الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                    صفحة جزء
                    [ ص: 787 ] سياق

                    ما روي من المأثور عن الصحابة وما نقل عن أئمة المسلمين من إقامة حدود الله في القدرية من القتل والنكال والصلب

                    1322 - أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي أخبرنا أحمد بن علي بن العلاء قال ثنا عبد الوهاب الوارق قال أخبرنا يزيد بن هارون قال ثنا يحيى بن سعيد عن أبي الزبير قال : كنا نطوف مع طاوس فمررنا بمعبد الجهني . قال : فقيل لطاوس : هذا معبد الذي يقول بالقدر ؟ قال : فقال له طاوس : أنت المفتري على الله بما لا تعلم ؟ قال : فقال يكذب علي ؟ قال : فدخلنا على ابن عباس . فقال له طاوس : يا ابن عباس الذين يقولون في القدر. فقال : أروني بعضهم . قال : صانع ماذا ؟ قال : أدخل يدي في رأسه ثم أدق عنقه . وقد مضى عنه : أدخل يدي في عينيه فأقلعها ولا نصونه . وهذا كله لا يفعل بالمسلمين وإنما بالكفار .

                    1323 - أخبرنا عبيد الله بن أحمد قال ثنا إبراهيم بن حماد قال [ ص: 788 ] ثنا أبو موسى قال ثنا معاذ بن معاذ قال ثنا محمد بن عمرو قال ثنا الزهري قال : قال عمر بن عبد العزيز : يا غيلان بلغني أنك تتكلم في القدر . فقال : يكذبون علي يا أمير المؤمنين . قال : اقرأ سورة يس . قال : فقرأ عليهم ( يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) .

                    قال غيلان : لا والله لكأني يا أمير المؤمنين لم أقرأها قط إلا اليوم ، أشهد يا أمير المؤمنين أني تائب من قولي بالقدر . فقال عمر : اللهم إن كان صادقا فتب وإن كان كاذبا فاجعله آية للمؤمنين .

                    1324 - أخبرنا عبيد الله قال أخبرنا إبراهيم بن حماد قال ثنا أبو موسى قال نا معاذ بن معاذ قال حدثني صاحب لي قال : مر التيمي بمنزل ابن عون فحدثه بهذا الحديث قال ابن عون : أنا رأيته مصلوبا بدمشق .

                    [ ص: 789 ] 1325 - أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله أخبرنا أحمد بن سليمان ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي قال ثنا مؤمل قال ثنا حماد - يعني ابن سلمة - قال ثنا أبو جعفر الخطمي قال : شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه عنه في القدر . فقال له : ويحك يا غيلان ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال : يكذب علي يا أمير المؤمنين ويقال علي ما لا أقول ؟ قال : ما تقول في العلم ؟ قال : نفذ العلم . قال : أنت مخصوم اذهب الآن فقل ما شئت . يا غيلان إنك إن أقررت بالعلم خصمت وإن جحدته كفرت وإنك إن تقر به فتخصم خير لك من أن تجحد فتكفر . ثم قال له : أتقرأ يس ؟ فقال : نعم . قال : اقرأ . قال : فقرأ ( يس والقرآن الحكيم ) إلى قوله : ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون ) . قال : قف كيف ترى ؟ قال : كأني لم أقرأ هذه الآية يا أمير المؤمنين . قال : زد . فقرأ : ( إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم [ ص: 790 ] مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا ) . فقال له عمر : قل ( سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .

                    قال : كيف ترى ؟ قال : كأني لم أقرأ هذه الآيات قط وإني أعاهد الله ألا أتكلم في شيء مما كنت أتكلم فيه أبدا . قال : اذهب . فلما ولى قال : اللهم إن كان كاذبا بما قال فأذقه حر السلاح . قال : فلم يتكلم زمن عمر فلما كان يزيد بن عبد الملك كان رجل لا يهتم بهذا ولا ينظر فيه . قال : فتكلم غيلان . فلما ولي هشام أرسل إليه فقال له : أليس قد كنت عاهدت الله لعمر لا تتكلم في شيء من هذا أبدا ؟ قال : أقلني فوالله لا أعود . قال : لا أقالني الله إن أقلتك هل تقرأ فاتحة الكتاب ؟ قال : نعم . قال : اقرأ الحمد لله رب العالمين . فقرأ ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين ) .

                    قال : قف .علام استعنته ؟ على أمر بيده لا تستطيعه أو على أمر في يدك - أو بيدك - ؟ [ ص: 791 ] اذهبا فاقطعا يديه ورجليه واضربا عنقه واصلباه . 1326 - أخبرنا الحسن بن عثمان قال ثنا أحمد بن محمد بن زياد قال ثنا عبد الله بن روح قال ثنا شبابة قال ثنا حيان بن عبيد الله التميمي عن أبيه قال : شهدت عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وقد أدخل عليه غيلان . فقال : ويحك يا غيلان أراني أبلغ عنك . ويحك يا غيلان أراني أبلغ عنك . أيا غيلان أحقا ما أبلغ عنك ؟ فسكت . فقال : هات فإنك آمن فإن يك الذي تدعو الناس إليه حقا فأحق من دعا إليه الناس نحن هات فسكت طويلا . فقال عمر : ويحك فإنك آمن ، وأمره أن يجلس فجلس . فتكلم بلسان ذلق فقال : إن الله لا يوصف إلا بالعدل ، ولم يكلف نفسا إلا وسعها ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها ، ولم يكلف المسافر صلاة المقيم ، ولم يكلف الله المريض عمل الصحيح ، ولم يكلف الفقير مثل صدقة الغني ، ولم يكلف الناس إلا ما جعل إليه السبيل وأعطاهم المشيئة فقال : ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) وقال : ( اعملوا ما شئتم ) .

                    فلما فرغ من كلام كثير قال له عمر في آخر كلامه : [ ص: 792 ] يا غيلان ما تقول في قول الله : ( يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) .

                    أنت تزعم يا غيلان - ذكر كلاما كثيرا سقط من الكتاب - . فسكت غيلان لا يجيبه . وجعل عمر يسأله وغيلان يرفع بصره إلى السماء مرة وإلى الأرض مرة وانتفخت أوداجه . فقال : ما يمنعك أن تتكلم وقد جعلت لك الأمان ؟ فقال غيلان : أستغفر الله وأتوب إليه يا أمير المؤمنين ادع الله لي بالمغفرة . فقال : اللهم إن كان عبدك صادقا فوفقه وسدده ، وإن كان كاذبا أعطاني بلسانه ما ليس في قلبه بعد أن أنصفته وجعلت له الأمان فسلط عليه من يمثل به .

                    قال : فصار من أمره بعد أن قطع لسانه وصلب .

                    1327 - أخبرنا أحمد بن عبيد أخبرنا محمد بن الحسين قال ثنا أحمد بن زهير قال ثنا أبو محمد التميمي عن أبي مسهر قال حدثني عون بن حكيم قال ثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب : عن رجاء بن حيوة أنه كتب إلى هشام بن عبد الملك أمير [ ص: 793 ] المؤمنين بلغني أنه دخلك من قبل غيلان وصالح فأقسم بالله لقتلهما أفضل من قتل ألفين من الترك والديلم .

                    1328 - وأخبرنا أحمد أخبرنا محمد قال ثنا أحمد بن زهير قال : حدثني أبو محمد التميمي قال ثنا أبو مسهر قال ثنا عبد الله بن سالم الأشعري - من أهل حمص - قال حدثني إبراهيم بن أبي عبلة قال : كنت عند عبادة بن نسي فأتاه آت فقال إن أمير المؤمنين - يعني هشاما - قد قطع يد غيلان ورجليه وصلبه . قال : ما تقول ؟ قال : قد فعل ؟ قال عبادة : أصاب والله فيه القضية والسنة ولأكتبن إليه فلأحسنن رأيه .

                    1329 - وأخبرنا أحمد ، أخبرنا محمد ، ثنا أحمد بن زهير قال : ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة قال : ثنا الوليد - يعني ابن مسلم - عن المنذر بن نافع قال : سمعت خالد بن اللجلاج ، يقول لغيلان : ويحك يا غيلان ألم يأخذك في شبيبتك ترامي النساء في شهر رمضان بالتفاح ، ثم صرت حارثيا تحجب امرأة وتزعم أنها أم المؤمنين ، ثم تحولت من ذلك فصرت قدريا زنديقا .

                    [ ص: 794 ] 1330 - أخبرنا عبد العزيز بن علي الآزجي قال ثنا أبو بكر محمد بن أحمد الجرجرائي - إجازة - قال ثنا أحمد بن خالد النحوي الكاتب قال ثنا أحمد بن علي بن مهران قال ثنا الوليد بن هشام عن أبيه قال : بلغ هشام بن عبد الملك أن رجلا قد ظهر يقول بالقدر وقد أغوى خلقا كثيرا فبعث إليه هشام فأحضره .

                    فقال : ما هذا الذي بلغني عنك ؟ قال : وما هو ؟ قال : تقول إن الله لم يقدر على خلق الشر ؟ قال : بذلك أقول فأحضر من شئت يحاجني فيه . فإن غلبته بالحجة والبيان علمت أني على الحق وإن هو غلبني بالحجة فاضرب عنقي .

                    قال فبعث هشام إلى الأوزاعي فأحضره لمناظرته. فقال له الأوزاعي : إن شئت سألتك عن واحدة وإن شئت عن ثلاث وإن شئت عن أربع. فقال : سل عما بدا لك . قال الأوزاعي : أخبرني عن الله - عز وجل - هل تعلم أنه قضى علي ما نهى ؟ قال : ليس عندي في هذا شيء . فقلت : يا أمير المؤمنين هذه واحدة . ثم قلت له : أخبرني هل تعلم أن الله حال دون ما أمر ؟ قال : هذه أشد من الأولى. [ ص: 795 ] فقلت : يا أمير المؤمنين هذه اثنتان . ثم قلت له : هل تعلم أن الله أعان على ما حرم ؟ قال : هذه أشد من الأولى والثانية . فقلت : يا أمير المؤمنين هذه ثلاث قد حل بها ضرب عنقه . فأمر به هشام فضربت عنقه . ثم قال للأوزاعي : يا أبا عمرو فسر لنا هذه المسائل. فقال : نعم يا أمير المؤمنين . سألته هل يعلم أن الله قضى علي ما نهى ؟ نهى آدم عن أكل الشجرة ثم قضى عليه فأكلها . وسألته هل يعلم أن الله حال دون ما أمر ؟ أمر إبليس بالسجود لآدم ثم حال بينه وبين السجود . وسألته هل يعلم أن الله أعان على ما حرم ؟ حرم الميتة والدم ثم أعاننا على أكله في وقت الاضطرار إليه ؟ قال هشام : والرابعة ما هي يا أبا عمرو ؟ قال : كنت أقول مشيئتك مع الله أم دون الله ؟ فإن قال مع الله فقد اتخذ الله شريكا ، أو قال دون الله فقد انفرد بالربوبية فأيهما أجابني فقد حل ضرب عنقه بها .

                    قال هشام : حياة الخلق وقوام الدين بالعلماء .

                    1331 - أخبرنا محمد بن رزق الله أخبرنا أحمد بن جعفر [ ص: 796 ] أخبرنا إدريس بن عبد الكريم . أرسل رجل من أهل خراسان بكتاب يسأل أبا ثور . فأجاب : سألتم رحمكم الله عن القدرية من هم فالقدرية من قال إن الله لم يخلق أفاعيل العباد وإن المعاصي لم يقدرها على العباد ولم يخلقها ، فهؤلاء قدرية لا يصلى خلفهم ولا يعاد مريضهم ولا تشهد جنائزهم ، ويستتابون من هذه المقالة فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم . وذلك أن الله خالق كل شيء وقال : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) فمن زعم أن شيئا ليس بمخلوق من أفاعيل العباد كان بذلك ضالا . وذلك يزعم أنه يخلق فعله ، والأشياء على معنيين : إما عرض وإما جسم ، فمن زعم أنه يخلق جسما أو عرضا فقد كفر .

                    1332 - سمعت الحسين الأخباري يقول قرأت في أخبار إبراهيم بن المهدي أنه حدث عن ذبية المدني - وكان استصحبه لما ولي دمشق - أنه كان سبب وروده العراق أن المهدي أشخص من المدينة ثلاثين شيخا ممن تكلم في القدر واشتهر به.

                    [ ص: 797 ] قال : فكنت فيهم فلما مثلنا بين يديه ضربهم بالسياط أجمعين وأخرني . فلما قدمت قال : أراك صبيا ألم يكن بالمدينة من هو أسن منك تتم به العدة ؟ قلت : جماعة يا أمير المؤمنين . فقال : إذن إنما قربت إليهم لأنك تدين بدينهم ، ثم دعا بالسياط . فلما ضربت سوطا فقلت : يا أمير المؤمنين نشدتك الله إلا أدنيتني إليك أكلمك ولك رأيك . فقدمني ، فقلت : أنا رجل من أهل المدينة قطن أبي فيها وهو من وادي القرى وكان تاجرا ذا مال فعلمني القرآن ثم أمرني أن أغدو إلى حلقة ابن أبي ذئب ، وأروح إلى ربيعة الرأي فعن لي شيخ لم أكن رأيته قط . فقال لي : يا بني قد بلغت من العلم وما أراك استبصرت في دينك . فقلت : وما ذاك يا عم ؟ فقال : هل رأيت مقعدا قط ؟ قلت : نعم . قال : فلو رأيت رجلا كلفه صعود نخلة ما كنت تقول ؟ قلت : جاهل . قال : فلو ضربه على قصوره عن صعودها ؟ [ ص: 798 ] قلت : ظالم . فقال : يا بني هذا حكمك على إنسان فكيف بالله سبحانه في عدله ، أتقول إنه يكلف عباده ما ليس في وسعهم ثم يعاقبهم عليه مع قوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ؟ فتعدني يا أمير المؤمنين بالمقعد ؟ قال ذبية : فضحك المهدي أمير المؤمنين ثم أمر فطرح ثيابي علي .

                    فلما لبست أدناني ثم قال : أجبني وأنت آمن لو أنك في سفر فرأيت عليلا في برية فاستطعم رجلا فلم يطعمه وتركه ومضى ما كنت قائلا ؟ قلت : ظالم . قال : فهل علمت أن أحدا من خلق الله كان في برية عليلا عادما للطعام والشراب ؟ قلت : كثيرا . قال : فإن دعا ربه أن ينجيه هل كان الله سبحانه قادرا على أن يطعمه ويسقيه ؟ قلت : اللهم نعم . قال : فهل تقول إن دعا ربه أن يطعمه ويرويه فلم يجب دعاءه ومات أن الله ظلمه ؟ قلت : لا . قال : فكيف تقول لمن أقعدك مثل هذا ؟ قال لأن الأشياء كلها لله تعالى لا عليه والتجوير يجب على من [ ص: 799 ] الأشياء عليه لا له يا ذبية . إن الإيمان إذا سكن القلب قبل الاحتجاج لم يخرجه الاحتجاج ، وإذا سكن الحجاج قبل الإيمان كان متنقلا متى حاجه من هو أحج منه .

                    فقلت : يا أمير المؤمنين قد والله ثلج بحجاجك صدري وأنا تائب . فأمر لي بجائزة وكسوة وخلى سبيلي .

                    1333 - قال الشيخ أبو القاسم الطبري الحافظ - رحمه الله - واستتاب أمير المؤمنين القادر بالله - حرس الله مهجته وأمد بالتوفيق أموره ووفقه من القول والعمل بما يرضي مليكه - فقهاء المعتزلة الحنفية في سنة ثمان وأربع مائة فأظهروا الرجوع وتبرءوا من الاعتزال . ثم نهاهم عن الكلام والتدريس والمناظرة في الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام والسنة ، وأخذ خطوطهم بذلك وأنهم مهما خالفوه حل بهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم .

                    وامتثل يمين الدولة وأمين الملة : أبو القاسم محمود - أعز الله نصرته - أمر أمير المؤمنين القادر بالله واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم ونفيهم ، والأمر باللعن عليهم على منابر المسلمين وإبعاد كل طائفة من أهل البدع وطردهم عن ديارهم.

                    وصار ذلك سنة في الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين في الآفاق. وجرى ذلك على يدي الحاجب أبي الحسن علي بن عبد الصمد - رحمه الله - في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشر وأربعمائة تمم الله ذلك [ ص: 800 ] وثبته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.

                    1334 - أخبرنا عبد الواحد بن محمد الفارسي قال أخبرنا يعقوب قال حدثني جدي محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة قال ثنا سعيد بن داود الزبيري قال : حدثني - والله - عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال : كنا في مجلس محمد بن إسحاق نتعلم فأغفى إغفاءة ، فقال : إني رأيت في المنام الساعة كأن إنسانا دخل المسجد ومعه حبل فوضعه في عنق حمار فأخرجه .

                    فما لبثنا أن دخل المسجد رجل ومعه حبل حتى وضعه في عنق ابن إسحاق فأخرجه فذهب به إلى السلطان فجلده . قال ابن أبي زنبر : من أجل القدر .

                    1335 - وأخبرنا عبد الواحد أخبرنا محمد نا يعقوب قال حدثني سليمان بن الكوفي قال حدثني سليمان بن زياد قال ثني حميد بن حبيب : أنه رأى محمد بن إسحاق مجلودا في القدر ، جلده إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك .

                    1336 - أخبرنا محمد بن الحسين بن يعقوب أخبرنا دعلج بن [ ص: 801 ] أحمد قال ثنا أحمد بن علي الأبار قال : سألت مصعب الزبيري عن ابن أبي ذئب ، وقلت له : حدثونا عن أبي عاصم أنه قال : كان ابن أبي ذئب قدريا . قال : معاذ الله ، إنما كان زمن المهدي أخذوا القدرية وضربوهم ونفوهم فجاء قوم من أهل القدر ، فجلسوا إليه واعتصموا به من الضرب ، فقال قوم : إنما جلسوا إليه لأنه كان يرى القدر فقد حدثني من أثق به أنه ما تكلم فيه قط .

                    1337 - قال عبد الله بن أحمد عن أبيه أحمد بن حنبل أنه قال : كان ثور بن يزيد الكلاعي كان يرى القدر وكان من أهل حمص . أخرجوه ونفوه لأنه كان يرى القدر.

                    قال وبلغني أنه أتى المدينة ، فقيل لمالك : قد قدم ثور ، فقال : لا تأتوه ، فقال : لا يجتمع عند رجل مبتدع في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                    1338 - ذكر بكر بن أحمد الشعراني قال : ثنا أحمد بن محمد بن عيسى البغدادي صاحب " تاريخ حمص " قال : حدثني إسماعيل بن أبان قال : ثنا أبو مسهر قال : ثنا عبد الله بن سالم قال : أدركت أهل حمص وقد أخرجوا ثور بن يزيد وأحرقوا داره لكلامه في القدر .

                    التالي السابق


                    الخدمات العلمية