الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد بين الله تعالى حال الذين لا يؤمنون بما جاءت به الرسل من الهدى والبينات فقال: والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون .

                                                          هنا ذكر للذين يعصون الرسل، ويكفرون بما جاءوا في مقابل الذين اهتدوا بهديهم، وهو هدى الله تعالى، وقد ذكر الله تعالى وصفين لهما هما اللذان أديا بهم إلى عذاب الله تعالى وهما:

                                                          الوصف الأول - أنهم كذبوا بآيات الله تعالى، كذبوا آيات التكليف فلم يؤمنوا بصدقها عن الله تعالى مع قيام الأدلة على صدقها، والبراهين الدالة على أن الرسل يتكلمون عن الله، فهم إذ يكذبون الرسل يكفرون بمن أرسلهم، ويكذبون بما تدل عليه الآيات الكونية من خلق السماوات والأرض، وما يكون منها من زروع وثمار، وحياة كاملة، وما في السماء من نجوم وبروج إلى آخر ما في الكون من دلالات على أن خالقها واحد أحد هو الفرد الصمد.

                                                          الوصف الثاني - أنهم استكبروا عن آيات الله فحسبوا أن اتباع الرسل ينافي عزتهم، وينقص من كبريائهم، فأخذتهم العزة الواهمة بالإثم الحقيقي، وهنا نجد أن الله تعالى يقول: واستكبروا عنها فعبر هنا بالتجاوز وذلك للإشارة إلى المجاوزة للحقيقة، أي أن استكبارهم تجاوز بهم عن فهم الآيات وإدراكها لتضمين (استكبروا) معنى التجاوز، وإن التعدي بـ(عن) - والسياق هذا - مؤداه: استكبروا متجاوزين عنها تاركين لها، ولقد ذكر سبحانه جزاءهم فقال: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون

                                                          [ ص: 2829 ] الإشارة هنا إلى الذين كذبوا آيات الله واستكبروا معرضين عنها متجاوزين، والإشارة إلى الموصوف بصفات فيها إيماء إلى أن هذه الصفات هي السبب في الجزاء، فهذا الاستكبار وذلك التكذيب هو السبب في هذا العقاب، وهو دخول النار، وتخليدهم فيها، وأنهم لا خروج لهم منها، وقد أكد - سبحانه وتعالى - خلودهم في النار بمؤكدات ثلاثة:

                                                          أولها - القصر، فقد قصرها عليهم بتعريف الطرفين، وتعريف الطرفين من أنواع القصر، فالمعنى: أولئك وحدهم هم أصحاب النار.

                                                          ثانيها - أنهم أصحاب النار، أي الملازمين لها ملازمة الصاحب لصاحبه.

                                                          ثالثها - التأكيد بضمير الفصل، إذ يقول سبحانه: هم فيها خالدون وتقديم (فيها) في معنى قصرهم على النار، أي أنهم فيها لا في غيرها خالدون.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية