الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      واعلم أنهم اختلفوا في المبتدأ إذا كان معرفة ، والخبر نكرة ، هل يفيد الحصر ؟ فقيل : لا يفيد أصلا . واحتج له بقوله : { الصيام جنة } ، فإنه لا يمتنع أن يكون غيره كذلك . وقد ثبت قوله { فليتق النار ولو بشق تمرة } . وقيل : يفيده ثم اختلفوا هل يفيده من جهة المنطوق أو المفهوم ؟ على قولين : فقيل : إنه بالمفهوم ، ونقله ابن القشيري عن الحنفية . قال : ولهذا لم يقبلوه .

                                                      قال : وعندنا أنه ليس من قبيل المفهوم المتلقى من تخصيص الشيء بالذكر . ومن قال : زيد صديقي لم يتضمن نفي الصداقة عن غيره ، فلو قال : صديقي زيد اقتضاه . قال : ولا يبعد ادعاء إجماع أهل اللسان عليه ، [ ص: 188 ] لأنه غير نظم الكلام ، فدل على قصد الاهتمام وحصر الصداقة فيه ، وهو تابع لإمام الحرمين .

                                                      وكذلك اختار الغزالي أنه منطوق ، وجعله دون " إنما " في القوة ، وكذلك إلكيا ، وقال : إن تلقي الحصر فيه مأخوذ من حيث اللفظ ، فجعل جنس التحريم محصورا في المسكر . والصداقة مبتدأ ، والمبتدأ لا بد أن يكون معلوما للمخاطب وضعا ، والصداقة لا تعرف إلا بصرفها إلى الجنس ، فكأنه قال : جنس الصداقة محصور في زيد . ولو قال : زيد صديقي ، لا يفهم منه أنه لا صديق سواه ، لأنه جعل الصداقة خبرا ، ولم يجعلها مبتدأ ، فلم يعرفه المخاطب . قال : ويتلقى الحصر من فحوى اللفظ ، ونظم الكلام . قال : ولهذا قال : إن تلقي المفهوم من الفحوى لا يسقط ، لظهور فائدة التخصيص من جهة موافقة العادة أو السؤال حتى يجوز الاحتجاج بقوله تعالى : { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله } في نفي الحكم حالة المصافاة . قال : فيرجع حاصل نظر الإمام إلى أن التخصيص لا يدل على المخالفة في هذه الصورة وغيرها ، ولكن حكم المخالفة يتلقى من الفحوى ، فهو يدل بالمنطوق لا بالمفهوم . ا هـ .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية