nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159nindex.php?page=treesubj&link=28977_28781_28825إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون
استئناف جاء عقب الوعيد كالنتيجة والفذلكة ، لأن الله لما قال لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158قل انتظروا إنا منتظرون " أعقب ذلك بأن الفريقين متباينان متجافيان في مدة الانتظار .
وجيء بالموصولية لتعريف المسند إليه لإفادة تحقق معنى الصلة فيهم ، لأنها تناسب التنفير من الاتصال بهم ، لأن شأن الدين أن يكون عقيدة واحدة وأعمالا واحدة ، والتفرق في أصوله ينافي وحدته ، ولذلك لم يزل علماء الإسلام يبذلون وسعهم لاستنباط مراد الله من الأمة ، ويعلمون
[ ص: 192 ] أن الحق واحد وأن الله كلف العلماء بإصابته وجعل للمصيب أجرين ولمن أخطأ مع استفراغ الوسع أجرا واحدا . وذلك أجر على بذل الوسع في طلبه فإن بذل الوسع في ذلك يوشك أن يبلغ المقصود ، فالمراد بـ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159الذين فرقوا دينهم " قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هم المشركون . لأنهم لم يتفقوا على صورة واحدة في الدين ، فقد عبدت القبائل أصناما مختلفة ، وكان بعض العرب يعبدون الملائكة ، وبعضهم يعبد الشمس ، وبعضهم يعبد القمر ، وكانوا يجعلون لكل صنم عبادة تخالف عبادة غيره .
ويجوز أن يراد أنهم كانوا على الحنيفية ، وهي دين التوحيد لجميعهم ، ففرقوا وجعلوا آلهة عبادتها مختلفة الصور . وأما كونهم كانوا شيعا فلأن كل قبيلة كانت تنتصر لصنمها ، وتزعم أنه ينصرهم على عباد غيره كما قال
ضرار بن الخطاب الفهري : وفرت
ثقيف إلى لاتها بمنقلب الخائب الخاسر ومعنى لست منهم في شيء أنك لا صلة بينك وبينهم ، فحرف من اتصالية ، وأصلها " من " الابتدائية .
و شيء اسم جنس بمعنى موجود فنفيه يفيد نفي جميع ما يوجد من الاتصال وتقدم عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء في سورة آل عمران ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68لستم على شيء في سورة المائدة .
ولما دلت على التبري منهم وعدم مخالطتهم ، وكان الكلام مثار سؤال سائل يقول : أعلى الرسول أن يتولى جزاءهم على سوء عملهم ، فلذلك جاء الاستئناف بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إنما أمرهم إلى الله " فهو استئناف بياني ، وصيغة القصر لقلب اعتقاد المتردد ، أي إنما أمرهم إلى الله لا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا إلى غيره ، وهذا إنذار شديد . والمراد بأمرهم : عملهم الذي استحقوا به الجزاء والعقوبة . وإلى مستعمل في الانتهاء
[ ص: 193 ] المجازي ، شبه أمرهم بالضالة التي تركها الناس فسارت حتى انتهت إلى مراحها ، فإن الخلق كلهم عبيد الله وإليه يرجعون ، والله يمهلهم ثم يأخذهم بعذاب من عنده أو بأيدي المؤمنين حين يأذن لرسوله - صلى الله عليه وسلم - بقتالهم كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11يغشى الناس هذا عذاب أليم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون . والبطشة الكبرى وهي بطشة يوم
بدر .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ثم فيه للترتيب الرتبي مع إفادة المهلة ، أي يبقى أمرهم إلى الله مدة . وذلك من الإمهال والإملاء لهم ، ثم يعاقبهم ، فأطلق الإنباء على العقاب ، لأنه إن كان العقاب عقاب الآخرة فهو يتقدمه الحساب ، وفيه إنباء الجاني بجنايته وبأنه مأخوذ بها ، فإطلاق الإنباء عليه حقيقة مراد معها لازمه على وجه الكناية ، وإن كان العقاب عقاب الدنيا فإطلاق الإنباء عليه مجاز ، لأنهم إذا نزل بهم العذاب بعد الوعيد علموا أنه العقاب الموعود به ، فكان حصول ذلك العلم لهم عند وقوعه شبيها بحصول العلم الحاصل على الإخبار فأطلق عليه الإنباء ، فيكون قوله : " ينبئهم " بمعنى يعاقبهم بما كانوا يفعلون .
ووصف المشركين بأنهم فرقوا دينهم وكانوا شيعا : يؤذن بأنه وصف شنيع ، إذ ما وصفهم الله به إلا في سياق الذم ، فيؤذن ذلك بأن الله يحذر المسلمين من أن يكونوا في دينهم كما كان المشركون في دينهم ، ولذلك قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه .
وتفريق دين الإسلام هو تفريق أصوله بعد اجتماعها ، كما فعل بعض العرب من منعهم الزكاة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال
[ ص: 194 ] أبو بكر - رضي الله عنه - : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة . وأما تفريق الآراء في التعليلات والتبيينات فلا بأس به ، وهو من النظر في الدين ، مثل الاختلاف في أدلة الصفات ، وفي تحقيق معانيها ، مع الاتفاق على إثباتها . وكذلك تفريع الفروع كتفريق فروع الفقه بالخلاف بين الفقهاء ، مع الاتفاق على صفة العمل وعلى ما به صحة الأفعال وفسادها . كالاختلاف في حقيقة الفرض والواجب . والحاصل أن كل تفريق لا يكفر به بعض الفرق بعضا ، ولا يفضي إلى تقاتل وفتن ، فهو تفريق نظر واستدلال وتطلب للحق بقدر الطاقة . وكل تفريق يفضي بأصحابه إلى تكفير بعضهم بعضا ، ومقاتلة بعضهم بعضا في أمر الدين ، فهو مما حذر الله منه ، وأما ما كان بين المسلمين نزاعا على الملك والدنيا فليس تفريقا في الدين ، ولكنه من الأحوال التي لا تسلم منها الجماعات .
وقرأه الجمهور : " فرقوا " بتشديد الراء وقرأه
حمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : " فارقوا " بألف بعد الفاء أي تركوا دينهم ، أي تركوا ما كان دينا لهم ، أي لجميع العرب ، وهو الحنيفية فنبذوها وجعلوها عدة نحل . ومآل القراءتين واحد .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159nindex.php?page=treesubj&link=28977_28781_28825إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
اسْتِئْنَافٌ جَاءَ عَقِبَ الْوَعِيدِ كَالنَّتِيجَةِ وَالْفَذْلَكَةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا قَالَ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=158قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ " أَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْفَرِيقَيْنِ مُتَبَايِنَانِ مُتَجَافِيَانِ فِي مُدَّةِ الِانْتِظَارِ .
وَجِيءَ بِالْمَوْصُولِيَّةِ لِتَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَحَقُّقِ مَعْنَى الصِّلَةِ فِيهِمْ ، لِأَنَّهَا تُنَاسِبُ التَّنْفِيرَ مِنَ الِاتِّصَالِ بِهِمْ ، لِأَنَّ شَأْنَ الدِّينِ أَنْ يَكُونَ عَقِيدَةً وَاحِدَةً وَأَعْمَالًا وَاحِدَةً ، وَالتَّفَرُّقُ فِي أُصُولِهِ يُنَافِي وَحْدَتَهُ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَزَلْ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ يَبْذُلُونَ وُسْعَهُمْ لِاسْتِنْبَاطِ مُرَادِ اللَّهِ مِنَ الْأُمَّةِ ، وَيَعْلَمُونَ
[ ص: 192 ] أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ الْعُلَمَاءَ بِإِصَابَتِهِ وَجَعَلَ لِلْمُصِيبِ أَجْرَيْنِ وَلِمَنْ أَخْطَأَ مَعَ اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ أَجْرًا وَاحِدًا . وَذَلِكَ أَجْرٌ عَلَى بَذْلِ الْوُسْعِ فِي طَلَبِهِ فَإِنَّ بَذْلَ الْوُسْعِ فِي ذَلِكَ يُوشِكُ أَنْ يَبْلُغَ الْمَقْصُودَ ، فَالْمُرَادُ بِـ "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ " قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْمُشْرِكُونَ . لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الدِّينِ ، فَقَدْ عَبَدَتِ الْقَبَائِلُ أَصْنَامًا مُخْتَلِفَةً ، وَكَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ ، وَبَعْضُهُمْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ ، وَبَعْضُهُمْ يَعْبُدُ الْقَمَرَ ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ لِكُلِّ صَنَمٍ عِبَادَةً تُخَالِفُ عِبَادَةَ غَيْرِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ ، وَهِيَ دِينُ التَّوْحِيدِ لِجَمِيعِهِمْ ، فَفَرَّقُوا وَجَعَلُوا آلِهَةً عِبَادَتُهَا مُخْتَلِفَةُ الصُّوَرِ . وَأَمَّا كَوْنُهُمْ كَانُوا شِيَعًا فَلِأَنَّ كُلَّ قَبِيلَةٍ كَانَتْ تَنْتَصِرُ لِصَنَمِهَا ، وَتَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْصُرُهُمْ عَلَى عُبَّادِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ
ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيُّ : وَفَرَّتْ
ثَقِيفُ إِلَى لَاتِهَا بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ وَمَعْنَى لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ أَنَّكَ لَا صِلَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ ، فَحَرْفُ مِنِ اتِّصَالِيَّةٌ ، وَأَصْلُهَا " مِنَ " الِابْتِدَائِيَّةُ .
وَ شَيْءٌ اسْمُ جِنْسٍ بِمَعْنَى مَوْجُودٌ فَنَفْيُهُ يُفِيدُ نَفْيِ جَمِيعِ مَا يُوجَدُ مِنَ الِاتِّصَالِ وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=28وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ .
وَلَمَّا دَلَّتْ عَلَى التَّبَرِّي مِنْهُمْ وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِمْ ، وَكَانَ الْكَلَامُ مَثَارَ سُؤَالِ سَائِلٍ يَقُولُ : أَعَلَى الرَّسُولِ أَنْ يَتَوَلَّى جَزَاءَهُمْ عَلَى سُوءِ عَمَلِهِمْ ، فَلِذَلِكَ جَاءَ الِاسْتِئْنَافُ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ " فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ ، وَصِيغَةُ الْقَصْرِ لِقَلْبِ اعْتِقَادِ الْمُتَرَدِّدِ ، أَيْ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا إِلَى غَيْرِهِ ، وَهَذَا إِنْذَارٌ شَدِيدٌ . وَالْمُرَادُ بِأَمْرِهِمْ : عَمَلُهُمُ الَّذِي اسْتَحَقُّوا بِهِ الْجَزَاءَ وَالْعُقُوبَةَ . وَإِلَى مُسْتَعْمَلٌ فِي الِانْتِهَاءِ
[ ص: 193 ] الْمَجَازِيِّ ، شَبَّهَ أَمْرَهُمْ بِالضَّالَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا النَّاسُ فَسَارَتْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَرَاحِهَا ، فَإِنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ عَبِيدُ اللَّهِ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ، وَاللَّهُ يُمْهِلُهُمْ ثُمَّ يَأْخُذُهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ حِينَ يَأْذَنُ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=10فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=11يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=12رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=13أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=14ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=15إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=16يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ . وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى وَهِيَ بَطْشَةُ يَوْمِ
بَدْرٍ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=159ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ثُمَّ فِيهِ لِلتَّرْتِيبِ الرُّتْبِيِّ مَعَ إِفَادَةِ الْمُهْلَةِ ، أَيْ يَبْقَى أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ مُدَّةً . وَذَلِكَ مِنَ الْإِمْهَالِ وَالْإِمْلَاءِ لَهُمْ ، ثُمَّ يُعَاقِبُهُمْ ، فَأَطْلَقَ الْإِنْبَاءَ عَلَى الْعِقَابِ ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْعِقَابُ عِقَابَ الْآخِرَةِ فَهُوَ يَتَقَدَّمُهُ الْحِسَابُ ، وَفِيهِ إِنْبَاءُ الْجَانِي بِجِنَايَتِهِ وَبِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَا ، فَإِطْلَاقُ الْإِنْبَاءِ عَلَيْهِ حَقِيقَةٌ مُرَادٌ مَعَهَا لَازِمُهُ عَلَى وَجْهِ الْكِنَايَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْعِقَابُ عِقَابَ الدُّنْيَا فَإِطْلَاقُ الْإِنْبَاءِ عَلَيْهِ مَجَازٌ ، لِأَنَّهُمْ إِذَا نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ بَعْدَ الْوَعِيدِ عَلِمُوا أَنَّهُ الْعِقَابُ الْمَوْعُودُ بِهِ ، فَكَانَ حُصُولُ ذَلِكَ الْعِلْمِ لَهُمْ عِنْدَ وُقُوعِهِ شَبِيهًا بِحُصُولِ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ عَلَى الْإِخْبَارِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْإِنْبَاءَ ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ : " يُنَبِّئُهُمْ " بِمَعْنَى يُعَاقِبُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ .
وَوَصْفُ الْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ فَرَّقُوا دَيْنَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا : يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ وَصْفٌ شَنِيعٌ ، إِذْ مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ إِلَّا فِي سِيَاقِ الذَّمِّ ، فَيُؤْذِنُ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُحَذِّرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا فِي دِينِهِمْ كَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ فِي دِينِهِمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=13أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .
وَتَفْرِيقُ دِينِ الْإِسْلَامِ هُوَ تَفْرِيقُ أُصُولِهِ بَعْدَ اجْتِمَاعِهَا ، كَمَا فَعَلَ بَعْضُ الْعَرَبِ مِنْ مَنْعِهِمُ الزَّكَاةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ
[ ص: 194 ] أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ . وَأَمَّا تَفْرِيقُ الْآرَاءِ فِي التَّعْلِيلَاتِ وَالتَّبْيِينَاتِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَهُوَ مِنَ النَّظَرِ فِي الدِّينِ ، مِثْلَ الِاخْتِلَافِ فِي أَدِلَّةِ الصِّفَاتِ ، وَفِي تَحْقِيقِ مَعَانِيهَا ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى إِثْبَاتِهَا . وَكَذَلِكَ تَفْرِيعُ الْفُرُوعِ كَتَفْرِيقِ فُرُوعِ الْفِقْهِ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِفَةِ الْعَمَلِ وَعَلَى مَا بِهِ صِحَّةُ الْأَفْعَالِ وَفَسَادُهَا . كَالِاخْتِلَافِ فِي حَقِيقَةِ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ . وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ تَفْرِيقٍ لَا يُكَفِّرُ بِهِ بَعْضُ الْفِرَقِ بَعْضًا ، وَلَا يُفْضِي إِلَى تَقَاتُلٍ وَفِتَنٍ ، فَهُوَ تَفْرِيقُ نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَطَلُّبٍ لِلْحَقِّ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ . وَكُلُّ تَفْرِيقٍ يُفْضِي بِأَصْحَابِهِ إِلَى تَكْفِيرِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَمُقَاتَلَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِي أَمْرِ الدِّينِ ، فَهُوَ مِمَّا حَذَّرَ اللَّهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا مَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ نِزَاعًا عَلَى الْمُلْكِ وَالدُّنْيَا فَلَيْسَ تَفْرِيقًا فِي الدِّينِ ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي لَا تَسْلَمُ مِنْهَا الْجَمَاعَاتُ .
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ : " فَرَّقُوا " بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ ، nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : " فَارَقُوا " بِأَلْفٍ بَعْدِ الْفَاءِ أَيْ تَرَكُوا دِينَهُمْ ، أَيْ تَرَكُوا مَا كَانَ دِينًا لَهُمْ ، أَيْ لِجَمِيعِ الْعَرَبِ ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ فَنَبَذُوهَا وَجَعَلُوهَا عِدَّةَ نِحَلٍ . وَمَآلُ الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ .