الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 371 ] الباب الثاني في الإقرار بالمجمل

                                                                                                                                                                        يصح الإقرار بالمجمل ، وهو المجهول للحاجة . وسواء أقر به ابتداء ، أو جوابا عن دعوى معلومة ، بأن قال : لي عليك ألف ، فقال : لك علي شيء . والألفاظ التي تقع فيها الجهالة لا تنحصر . وبين الشافعي والأصحاب رضي الله عنهم ما كثر استعماله ، ليعرف ويقاس عليه غيره ، وألفاظ الباب سبعة أضرب .

                                                                                                                                                                        الضرب الأول : شيء . فإذا قال : له علي شيء ، طلبنا تفسيره . فإن فسره بما يتمول ، قبل ، كثر أم قل ، كرغيف ، وفلس ، وتمرة حيث يكون لها قيمة . وإن فسره بما لا يتمول ، لكنه من جنس ما يتمول ، كحبة حنطة ، أو شعير ، أو قمع باذنجانة ، فوجهان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : لا يقبل تفسيره ؛ لأنه لا يصح التزامه ، كما لا تصح الدعوى به . وأصحهما : القبول ؛ لأنه شيء يحرم أخذه ، ويجب على آخذه رده ، وقولهم : لا تصح الدعوى به ، ممنوع . والتمرة أو الزبيبة حيث لا قيمة لها ، على الوجهين . وقيل : يقبل قطعا . وإن لم يكن من جنس ما يتمول ، فإما أن يجوز اقتناؤه لمنفعته ، وإما لا . فالأول : كالكلب المعلم ، والسرجين ، وجلد الميتة القابل للدباغ ، والكلب القابل للتعليم ، والخمر المحترمة ، فيقبل التفسير به على الأصح . وأما الثاني : فكالخنزير ، وجلد الكلب ، والكلب الذي لا نفع فيه ، والخمر غير المحترمة ، فلا يقبل تفسيره به على الأصح . ولو فسره بوديعة ، قبل على الصحيح ؛ لأن عليه ردها عند الطلب ، وقد يتعدى فتصير مضمونة ، وقيل : لا ، لأنها في يده ، [ ص: 372 ] لا عليه . ولو فسر بحق الشفعة ، قبل . ولو فسره برد السلام والعيادة ، لم يقبل . قال البغوي : ولو قال : له حق ، قبل تفسيره بهما ، وفيه نظر .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو فسر الشيء بحد قذف ، قبل على الأصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو قال : غصبت منه شيئا ، قبل تفسيره ما يقبل في الصور السابقة إذا احتمله اللفظ ، احترازا من الوديعة وحق الشفعة ، ويقبل بالخمر والخنزير ، نص عليه في " الأم " ؛ لأن الغصب لا يشعر بالتزام وثبوت مال ، وإنما يقتضي الأخذ ، بخلاف قوله : علي . ولو قال : له عندي شيء ، وفسر بخمر أو خنزير ، قبل على الصحيح .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : لو قال : غصبتك ، أو غصبتك ما تعلم ، لم يلزمه شيء ؛ لأنه قد يغصبه نفسه ، فيحبسه . ولو قال : غصبتك شيئا ، ثم قال : أردت نفسك ، لم يقبل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية