nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153nindex.php?page=treesubj&link=28977_28750وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون [ ص: 171 ] الواو عاطفة على جملة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151ألا تشركوا به شيئا " لتماثل المعطوفات في أغراض الخطاب وترتيبه ، وفي تخلل التذييلات التي عقبت تلك الأغراض بقوله : لعلكم تعقلون ، لعلكم تذكرون ، لعلكم تتقون . وهذا كلام جامع لاتباع ما يجيء إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الوحي في القرآن .
وقرأ
نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وأبو جعفر : أن بفتح الهمزة وتشديد النون .
وعن
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي أنه معطوف على : ما حرم ربكم ، فهو في موضع نصب بفعل " أتل " والتقدير : وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما .
وعن
أبي علي الفارسي : أن قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن تحمل " أن " ، أي تعلق على قوله فاتبعوه ، والتقدير : ولأن
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، على قياس قول
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لإيلاف قريش . وقال في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=18وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا المعنى : ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا . ا . هـ .
فـ أن مدخولة للام التعليل محذوفة على ما هو معروف من حذفها مع أن و أن . وتقدير النظم : واتبعوا صراطي لأنه صراط مستقيم ، فوقع تحويل في النظم بتقدير التعليل على الفعل الذي حقه أن يكون معطوفا ، فصار التعليل بمنزلة الشرط بسبب هذا التقديم ، كأنه قيل : لما كان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه .
وقرأ
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وخلف : " وإن " بكسر الهمزة وتشديد النون فلا تحويل في نظم الكلام ، فيكون قوله : " فاتبعوه " تفريعا على إثبات بأن صراطه مستقيم . وقرأ
عامر ، ويعقوب : وأن
[ ص: 172 ] بفتح الهمزة وسكون النون على أنها مخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر والجملة بعده خبره ، والأحسن تخريجها بكون أن تفسيرية معطوفة على : أن لا تشركوا . ووجه إعادة أن اختلاف أسلوب الكلام عما قبله .
والإشارة إلى الإسلام : أي وأن الإسلام صراطي ; فالإشارة إلى حاضر في أذهان المخاطبين من أثر تكرر نزول القرآن وسماع أقوال الرسول - عليه الصلاة والسلام - بحيث عرفه الناس وتبينه ، فنزل منزلة المشاهد ، فاستعمل فيه اسم الإشارة الموضوع لتعيين ذات بطريق المشاهدة مع الإشارة ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى جميع التشريعات والمواعظ التي تقدمت في هذه السورة ، لأنها صارت كالشيء الحاضر المشاهد ، كقوله تعالى : ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك .
والصراط : الطريق الجادة الواسعة ، وقد مر في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم والمراد الإسلام كما دل عليه قوله في آخر السورة "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما " لأن المقصود منها تحصيل الصلاح في الدنيا والآخرة فشبهت بالطريق الموصل السائر فيه إلى غرضه ومقصده .
ولما شبه الإسلام بالصراط وجعل كالشيء المشاهد صار كالطريق الواضحة البينة فادعي أنه مستقيم ، أي لا اعوجاج فيه لأن الطريق المستقيم أيسر سلوكا على السائر وأسرع وصولا به .
والياء المضاف إليها صراط تعود على الله ، كما بينه قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53صراط الله " على إحدى طريقتين في حكاية القول إذا كان في المقول ضمير القائل أو ضمير الآمر بالقول ، كما تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم في سورة العقود . وقد عدل عن طريقة الغيبة ، التي جرى عليها الكلام من
[ ص: 173 ] قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151ما حرم ربكم " لغرض الإيماء إلى عصمة هذا الصراط من الزلل ، لأن كونه صراط الله يكفي في إفادة أنه موصل إلى النجاح ، فلذلك صح تفريع الأمر باتباعه على مجرد كونه صراط الله . ويجوز عود الياء إلى النبيء المأمور بالقول ، إلا أن هذا يستدعي بناء التفريع بالأمر باتباعه على ادعاء أنه واضح الاستقامة ، وإلا فإن كونه طريق النبيء لا يقتضي تسبب الأمر باتباعه عنه بالنسبة إلى المخاطبين المكذبين .
وقوله : " مستقيما " حال من اسم الإشارة ، وحسن وقوعه حالا أن الإشارة بنيت على ادعاء أنه مشاهد ، فيقتضي أنه مستحضر في الذهن بمجمل كلياته وما جربوه منه وعرفوه ، وأن ذلك يريهم أنه في حال الاستقامة كأنه أمر محسوس ، ولذلك كثر مجيء الحال من اسم الإشارة نحو : "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وهذا بعلي شيخا " ولم يأتوا به خبرا .
و السبل : الطرق ، ووقوعها هنا في مقابلة الصراط المستقيم يدل على صفة محذوفة ، أي السبل المتفرقة غير المستقيمة ، وهي التي يسمونها : بنيات الطريق ، وهي طرق تتشعب من السبيل الجادة ذاهبة ، يسلكها بعض المارة فرادى إلى بيوتهم أو مراعيهم فلا تبلغ إلى بلد ولا إلى حي ، ولا يستطيع السير فيها إلا من عقلها واعتادها ، فلذلك سبب عن النهي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فتفرق بكم عن سبيله ، أي فإنها طرق متفرقة فهي تجعل سالكها متفرقا عن السبيل الجادة ، وليس ذلك لأن السبيل اسم للطريق الضيقة غير الموصلة ، فإن السبيل يرادف الصراط ألا ترى إلى قوله : قل هذه سبيلي ، بل لأن المقابلة والإخبار عنها بالتفرق دل على أن المراد سبل خاصة موصوفة بغير الاستقامة .
والباء في قوله : " بكم " للمصاحبة : أي فتتفرق السبل مصاحبة لكم ، أي تتفرقون مع تفرقها ، وهذه المصاحبة المجازية تجعل الباء بمنزلة
[ ص: 174 ] همزة التعدية كما قاله النحاة ، في نحو : ذهبت بزيد ، أنه بمعنى أذهبته ، فيكون المعنى فتفرقكم عن سبيله ، أي لا تلاقون سبيله .
والضمير المضاف إليه في : سبيله يعود إلى الله تعالى بقرينة المقام ، فإذا كان ضمير المتكلم في قوله : " صراطي " عائدا لله كان في ضمير سبيله التفاتا عن سبيلي .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في سننه ،
وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=14272والدارمي في مسنديهما ،
والحاكم في المستدرك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341757خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما خطا ثم قال : هذا سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله أي عن يمين الخط المخطوط أولا وعن شماله ثم قال : هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليها ثم قرأ : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله .
وروى
أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، وابن مردويه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341758كنا عند النبيء - صلى الله عليه وسلم - فخط خطا وخط خطين عن يمينه وخط خطين عن يساره ثم وضع يده في الخط الأوسط أي الذي بين الخطوط الأخرى فقال : هذه سبيل الله ، ثم تلا هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون . وما وقع في الرواية الأولى وخط خطوطا هو باعتبار مجموع ما على اليمين والشمال . وهذا رسمه على سبيل التقريب :
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون تذييل تكرير لمثليه السابقين ، فالإشارة بـ ذلكم إلى الصراط ، والوصاية به معناها الوصاية بما يحتوي عليه .
وجعل الرجاء للتقوى لأن هذه السبيل تحتوي على ترك المحرمات ، وتزيد بما تحتوي عليه من فعل الصالحات ، فإذا اتبعها السالك فقد
[ ص: 175 ] صار من المتقين أي الذين اتصفوا بالتقوى بمعناها الشرعي كقوله تعالى : " هدى للمتقين " .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153nindex.php?page=treesubj&link=28977_28750وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [ ص: 171 ] الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا " لِتَمَاثُلِ الْمَعْطُوفَاتِ فِي أَغْرَاضِ الْخِطَابِ وَتَرْتِيبِهِ ، وَفِي تَخَلُّلِ التَّذْيِيلَاتِ الَّتِي عَقِبَتْ تِلْكَ الْأَغْرَاضَ بِقَوْلِهِ : لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ لِاتِّبَاعِ مَا يَجِيءُ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ فِي الْقُرْآنِ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ، وَابْنُ كَثِيرٍ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَعَاصِمٌ ، وَأَبُو جَعْفَرٍ : أَنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ .
وَعَنِ
الْفَرَّاءِ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى : مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ، فَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلِ " أَتْلُ " وَالتَّقْدِيرُ : وَأَتْلُ عَلَيْكُمْ أَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا .
وَعَنْ
أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ : أَنَّ قِيَاسَ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ أَنْ تُحْمَلَ " أَنَّ " ، أَيْ تُعَلَّقَ عَلَى قَوْلِهِ فَاتَّبِعُوهُ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَلِأَنَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ، عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ . وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=18وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا الْمَعْنَى : وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوَا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . ا . هـ .
فَـ أَنَّ مَدْخُولَةٌ لِلَامِ التَّعْلِيلِ مَحْذُوفَةٌ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَذْفِهَا مَعَ أَنَّ وَ أَنْ . وَتَقْدِيرُ النَّظْمِ : وَاتَّبِعُوا صِرَاطِي لِأَنَّهُ صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ، فَوَقَعَ تَحْوِيلٌ فِي النَّظْمِ بِتَقْدِيرِ التَّعْلِيلِ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا ، فَصَارَ التَّعْلِيلُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ بِسَبَبِ هَذَا التَّقْدِيمِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لَمَّا كَانَ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ .
وَقَرَأَ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَخَلَفٌ : " وَإِنَّ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ فَلَا تَحْوِيلَ فِي نَظْمِ الْكَلَامِ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ : " فَاتَّبِعُوهُ " تَفْرِيعًا عَلَى إِثْبَاتٍ بِأَنَّ صِرَاطَهُ مُسْتَقِيمٌ . وَقَرَأَ
عَامِرٌ ، وَيَعْقُوبُ : وَأَنْ
[ ص: 172 ] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مُقَدَّرٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ خَبَرُهُ ، وَالْأَحْسَنُ تَخْرِيجُهَا بِكَوْنِ أَنَّ تَفْسِيرِيَّةً مَعْطُوفَةً عَلَى : أَنْ لَا تُشْرِكُوا . وَوَجْهُ إِعَادَةِ أَنَّ اخْتِلَافُ أُسْلُوبِ الْكَلَامِ عَمَّا قَبْلَهُ .
وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ : أَيْ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ صِرَاطِي ; فَالْإِشَارَةُ إِلَى حَاضِرٍ فِي أَذْهَانِ الْمُخَاطَبِينَ مِنْ أَثَرِ تَكَرُّرِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَسَمَاعِ أَقْوَالِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِحَيْثُ عَرَفَهُ النَّاسُ وَتَبَيَّنَهُ ، فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُشَاهَدِ ، فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ اسْمُ الْإِشَارَةِ الْمَوْضُوعُ لِتَعْيِينِ ذَاتٍ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ مَعَ الْإِشَارَةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى جَمِيعِ التَّشْرِيعَاتِ وَالْمَوَاعِظِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالشَّيْءِ الْحَاضِرِ الْمُشَاهَدِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ .
وَالصِّرَاطُ : الطَّرِيقُ الْجَادَّةُ الْوَاسِعَةُ ، وَقَدْ مَرَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَالْمُرَادُ الْإِسْلَامُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي آخِرِ السُّورَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=161قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قَيِّمًا " لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَحْصِيلُ الصَّلَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَشُبِّهَتْ بِالطَّرِيقِ الْمُوصِلِ السَّائِرِ فِيهِ إِلَى غَرَضِهِ وَمَقْصِدِهِ .
وَلَمَّا شُبِّهَ الْإِسْلَامُ بِالصِّرَاطِ وَجُعِلَ كَالشَّيْءِ الْمُشَاهَدِ صَارَ كَالطَّرِيقِ الْوَاضِحَةِ الْبَيِّنَةِ فَادُّعِي أَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ ، أَيْ لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ أَيْسَرُ سُلُوكًا عَلَى السَّائِرِ وَأَسْرَعُ وُصُولًا بِهِ .
وَالْيَاءُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا صِرَاطٌ تَعُودُ عَلَى اللَّهِ ، كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=52وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=53صِرَاطِ اللَّهِ " عَلَى إِحْدَى طَرِيقَتَيْنِ فِي حِكَايَةِ الْقَوْلِ إِذَا كَانَ فِي الْمَقُولِ ضَمِيرُ الْقَائِلِ أَوْ ضَمِيرُ الْآمِرِ بِالْقَوْلِ ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=117مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنُ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ فِي سُورَةِ الْعُقُودِ . وَقَدْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقَةِ الْغَيْبَةِ ، الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا الْكَلَامُ مِنْ
[ ص: 173 ] قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ " لِغَرَضِ الْإِيمَاءِ إِلَى عِصْمَةِ هَذَا الصِّرَاطِ مِنَ الزَّلَلِ ، لِأَنَّ كَوْنَهُ صِرَاطَ اللَّهِ يَكْفِي فِي إِفَادَةِ أَنَّهُ مُوصِلٌ إِلَى النَّجَاحِ ، فَلِذَلِكَ صَحَّ تَفْرِيعُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ عَلَى مُجَرَّدِ كَوْنِهِ صِرَاطَ اللَّهِ . وَيَجُوزُ عُودُ الْيَاءِ إِلَى النَّبِيءِ الْمَأْمُورِ بِالْقَوْلِ ، إِلَّا أَنَّ هَذَا يَسْتَدْعِي بِنَاءَ التَّفْرِيعِ بِالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّهُ وَاضِحُ الِاسْتِقَامَةِ ، وَإِلَّا فَإِنَّ كَوْنَهُ طَرِيقَ النَّبِيءِ لَا يَقْتَضِي تَسَبُّبَ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِهِ عَنْهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِينَ الْمُكَذِّبِينَ .
وَقَوْلُهُ : " مُسْتَقِيمًا " حَالٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ ، وَحَسَّنَ وُقُوعَهُ حَالًا أَنَّ الْإِشَارَةَ بُنِيَتْ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّهُ مُشَاهَدٌ ، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ مُسْتَحْضَرٌ فِي الذِّهْنِ بِمُجْمَلِ كُلِّيَّاتِهِ وَمَا جَرَّبُوهُ مِنْهُ وَعَرَفُوهُ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يُرِيهِمْ أَنَّهُ فِي حَالِ الِاسْتِقَامَةِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ ، وَلِذَلِكَ كَثُرَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ نَحْوَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا " وَلَمْ يَأْتُوا بِهِ خَبَرًا .
وَ السُّبُلَ : الطَّرْقُ ، وَوُقُوعُهَا هُنَا فِي مُقَابَلَةِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَدُلُّ عَلَى صِفَةٍ مَحْذُوفَةٍ ، أَيِ السُّبُلَ الْمُتَفَرِّقَةَ غَيْرَ الْمُسْتَقِيمَةِ ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا : بُنَيَّاتِ الطَّرِيقِ ، وَهِيَ طُرُقٌ تَتَشَعَّبُ مِنَ السَّبِيلِ الْجَادَّةِ ذَاهِبَةً ، يَسْلُكُهَا بَعْضُ الْمَارَّةِ فُرَادَى إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْ مَرَاعِيهِمْ فَلَا تَبْلُغُ إِلَى بَلَدٍ وَلَا إِلَى حَيٍّ ، وَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ فِيهَا إِلَّا مَنْ عَقَلَهَا وَاعْتَادَهَا ، فَلِذَلِكَ سَبَبٌ عَنِ النَّهْيِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، أَيْ فَإِنَّهَا طُرُقٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَهِيَ تَجْعَلُ سَالِكَهَا مُتَفَرِّقًا عَنِ السَّبِيلِ الْجَادَّةِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَنَّ السَّبِيلَ اسْمٌ لِلطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ غَيْرِ الْمُوصِلَةِ ، فَإِنَّ السَّبِيلَ يُرَادِفُ الصِّرَاطَ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ، بَلْ لِأَنَّ الْمُقَابَلَةَ وَالْإِخْبَارَ عَنْهَا بِالتَّفَرُّقِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ سُبُلٌ خَاصَّةٌ مَوْصُوفَةٌ بِغَيْرِ الِاسْتِقَامَةِ .
وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ : " بِكُمْ " لِلْمُصَاحَبَةِ : أَيْ فَتَتَفَرُّقُ السُّبُلِ مُصَاحِبَةٌ لَكُمْ ، أَيْ تَتَفَرَّقُونَ مَعَ تَفَرُّقِهَا ، وَهَذِهِ الْمُصَاحَبَةُ الْمَجَازِيَّةُ تَجْعَلُ الْبَاءَ بِمَنْزِلَةِ
[ ص: 174 ] هَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ كَمَا قَالَهُ النُّحَاةُ ، فِي نَحْوِ : ذَهَبْتُ بِزَيْدٍ ، أَنَّهُ بِمَعْنَى أَذْهَبْتُهُ ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى فَتُفَرِّقُكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ، أَيْ لَا تُلَاقُونَ سَبِيلَهُ .
وَالضَّمِيرُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ فِي : سَبِيلِهِ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ ، فَإِذَا كَانَ ضَمِيرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي قَوْلِهِ : " صِرَاطِي " عَائِدًا لِلَّهِ كَانَ فِي ضَمِيرِ سَبِيلِهِ الْتِفَاتًا عَنْ سَبِيلِي .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ ،
وَأَحْمَدُ ، nindex.php?page=showalam&ids=14272وَالدَّارِمِيُّ فِي مَسْنَدَيْهِمَا ،
وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341757خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمًا خَطًّا ثُمَّ قَالَ : هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ أَيْ عَنْ يَمِينِ الْخَطِّ الْمَخْطُوطِ أَوَّلًا وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهَا ثُمَّ قَرَأَ : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ .
وَرَوَى
أَحْمَدُ ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341758كُنَّا عِنْدَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الْأَوْسَطِ أَيِ الَّذِي بَيْنَ الْخُطُوطِ الْأُخْرَى فَقَالَ : هَذِهِ سَبِيلُ اللَّهِ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . وَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَخَطَّ خُطُوطًا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ مَا عَلَى الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ . وَهَذَا رَسْمُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ :
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=153ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تَذْيِيلُ تَكْرِيرٍ لِمِثْلَيْهِ السَّابِقَيْنِ ، فَالْإِشَارَةُ بِـ ذَلِكُمْ إِلَى الصِّرَاطِ ، وَالْوِصَايَةُ بِهِ مَعْنَاهَا الْوِصَايَةُ بِمَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ .
وَجَعَلَ الرَّجَاءَ لِلتَّقْوَى لِأَنَّ هَذِهِ السَّبِيلَ تَحْتَوِي عَلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ ، وَتَزِيدُ بِمَا تَحْتَوِي عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الصَّالِحَاتِ ، فَإِذَا اتَّبَعَهَا السَّالِكُ فَقَدْ
[ ص: 175 ] صَارَ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَيِ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِالتَّقْوَى بِمَعْنَاهَا الشَّرْعِيِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : " هُدًى لِلْمُتَّقِينَ " .