهم لفظ بعض الرواة فيه الانقطاع لكن الصحيح أنه صحيح ، قاله البيهقي .

ومن الكتب كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه فذكره على وفاق ما تقدم ، وزاد فيه : { لا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة } ولم يذكر الزهري عن سالم هذا الحديث ولم يرفعوه ، وإنما رفعه سفيان بن حسين ، وسفيان هذا أخرج له مسلم واستشهد به البخاري ، وقد تابع سفيان على رفعه سليمان بن كثير ، وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه ، وزاد فيه ابن ماجه بعد قوله وفي خمس وعشرين بنت مخاض : فابن لبون ذكر ، فإن لم تكن بنت مخاض فابن لبون ذكر ، وزاد فيه أبو داود زيادة من طريق ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة وهي عند آل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها ، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله بن عمر فذكر الحديث .

وقال فيه : { فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة ، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة ، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وبنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ، فإذا بلغت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون } .

ثم ذكر سائمة الغنم على ما ذكر سفيان بن حسين ، وهذا مرسل كما أشار إليه الترمذي . وقد اشتمل كتاب الصديق وكتاب عمر على هذه الألفاظ وهي : وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية ، ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة ، ولا بأس ببيان المراد إذ كان مبنى بعض الخلاف ، وذلك إذا كان النصاب بين شركاء وصحت الخلطة بينهم باتحاد المسرح والمرعي والمراح والراعي والفحل والمحلب تجب الزكاة فيه عنده لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يجمع بين متفرق } الحديث . وفي عدم وجوب تفريق المجتمع ، وعندنا لا تجب وإلا لو وجبت على كل واحد فيما دون النصاب .

لنا هذا الحديث ، ففي الوجوب الجمع بين الأملاك المتفرقة إذ المراد الجمع والتفريق في الأملاك لا الأمكنة ، ألا ترى أن النصاب المفرق في أمكنة مع وحدة الملك تجب فيه ، ومن ملك ثمانين شاة ليس للساعي أن يجعلها نصابين بأن يفرقها في مكانين ، فمعنى لا يفرق بين مجتمع : أنه لا يفرق الساعي بين الثمانين مثلا أو المائة والعشرين ليجعلها نصابين وثلاثة ، ولا يجمع بين متفرق : لا يجمع مثلا بين الأربعين المتفرقة بالملك بأن تكون مشتركة ليجعلها نصابا والحال أن لكل عشرين .

قال : وما كان بين خليطين إلخ ، قالوا أراد به إذا كان بين [ ص: 175 ] رجلين إحدى وستون مثلا من الإبل لأحدهما ست وثلاثون وللآخر خمس وعشرون ، فأخذ المصدق منها بنت لبون وبنت مخاض فإن كل واحد يرجع إلى شريكه بحصة ما أخذه الساعي من ملكه زكاة شريكه ، والله أعلم .

ومنها كتاب عمرو بن حزم أخرجه النسائي في الديات وأبو داود في مراسيله عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن ، وهذه نسختها : { بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان ، أما بعد : فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله ، وما كتب الله عز وجل على المؤمنين من العشر في العقار وما سقت السماء ، وما كان سيحا أو كان بعلا فيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق ، وما سقي بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر ، وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين ، فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها بنت مخاض ، فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، وساقه كما تقدم وفيه : وفي كل ثلاثين باقورة تبيع أو جذعة ، وفي كل أربعين باقورة بقرة } . ثم ذكر صدقة الغنم وفيه : وفي { كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم ، وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون خمسة أواق شيء ، وفي كل أربعين دينارا دينار } وفي الكتاب أيضا : { إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله ، وقتل النفس المؤمنة بغير حق ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلم السحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، ثم ذكر جملا في الديات } قال النسائي : وسليمان بن أرقم متروك .

وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه : أخبرنا معمر عن عبد الله بن أبي بكر به ، وأخرجه الدارقطني عن إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر به ، ورواه ابن حبان في صحيحه ، والحاكم في المستدرك ، كلاهما عن سليمان بن داود : حدثني الزهري به . قال الحاكم : إسناده صحيح وهو من قواعد الإسلام . وقال أحمد في كتاب عمرو بن حزم صحيح .

قال ابن الجوزي : يشير بالصحة إلى هذه الرواية لا إلى غيرها ، وقال بعض الحفاظ في نسخة كتاب عمرو بن حزم : تلقتها الأمة بالقبول وهي متوارثة كنسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وهي دائرة على سليمان بن أرقم وسليمان بن داود وكلاهما ضعيف . لكن قال الشافعي في الرسالة : لم يقبلوه حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال يعقوب بن سفيان الفسوي : لا أعلم في جميع الكتب المنقولة أصح منه ، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون آراءهم ا هـ .

وتضعيف سليمان بن داود الخولاني معارض بأنه أثنى جماعة من الحفاظ عليه منهم أحمد وأبو حاتم وأبو زرعة وعثمان بن سعيد الدارمي وابن عدي ( قوله إلى مائتين ) وإذا صارت [ ص: 176 ] مائتين فهو بالخيار إن شاء أدى أربع حقاق وإن شاء خمسة بنات لبون ( قوله كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين ) يعني في خمس شاة مع الأربع حقاق أو الخمسة بنات لبون ، وفي عشر شاتان معها ، وفي خمسة عشر ثلاث شياه معها ، وفي عشرين أربع معها ، فإذا بلغت مائتين وخمسا وعشرين .

ففيها بنت مخاض معها ، إلى ست وثلاثين فبنت لبون معها إلى ست وأربعين ومائتين ففيها خمس حقاق حينئذ إلى مائتين وخمسين ، ثم تستأنف كذلك ، ففي مائتين وست وتسعين ستة حقاق إلى ثلاثمائة وهكذا ، وهو احتراز عن الاستئناف الأول ( قوله لما روي أنه عليه الصلاة والسلام إلخ ) تقدم في كتاب أبي بكر في البخاري وأحمد مع الشافعي وعن مالك روايتان كمذهبنا وكمذهب الشافعي ( قوله ولنا أنه عليه الصلاة والسلام ) روى أبو داود في المراسيل وإسحاق بن راهويه في مسنده والطحاوي في مشكله عن حماد بن سلمة : قلت لقيس بن سعد : خذ لي كتاب محمد بن عمرو بن حزم ، فأعطاني كتابا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لجده ، فقرأته فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل ، فقص الحديث إلى أن بلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فإنها تعاد إلى أول فريضة الإبل ، ودفعت هذه الرواية بمخالفتها الرواية الأخرى عنه مما قدمناه ، ورواية الصحيح من كتاب الصديق والأثر الذي رواه الطحاوي عن ابن مسعود بما يوافق مذهبنا طعن فيه بالانقطاع من مكانين وضعف بخصيف ، وما أخرجه ابن أبي شيبة بسنده عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي كمذهبنا عورض بأن شريكا رواه عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال : إذا زادت الإبل على عشرة ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون ، إلا أن سفيان أحفظ من شريك . ولو سلم لا يقاوم ما تقدم .

قلنا إن سلم فإنما يتم لو تعارضا ، وليس كذلك لأن ما تثبته هذه الرواية من التنصيص على عود الفريضة لا يتعرض ما تقدم لنفيه ليكون معارضا ، إنما فيه : إذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون ، ونحن نقول به لأنا أوجبنا كذلك ، إذ الواجب [ ص: 177 ] في الأربعين هو الواجب في ست وثلاثين ، والواجب في خمسين هو الواجب في ست وأربعين ، ولا يتعرض هذا الحديث لنفي الواجب عما دونه فنوجبه بما رويناه ، وتحمل الزيادة فيما رواه على الزيادة الكثيرة جمعا بين الأخبار ; ألا ترى إلى ما رواه الزهري عن سالم عن أبيه أنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي فأخرجها أبو بكر من بعده فعمل بها حتى قبض ، ثم أخرجها عمر فعمل بها ، ثم أخرجها عثمان فعمل بها ، ثم أخرجها علي فعمل بها } ، فكان في إحدى الروايتين : في إحدى وتسعين حقتان إلى عشرين ومائة ، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون الحديث ، ورواه أبو داود والترمذي .

قال في شرح الكنز : وقد وردت أحاديث كلها تنص على وجوب الشاة بعد المائة والعشرين ذكرها في الغاية ( قوله والبخت والعراب ) جمع عربي للبهائم وللأناس عرب ، ففرقوا بينهما في الجمع ، والعرب مستوطنو المدن والقرى العربية ، والأعراب أهل البدو .

واختلف في نسبتهم ، والأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحتين وهي من تهامة لأن أباهم إسماعيل عليه السلام نشأ بها ، كذا في المغرب .

وهذه تتمة في زكاة العجاف : لا شك أن الواجب الأصلي هو الوسط مع مراعاة جانب الفقراء ورب المال ، فإيجابه فيما إذا كان الكل عجافا إجحاف به فوجب الإيجاب بقدره ، وهذا تفصيله ، فإذا كان له خمس من الإبل فيها بنت مخاض وسط أو أعلى منها سنا لكنها النقصان حالها تعدلها ففيها شاة وسط ، فإن لم يكن فيها ما يساويها نظر إلى قيمة بنت مخاض وسط وقيمة أفضلها ، فما كان بينهما من التفاوت اعتبر مثله في الشاة الواجبة بالنسبة إلى الشاة الوسط ، مثلا لو كان قيمة بنت المخاض خمسين وقيمة أفضلها خمس وعشرون فالتفاوت بالنصف فتجب شاة قيمتها نصف قيمة الشاة الوسط .

وعلى هذا فقس ، فلو كانت الإبل خمسا وعشرين حقاق أو جذاع أو بنات مخاض أو بوازل ، فإن كان فيها بنت مخاض وسط أو ما يساويها في القيمة وجبت بنت مخاض وسط ، وإن شاء دفع التي تساويها ، وإن كان حقة أو أعلى منها بطريق القيمة وإن لم يكن فيها ما يساويها ولا هي فالواجب بنت مخاض تساوي أفضلها ، ولو كانت ستا وثلاثين بنات مخاض أو حقاق أو جذاع أو بوازل ، فإن كان فيها ثنتان تعدلان بنتي مخاض وسط وجب فيها بنت لبون وسط لم يكتف هنا بوجود واحدة تعدل بنت مخاض وسط لإيجاب بنت لبون وسط لأن الواجب هنا ليس بنت مخاض بل بنت لبون ، وربما كان التفاوت بينهما يأتي على أكثر نصاب العجاف فوجب ضم أخرى تعدل بنت مخاض وسط ، فلو لم يكن فيها ما يعدل بنت مخاض وجب بنت لبون [ ص: 178 ] بقدرها ، وطريقه أن ينظر إلى قيمة بنت مخاض وسط وإلى قيمة بنت لبون وسط ، فما تفاوت به اعتبر زيادة على بنت لبون تساوي أفضلها مما يليها في الفضل منها ، مثلا كانت قيمة بنت المخاض خمسين وقيمة بنت اللبون خمسة وسبعون فالواجب بنت لبون تساوي أفضلها ونصف قيمة التي تليها في الفضل ، حتى لو كان أفضلها يساوي عشرين وتليه أخرى تساوي عشرة وجب بنت لبون تساوي عشرين وخمسة دراهم ، ولو كانت خمسين ليس فيها ما يساوي بنت مخاض وسط نظر إلى قيمة بنت مخاض وسط وقيمة حقة وسط ، فما وقع به التفاوت اعتبر في التي تلي أفضلها ، فيجب ذلك مع أفضلها أيضا كما ذكر في بنت اللبون مع بنت المخاض ، حتى لو كان قيمة بنت المخاض خمسين والحقة ثمانين ففيها حقة تساوي أفضلها وثلاثة أخماس التي تليها في الفضل .

ولو كانت الحقة بتسعين وبنت المخاض خمسين وفي الإبل بنت مخاض تساوي خمسين وأخرى تساوي ثلاثين فالواجب حقة تساوي أربعة وسبعين ليكون مثل أفضلها وأربعة أخماس التي تليها ، ولو كانت قيمة بنت المخاض خمسين والحقة مائة وفي الإبل ثلاث تساوي كل ثلاثين ثلاثين ففيها حقة تساوي ستين مثل ثنتين من أفضلها لأن التفاوت الذي بين الحقة وبنت المخاض الضعف .

وإنما جعلنا بنت المخاض حكما في الباب في كل الصور لأنها أدنى سن يتعلق به الوجوب ، والزيادة عليها عفو ، ولم يكتف بوجود واحدة منها تساوي بنت مخاض وسط لإيجاب ما زاد على بنت المخاض لما ذكرنا




الخدمات العلمية