الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                المقدمة الثانية في مشروعيتها .

                                                                                                                وبجوازها قال : ( ش ) وأحمد ، ومنعها ( ح ) لنهيه عليه السلام عن المخابرة ، وهي مشتقة من خيبر أي نهى عن الفعل الذي وقع في خيبر من المساقاة ، فيكون حديث الجواز منسوخا ، أو يسلم عدم نسخه ويقول كان أهل خيبر عبيدا للمسلمين ، ويجوز مع العبد ما يمتنع مع الأجنبي ، والذي قدره عليه السلام من شطر الثمرة وهو قوت لهم ; لأن نفقة العبد على المالك ، ولنهيه عليه [ ص: 94 ] السلام عن بيع الغرر - وأجرة الأجير فيها غرر - ولأن الخبر إذا ورد على خلاف القواعد رد إليها ، وحديث الجواز على خلاف ثلاث قواعد : بيع الغرر ، فإن الثمن المبيع مجهول الصفة والمقدار ، وإجارة بأجرة مجهولة ، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه ، والكل حرام إجماعا ، وبالقياس على تنمية الماشية ببعض نمائها .

                                                                                                                والجواب : عن الأول : أن العرب كانت تعرف المخابرة قبل الإسلام ، وهي عندهم كراء الأرض بما يخرج منها مأخوذة من الخبرة التي هي العلم بالخفيات ، ولذلك ما تمدح الله تعالى بها إلا بعد التمدح بالعلم ، كقوله تعالى : ( عليم خبير ) ; لكونها أمدح ، فإن إدراك الخفي أفضل من إدراك الجلي ، والحراث يخرج خفيات الأرض بالحرث ، فاشتق ذلك لكراء الأرض لتحرث بجزء ما يخرج من المحروث وقيل : الخبرة الحرث والمخابرة مشتقة منه ، ومنه سمي المزارع خبيرا .

                                                                                                                وعن الثاني : أنهم لو كانوا عبيدا امتنع ضرب الجزية عليهم وإخراجهم إلى الشام ونفيهم في أقطار الأرض ، لئلا يكون تضييعا لما فيهم من مال المسلمين .

                                                                                                                وعن الثالث : أن حديث الجواز وهو ما في البخاري : عامل عليه السلام أهل خيبر على شطر ما يخرج من ثمر وزرع ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر ، ثم أجلاهم عمر إلى تيما وأريحا - خاص ، وحديث النبي - عن الغرر عام ، والخاص يقدم على العام ، وكيف يتخيل أنه مفسوخ وقد عمل به الصحابة رضوان عليهم بعده عليه السلام ، والعمل بالمنسوخ حرام إجماعا .

                                                                                                                [ ص: 95 ] وعن الرابع : أن الخبر إنما يجب رده للقواعد إذا لم يعمل به ، أما إذا عمل به قطعنا بإرادة معناه فيعتقد ، ولا يلزم الشارع أنه متى شرع حكما شرعه مثل غيره ، بل له أن يشرع ما له نظير وما لا نظير له .

                                                                                                                وعن الخامس : الفرق بأن المواشي لا يتعذر بيعها عند العجز عن الإقامة بها بخلاف الزرع الصغير والثمرة ، وهو معارض بالقياس على القراض .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية