الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 181 ] سورة هود عليه السلام

                                                                                                                                                                                                مكية [إلا الآيات 12 و 17 و 114 فمدنية]

                                                                                                                                                                                                وهي مائة وثلاث وعشرون آية [نزلت بعد سورة يونس]

                                                                                                                                                                                                بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير

                                                                                                                                                                                                أحكمت آياته : نظمت نظما رصينا محكما، لا يقع في نقض ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف، ويجوز أن يكون نقلا بالهمزة، من "حكم" بضم الكاف، إذا صار حكيما، أي: جعلت حكيمة، كقوله تعالى: آيات الكتاب الحكيم [لقمان: 2]، وقيل: منعت من الفساد، من قولهم: أحكمت الدابة إذا وضعت عليها الحكمة لتمنعها من الجماح; قال جرير [من الكامل]:


                                                                                                                                                                                                أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا



                                                                                                                                                                                                وعن قتادة : أحكمت من الباطل، ثم فصلت : كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد، والأحكام، والمواعظ، والقصص، أو جعلت فصولا، سورة سورة، وآية آية، وفرقت في التنزيل، ولم تنزل جملة واحدة، أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد، أي: بين ولخص، وقرئ: "أحكمت آياته ثم فصلت": أي أحكمتها أنا ثم فصلتها، وعن عكرمة والضحاك : "ثم فصلت" أي: فرقت بين الحق والباطل .

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: ما معنى "ثم" ؟

                                                                                                                                                                                                قلت: ليس معناها التراخي في الوقت، ولكن في الحال، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام، ثم مفصلة أحسن التفصيل، وفلان كريم الأصل، ثم كريم الفعل، [ ص: 182 ] وكتاب: خبر مبتدأ محذوف، و"أحكمت": صفة له، وقوله: من لدن حكيم خبير صفة ثانية، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر، وأن يكون صلة لـ"أحكمت" و"فصلت"، أي: من عنده إحكامها وتفصيلها، وفيه طباق حسن; لأن المعنى: أحكمها حكيم وفصلها، أي: بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية