الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 245 ] 120

ثم دخلت سنة عشرين ومائة

ذكر وفاة أسد بن عبد الله

في هذه السنة في ربيع الأول توفي أسد بن عبد الله القسري بمدينة بلخ .

وكان سبب موته أنه كان به دبيلة [ في جوفه ] فأصابه مرض ، ثم أفاق منه ، فخرج يوما فأتي بكمثرى أول ما جاء ، فأطعم الناس منه واحدة واحدة ، وأخذ كمثراة فرمى بها إلى خراسان دهقان هراة فانقطعت الدبيلة فهلك ، واستخلف جعفر بن حنظلة البهراني ، فعمل أربعة أشهر ، ثم جاء عهد نصر بن سيار بالعمل في رجب .

وكان هذا خراسان دهقان هراة خصيصا بأسد ، فقدم عليه في المهرجان ومعه من الهدايا والتحف ما لم يحمل غيره مثله ، وكانت قيمة الهدية ألف ألف . وقال لأسد : إنا معشر العجم أكلنا الدنيا أربعمائة سنة بالحلم والعقل والوقار ، وكان الرجال فينا ثلاثة : ميمون النقيبة ، أينما توجه فتح الله عليه ، والذي يليه رجل تمت مروته في بيت ، فإن كان كذلك رحب وحيا ، ورجل رحب صدره وبسط يده ، فإذا كان كذلك قدم وقود ، وقد جعل الله صفات هؤلاء فيك ، فما نعلم [ أحدا ] هو أتم كتخدانية منك ، إنك عزيز ، ضابط أهل بيتك وحشمك ومواليك ، فليس منهم من يستطيع أن يعتدي على صغير ولا كبير ، ثم بنيت الإيوانات في المفاوز من أحسن ما عمل ، ومن يمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مائة ألف ، ومعه الحارث بن سريج فهزمته وفللته وقتلت أصحابه [ ص: 246 ] وأبحت عسكره ، وأما رحب صدرك وبسط يدك فإنا لا ندري أي المالين أحب إليك ، أمال قدم عليك أم مال خرج من عندك ؟ بل أنت بما خرج أقر عينا . فضحك أسد وقال : أنت خير دهاقيننا ، وفرق جميع الهدية بين أصحابه .

ولما مات أسد رثاه ابن عرس العبدي فقال : نعى

أسد بن عبد الله ناع فريع القلب للملك المطاع     ببلخ وافق المقدار يسري
وما لقضاء ربك من دفاع     فجودي عين بالعبرات سحا
ألم يحزنك تفريق الجماع



في أبيات غيرها . ولما مات أسد كتب مسلمة بن هشام بن عبد الملك ، وهو أبو شاكر ، إلى خالد القسري :

أراح من خالد فأهلكه     رب أراح العباد من أسد
أما أبوه فكان مؤتشبا     عبدا لئيما لأعبد فقد
يرى الزنى والصليب والخمر     والخنزير حلا والغي كالرشد
وأمه همها وبغيتها     هم الإماء العواهر الشرد
كافرة بالنبي مؤمنة     بقسها والصليب والعمد



يعني المعمودية . فلما قرأ خالد الكتاب قال : يا عباد الله من رأى كهذه تعزية رجل من أخيه ؟ وكان ما بين خالد وأبي شاكر مباعدة ، وسببها أن هشاما يرشح ابنه أبا شاكر للخلافة ، فقال الكميت :

إن الخلافة كائن أوتادها     بعد الوليد إلى ابن أم حكيم



يعني أبا شاكر ، وأمه أم حكيم ، فبلغ الشعر خالدا فقال : أنا كافر بكل خليفة يكنى أبا شاكر ، فسمعها أبو شاكر فحقدها عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية