الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1094 ) مسألة : قال ( وقيام شهر رمضان عشرون ركعة ) . ( يعني ) ( صلاة التراويح ) وهي سنة مؤكدة ، وأول من سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو هريرة { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان ، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة ، فيقول : من قام رمضان إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه } وقالت عائشة : { صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ذات ليلة ، فصلى بصلاته ناس ، ثم صلى من القابلة ، وكثر الناس ، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح ، قال : قد رأيت الذي صنعتم ، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم قال : وذلك في رمضان } . رواهما مسلم

                                                                                                                                            وعن أبي ذر ، قال : { صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر ، حتى بقي سبع . فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل . فقلت : يا رسول الله ، لو نفلتنا قيام هذه الليلة ؟ قال : فقال : إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف ، حسب له قيام ليلة . قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس ، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ؟ قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور . ثم لم يقم بنا بقية الشهر . } رواه أبو داود ، والأثرم ، وابن ماجه .

                                                                                                                                            وعن أبي هريرة ، قال { : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا الناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد . فقال : ما هؤلاء ؟ فقيل : هؤلاء ناس ليس معهم قرآن ، وأبي بن كعب يصلي بهم ، وهم يصلون بصلاته . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أصابوا ، ونعم ما صنعوا } . رواه أبو داود . وقال رواه مسلم بن خالد ، وهو ضعيف .

                                                                                                                                            ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه جمع الناس على أبي بن كعب ، فكان يصليها بهم ، فروى عبد الرحمن بن عبد القاري ، قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد ، لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم . فقال : نعمت البدعة هذه ، والتي [ ص: 456 ] ينامون عنها أفضل من التي يقومون . يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله . أخرجه البخاري .

                                                                                                                                            ( 1095 ) فصل : والمختار عند أبي عبد الله ، رحمه الله ، فيها عشرون ركعة . وبهذا قال الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي . وقال مالك : ستة وثلاثون . وزعم أنه الأمر القديم ، وتعلق بفعل أهل المدينة ، فإن صالحا مولى التوأمة ، قال : أدركت الناس يقومون بإحدى وأربعين ركعة ، يوترون منها بخمس .

                                                                                                                                            ولنا ، أن عمر ، رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب ، وكان يصلي لهم عشرين ركعة ، وقد روى الحسن أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب ، فكان يصلي لهم عشرين ليلة ، ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني . فإذا كانت العشر الأواخر تخلف أبي ، فصلى في بيته ، فكانوا يقولون : أبق أبي رواه أبو داود ، ورواه السائب بن يزيد ، وروي عنه من طرق . وروى مالك ، عن يزيد بن رومان ، قال : كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة . وعن علي ، أنه أمر رجلا يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة . وهذا كالإجماع ، فأما ما رواه صالح ، فإن صالحا ضعيف ، ثم لا ندري من الناس الذين أخبر عنهم

                                                                                                                                            ؟ فلعله قد أدرك جماعة من الناس يفعلون ذلك ، وليس ذلك بحجة ، ثم لو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه لكان ما فعله عمر ، وأجمع عليه الصحابة في عصره ، أولى بالاتباع ، قال بعض أهل العلم : إنما فعل هذا أهل المدينة لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة ، فإن أهل مكة يطوفون سبعا بين كل ترويحتين ، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات ، وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وأحق أن يتبع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية