الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في وقت الجمعة

                                                                                                          503 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا سريج بن النعمان حدثنا فليح بن سليمان عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس حدثنا يحيى بن موسى حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا فليح بن سليمان عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال وفي الباب عن سلمة بن الأكوع وجابر والزبير بن العوام قال أبو عيسى حديث أنس حديث حسن صحيح وهو الذي أجمع عليه أكثر أهل العلم أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس كوقت الظهر وهو قول الشافعي وأحمد وإسحق ورأى بعضهم أن صلاة الجمعة إذا صليت قبل الزوال أنها تجوز أيضا وقال أحمد ومن صلاها قبل الزوال فإنه لم ير عليه إعادة

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا سريج ) بالتصغير ابن نعمان الجوهري أبو الحسن البغدادي ، أصله من خراسان ، ثقة يهم قليلا من كبار العاشرة وعن عثمان بن عبد الرحمن التيمي المدني ، ثقة .

                                                                                                          قوله : ( حين تميل الشمس ) أي إلى المغرب وتزول من استوائها يعني بعد تحقق الزوال ، قال الحافظ في فتح الباري : فيه إشعار بمواظبته -صلى الله عليه وسلم- على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن سلمة بن الأكوع ) أخرجه الأئمة الستة خلا الترمذي بلفظ : كنا نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به . وفي رواية لمسلم كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء .

                                                                                                          ( وجابر ) أخرجه مسلم والنسائي بلفظ : كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم نرجع فنريح نواضحنا ، قال حسن- يعني ابن عياش - : فقلت لجعفر : في أي ساعة تلك؟ قال : بعد زوال الشمس ( والزبير بن العوام ) أخرجه أحمد بلفظ : " كنا نصلي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف فنبتدر في الآجام فما نجد من الظل إلا قدر موضع أقدامنا " قال يزيد بن هارون : الآجام : الآطام .

                                                                                                          قوله : ( حديث أنس حديث حسن صحيح ) ورواه البخاري وأبو داود .

                                                                                                          قوله : ( وهو الذي عليه أكثر أهل العلم أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس ) واستدلوا [ ص: 17 ] بحديث الباب وما في معناه قال النووي : قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم : لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ، ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوزاها قبل الزوال ، وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شيء إلا ما عليه الجمهور ، وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( ورأى بعضهم أن صلاة الجمعة إذا صليت قبل الزوال أنها تجوز أيضا ) أي كما تجوز بعد الزوال ، واستدلوا بأحاديث منها حديث أنس : كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة ، أخرجه البخاري . قال الحافظ : ظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار ، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض ، وقد تقرر أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا ، والمعنى أنهم كانوا يبدءون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر ، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد ، انتهى .

                                                                                                          ومنها حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه- : ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة . رواه الجماعة ، ووجه الاستدلال به أن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال ، وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال : لا يسمى غداء ولا قائلة بعد الزوال ، وأجاب عنه النووي وغيره بأن هذا الحديث وما في معناه محمول على المبالغة في تعجيلها ، وأنهم كانوا يؤجلون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ندبوا إلى التبكير إليها ، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها .

                                                                                                          ومنها أثر عبد الله بن سيدان قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ، وشهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول : قد انتصف النهار . وأجاب عنه الحافظ ابن حجر وغيره بأن عبد الله بن سيدان غير معروف العدالة . قال ابن عدي : شبه المجهول . وقال البخاري : لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه ، فروى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس . إسناده قوي ، واستدل بعضهم بقوله -صلى الله عليه وسلم- : إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين قال : فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى ، وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد ، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو [ ص: 18 ] بعده بخلاف يوم الجمعة .

                                                                                                          والظاهر المعول عليه هو ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ، وأما ما ذهب إليه بعضهم من أنها تجوز قبل الزوال فليس فيه حديث صحيح صريح ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية