الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      باب طريق الحكم وصفته ( طريق الحكم وصفته طريق كل شيء ما توصل إليه ) حكما كان أو غيره ( والحكم الفصل ) أي فصل الخصومة وقد لا يكون خصومة كعقد رفع إليه ليحكم به فهو إلزام للعمل به والحكم لغة المنع وسمي القاضي حاكما لأنه يمنع الظالم من ظلمه ( لا تصح دعوى وإنكار إلا من جائز التصرف ) وهو المكلف الرشيد ( وسيأتي ) مفصلا ( وتسمع ) الدعوى ( في كل قليل ) ولو لم تتبعه الهمة ولا ينافي ذلك أن القاضي لا يستعدى فيما لا تتبعه الهمة لما في [ ص: 331 ] الاستعداء من المشقة بسبب ما هو أسهل منها ( أو ) كل ( كثير ) ولو لم تجر عادة المدعي في المعاملة به لاحتمال صدقه ولا ضرر على المدعى عليه لأنه لا بد من بيان المدعي ( وتصح ) الدعوى ( على سفيه فيما يؤاخذ به حال سفهه وبعد فك حجره ) كالقصاص والطلاق والحد ( ويحلف إذا أنكر ) فيما يستحلف فيه .

                                                                                                                      ( ولا تصح دعوى ) في حق الله ( ولا تسمع ) دعوى في حق الله ( ولا يستحلف في حق الله تعالى كعبادة ) من صلاة وغيرها ( وحد ) كزنا وسرقة ( ونذر وكفارة ونحوه ) كيمين الله تعالى ( فلو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو غيره ) من الكفارات ( أو ) أن عليه ( صدقة فالقول قوله ) أي المدعى عليه ( من غير يمين ) لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم .

                                                                                                                      ( ويأتي في ) باب ( اليمين في الدعاوى ) بأوضح من هذا ( وتسمع ) الدعوى ( بوكالة ووصية من غير حضور خصم ) مدعى عليه قاله في الاختيارات في مسألة الوكالة ونقله مهنا عن أحمد ولو كان الخصم في البلد .

                                                                                                                      ( ولا تصح الدعوى المقلوبة ) بأن يترافع اثنان إلى حاكم فقال أحدهما : أدعي على هذا أنه يدعي علي دينارا مثلا فاستخلص له أنه لا حق له قبل فلا يسمع منه ذلك وسميت مقلوبة لأن المدعي فيها يطلب أن يعطى المدعى عليه والمدعي في غيرها يطلب أن يأخذ من المدعى عليه فانقلب فيها القصد المعتاد ، ( وتقبل بينة عتق ولو أنكره ) أي العتق ( عبد ) لأنه حق لله وكذا بينة بطلاق .

                                                                                                                      ( وتصح الشهادة به وبحق الله تعالى كالعبادات والحدود والصدقة والكفارة من غير تقدم دعوى ) بذلك ( فشهادة الشهود به دعوى وكذا ) تقبل الشهادة ( بحق آدمي غير معين كوقف على فقراء أو علماء أو مسجد أو وصية له ) أي للمسجد ( أو رباط وإن لم يطلبه مستحقه ) لأن الحق فيه لم يتعين لواحد بعينه أشبه حق الله تعالى ( وكذا عقوبة كذاب مفتر على الناس والمتكلم فيهم ) بما يوجب تعزيرا ( قاله الشيخ ) وقياسه من يغش الناس .

                                                                                                                      ( وتسمع دعوى حسبة في حق الله تعالى كحد وعدة وردة وعتق واستيلاء وطلاق وظهار ونحو ذلك قاله في الرعاية وغيرها ) هذا مقابل ما سبق من قوله ولا تسمع في حق الله تعالى والأول هو المذهب وعليه الأصحاب ذكره في الإنصاف ( وتقبل شهادة المدعي فيه ) أي في حق الله تعالى لأنه لا يجر إلى نفسه نفعا ولا يدفع عنها ضررا ( ولا تقبل يمين في حق آدمي معين إلا بعد الدعوى وشهادة الشاهد إن كان ) هناك شاهد وقلنا يقضي بالشاهد واليمين ( ولا تسمع معه الشهادة فيه ) أي في حق الآدمي المعين ( قبل الدعوى ) بحقه وتحريرها [ ص: 332 ] ( واختار الشيخ سماع الدعوى والشهادة لحفظ وقف وغيره بالثبوت بلا خصم ) قال في الاختيارات بالثبوت المحض يصح بلا دعوى عليه وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة ( وأجازهما ) أي الدعوى والشهادة ( الحنفية وبعض أصحابنا و ) بعض ( الشافعية في العقود والأقارير وغيرها بخصم مسخر ) بمعنى أنه يظهر النزاع وليس منازعا في الحقيقة .

                                                                                                                      ( وقال الشيخ وأما على أصلنا وأصل مالك فإما أن تمنع الدعوى على غير خصم منازع ) أي فلا تسمع على الخصم المسخر ( فتثبت الحقوق بالشهادة على الشهادة وقاله بعض أصحابنا وإما أن تسمع الدعوى والبينة ويحكم بلا خصم وذكر بعض المالكية و ) بعض ( الشافعية وهو مقتضى كلام ) الإمام ( أحمد وأصحابه في مواضع لأنا نسمعها على غائب وممتنع ونحوه ) كميت ( فمع عدم خصم أولى فإن المشتري مثلا قبض المبيع وسلم الثمن فلا يدعي ولا يدعى عليه والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها من غير وجود مدعى عليه ومن غير مدع على أحد لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل وحاجة الناس خصوصا فيما فيه شبهة أو خلاف لرفعه انتهى ) .

                                                                                                                      قال في التنقيح ( وعمل الناس عليه وهو قوي ) أي في النظر قلت : وإذا حكم على هذا الوجه وإن كان مقابلا لما قدموه لم ينقض حكمه لأنه لم يخالف نصا ولا إجماعا انتهى .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية