الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا وأن الله شديد العذاب إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار

                                                                                                                                                                                                "أندادا": أمثالا من الأصنام، وقيل: من الرؤساء الذين كانوا يتبعونهم ويطيعونهم وينزلون على أوامرهم ونواهيهم، واستدل بقوله: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا [البقرة: 166]، ومعنى: "يحبونهم": يعظمونهم ويخضعون لهم تعظيم المحبوب كحب الله : كتعظيم الله والخضوع له، أي: كما يحب الله تعالى، على أنه مصدر من المبني للمفعول، وإنما استغني عن ذكر من يحبه لأنه غير ملبس، وقيل: كحبهم الله، أي: يسوون بينه وبينهم في محبتهم; لأنهم كانوا يقرون بالله ويتقربون إليه (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين).

                                                                                                                                                                                                أشد حبا لله : لأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره، بخلاف المشركين فإنهم يعدلون عن أندادهم إلى الله عند الشدائد فيفزعون إليه، ويخضعون له، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه، فيقولون: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) ويعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره، أو يأكلونه كما أكلت باهلة إلهها من حيس عام المجاعة الذين ظلموا : إشارة إلى متخذي الأنداد، أي: لو يعلم هؤلاء الذين ارتكبوا الظلم العظيم بشركهم أن القدرة كلها لله على كل شيء من العقاب والثواب دون أندادهم - ويعلمون شدة عقابه للظالمين إذا عاينوا العذاب يوم القيامة - لكان منهم ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والحسرة ووقوع العلم بظلمهم وضلالهم، فحذف الجواب كما في قوله: ولو ترى إذ وقفوا [الأنعام: 27]، وقولهم: لو رأيت فلانا والسياط تأخذه.

                                                                                                                                                                                                وقرئ: (ولو ترى) بالتاء على خطاب الرسول أو كل مخاطب، أي: ولو ترى ذلك لرأيت أمرا عظيما، وقرئ: (إذ يرون)، على البناء للمفعول، وإذ في المستقبل كقوله: ونادى أصحاب الجنة [الأعراف: 44].

                                                                                                                                                                                                إذ تبرأ بدل من إذ يرون العذاب أي: تبرأ المتبوعون - وهم الرؤساء - من الأتباع، وقرأ مجاهد الأول على البناء للفاعل، والثاني على البناء [ ص: 355 ] للمفعول، أي تبرأ الأتباع من الرؤساء، ورأوا العذاب : والواو للحال، أي: تبرؤا في حال رؤيتهم العذاب "وتقطعت": عطف على تبرأ، و"الأسباب": الوصل التي كانت بينهم، من الاتفاق على دين واحد، ومن الأنساب، والمحاب، والأتباع، والاستتباع، كقوله: لقد تقطع بينكم [الأنعام: 94] "لو": في معنى التمني، ولذلك أجيب بالفاء الذي يجاب به التمني، كأنه قيل: ليت لنا كرة فنتبرأ منهم "كذلك": مثل ذلك الإراء الفظيع يريهم الله أعمالهم حسرات ، أي ندامات، و(حسرات) ثالث مفاعيل أرى، ومعناه: أن أعمالهم تنقلب حسرات عليهم، فلا يرون إلا حسرات مكان أعمالهم، وما هم بخارجين هم بمنزلته في قوله [من الكامل]:


                                                                                                                                                                                                هم يفرشون اللبد كل طمرة



                                                                                                                                                                                                في دلالته على قوة أمرهم فيما أسند إليهم لا على الاختصاص.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية