الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها إذا ( نذر المشي إلى بيت الله تعالى ) مقيدا له بالحرام أو نواه ، ومن ثم كان ذكر بقعة من الحرم كدار أبي جهل أو الصفا كذكر البيت الحرام في جميع ما يأتي فيه ( أو إتيانه ) أو الذهاب إليه مثلا ( فالمذهب وجوب إتيانه بحج أو عمرة ) أو بهما وإن نفى ذلك في نذره ، لأن القربة إنما تتم بإتيانه بنسك ، والنذر محمول على واجب الشرع .

                                                                                                                            والطريق الثاني قولان مبنيان على أن النذر يحمل على واجب الشرع أو على جائزه ، أما إذا ذكر البيت ولم يقيده بذلك ولا نواه فيلغو نذره ، لأن المساجد كلها بيوت له تعالى ، وبحث البلقيني أن من نذر إتيان مسجد البيت الحرام وهو داخل الحرم لا يلزمه شيء لأنه حينئذ بالنسبة له كبقية المساجد وله احتمال آخر ، والأقرب لزوم [ ص: 229 ] النسك هنا أيضا لأن ذكر البيت الحرام أو جزء منه في النذر صار موضوعا شرعا على التزام حج أو عمرة ومن بالحرم يصح نذره لهما فيلزمه هنا أحدهما وإن نذر ذلك وهو في الكعبة أو المسجد حولها ( فإن نذر الإتيان لم يلزمه مشي ) لعدم اقتضائه له فيجوز له الركوب ( وإن ) نذر المشي ) إلى الحرم أو جزء منه ( أو ) نذر ( أن يحج أو أن يعتمر ماشيا ) فالأظهر وجوب المشي ) من المكان الآتي بيانه إلى الفساد أو الفوات أو فراغ التحللين وإن تأخر رمى بعدهما أو فراغ جميع أركان العمرة ، وله ركوب في خلال النسك في حوائجه الخارجة عنه ، وإنما لزمه المشي في ذلك لأنه التزم جعله وصفا للعبادة كما لو نذر أن يصلي قائما ، وكون الركوب أفضل لا ينافي ذلك لأن المشي قربة مقصودة في نفسها وهذا هو المعتبر في صحته ، وأما انتفاء وجود أفضل من الملتزم فغير شرط اتفاقا فاندفع دعوى التنافي بين كون المشي مقصودا وكونه مفضولا ، وإنما وجب بالمشي دم تمتع كعكسه لأنهما جنسان متغايران فلم يجز أحدهما عن الآخر كذهب عن فضة وعكسه ، ويفرق بين هذا ونذر الصلاة قاعدا حيث أجزأه القيام بأن القيام والقعود من أجزاء الصلاة الملتزمة ، فأجزأ الأعلى عن الأدنى لوقوعه تبعا ، والمشي والركوب خارجان عن ماهية الحج وسببان متغايران إليه مقصودان فلم يقم أحدهما مقام الآخر ، وأيضا ، فالقيام قعود وزيادة فوجد المنذور هنا بزيادة ولا كذلك في الركوب والذهاب مثلا ، ولا يشكل على ذلك قولهم لو نذر شاة أجزأه بدلها بدنة لأن الشارع جعل بعض البدنة مجزئا عن الشاة حتى في نحو الدماء الواجبة فإجزاء كلها أولى ، بخلاف الذهب عن الفضة وعكسه فإنه لم يعهد في نحو الزكاة فلم يجز أحدهما عن الآخر ، ولو أفسد نسكه أو فاته لم يلزمه فيه مشي بل في قضائه إذ هو الواقع عن نذره ( فإن كان قال أحج ) أو أعتمر ( ماشيا ) أو عكسه ( ف ) يلزمه المشي ( من حيث يحرم ) من الميقات أو قبله وكذا من حيث عن له فيما إذا جاوزه غير مريد نسكا ثم عن له ( وإن قال أمشي إلى بيت الله تعالى ) بقيده المار ( ف ) يلزمه المشي مع النسك ( من دويرة أهله في الأصح ) لأن قضيته أن يخرج من [ ص: 230 ] بيته ماشيا والثاني من الميقات لأن المقصود الإتيان بالنسك فيمشي من حيث يحرم ( وإذا أوجبنا المشي فركب لعذر أجزأه ) حجه عن نذره لأمره صلى الله عليه وسلم من عجز بالركوب ( وعليه دم في الأظهر ) { لأنه صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر أن تركب وتهدي هديا وحملوه على عجزها } ، والثاني لا دم عليه كما لو نذر الصلاة قائما فصلى قاعدا لعجزه ، وفرق الأول بأن الصلاة لا تجبر بالمال بخلاف الحج والدم شاة مجزئة في الأضحية ، والمراد بالعذر أن تلحقه مشقة ظاهرة كنظيره في العجز عن القيام في الصلاة والعجز عن صوم رمضان بالمرض ، وقيد البلقيني وجوب الدم بما إذا ركب بعد إحرامه مطلقا أو قبله وبعد مجاوزة الميقات مشيا وإلا فلا ، إذ لا خلل في النسك يوجب دما ، واحترز بقوله إذا أوجبنا المشي عما إذا لم نوجبه فلا يجبر تركه بدم ( أو ) ركب ( بلا عذر أجزأه على المشهور ) مع عصيانه لإتيانه بأصل الحج ولم يبق إلا هيئته فصار كما لو ترك الإحرام من الميقات ، والثاني لا يجزئه لأنه لم يأت بما التزمه ( وعليه دم ) على المشهور أيضا كدم التمتع لأنه إذا وجب مع العذر فمع عدمه أولى ، ولو نذر الحفاء لم يلزمه لأنه ليس بقربة ، نعم بحث الإسنوي لزومه فيما يندب فيه كعند دخول مكة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها

                                                                                                                            ( قوله : أو نواه ) أو نوى ما يختص به كالطواف فيما يظهر ا هـ حج ( قوله : وإن نفى ذلك في نذره ) بخلاف من نذر التضحية بشاة معينة على أن لا يفرق لحمها فإن النذر يلغو ، ويفرق بينهما بأن النذر والشرط هنا تضادا في معين واحد من كل وجه لاقتضاء الأول خروجها عن ملكه بمجرد النذر ، والثاني بقاءها .

                                                                                                                            على ملكه بعد النذر بخلافهما ثم فإنهما لم يتواردا على شيء واحد كذلك لأن الإتيان غير النسك فلم تضادد نيته ذات الإتيان بل لازمه والنسك [ ص: 229 ] لشدة تشبثه ولزومه كما يعرف مما مر في بابه لا يتأثر بمثل هذه المضادة لضعفها ا هـ حج ( قوله : أو فراغ التحللين ) ويحصل ذلك برمي جمرة العقبة والحلق والطواف مع السعي إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم ( قوله : وإن تأخر رمى ) أي لأيام التشريق ( قوله : وأيضا فالقيام قعود وزيادة ) لعل وجهه أن القعود جعل النصف الأعلى منتصبا وهو حاصل بالقيام مع زيادة وهي انتصاب الساقين والفخذين معه ( قوله : فوجد المنذور هنا بزيادة ) قال حج : كما صرحوا به ( قوله : لو نذر شاة ) أي غير معينة ( قوله : لأن الشارع جعل بعض البدنة ) وهو السبع ( قوله : أو فاته لم يلزمه فيه مشي ) أي فيما يتمه ( قوله : إذ هو الواقع عن نذره ) أي بخلاف الفاسد فإنه لما لم يقع عن نذره لم يكن المشي فيه منذورا فلا يشكل عدم وجوب المشي فيه بوجوب المضي في فاسده ( قوله : أو عكسه ) أي كأن قال أمشي حاجا أو معتمرا ( قوله : بقيده المار ) هو قوله مقيدا له بالحرام أو نواه إلخ ( قوله : فيلزمه المشي مع النسك ) [ ص: 230 ] أي من الميقات ( قوله وعليه دم ) وينبغي أن يتكرر الدم بتكرر الركوب قياسا على اللبس بأن يتخلل بين الركوبين مشي ( قوله : وتهدي هديا ) أي وكانت نذرت المشي ( قوله : أن تلحقه مشقة ) ظاهره وإن لم تبح التيمم ( قوله : وقيد البلقيني ) أي يعني فيما لو قال أمشي إلى بيت الله الحرام ، أما لو قال أحج ماشيا فلا يأتي فيه القيد ( قوله : مطلقا ) جاوز الميقات أم لا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في نذر النسك إلخ ( قوله : ومن ثم كان ذكر بقعة إلخ ) في التحفة قبل هذا ما نصه أو نوى ما يختص به كالطواف فيما يظهر ومن ثم إلخ ( قوله : أو الذهاب إليه مثلا ) ومثل ذلك ما إذا نذر أن يمس شيئا من بقع الحرم أو أن يضربه بثوبه مثلا كما [ ص: 229 ] صرح به الأذرعي ( قوله لأن المشي قربة مقصودة في نفسها ) لعل المراد أنه مقصود من حيث كونه إتيانا للحرم مثلا ( قوله : وهذا هو المعتبر في صحته ) أي وكونه قربة مقصودة في نفسها هو المعتبر في صحة النذر فالضمير في صحته للنذر ( قوله : وإنما وجب بالمشي ) أي إذا نذر الركوب ( قوله : فلم يجز أحدهما عن الآخر ) أي في الخروج عن عهدة النذر ( قوله : لوقوعه تبعا ) يتأمل مع قوله من إجزاء الصلاة ( قوله : إليه ) متعلق بسببان ( قوله : ولو أفسد نسكه أو فاته لم يلزمه فيه مشي ) ليس مكررا مع قوله فيما مر إلى الفساد أو الفوات بل هذا مفهوم ذاك وأيضا قد ذكره توطئة لما بعده ( قوله مع النسك ) أي مع لزوم النسك فليس المراد أنه يلزمه التلبس بالنسك من دويرة أهله [ ص: 230 ] قوله : حجه ) أي أو عمرته




                                                                                                                            الخدمات العلمية