الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1126 ) فصل : فأما المخالفون في الفروع كأصحاب أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، فالصلاة خلفهم صحيحة غير مكروهة . نص عليه أحمد ; لأن الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم لم يزل بعضهم يأتم ببعض ، مع اختلافهم في الفروع ، فكان ذلك إجماعا ، ولأن المخالف إما أن يكون مصيبا في اجتهاده ، فله أجران أجر لاجتهاده وأجر لإصابته ، أو مخطئا فله أجر على اجتهاده ، ولا إثم عليه في الخطأ ، لأنه محطوط عنه . فإن علم أنه يترك ركنا أو شرطا يعتقده المأموم دون الإمام ، فظاهر كلام أحمد صحة الائتمام به . قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل صلى بقوم ، وعليه جلود الثعالب ، فقال : إن كان يلبسه وهو يتأول : { أيما إهاب دبغ فقد طهر } . يصلى خلفه .

                                                                                                                                            قيل له ، أفتراه أنت جائزا ؟ قال : لا ، نحن لا نراه جائزا ولكن إذا كان هو يتأول فلا بأس أن يصلى خلفه . ثم قال أبو عبد الله : لو أن رجلا لم ير الوضوء من الدم لم يصل خلفه ؟ ثم قال : نحن نرى الوضوء من الدم ، فلا نصلي خلف سعيد بن المسيب ، ومالك ومن سهل في الدم ؟ أي : بلى . ورأيت لبعض أصحاب الشافعي مسألة مفردة في الرد على من أنكر هذا ، واستدل بأن الصحابة كان يصلي بعضهم خلف بعض مع الاختلاف . ولأن كل مجتهد مصيب ، أو كالمصيب في حط المأثم عنه ، وحصول الثواب ، وصحة الصلاة لنفسه ، فجائز الائتمام به ، كما لو لم يترك شيئا . وذكر القاضي فيه رواية أخرى ، أنه لا يصح ائتمامه به ; لأنه يرتكب ما يعتقده المأموم مفسدا للصلاة ، فلم يصح ائتمامه به ، كما لو خالفه في القبلة حال الاجتهاد فيها .

                                                                                                                                            ( 1127 ) فصل : وإن فعل شيئا من المختلف فيه ، يعتقد تحريمه ، فإن كان يترك ما يعتقده شرطا للصلاة أو واجبا فيها ، فصلاته فاسدة ، وصلاة من يأتم به ، وإن كان المأموم يخالفه في اعتقاد ذلك ; لأنه ترك واجبا في الصلاة ، ففسدت صلاته وصلاة من ائتم به ، كالمجمع عليه . وإن كان يفعل ما يعتقد تحريمه في غير الصلاة ، كالمتزوج بغير ولي ممن يرى فساده ، وشارب يسير النبيذ ممن يعتقد تحريمه ، فهذا إن دام على ذلك ، فهو فاسق ، حكمه حكم سائر الفساق ، فإن لم يدم عليه ، فلا بأس بالصلاة خلفه ; لأنه من الصغائر . ومتى كان الفاعل كذلك عاميا قلد من يعتقد جوازه ، فلا شيء عليه ; لأن فرض العامي سؤال العلماء وتقليدهم ; لقول الله تعالى : { : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية