الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          857 - مسألة :

                                                                                                                                                                                          فمن وطئ عامدا كما قلنا فبطل حجه فليس عليه أن يتمادى على عمل فاسد باطل لا يجزئ عنه لكن يحرم من موضعه ، فإن أدرك تمام الحج فلا شيء عليه غير ذلك وإن كان لا يدرك تمام الحج فقد عصى ، وأمره إلى الله تعالى ، ولا هدي في ذلك ، ولا شيء ; إلا أن يكون لم يحج قط ، فعليه الحج والعمرة .

                                                                                                                                                                                          وقد اختلف السلف في هذا - : فروينا عن عمر رضي الله عنه أن يتماديا في حجهما ، ثم يحجان من قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامع فيه وعليه هدي وعليها ، وهذا مرسل عن عمر ; لأنه عن مجاهد عن عمر ولم يدرك مجاهد عمر .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن علي على كل واحد منهما بدنة ويتفرقان إذا حجا من قابل وهذا مرسل عن علي ، لأنه عن الحكم عن علي ، والحكم لم يدرك عليا .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن ابن عباس أقوالا منها : أن يتماديا على حجهما ذلك وعليهما هدي وحج قابل ويتفرقان من الموضع الذي جامعها فيه .

                                                                                                                                                                                          وعن عبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عمر مثله قالوا : فإن لم يجد هديا صام صيام المتمتع ، وقول آخر مثل هذا سواء سواء إلا أنه لم يعوض من الدم صياما .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن عمرو ، وابن عمر مثله ، ولم يذكروا تفريقا .

                                                                                                                                                                                          وروي عن ابن عباس أيضا أنه عليه بدنة ، ويتفرقان من قابل قبل الموضع الذي جامعها فيه - وعن ابن عباس على كل واحد منهما هدي . [ ص: 202 ]

                                                                                                                                                                                          وعن جبير بن مطعم أنه قال للمجامع : أف لا أفتيك بشيء ؟ وأما من جامع بعد عرفة - : فعن ابن عمر من وطئ قبل أن يطوف بالبيت فعليه الحج والهدي - وروي عنه أيضا : عليه الحج من قابل وبدنة . وعن ابن عباس على كل واحد منهما جزور .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب السختياني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : من واقع امرأته قبل أن يطوف بالبيت فعليه دم .

                                                                                                                                                                                          وعن ابن عباس أيضا عليه وعليها بدنة .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن عائشة أم المؤمنين لا هدي إلا على المحصر .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : إن وطئ قبل عرفة تماديا على حجهما ذلك وعليهما حج ; قابل وهدي ويجزئ في ذلك شاة ولا يتفرقان ، فإن وطئ بعد عرفة فحجه تام وعليه بدنة .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : فكان من العجب أنه إذا بطل حجه أجزأه هدي شاة وإذا تم حجه لم يجزه إلا بدنة ، وهذا تقسيم ما روي عن أحد ; فإن تعلق بابن عباس فقد اختلف عن ابن عباس كما ذكرنا وعن غيره من الصحابة رضي الله عنهم ، وليس قول بعضهم أولى من بعض ، وهذا جبير بن مطعم لم يوجب في ذلك هديا أصلا ولا أمر بالتمادي على الحج .

                                                                                                                                                                                          قال علي : قال الله تعالى : { إن الله لا يصلح عمل المفسدين } فمن الخطأ تماديه على عمل لا يصلحه الله عز وجل ; لأنه مفسد بلا خلاف منا ومنهم ، فالله تعالى لا يصلح عمله بنص القرآن .

                                                                                                                                                                                          وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحج إنما يجب مرة ; ومن ألزمه التمادي على ذلك الحج الفاسد ، ثم ألزمه حجا آخر فقد ألزمه حجتين ، وهذا خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          والعجب أنهم يدعون أنهم أصحاب قياس بزعمهم ، وهم لا يختلفون في أن من أبطل صلاته أنه لا يتمادى عليها فلم ألزموه التمادي على الحج ؟ وقد خالف أبو حنيفة ابن عباس ، وعمر ، وعليا فيما روي عنهم من التفرق فلا نكرة فيمن خالف ابن عباس في قول قد صح عنه خلافه ، وإنما هم ستة من الصحابة رضي الله عنهم مختلفون كما ذكرنا ، فالواجب الرجوع إلى القرآن ، والسنة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إن دماءكم [ ص: 203 ] وأموالكم عليكم حرام } فلا يجوز أن يوجب هدي بغير قرآن ، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق مجاهد ، وطاوس فيمن وطئ امرأته وهو محرم : أن حجه يصير عمرة وعليه حج قابل وبدنة - فلم يريا عليه التمادي في عمل الحج .

                                                                                                                                                                                          وروينا عن قتادة : أنهما يرجعان إلى حدهما - يعني الميقات - ويهلان بعمرة ، ويتفرقان ، ويهديان هديا هديا .

                                                                                                                                                                                          وعن الحسن فيمن وطئ قبل طواف الإفاضة ؟ قال : عليه حج قابل ولم يذكر هديا أصلا .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : إن وطئ قبل رمي الجمرة يوم النحر فعليه هدي وحج قابل ويتفرقان من حيث جامعها ; فإن وطئ بعد رمي الجمرة فحجه تام وعليه عمرة وهدي بدنة ، فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، فإن لم يجد صام صيام المتمتع ، فكان إيجاب العمرة ، هاهنا عجبا لا يدرى معناه ؟ وكذلك تقسيمه الهدي وتقسيمه وقت الوطء ولا يعرف هذا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                                                                          وقال الشافعي : إن وطئ ما بين أن يحرم إلى أن يرمي جمرة العقبة فسد حجه وعليه بدنة ، فإن لم يجد بدنة فبقرة ، فإن لم يجد بقرة فسبع من الغنم ، فإن لم يجد قومت البدنة بمكة دراهم ، ثم قومت الدراهم طعاما فأطعم كل مسكين مدا ، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما ، فإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة فحجه تام وعليه بدنة - فكان هذا أيضا قولا لا يؤيده قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا يوجد هذا عن أحد من الصحابة أصلا - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية