الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 161 ] باب

المد والقصر

تقدم الكلام على أن المد على قسمين: طبيعي، وعرضي. وتقدم الكلام على حقيقة الطبيعي، والكلام هنا على العرضي.

اعلم أنه لا يزداد على ما في حروف المد واللين المذكورة من المد إلا بموجب، والموجب إما همز، وإما سكون، وإما تشديد.

أما الهمز فله حالان:

أحدهما: أن يكون هو وحرف المد في كلمة، وهذا المد يسمى متصلا، وذلك نحو: {والسماء بنيناها} [الذاريات: 47]، و {من سوء} [آل عمران: 30]، و {المسيء} [غافر: 58] ونحو ذلك، فالقراء مجمعون على مد هذا القسم، وبينهم فيه تفاوت في إشباعه وتوسطه ودون ذلك، مذكور في كتب القراءات.

[ ص: 162 ] الثاني: أن يكون حرف المد آخر كلمة، والهمز أول كلمة أخرى، نحو {بما أنزل} [البقرة: 4] ، {قالوا آمنا} [البقرة: 14]، {في أنفسهم} [آل عمران: 154] ونحو ذلك. وهذا القسم يسمى منفصلا، وللقراء في مده أربع مراتب، ثم القصر، وهو حذف المد العرضي.

وأما التشديد فعلى قسمين: لازم وعارض.

فمد اللازم واجب بلا خلاف، نحو: {دابة} [البقرة: 164]، و {أتحاجوني} [الأنعام: 80]، {هاتين} [القصص: 27] في مذهب المشدد، ونحوه.

واختلف أهل الأداء في مقدار مد هذا وبابه، فقال قوم: هو دون ما مد للهمز، أي طول مد عاصم لا حمزة، وهذا اختيار أبي الحسن السخاوي. وقال آخرون: هو أطول مما مد للهمز [وهو اختيار مكي وغيره. وقال قوم: هو في قدر ما مد للهمز] ، وهذا اختيار عثمان بن سعيد، وهو ظاهر كلام كثير من مصنفي كتب القراءات. قلت: وهذه الأقوال حسنة، واختياري التفصيل: ففي نحو {أتحاجوني} و {هاتين} مذهب أبي عمرو، وفيما سكونه لازم غير المشدد، نحو (نون)، (ميم)، (سين)، (لام) في فواتح السور، مذهب مكي. وفيما سكونه عارض للوقف، نحو {نستعين} [الفاتحة: 5]، {كارهون} [التوبة: 48] {أنصار} [البقرة: 270] مذهب السخاوي.

[ ص: 163 ] وأما العارض فنحو {قيل لهم} [البقرة: 11]، {يقول ربنا} [البقرة: 200]، {قال ربكم} [غافر: 60] في مذهب المدغم، ففيه المد التوسط والقصر.

فإن قيل: لم لا تجري الثلاثة في: {الم * الله} [آل عمران: 1، 2] مع الإدغام؟ قلت: لأن سكون الميم هنا من هجاء لازم، فوجب إدغامه في مماثله، والسكون في ذلك عارض،

وإدغامه غير واجب، فحمل على سكون الوقف.

القسم الثالث: الساكن، وهو على قسمين: لازم وعارض.

فاللازم: ما كان من فواتح السور على ثلاثة أحرف، أوسطهم حرف مد ولين، نحو (لام)، (ميم)، (كاف)، (صاد)، (قاف)، (نون)، وما أجري مجراه نحو {محياي} [الأنعام: 162] في قراءة المسكن.

والعارض: ما سكن في الوقف، نحو ما مثلنا به قبل. وفيه المد والتوسط والقصر في الوقف لعروضه.

فإن قيل: فهل تجري هذه الثلاثة فيما سكن، وقبله أحد حرفي اللين، نحو {الخوف} [البقرة: 155]، {الليل} [البقرة: 164]؟

فالجواب أنهما حملا على حروف المد واللين في الثلاثة، إلا أن القصر فيهما للفتحة، والمد فيهن للضمة والكسرة. والألف اجتمع فيه المد واللين، خلاف أختيه، لأنهما تارة يكونان حرفي مد ولين، وتارة حرفي لين فقط، على حسب اختلاف الحركات، والألف على حالة واحدة.

[ ص: 164 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية