الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد قوله تعالى : فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله أي جادلوك بالأقاويل المزورة والمغالطات ، فأسند أمرك إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك . وقوله وجهي بمعنى ذاتي ; ومنه الحديث سجد وجهي للذي خلقه وصوره . وقيل : الوجه هنا بمعنى القصد ; كما تقول : خرج فلان في وجه كذا . وقد تقدم هذا المعنى في البقرة [ ص: 44 ] مستوفى ; والأول أولى . وعبر بالوجه عن سائر الذات إذ هو أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس . وقال :


أسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبا زلالا

وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى : ويبقى وجه ربك : إنها عبارة عن الذات وقيل : العمل الذي يقصد به وجهه . وقوله : ومن اتبعن " من " في محل رفع عطفا على التاء في قوله أسلمت أي ومن اتبعني أسلم أيضا ، وجاز العطف على الضمير المرفوع من غير تأكيد للفصل بينهما . وأثبت نافع وأبو عمرو ويعقوب ياء " اتبعني " على الأصل ، وحذف الآخرون اتباعا للمصحف إذ وقعت فيه بغير ياء . وقال الشاعر :


ليس تخفى يسارتي قدر يوم     ولقد تخفي شيمتي إعساري



قوله تعالى : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد يعني اليهود والنصارى والأميين الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب . أأسلمتم استفهام معناه التقرير وفي ضمنه الأمر ، أي أسلموا ; كذا قال الطبري وغيره . وقال الزجاج : أأسلمتم تهديد . وهذا حسن لأن المعنى أأسلمتم أم لا . وجاءت العبارة في قوله فقد اهتدوا بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصيله . و " البلاغ " مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل ، أي إنما عليك أن تبلغ . وقيل : إنه مما نسخ بالجهاد . وقال ابن عطية : وهذا يحتاج إلى معرفة تاريخ نزولها ; وأما على ظاهر نزول هذه الآيات في وفد نجران فإنما المعنى فإنما عليك أن تبلغ ما أنزل إليك بما فيه من قتال وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية