الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          846 - مسألة : ومن لم يبت ليالي منى بمنى فقد أساء ولا شيء عليه إلا الرعاء وأهل سقاية العباس فلا نكره لهم المبيت في غير منى ; بل للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما .

                                                                                                                                                                                          روينا من طريق أبي داود نا مسدد نا سفيان هو ابن عيينة - عن عبد الله ، ومحمد ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن أبي البداح بن عدي عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما } .

                                                                                                                                                                                          فصح بهذا الخبر أن الرمي في كل يوم من أيام منى ليس فرضا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا ابن نمير هو محمد بن عبد الله - نا أبي نا عبيد الله هو ابن عمر [ ص: 195 ] حدثني نافع عن ابن عمر قال : { إن العباس بن عبد المطلب استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل سقايته أن يبيت بمكة ليالي منى فأذن له } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فأهل السقاية مأذون لهم من أجل السقاية ، وبات عليه السلام بمنى ولم يأمر بالمبيت بها ، فالمبيت بها سنة ، وليس فرضا ، لأن الفرض إنما هو أمره صلى الله عليه وسلم فقط .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن إذنه للرعاء وترخيصه لهم وإذنه للعباس دليل على أن غيرهم بخلافهم ؟ قلنا : لا وإنما كان يكون هذا لو تقدم منه عليه السلام أمر بالمبيت والرمي ، فكان يكون هؤلاء مستثنين من سائر من أمروا ، وأما إذا لم يتقدم منه أمر عليه السلام فنحن ندري أن هؤلاء مأذون لهم ، وليس غيرهم مأمورا بذلك ولا منهيا فهم على الإباحة - : روينا عن عمر بن الخطاب " لا يبيتن أحد من وراء العقبة أيام منى " وصح هذا عنه رضي الله عنه وعن ابن عباس مثل هذا ; وعن ابن عمر أنه كره المبيت بغير منى أيام منى ، ولم يجعل واحد منهم في ذلك فدية أصلا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : لا بأس لمن كان له متاع بمكة أن يبيت بها ليالي منى .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة نا زيد بن الحباب نا إبراهيم بن نافع أنا عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : إذا رميت الجمار فبت حيث شئت .

                                                                                                                                                                                          وبه إلى إبراهيم بن نافع نا ابن أبي نجيح عن عطاء قال : لا بأس أن يبيت بمكة ليالي منى في ضيعته .

                                                                                                                                                                                          وعن مجاهد لا بأس بأن يكون أول الليل بمكة وآخره بمنى أو أول الليل بمنى وآخره بمكة - وروينا من طريق ابن أبي شيبة نا أبو معاوية عن ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : من بات ليالي منى بمكة تصدق بدرهم أو نحوه .

                                                                                                                                                                                          وعن بكير بن مسمار عن سالم عن ابن جريج عن عطاء مثل هذا أيضا يتصدق بدرهم إذا لم يبت بمنى .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 196 ] ومن طريق أبي بكر بن عياش عن المغيرة عن إبراهيم قال : إذا بات دون العقبة أهرق دما .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : بمثل قولنا ، وقال سفيان : يطعم شيئا ، وقال مالك : من بات ليلة من ليالي منى بغير منى أو أكثر ليلته فعليه دم ، فإن بات الأقل من ليلته فلا شيء عليه .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : من بات ليلة من ليالي التشريق في غير منى فليتصدق بمد فإن بات ليلتين ، فمدان فإن بات ثلاثا فدم - وروي عنه في ليلة ثلث دم ، وفي ليلتين ثلثا دم وفي ثلاث ليال دم قال أبو محمد : هذه الأقوال لا دليل على صحتها يعني الصدقة بدرهم أو بإطعام شيء أو بإيجاب دم ، أو بمد ، أو مدين ، أو ثلث دم ، أو ثلثي دم ، أو الفرق بين المبيت أكثر الليل ، أو أقله ، وما كان هكذا فالقول به لا يجوز ، وما نعلم لمالك ، ولا للشافعي في أقوالهم هذه سلفا أصلا ، لا من صاحب ، ولا من تابع .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية